الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
خطبته في الدعاء:
يا أيها الناس، إني داعٍ فأمِّنُوا، اللهم إني غليظ فلَيِّنِّي لأهل طاعتك، بموافقة الحق؛ ابتغاء وجهك والدار الآخرة، وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك، وأهل النفاق، من غير ظلم مني، ولا اعتداء عليهم. اللهم إني شحيح، فسخِّنِي في نوائب المعروف، قصدًا من غير سرف ولا تبذير ولا رياء ولا سمحة، واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة، اللهم ارزقني حفض الجناح، ولين الجانب للمؤمنين، اللهم إني كثير الغفلة والنسيان، فألهمني ذكرك على كل حال، وذكر الموت في كل حين، اللهم إني ضعيف عن العمل بطاعتك، فارزقني النشاط فيها، والقوة عليها، بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بعزتك وتوفيقك، اللهم ثبتني باليقين والبر والتقوى، وذكر المقام بين يديك، والحياء منك، وارزقني الخشوع فيما يرضيك عني، والمحاسبة لنفس، وإصلاح الساعات، والحذر من الشبهات اللهم ارزقني التفكر والتدبر لما يتلوه لساني من كتابك والفهم له، والمعرفة بمعانيه، والنظر في عجبائبه، والعمل بذلك ما يقيت، إنك على كل شيء قدير1.
1 العقد الفريد جـ4 ص 65.
هذه الخطبة تبرز جانب الحق في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي صورة صادقة تنطبق على أخلاقه وسلوكه في حكمه، ولعل أهم ما يلفت النظر في هذا الدعاء استهلاله بمعنى الحق وهو البرز الأول في دستور حكمه، ويرتبط بهذا معنى العدل؛ إذ يدعو الخليفة الله أن يعينه على التزامه به حتى مع الأعداء وأهل النفاق، فإن هؤلاء يستحقون الشدة، ولكن هذه الشدة في غير ظلم أو تعسف. وهنا تظهر الإنسانية في صورتها المثلى التي تكمن في روح الإسلام وتنطلق بها ألسنة أعلامه.
وأما البند الثالث: الذي يقيد به الخليفة نفسه فهو روح العدل ولكن طبيعة العدل تقتضي أن يعاقب المسيء على إساءاته ويجب ألا يسوى بينه وبين من أحسن عملا.
ونحن نرى أن معنى الحق لم يحرص عليه على هذا النحو حاكم من حكام المسلمين كما حرص عليه عمر رضي الله عنه ولم ينطبق الفعل على القول، وينفذ العدل المطلق كما نفذ في خلافته.