الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التنسيق:
هو تنظيم أجزاء الخطبة، وإحكام تركيبها، وربط بعضها ببعض، ووضع أدلتها في شكل منتج؛ فالتنسيق هو بناء الخطبة، ونظام عقدها، وللخطبة ثلاث مراحل:
1-
المقدمة.
2-
الإثبات.
3-
الخاتمة.
أولا: المقدمة
هي ما يجعلها الخطيب صدر خطبته؛ ليثير الفكر إليها، وليعطى السامعين صورة إجمالية لها، وليحصر لهم معانيه وأفكاره في نطاق لا يعدوه، ولا يتجاوزه وتشتمل المقدمة على ما يأتى:-
أ- حسن الافتتاح:
بالحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ. كما يجب أن يعنى الخطيب بافتتاح خطبته حتى يهيئ الأسماع لتتقبله بقبول حسن، ويشترط أن تحتوي المقدمة على حمد الله والثناء عليه وتوحيده وتنزيهه، وكذا ذكر الشهادتين؛ وللخطباء مذاهب شتى في افتتاحهم، وسنذكر بعضها على سبيل المثال، لا الحصر:
1-
فمن الخطباء من يفتتح خطبته بما يشير إلى موضوعها، ويلوح بالقصد منها.
2-
ومن الخطباء من يبتدئ خطبته بحكمة أو مثل سائر، أو بعض أقوال المتقدمين، أو آية قرآنية، أو حديث شريف يناسب المقام، ويكون حجة في الاستدلال، كخطيب يبتدئ خطبته في تعاون الجماعة في إصلاح حالها، وتقويم الفاسد من أمرها بتلاوة قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
3-
ومن الخطباء من يفتتح خطبته بإحياء آراء قديمة للجماعة، يبنى عليها ما يدعوهم إليه من جديد، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أنذر عشيرته الأقربين؛ إذ سألهم عن صدق صدقه حديثه فقال صلى الله عليه وسلم:"أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيَّ؟ فقالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبا"، فألقى عليه الصلاة والسلام خطبته.
4-
يستحسن أن تبدأ الخطبة بحمد الله، وببعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة التى تناسب المقام الديني الذي يتكلم فيه، ويجب أن يكون الافتتاح قصيرا موجزا، موافقا للموضوع.
ب- المقصد:
أن يذكر الخطيب في صدر كلامه الموضوع الذي سيتناوله إجمالا، من غير تفصيل؛ ليهيئ الأذهان لتلقيه، ولا بد عند ذكر المقصد من ملاحظة ثلاثة أمور:
أحدها: أن يذكره في قضية عامة، لا يبنيها على مقدمات، فإذا كان يريد أن يخطب جمعا يحثهم على إحياء القرآن الكريم بحفظه والعمل به، يقول مثلا: في القرآن نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهكذا نرى الموضوع قد ذكر في قضية عامة.
وثانيها: أن يكون واضحا في الدلالة على الموضوع.
وثالثها: أن يلقَى في جملة تثير خيال النفس، وتهزها، فتنشط إلى سماع ما يقال، وتهتز أوتار القلب بكل ما يجيء به الخطيب من معانٍ وعبارات جيدة محكمة.
جـ- تقسيم الخطاب:
إذا كانت الخطبة واسعة الأطراف، مترامية النواحى، كثيرة الشعب، كان عمل الخطيب أن يجمع أشتاتها، ويضبط أجزاءها، ويقسمها تقسيما جامعا لأطرافها وحواشيها.
ثانيا: الإثبات
هو موضوع الخطبة وغرضها، وهو الذي يستغرق معظم وقتها، وأفكارها، فينبغي على الخطيب مراعاة ما يلي:-
أ- أن تكون الأفكار منظمة، ومسلسلة، ومترابطة ووافية.
ب- أن يحسن الاستشهاد على كل فكرة في موضعها.
جـ- أن يتجنب الاستطراد الذي يخرجه عن الموضوع إلى موضوع آخر فآخر.
د- أن يحرص على ربط الموضوع بالواقع ودنيا الناس وآثاره في الحياة التي نعيشها.
ثالثا: الخاتمة
وهى آخر ما يلقى في ذهن المستمع، وآخر ما يتعلق بباله، وللخواتيم أهميتها العظمى في تحقيق أهداف الخطبة لذلك ينبغي على الخطيب أن يراعي ما يلي:-
1-
أن تتضمن تلخيصا للموضوع يكون جامعا مركزا يجمع أطرافه التى استغرقت معظم الوقت ليضعها أمام المستمع في كلمات مختصرة.
2-
أن تشتمل على النتائج التى يريد الخطيب استخلاصها والتوصل إليها.
