الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حركة امتازت بالإحياء والتجديد:
ثم يقول الدكتور: "وهي تعتبر قنطرة لآراء ابن تيمية مرت عليها إلى الأجيال القادمة، وتعضيد السلطة الرسمية السعودية أعطاها قوة البقاء والاستمرار"1.
ونحن لا نوافق على أن الحركة الوهابية كانت مجرد قنطرة عبرت عليها آراء شيخ الإسلام إلى الأجيال القادمة، بل إن هذه الآراء تعتبر جزءاً أساسياً من الجانب النظري لتلك الحركة بحيث لا يمكن الفصل بينهما أو اعتبار أحدهما أجنبياً عن الآخر.
وأما قوله إن تعضيد السلطة الرسمية السعودية هو الذي أعطى الحركة قوة البقاء والاستمرار فذلك حق لا ريب فيه.
فإن البيت السعودي المالك - حرسه الله - قد وفى بما عاهد عليه مؤسس الحركة، من حمايتها والدفاع عنها ضد أعدائها الكثيرين من المعطلة والقبوريين والصوفية.
ولكن يجب أن يضاف إلى ذلك القوة الذاتية للحركة نفسها ثم جهور آل الشيخ - حفظهم الله - وعلماء الدعوة في توضيحها والدفاع عنها.
ثم يقول الدكتور: "ولهذا تعتبر الحركة الوهابية بعده الحركة الإسلامية التي حوت بذور النقد بصفة عامة وقدمتها إلى الحركات الإسلامية الأخرى في القرن التاسع عشر والعشرين، ومن أجل ذلك تعتبر تمهيداً لهذه الحركات، كما تعتبر نوعاً من "التقدمية" بالقياس
1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 85.
إلى عصور التبعية المطلقة، لأن طابع النقد صاحبها وإن لم تسر فيه بخطوات واضحة".
وهنا أيضاً تبدو على كلام الدكتور مسحة من الإنصاف للحركة وتقدير الدور العظيم الذي قامت وتقوم به في إيقاظ الوعي الإسلامي وتصحيح المفاهيم الإسلامية المحرفة، بحيث تعبر أساساً لما قام بعدها من حركات تقدمية.
كما اعترف الدكتور بأنها حركة امتازت لإحياء والتجديد والتجديد، وقامت على أساس من النقد البرئ ولكنا مع ذلك لا نوافقه على أن الحركة حوت بذور النقد لتقدمها إلى الحركات الإسلامية الأخرى فقط، فإن معنى ذلك أنها كانت مجرد ناقل أو وسيط دون أن تقوم هي بإحياء حركة النقد وإنمائها.
والواقع أن هذه الناحية كانت من أهم ما عنيت به الحركة نظراً لكثرة المعارضين لها.
نعم يمكن القول بأن أسلوب النقد فيها لم يبلغ درجة النقد عند ابن تيمية من حيث الدقة والعمق، وذلك لأنها نشأت في جوب تقل فيه العناية بالدراسات النقدية وأسلوب المناظرات1.
1 هذا الكلام فيه نظر، والمتأمل في ردود علماء الدعوة الإصلاحية على مخالفيها، يرى أن هناك مشاركة قوية من حيث الدقة والعمق، ومن نظر مثلاً في ردود الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة 1294هـ، يجد فيها شبهاً كبيراً في درجة النقد عند ابن تيمية من ناحية التأصيل وسعة الأفق، والعمق العلمي، والإحاطة بالمذاهب الإسلامية.
في هذا الكلام خطآن:
ثم يقول سعادته: "ومن المعروف أن ابن تيمية في هجومه على الشيعة كان يقصد فرقة الغلاة منهم التي سماها الرافضة، وكان يوجه نقده على الأخص لجماعة الباطنيين أو التعليميين منهم مع ذلك لما ورثت الحركة الوهابية اتجاه ابن تيمية وسعت شقة الخلاف بين السنة والشيعة عامة، وغالت في تصوير الشيعة على الإطلاق، وأصبحت الفجوة كبيرة في النزاع المذهبي بين السنة والشيعة منذ القرن الثامن عشر الميلادي، بل أصبحت أشد من ذي قبل، وكانت زيادة الفجوة على هذا النحو أثراً سلبياً للدعوة الوهابية"1.
وفي هذا الكلام خطآن: خطأ على ابن تيمية رحمه الله، وخطأ على الحركة الوهابية.
أما الخطأ على ابن تيمية ففي ادعاء أنه لم يقصد في هجومه على الشيعة إلا فرقة الغلاة منهم وهم الروافض لاسيما جماعة الباطنية أو التعليمية.
فإن ابن تيمية رحمه الله لا يقر التشيع في أي صورة من صوره، غالياً كان أو معتدلاً، ويعتبره انحرافاً عن جادة الحق، واتباعاً لغير سبيل المؤمنين.
لاسيما والشيعة كلهم يشتركون في مبادئ عامة بعيدة عن روح الإسلام، كالقول بالرجعة والتقية وعصمة الأئمة وسب الصحابة ونحو ذلك.
1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 86.
أما الخطأ على الحركة الوهابية ففي ادعاء أنها وسعت شقة الخلاف بين السنة والشيعة وغالت في تصوير الشيعة عامة دون تفريق بين غلاة ومعتدلين.
فنحن لا نعرف للحركة الوهابية موقفاً خاصاً من الشيعة غير موقف أهل السنة كلهم، اللهم إلا أن يكون ذلك الموقف الخاص بالحركة هو محاربتها لغلو الشيعة في آل البيت، ورفعها إياهم عن مستوى البشر.
نعم إن الحركة الوهابية لم تتورط مع الشيعة في تقارب مزعوم كما تورطت "جماعة التقريب" في مصر -ولعل سعادة الدكتور كان عضواً فيها- لأنها لا تجد وجهاً للتقارب مع الاختلاف الجذري في الأسس والمبادئ.
على أن الواقع نفسه يشهد بخطإ الدكتور فإن هناك مناطق كبيرة من المملكة العربية السعودية في الأحساء والقطيف وغيرهما أغلبية سكانها من الشيعة، وهم يلقون من حكومة جلالة الفيصل -حفظه الله- نفس العناية التي يلقاها سائر المواطنين في نواحي التعليم والصحة والزراعة والمواصلات، بلا فارق أصلاً1.
وكما أن علاقة المملكة بالدول التي توجد فيها أغلبية شيعية كإيران وباكستان ولبنان علاقة طيبة ووطيدة.
1 ومن أتى بعد الملك فيصل رحمه الله تعالى، الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، حتى عهدنا الحاضر في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله. والشيعة يلقون نفس العناية التي يلقاها سائر المواطنين في نواحي التعليم والصحة والزراعة والمواصلات، بلا فارق أو تفريق.