الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
خطبته في أول جمعة جمعها بالمدينة:
"الحمد الله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به ولا أكفره وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد1، ومن يعصمها فقد غوى وفرط، وضل ضلالا بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله؛ فإنه خير ما أوصى به المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرا، وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه، عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله، يكن له ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه، والله رءوف بالعباد، والذي صدق قوله، وأنجز وعده لا خلف لذلك؛ فإنه يقول عز وجل:{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية؛ فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله يُوقي مَقْتَه، ويوفي عقوبته، ويوقي سخطه، وإن تقوى الله يبيض الوجوه، ويرضى الرب، ويرفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله؛ ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة،
1 كنصر وفرح.
ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، وأعملوا لما بعد اليوم؛ فإن من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، والله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم"1.
والخطبة موعظة رائعة، يستهلها الرسول الكريم بتقرير وحدانية الله وأنه أتم نعمته على الناس بإرساله كي يخرجهم مما هم فيه من غواية وضلالة ويدخلوا في رعايته الإلهية، فلا يعملوا عملا بدونه. ليتركوا إذن الوراثة الضالة والوسط المشفى على الهلاك، ويجتمعوا على هدى الله وتقواه، وليستشعروه في السر والعلانية؛ فإنه يعلم خائنة الأعين وما يستكن في الصدور، وليقدموا من خشيته وطاعته ما يكفرون به عن سيئاتهم وتبيض به وجوههم يوم الحساب حتى يدخلوا في جناته. إنه يوم ما بعده مستعتب، فإما الجنة وشفيعها العمل الصالح، وإما النار وبئس القرار. ويدفعهم دفعا إلى الجهاد في سبيل الله ونشر دعوة الحق والخير، فقد اجتباهم واختارهم؛ ليضطلعوا بأمانة الرسالة المحمدية، ولينشروها في أطراف الأرص، والرسول في كل ذلك يستوحي القرآن وآياته، وهي تقف منارات في موعظته، يستمد من إشعاعاتها ما يضيء به كلامه، بل إن وراء هذه المنارات منارات أخرى من هدي القرآن، بحيث نستطيع أن نرد كل موعظته إلى ينابيع الضوء التي تفجرت منها؛ إذ كانت تسيل في نفسه، بل كانت تشع بمعانى نورها، كما يشع نور الشمس في السماء.
1 تاريخ الطبرى جـ2 ص 255.