الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكبر عملية بناء في هذا العصر:
ثم يقول سعادته: "إن التآخي بين تعاليم المذهب الوهابي والسلطة الزمنية في المملكة العربية السعودية طبقاً للعهد الذي وقع بين الشيخ والأمير سنة 1157هـ كان يحتم إبعاد الثنائية في التعليم في هذه المملكة وتوزيعه بين ديني ومدني"1.
والواقع الذي خفي على الدكتور أنه لم يكن هناك ثنائية في التعليم، بل تعليم نظامي، منذ وقع العهد بين الشيخ والأمير - رحمهما الله - إلى أن أنشئت أول مديرية للتعليم سنة 1344هـ، أي بعد نحو سبعين ومائة سنة من توقيع العهد المذكور.
وكان التعليم كله في تلك الحقبة دينياً يتلقاه الطلبة على الشيوخ في المساجد على غرار ما كان موجوداً في مصر بالنسبة للأزهر وبعض المساجد الكبرى، ثم أنشأت مديرية المعارف بعض المعاهد النظامية في مكة والرياض وبعض المدن الكبرى في نجد والقصيم مثل عنيزة وبريدة والمجمعة وشقراء.
وكانت تستجلب لها الأساتذة من الأزهر أيام أن كان سعادة الدكتور مديراً للبحوث، وظلت الحال على ذلك إلى أن أنشئت وزارة المعارف سنة 1373هـ.
ولم يكن هناك وقتئذٍ مدرستين ثانويتين إحداهما بجدة والأخرى بمكة، فاضطرت الوزارة لكي تلحق بركب الدول المتحضرة أن تجد
1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص89.
في إنشاء المدارس وإدخال العلوم الحديثة على مناهجها إلى جانب المواد الشرعية والعربية.
ومع ذلك احتفظت بالمعاهد التي كانت قد أنشأتها مديرية التعليم لكي تمد الكليات بحاجتها من الطلبة.
وكان سير الوزارة في هذه السبيل ركضاً شديداً بل قفزاً، حتى استطاعت في مدى عشرين سنة فقط أن تنشئ ألفي مدرسة في مراحل التعليم المختلفة، أي بواقع مائة مدرسة كل سنة.
وبذلك لحقت المملكة بكل من سبقها بل تفوقت على الكثير ممن سبقوها، وأصبح فيها الآن نهضة علمية تعتبر معجزة إذا نظر إلى العوائق الكثيرة التي كانت قائمة والتي من أهمها اتساع رقعة المملكة وتباعد مدنها وقراها بمسافات شاسعة.
ومع ذلك تحققت بفضل الله ثم بهمم العاملين في حقل التعليم وعلى رأسهم الوزير العالم الأديب والدءوب الطموح معالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ أمده الله بعونه1، أقول تحققت أكبر عملية بناء علمي في هذا العصر، وعمت المدارس كل قرى المملكة من أقصاها إلى أقصاها، وأصبحت فرصة التعليم متاحة لكل المواطنين.
1 هو حسن بن عبد الله آل الشيخ، ولد في المدينة النبوية، وتخرج من كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1373هـ وشغل عدداً من المناصب الحكومية، منها وزارة المعارف، ثم أصبح وزيراً للتعليم العالي منذ إنشائها، وبقي فيها وزيراً حتى وفاته رحمه الله تعالى عام 1407هـ. انظر مشكوراً تتمة الأعلام للزركلي لمحمد خير رمضان يوسف:"1/133".
والآن لا يوجد إلا تعليم ابتدائي واحد تدرس فيه كل المواد الدينية من عقيدة وفقه وغيرهما، ولا يوجد كذلك إلا مرحلة متوسطة واحدة.
وأما المرحلة الثانوية فرغم انقسامها إلى معاهد ومدارس فهي متقاربة المناهج، لاسيما بعدما أدخلت العلوم الحديثة على المعاهد.
وعلى كل حال فإن هذه الثنائية التي يزعمها الدكتور لو وجدت فرضاً لم تكن على حساب الدين أبداً، ولم يكن الغرض منها أن يكون للسلطة الرسمية فريق من الطلبة وللوهابية فريق، كما كان يحصل في البلاد منيت بالاستعمال.
ولكن كان لذلك ظروف وأسباب اقتضت هذا الوضع مع ولاء الكل للحركة الوهابية وللبيت السعودي، فلا فرقة ولا ازدواج.
ثم يقول سعادته: "وهناك انفصالية أخرى في دائرة التعليم النظري نفسه بين هذه التعاليم والثقافة الإنسانية".
وهذه الانفصالية أيضاً من بنات خيال الدكتور.
فإن الثقافة الإنسانية بكل فروعها من تربية وعلم نفس وجغرافيا وتاريخ وغيرها، تدرس الآن بالمدارس والمعاهد والكليات السعودية. ويوجد بمكة المكرمة كلية خاصة للتربية تابعة لجامعة الملك عبد العزيز1.
1 كلام الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى هذا عام 1392هـ سنة الرد على الدكتور محمد رحمه الله تعالى، والأمر كما قلت سابقاً، أنه يوجد في المملكة العربية السعودية ثلاثة عشر جامعة، وكل جامعة تتضمن عشرات الكليات بمختلف التخصصات الشرعية والعلمية والمعرفية.
بل إنه ليوجد الآن في السعودية من الأساتذة المتخصصين في كل فروع الثقافة الإنسانية ما لا يكاد يوجد في أي بلد إسلامي آخر.
والمملكة - حرسها الله ووقاها شر الحاقدين - لا تبخل في هذه السبيل بشيء من المال، بل تنفق بسخاء في استقدام أقوى الأساتذة وأكفأ المدرسين.
كما أنه يوجد عشرات بل مئات من أبناء المملكة في جامعات أوربا وأمريكا يحضرون للدكتوراه في كل فروع المعرفة، فضلاً على من تخرج منهم واشتغل بالتدريس أو الإدارة في جامعاتها وهم يعدون بالعشرات أيضاً.
ولن يمر وقت طويل حتى تسد المملكة حاجتها من ذوي الرتب الجامعية العالية وتصدر لغيرها من شقيقاتها العربية والإسلامية1.
1 بل إنها صدرت ولله الحمد والمنة عشرات الأساتذة الزائرين، لبعض الجامعات الأمريكية والأوروبية دكاترة معلمين.