الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكوادر الدعوية:
الكوادر الدعوية ينبغى أن تُصطفى اصطفاء يقوم على الصحة الجسمية والنفسية، والعقلية، والخلقية، والاجتماعية، والعلمية، وفقْد واحدة من هذه الست يؤدي إلى تعويق في أداء الدعوة. فكلها يكمل بعضها بعضا، وتمثل شخصية الداعية السوي، وهؤلاء الدعاة يسيرون على خطا الأنبياء في هدايتهم لأقوامهم، والرسل والأنبياء اختيروا اختيارًا للقيام بواجب الرسالة.
يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1، والذين أورثوا الكتاب اصطفاهم الله من عباده؛ قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} 2، وعلى مدار التاريخ لم يبزر في مجال الدعوة إلا أصحاب المواهب العالية والإقبال الكبير على الله، وأصحاب الغيرة والنخوة. هؤلاء الذين تتجمع في تربيتهم وتكوينهم عوامل الأسرة بموروثها الديني، وحسها التربوي العالى، والجو الثقافي المحيط، والأساتذة بما يزرعونه من غيرة في الحفاظ على الدين.
التربية الخلقية:
ويأتى على رأس تربية الكوادر الدعوية: التربية الخلقية؛ لأن الدين نور يستضيء به رجل، فيشرق في قلبه، ويرى الناس هذا النور في قوله وعمله، فينجذبون إليه. قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا
1 سورة آل عمران: الآيتان 33، 34.
2 سورة فاطر: الآية 32.
مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1.
وقد وصف الله لنا سيد الدعاة محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 2، ووصفته السيدة عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت:"كان خلقه القرآن".
يقول ابن كثير: "ومعنى هذا: أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له، وخلقا تطبعه، وترك طبعه الجبليّ، فمهما أمَرَه القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم: من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل، كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لى: أفّ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته، وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم3.
هذا هو المثل الأعلى لمن يريد أن يكون داعية، إنه يجب أن يسكن رسولنا الكريم ضمائرنا ونتبعه في عملنا وتفكيرنا، وإلا عدَّ من لم يكن هكذا مدعيا لا داعية، إن علو الكعب في الخلق، والطهر القلبى والنفسي، ورقة الذوق في الكلمة والنظرة وخفض الصوت وإشراق الوجه بالابتسامة لغة
1 سورة المائدة: الآيتان 15، 16.
2 سورة القلم: الآية 4.
3 اللؤلؤ والمرجان، حديث رقم 1491-1492.
عالمية تفتح بها الصدور المغلقة، والنفوس الحرجة، ويستل بها من القلوب سخائمها؛ ذلك "لأن الخلق الزاكى لغة إنسانية عالمية تعجب وتقنع، وبهذه اللغة تفاهم الصحابة والتابعون مع الشعوب التى عرفوها، فدخل الناس في دين الله أفواجا، أي إن القدوة ليست دورا تمثيليا يؤدي إلى الخداع، واجتذاب المشاهدين، كلا. كلا. فحبل الكذب قصير. والقدوة الحسنة -فردية أو جماعية- تفرض احترام العقيدة والحفاوة بها. وهذه القدوة هي الحلاوة في الثمرة الناضجة، أو الرائحة الزكية في الزهرة العطرة، وهي نضج الكمال الذاتى الحق، وقد شاء الله أن يؤتى السلف الصالح أنصبة جزلة من هذا الحسن الذاتى: ففتحت لهم المدن العظام أبوابها، وألقت إليهم الجماهير بقيادها، وعالمية الإسلام تفرض على أتباعه أن يقدموا من سلوكهم الخاص والعام نماذج جديرة بالإكبار، أو على الأقل هي جديرة بدفع الناس للسؤال عن حقيقة الإسلام لمن لم يعرفوا هذه الحقيقة، وما أكثرهم في أرض الله1.
التثقيف إجمالا:
يجب على كل سالكي طريق الدعوة أن يتثقفوا عن طريق قراءة المتون المحيطة بمواد الشريعة الإسلامية، كما عليهم أن يتزودوا بالكتب النافعة حول الدعوة وأصولها والتفسير والحديث. وفي العلوم اللغوية يزودون ببعض كتب النحو والصرف والبلاغة والأدب وإعجاز القرآن.
1 تفسير ابن كثير، جـ8 ص 215، ط الشعب.