3-
أن تشتمل على توصيات، ودعوة للعمل، والسير نحو خطوة جديدة إلى الأمام.
4-
الدعاء يستحب أن يكون مرتبطا بموضوع الخطبة ومعانيها.
التعبير:
1-
يجب على الخطيب أن يعطي المعنى حقه واللفظ حقه، وأن يعتني بهما، وعليه أن يعرف أن تحسين اللفظ يجب أن يكون بجوار إحكام المعنى، وأنه لا غنى له عن المعنى المحكم؛ لأنه عمود الكلام والمقصد الاسمى، ولا عن اللفظ؛ لأنه بهاء القول وزينته، وعليه ألا يتكلف في اختيار اللفظ بل يجب أن يكون كلامه منسجما، متآخي النبرات، لا تنبو ألفاظه، ولا تتجافى عباراته، ولا يلجا في أسلوبه إلى العامية.
2-
إن لكلمات الخطيب أثرا في أذن السامع، ولجرسها وقع في نفسه؛ فالسامع للخطيب يذوق، ويسمع ويفهم ويلاحظ النطق، ولذلك يجب أن تكون ألفاظ الخطبة سهلة النطق، لا يتعثر اللسان في إبرازها، ولا تتزاحم حروفها، وأن تكون ذات رنين خاص يهز أوتار النفس ويثير الشعور، ويجب أن تكون مقاطع الخطبة ذات وقع مؤثر، يلذ السمع، ويجمل الكلام.
الألفاظ:
نريد بالألفاظ الكلمات المفردة، وأهم خصائص مفردات الخطابة هي:-
1-
أن يكون اللفظ واضحا مكشوفا وقريبا معروفا، من السهل إدراك معناه، والوصول إلى مرماه، لا يبعد عن مألوف السامعين.
2-
ألا تكون الألفاظ مبتذلة أو عامية.
3-
أن تكون في الخطبة ألفاظ مناسبة مثيرة لخيال الجماعة، ملائمة لما يريد، فإذا كان يخطب جماعة في الحث على أداء فريضة الحج، ذكر الحرم الشريف، ومقام إبراهيم، وزمزم، وإذا كان يخطب في الحث على الصوم ذكر قرب الصائم من ربه، والتجرد من ملاذ الحياة، ومشارفة نفس الصائم للمعانى القدسية.
الأسلوب:
1-
التصرف في فنون القول، بأن تتعاقب على معنى ضروب مختلفة من التعابير، من تقرير، إلى تعجب، إلى تهكم، إلى نفي؛ لكي يكسب كلامه حدة، ولئلا يذهب نشاط السامعين، ويعتريهم السأم والملال.
2-
حسن التآلف بين الكلمات، وتآخي النغم، بحيث تتحدر الكلمات على اللسان في يسر وسهولة، ويحسن وقعها في الأسماع، فلا تكون منها نابية عن أخواتها، أو ساكنة في غير مستقرها، فتكون قلقة في النطق، وثقيلة على السمع.
المقاطع:
يجب أن يختار الخطيب المقاطع التى يقف عليها، بحيث يكون وقوفه عند نهاية جزء تام من المعنى الذي يريده، وبأن يكون المقطع ذا رنين قوي، يملأ النفس، ويوجهها نحو الغرض الذى يريده الخطيب.
طرق تحضير الخطبة:
1-
من الخطباء من يكتفي في تحضيره بدراسة الموضوع دراسة تامة، ثم يجمع عناصره في خاطره، وترتيبها بينه وبين نفسه، ويستحضر الألفاظ اللائقة بالمقام، والعبارات الجديرة بالموضوع، وهذه الطريقة لا يتبعها إلا المتمرن على المواقف الخطابية الذى اندرج في سلك الخطباء.
2-
ومن الخطباء من يدرس الموضوع ويهيىء معانى الخطبة، ويرتبها ترتيبا محكما، ثم يكتب عناصرها وأجزاءها في مذكرة يستصحبها عند الخطبة؛ لتكون مرجعا له وضابطا، وليحفظ المعانى والأفكار من أن تضيع بضلال الذاكرة.
3-
ومن الخطباء من يطَّلِع على الموضوع، ويدرسه بعناية، ثم يتكلم فيه بينه وبين نفسه بصوت مرتفع في غرفة قد انفرد فيها، أو في مكان خلوي، أو يتكلم على بعض الناس.
4-
ومن الخطباء من يكتب الخطبة، ويتحرى في الكتابة أبلغ الاساليب التى توصله إلى غايته، وتؤدي به إلى ما يريده، ويحكم معانيها، ويحملها كل ما يبغي من وسائل التأثير، وطرق الإقناع التى يصوبها نحو هدفه، ويرمي بها إلى غرضه، وبعد الكتابة يقرأ ما كتب مرارا وينقحه في كل مرة. وبهذه القراءة التى يتحرى بها جودة الإلقاء وحسن النطق، تعلق معانى الخطبة مرتبة الترتيب التام بذاكرته، ويحفظ كثيرا من ألفاظها وعباراتها.
