المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خطبة الجمعة: ففروا إلى الله - الخطابة الإسلامية

[عبد العاطي محمد شلبي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌الكوادر الدعوية:

- ‌علم الخطابة:

- ‌الخطابة:

- ‌الآداب الخطابية:

- ‌زاد الخطيب:

- ‌التنسيق:

- ‌فنون الخطابة الإسلامية:

- ‌الخطابة في صدر الإسلام:

- ‌من خطب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ خطبته في عشيرته:

- ‌ أول خطبة خطبها بمكة حين دعا قومه:

- ‌ خطبته في أول جمعة جمعها بالمدينة:

- ‌ خطبة له عليه الصلاة والسلام:

- ‌ خطبة له عليه الصلاة والسلام:

- ‌ خطبته في حجة الوداع:

- ‌ خطبته يوم فتح مكة:

- ‌ خطبة له يوم أحد:

- ‌ خطبته بالخيف:

- ‌ خطبة له عليه الصلاة والسلام:

- ‌ خطبة له عليه الصلاة والسلام:

- ‌ خطبة له عليه الصلاة والسلام:

- ‌ خطبته في الاستسقاء:

- ‌ خطبته في مرض موته:

- ‌تعليق على خطب النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌من خطب أبي بكر رضى الله عنه

- ‌مدخل

- ‌ خطبته بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ خطبته في سقيفة بني ساعدة:

- ‌ خطبته بعد بيعة السقيفة:

- ‌خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌خطبته بعد توليه الخلافة

- ‌ خطبته في منهجه:

- ‌ خطبته في الدعاء:

- ‌خطبة لعمر بن الخطاب:

- ‌خطبة لعمر يبين فيها وجوب شكر الله:

- ‌خطب عثمان رضي الله عنه

- ‌خطبته بعد بيعته

- ‌خطبة لعثمان بن عفان "رضي الله عنه" يحذر الناس من خداع الدنيا:

- ‌خطبة لعلي كرم الله وجهه:

- ‌خطبة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:

- ‌خطب لعمر عبد العزيز:

- ‌خطبة للمأمون:

- ‌خطب من العصر الحديث

- ‌خطبة الجمعة: أسلوب الدعوة إلى الله

- ‌خطبة الجمعة: ففروا إلى الله

- ‌خطبة الجمعة: بين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه

- ‌خطبة الجمعة: تمييع الشباب

- ‌مكانة السنة:

- ‌عوامل مساعدة للخطيب

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌خطبة الجمعة: ففروا إلى الله

‌خطبة الجمعة: ففروا إلى الله

1

لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرباصي

لك الحمد أيها العليم الذي لا يجهل، الحليم الذي لا يعجل، الكريم الذي لا يبخل، سبحانك، أنت المنيع الذي لا يرام، المجير الذي لا يضام، وأنت أرحم الراحمين، نشهد أن لا إله إلا أنت، خضعت لك قلوب العارفين، وذلت لهيبتك رقاب الجبارين، فتبارك الله رب العالمين، ونشهد أن سيدنا ومولانا محمدًا عبدُك ورسولُك، الذي استعاذ بك من العين التي لا تدمع، والقلب الذي لا يخشع، والعلم الذي لا ينفع، فكان سيد المرسلين وإمام المتقين، فصلواتك اللهم وسلامك عليه، وعلى آله وأغصان دوحته، وأصحابه وجنود دعوته.

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} 2.

يا أتباع محمد عليه السلام..

من عيوب المسلمين المعاصرين الذين قل اعتزازهم بدينهم، وضعف يقينهم بربهم، وخدعتهم بوارق من مدنية غيرهم، أنهم لا يتقون ولا يؤمنون إلا إذا جاءتهم الشواهد من الخارج، ووردت إليهم البراهين على صحة الدين

1 مجلة الأزهر جـ8، أكتوبر 2003م.

2 آل عمران: 173، 174.

ص: 82

من المثقفين المدنيين، أو الناهلين من حضارة الأوربيين، فلو سمعوا من الواعظ الديني مائة خطبة يذكرهم فيها بالله، ويدعوهم خلالها إلى حماه، لما اتعظوا بها، ولا استجابوا لها، ولكنهم لو جاءتهم الموعظة من رجل مدني، أو من جو أوربي، لسارعوا إليها مصدقين معجبين، ومع ما في هذا من مخالفة لقول الله تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]1. فنحن نريد أتباعا للحكمة في الدعوة، واحتيالا في التحذير من الضلالة، أن تأتيهم بالشواهد التي يريدون.

هذا رجل شرقي عظيم، له من بيته وعمره وثقافته ما يجعله خبيرا بالمشكلات دارسا للحضارات، يرحل إلى أوربا ويقضي في أرجائها شهورًا، ثم يعود فيقول لنا في وضوح وتأكيد: إن أبناء الحضارة الحديثة قد آمنوا أخيرًا، وبعد طول المطاف بأنه لا سلام إلا بالله، ولا سعادة إلا بالرجوع إلى الله، ولا استقرار إلا بالثقة في دين الله؛ لأن الرجوع إلي الله واليقين به والاحتماء بلوائه هو الذي سيقضي على الحروب المهلكة والشيوعية البشعة، وسيزيل الفقر الشائع والمرض الذائع من بين الأحياء، ومعنى هذا أن عمالقة البشر في العالم الحديث، الذي هتكوا أسرار الطبيعة، واستخدموا كل شيء تحت أيديهم، واستمتعوا بكل لذة تريدها الأجساد، لم ينعموا بذلك ولم يسعدوا، فرجعوا نادمين، وعادوا إلى ربهم تائبين، وقرعوا بابه هاتفين:

{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2.

