الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن رأى هذا الشعب من عشرين عاماً فقط، ثم رآه الآن، فإنه لا يكاد يصدق عينيه حين يرى تلك الجهود الضخمة التي تبذل في جميع المجالات العلمية والإعلامية والصحية والاجتماعية، وحين يرى شباباً متفتحاً على الحياة يسير بخطى واسعة في طريق التقدم والبناء.
وبالجملة فهي نهضة شاملة تحارب التخلف في كل صوره ومظاهره، وتقفز إلى الأمام ولكن في تؤدة وثبات، وبحيث يمكن القول إنها أوضح عنوان لحكم حديث قام على أسس إسلامية.
ومن العجب أن يصدر هذا الكلام منذ سنتين فقط، أي في عنفوان النهضة التي تشهدها المملكة السعودية الآن في ظل حكم الفيصل العظيم1.
فأين يعيش دكتورنا الكبير حتى لم يسمع بما سمع به القاصي والداني لا في البلاد العربية والإسلامية وحدها، بل في الدول الغربية كلها من أوربية وأمريكية.
1 وقد توفي رحمه الله تعالى سنة 1395، وما زالت حركة النهضة والتقدم في عنفوانها، وذلك بفضل الله عز وجل ورحمته ثم بتمسك ولاة أمر هذه البلاد بالإسلام الصافي النقي، والسير على منهاج محمد صلى الله عليه وسلم، والأخذ بكل ما يفيد حضارة هذه البلاد وازدهارها.
حركة جاءت للتصحيح:
ثم يقول سعادته: "إن الحركة الوهابية تشددت فيما وسع الخلاف بينها وبين الشعوب الإسلامية الأخرى، وبالأخص بينها وبين الجماهير في هذه الشعوب1.
1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص87.
وهكذا يرجع الدكتور مرة أخرى إلى تلك النغمة الكريهة فيرمي الحركة بالتشدد فيما وسع الخلاف بينها وبين الشعوب الإسلامية الأخرى.
فهل معنى هذا أن الحركة كان يجب عليها أن تسكت على البدع والمنكرات تضييقاً لشقة الخلاف وإرضاءً للجماهير الإسلامية؟ وحينئذٍ ما تكون مهمتها وما معنى كونها حركة؟
وكيف يراد من حركة قامت للتصحيح والتقويم، أن تتغاضى عما تراه من انحرافات تجنباً للخلاف؟
إن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] وكذلك الجماهير لا ترضى إلا عمن يجاريها على أهوائها ويحبذ لها مألوفاتها.
وهذا يشبه قول بعض المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك قد جئت بأمر خالفت به قومك وفرقت به جماعتهم".
أفكان يترك عليه السلام الدعوة إلى الحق والهدى حتى لا يخالف قومه ولا يفرق جماعتهم؟
والعجب أن يصدر مثل هذا الكلام من دكتور فيلسوف يعلم أن الدعوات لا بد أن تثار في وجها الخصومات، ولا بد أن تقابل من أعدائها بكثير من السخط والاستياء، ولكن هذا لا يصلح مبرراً أبداً لترك الدعوة أو التهاون فيها إبقاءً على رضى الناس.
إن الحركة الوهابية تشددت في تنفيذ ما يجب تنفيذه، رضي الناس أم سخطوا، وهي لم توسع شقة الخلاف بينها وبين الشعوب الإسلامية حباً منها للخلاف.
ولكن الخلاف كان أمراً ضرورياً بين حركة جاءت للتصحيح وإزالة البدع والمنكرات، وبين شعوب جمدت على ما هي عليه من ضلالات وانحرافات.
ثم ما معنى قول الدكتور: "وبالأخص بينها وبين الجماهير".
ومتى كان للجماهير وعواطفها الهوجاء رأي يجب أن يعتد به في ميزان الحق، ويترك من أجله ما أوجبه الدين وصرّحت به النصوص؟