الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أرخ سعادته بعد ذلك الجانب السياسي لهذه الحركة، فبين كيف أفادت من اتساع حكم السعوديين وازدياد نفوذهم في شبه الجزيرة العربية، حتى دخلت مكة والمدينة مع الفتح السعودي للحجاز، وبذلك تهيأت لها الفرصة في موسم الحج لشرح أسسها ونشر تعاليمها.
فانتشرت الدعوة عن طريق هذه اللقاءات التي كانت تتم بمكة والمدينة في موسم الحج، حتى وصلت إلى الهند وأندونيسيا شرقاً، وإلى السودان والشمال الأفريقي غرباً.
ثم تحدث عن اتساع نفوذ السعوديين خارج شبة الجزيرة العربية حتى وصل عمان وزبيد في جنوبي اليمن، ووصل إلى قلب العراق وضواحي دمشق، مما أزعج الخليفة التركي في الإستانة، وأثار مخاوفه، فكلف واليه مصر "محمد علي باشا" بحرب السعوديين وردهم إلى مقر ولايتهم الأول.
ثم يقول سعادته: "ولكن ما لبث النفوذ السعودي أن عاد بالتدريج إلى قوته، وإلى سيطرته نهائياً على نجد والحجاز على نحو الوضع القائم الآن منذ سنة 1925م1".
1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره، ص 79.
الحركة الوهابية تدعو إلى توكيد التوحيد:
ثم يبدأ الحديث عن الوهابية، كحركة دينية إصلاحية، فيرجع أسس الدعوة الوهابية على ثلاثة أنواع:
الأول: فيما يتصل بالأصول وهي العقيدة.
وهنا يقول: "فإنها تدعو إلى توكيد التوحيد ونفي الشرك، بحيث تقصر العبادة على الله وحده".
وهذا كلام جميل وتصور صادق مجمل، لهدف الدعوة في هذه الناحية من التوحيد، أعني توحيد الإلهية الذي يقوم على إخلاص الدين لله، والتوجه إليه وحده بجميع أنواع العبادات، ولها كان هدف الدعوة الأول هو القضاء على كل ما ينافي هذا التوحيد من مظاهر الشرك والوثنية التي كانت قد استشرت في العالم الإسلامي كله، واتخذت صوراً متعددة، كعبادة الموتى، والاستعانة بأصحاب الأضرحة، وتقديم النذور والقرابين لهم، والتبرك بالأحجار والأشجار والمغارات، والاعتقاد في السحر والتنجيم والعرافة وأنواع الشعوذة. فجدت الدعوة في القضاء على ذلك كله، بإزالة ما كان الناس يفتتنون به من القبور والحجارة، ثم ببيان حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وبيان الأمور المنافية له.
وكان كتاب "التوحيد" الذي ألفه مؤسس الحركة رحمه الله، يُعتبر في ذلك الوقت دستوراً لدعاة الحركة يعلمونه الناس ويشرحون لهم فصوله ومسائله.
ثم يعقب الدكتور على ما تقدم بقوله: "ويفهم من معنى القداسة والعبادة كل معنى يقوم على الاحترام ولو كان بحكم الإلف والعادة"1.
1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره، ص 81.
يعني بذلك سعادته أن الوهابيين قد اشتطوا في تحديد مفهوم العبادة، فأدخلوا فيه ما كان من الاحترام والتقديس قائماً على الإلف والعادة.
لم نسمع قبل اليوم أن الإلف والعادة يجعلان عبادة غير الله مشروعة وسائغة، فإن كان الناس قد ألفوا أن يقيموا القباب على أضرحة الموتى، وأن يستغيثوا بهم في الملمات ويدعوهم لقضاء الحاجات، ويتملقونهم بالنذور والقربانات، وأن يقفوا أمام مقاصيرهم خاشعين، وينادوا متوسلين متذللين، فذلك شيء لا ضير فيه ولا ينافي توحيد العبادة - في نظر دكتورنا- لأنه من قبل الإلف والعادة.
ولو صح منطق الدكتور في الإغضاء عن كل ما يفعل بطريق الإلف والعادة، لما كان هناك داع لإرسال الرسل، فإن أممهم إنما كانت تفعل ما تفعل من ألوان الشرك والمعاصي على سبيل الإلف والعادة، وكذلك المشركون من العرب الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقاتلتهم، ونزل القرآن بذمهم، وتوعدهم بالنار المؤبدة، ما كانوا يزاولون أعمالهم الشركية، من تقديم النذور ونحر الذبائح ومن الطواف والدعاء، إلا على جهة الإلف والعادة، ولهذا حكى القرآن عنهم أنهم كانوا إذا نهوا قالوا:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} . "الزخرف: 23".