الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الواحدة والخمسون: القتل
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
فإن من أعظم الذنوب عند اللَّه وأشدها جرماً في الدنيا والآخرة بعد الشرك باللَّه القتل.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)} [الفرقان]. وقد جعل سبحانه جزاء قتل النفس المؤمنة عمداً الخلود في النار وغضب الجبار، ولعنته، وإعداد العذاب العظيم له، قال تعالى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء]. روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ» ، أَوْ قَالَ:«وَشَهَادَةُ الزُّورِ»
(1)
.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً،
(1)
ص: 1310 برقم 6871، ومسلم ص: 63 برقم 88 بدون قوله: «أكبر الكبائر» .
فروى البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»
(1)
. والدماء هي أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة؛ روى البخاري ومسلم من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ»
(2)
. وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ: - وَذَكَرَ مِنهَا -: وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»
(3)
. وروى البخاري في صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»
(4)
.
والمعاهد من له عهد مع المسلمين سواء أكان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان مسلم.
قال ابن القيم: هذه عقوبة قاتل عدو اللَّه إذا كان معاهداً في عهد وأمان فكيف بعقوبة قاتل عبده المؤمن، وإذا كانت امرأة قد دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً وعطشاً فرآها النبي صلى الله عليه وسلم في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها، فكيف عقوبة من حبس مؤمناً حتى مات بغير جرم؟ ! وفي سنن النسائي من حديث عبد اللَّه
(1)
ص: 1309 برقم 6862.
(2)
ص: 1309 برقم 6864 وصحيح مسلم ص: 695 برقم 1678.
(3)
ص: 1308 برقم 6857 وصحيح مسلم ص: 63 برقم 89.
(4)
ص: 1318 برقم 6914.
ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»
(1)
(2)
.
وروى البخاري في صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ»
(3)
.
وقد كثرت حوادث القتل في وقتنا المعاصر وللأسف، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك غاية التحذير؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»
(4)
.
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»
(5)
.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن القتل من علامات الساعة؛ روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْلَ
(6)
.
(1)
ص: 421 برقم 3987، صحّحه الألباني في صحيح سنن النسائي (3/ 839) برقم 3722.
(2)
الجواب الكافي ص: 104.
(3)
ص: 1309 برقم 6863.
(4)
ص: 30 برقم 32، وصحيح مسلم ص: 1157 برقم 2888.
(5)
قطعة من حديث ص: 331 برقم 1739، وصحيح مسلم ص: 695 برقم 1679.
(6)
ص: 83 برقم 85، وصحيح مسلم ص: 1071 برقم 2672.
ولعل من أسباب القتل الذي كثر كما تقدم:
المشاجرة والخصام التي تحدث بين الطرفين، وتؤدي في النهاية إلى القتل، والشيطان يؤجج ذلك، قال تعالى:{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53)} [الإسراء].
وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ»
(1)
.
وروى البخاري ومسلم من حديث عبد اللَّه بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»
(2)
.
ومنها الرغبة في الحصول على المال بأي طريقة كانت، فكم من حوادث قتل واختطاف واقتحام لبيوت المسلمين كل ذلك من أجل المال.
روى الترمذي في سننه من حديث عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ»
(3)
.
ومنها استعمال الخمور والمخدرات فكم من أعراض قد انتهكت، وكم من دماء قد سفكت، وكم من أرحام قد قطعت بسببها،
(1)
ص: 1131 برقم 2812.
(2)
ص: 57 برقم 64، وصحيح مسلم ص: 57 برقم 64.
(3)
ص: 385 برقم 2336.
وصدق اللَّه إذ يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون (90)} [المائدة].
ومنها قلة الخوف من اللَّه، فإن تقوى اللَّه تبعث على فعل الطاعات وترك المعاصي كبيرة كانت أو صغيرة، فكيف بالقتل؟ ! وهو من أعظم الذنوب عند اللَّه، قال تعالى:{قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم (15)} [الأنعام]. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وذكر منها: «وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»
(1)
.
ومنها اعتناق الأفكار الضالة التي تسوغ له الإقدام على قتل أخيه المسلم واستحلال دمه، قال تعالى:{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأَىهُ حَسَنًا} [فاطر: 8]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور: 21].
والأسباب كثيرة لمن أراد التتبع والتقصي في ذلك.
وليعلم المؤمن أن القتل من أعظم الظلم عند اللَّه، ولن يفلت القاتل من عقوبة اللَّه تعالى إما في الدنيا وإما في الآخرة، قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} [الإسراء]. قال ابن كثير: أي إن الولي منصور على القاتل شرعاً، وغالباً قدراً
(2)
. اهـ.
(1)
ص: 1308 برقم 6875، وصحيح مسلم ص: 63 برقم 89.
(2)
تفسير ابن كثير (9/ 8).
روى الترمذي في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَاصِيَتُهُ وَرَاسُهُ بِيَدِهِ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ؛ هَذَا قَتَلَنِي حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ»
(1)
.
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
ص: 482 برقم 3029، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (3/ 40) برقم 2425.