5-
ومن الخطباء من يكتبون خطبهم، ويحسنون تحبيرها، ثم يحفظونها حفظا تاما، ومنهم من يتحلل أحيانا مما حفظ، إن وجد المقام يدفعه إلى غيره.
والطريقة المثلى لطالب الخطابة:
أن يبتدئ بكتابة الخطبة وحفظها وإلقائها كما حفظ ثم يأخذ بنفسه بالتغيير شيئا فشيئا فيما حفظ حتى إذا شب في الخطابة، وتقدم في المران عليها، كتب الخطبة وعني بأن تعلق كل معانيها بقلبه، وأكثر ألفاظها بذاكرته ثم يتقدم لإلقائها وقد تحصن بذلك التحضير، فإذا صارت له الخطابة ملكة،
وعد في صفوف الخطباء، اكتفى بدراسة الموضوع دراسة وافية، ثم كتب العناصر، أو لم يكتبها إن أسعفته ذاكرة قوية، أو كانت الخطبة قصيرة، لا عناصر لها، وألقى الخطبة مكتفيا بذلك التحضير الذى يقل أنواعه كلفة؛ ولا يكتفي به إلا أعظم الخطباء قدرة.
الارتجال:
لا يعد الخطيب خطيبا إلا إذا كان قادرا على الارتحال، وقد يخطب فيعترض عليه بعض الناس في خطبته، فإن لم تكن له بديهة حاضرة ترد الاعتراض وتقرعه بالحجة القوية، ذهبت الخطبة وآثارها.
النطق:
النطق الحسن هو الدعامة الأولى للإلقاء الجيد، وإذا اعترى النطق ما يفسده ضاع الإلقاء فضاعت معه الخطبة وأثرها.
العناصر التي يحتاج إليها النطق الجيد:
1-
تجويد النطق:
بأن يخرج الحروف من مخارجها الصحيحة في يسر ورفق وسهولة.
2-
مجانبة اللحن وتحري عدم الوقوع فيه:
يجب أن يعنى الخطيب بتصحيح الكلام الذي ينطق به، وملاحظته في مفرداته وعباراته فيلاحظ بنية الكلمات ملاحظة تامة، وما توجيه قواعد النحو في آخر الكلمات؛ فإن ذلك يفسد المعنى، وقد يقلبه.
3-
تصوير النطق للمعاني تصويرًا صادقًا:
بأن يعطي كل كلمة وكل عبارة حقها، ويظهرها بشكل تتميز به عن سواها، فالجملة المؤكدة ينطقها بشكل يدل على التوكيد في النغم كما دل، والجمل الاستفهامية ينطق بها بشكل يتبين منه الاستفهام والمراد منه عن طريق النطق، كما دل عليه بالأداة الدالة على الاستفهام.
4-
التمهل في الإلقاء:
وهو إلزام الأمور للخطيب، فالتمهل يجعل الصوت يسري إلى السامعين جميعًا بأيسر مجهود متناسب مع المكان والعدد، بينما الإسراع يجعل الكلمات تحتاج إلى مجهود صوتي أكبر؛ ليصل الكلام إلى الآذان.
الصوت:
يستحب للخطيب أن يروض نفسه على تصوير المعاني، وأن يجعل من نغمات صوته، وارتفاعه وانخفاضه دلالات أخرى فوق دلالة الألفاظ، وليعمل على أن يكون صوته ناقلا صادق النقل لمشاعر نفسه، وليمرنه التمرين الكافي على أن يكون حاكيا صادق الحكاية لمعاني الوجدان، وخواطر الجنان، وليعلم أن لا شيء كالصوت يعطي الألفاظ قوة حياة، وأنه إذا أحسن استخدامه خلق به جوًّا عاطفيا يظل السامعين، وبه يستولي عليهم.
الإشارات:
إن الإشارات هي المخاطبة الصامتة، أو هي لغة التفاهم العامة، وهي في كثير من الأحيان صوت الشعور، وعبارة الوجدان، فالغاضب يعبس وجهه، ويقبض أصابعه، والإشارات بعضها شعوري اندفاعي لا يكون بالإرادة بل بدافع الإحساس الوقتي للخطيب الذي يثيره موقفه الخطابي، وبعضها إرادي قصدي يعمد إليه الخطيب للتأثير.
وسواء أكانت الإشارات إرادية أم شعورية، فهي ذات أثر في تأكيد الكلام في نفس السامع وتقويته.