وهذا كاتب معاصر يزور في الأيام الأخيرة "باريس" مدينة النور والفجور، وموطن المواخير والخمور ومصدر كل لذة، ومثيرة كل شهوة،

1 النساء: 65.

2 الأعراف: 23.

ص: 83

وصاحبة التاريخ الطويل الثقيل في العبث والمجون، فإذا بالكاتب يراها كما وصفها وقد صحت من غفوتها، وأفاقت من غمرتها، وتابت وأنابت، فصار فيها من يعنى بأمر الأخلاق، ومن يذكر بجلال البارئ الخلاق؛ لأنهم عرفوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وأعطتهم المحن المتلاحقة والنكبات المتلاصقة دروسا لا تُنسى تعلموا منها أن الاعتماد على قوة الأرض، والاغترار بسلطان الإنسان، باطل وزور، وأن الخير كل الخير في الإيمان بالله الذي إليه تصير الأمور!..

وهذا سباح مصري عالمي، وهو ضابط رياضي مثقف، درس ورحل، واختلط بهؤلاء وأولئك، وخالط المدنية الحديثة والحضارة الغربية المعاصرة، ولم ينشأ في رحاب ديني أو وسط "سني"، وقد أراد أن يكسب لأمته فخرا يرفع رأسها بين الأمم في ميدان الرياضة التي يدعو إليها الإسلام، ويحرض عليها؛ لتكون إعدادا للجندية المجاهدة في سبيل الله، فعبر بحر "المانش" الرهيب الصاخب من الشاطئ الإنجليزي إلى الشاطئ الفرنسي، وتعرض لأهوال البحر ومخاوف الغرق، وطغيان الأمواج وتأثير الأملاح، وذبذبات المد والجزر، وبرودة الجو ووحوش الماء، وكان كلما خارت منه القوى، وأحدق به الخطر، وداعبه اليأس والقنوط، لا يلجأ إلى قوارب النجاة ولا يستعين بمن خلفه من مراقبين، ولا يعلن فشله وإفلاسه، بل كان يلجأ إلى سلاح أقوى وأعلى، ويستمد العون والمدد من مصدر أغنى وأسمى، كان يستلهم النصرة والتأييد من ربه العزيز المجيد، فكان كما أذاعت الأنباء يتلو القرآن الكريم وسط الأمواج بصوت مسموع، ويناجي ربه بدعاء مرفوع، وكان كما يقول كلما تلا آية أو ردد دعوة، ازداد قوة وامتلأ همة، وأيقن أنه سيصل وسينتصر بفضل الله، وقد كان، فوصل، وانتصر، وقرر أن الفضل في الانتصار يرجع إلى عون العزيز القهار، وكذلك تكون قوة الإيمان بالله في

ص: 84

الإنسان، تقرب له البعيد، وتيسر له العسير، ولا عجب فقد وصل سببه برب الأسباب، وألقى عبئه على أقدس جناب:

{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} 1.

أليس في هذه الأدلة والشواهد ما يكفي المُعرِض عن الله، أو البعيد عن حماه؛ لكي يرجع ويرتدع، ويتوب ويثوب ويشاهد نور ربه في كل مكان، ويراقب جلاله في كل زمان، ويطيل التفكير فيما أراده "المسلم" الحكيم حين قال: الحق ليس بمحجوب عنك، إنما المحجوب أنت عن النظر إليه؛ إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه، ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر، وكل حاصر لشيء فهو له قاهر، وهو القاهر فوق عباده، بل ويهتف من الأعماق كما هتف الواصل الأول يناجي ربه قائلا:

ذكرتك لا أني نستك لمحة

وأيسر ما في الذكر ذكر لساني

يا أتباع محمد عليه السلام..

حقيقة إن الفكرة الإسلامية قد حوربت بأيدي أعدائها، بل وتطاول على جلالها بعض الطاغين الذين يعدون أنفسهم من المسلمين، فهتكوا حرمة القرآن، ونكلوا بأشبال الإيمان، وتجرءوا على حمى الرحمن، وهتكوا حرمات كانت بالأمس عزيزة مصونة، وارتكبوا في تنكيلهم بالمجاهدين في سبيل الله الناشئين في طاعة الله، مآتم ومظالم تضج من هولها أرجاء السماء، وقد زلزل كثير من الناس أمام هذا التنكيل الطاغي زلزالا شديدًا، وظنوا بالله الظنونا، ولكن الثابتين على العهد، الصادقين في الوعد، يؤمنون بأن الإسلام

1 الطلاق: 3.

ص: 85

يقوي على المحن، ويشتد رغم طغيان الزمن، ولولا شهداء سقطوا في سبيل الله، ودماء زكية طاهرة سالت دفاعا عن كلمة الله، وغزوات ابتلى فيها صبر المسلمين أشد الابتداء، وأعداء من المشركين واليهود والنصارى والمنافقين والمخادعين، يتربصون بالمسلمين الدوائر، لولا هذه الظروف كلها لما ظهر نور الإسلام ساطعا وأضاء من خلال الظلمات:

{فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1.

{وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} 2.

واستعذبوا في سبيله العناء والبلاء، فإن الله لا يضع أجر العاملين:

{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} 3.

{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 4.

كان عليه الصلاة والسلام يدعو فيقول: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم أعوذ بعزتك. لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون"5.

1 التوبة: 111.

2 الحج: 78.

3 المائدة: 88.

4 النحل: 128.

5 البخاري 8/ 86، 9/ 143، 162.

ص: 86