الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة السادسة والخمسون: شرح حديث أسرعوا بالجنازة
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ»
(1)
.
فحث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على الإسراع بالجنازة في تجهيزها وتشييعها ودفنها وذلك أن الميت إما أن يكون صالحاً، وإما أن يكون سوى ذلك، فإن كان صالحاً فإن حبسه حيلولة بينه وبين ما أعد اللَّه له من النعيم في قبره لأنه ينتقل من هذه الدنيا إلى دار خير منها وأفضل لأنه حين احتضاره ومنازعته للموت يبشر فيقال لروحه:«أَبشِرِي بِرَوحٍ وَرَيحَانٍ وَرَبٍّ غَيرِ غَضبَانَ» ، قال تعالى:{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِين (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِين (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين (91)} [الواقعة]. وإما إن كانت الجنازة غير صالحة فإنه ينبغي الإسراع بها كذلك لأنها شر يضعه المسلمون عن رقابهم وهي كذلك تبشر عند الاحتضار بغضب اللَّه وسخطه فُيعجل
(1)
ص: 256 برقم 1315، وصحيح مسلم ص: 366 برقم 944.
بها إلى العذاب، وفي الحديث:«أَيَّتُهَا النَّفسُ الخَبِيثَةُ فِي الجَسَدِ الخَبِيثِ اخرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ»
(1)
(2)
.
ومن فوائد الحديث:
أولاً: الإسراع بالجنازة وألا تؤخر وما يفعله بعض الناس من نقل الجنازة إلى أماكن بعيدة، أو تأخير الدفن لأيام، هذا كله خلاف السنة وجناية على الميت؛ أما إذا كان التأخير يسيراً لاجتماع الناس للصلاة عليه أو غير ذلك من المصالح فلا بأس.
ثانياً: إن الرجل الصالح ينتقل إلى دارٍ أفضل من داره وأهلٍ خيرٍ من أهله: روى البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة بن ربعي الأنصاري أنه كان يحدث: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ»
(3)
.
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لِأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ ! يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ،
(1)
شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين (4/ 547).
(2)
(14/ 377 - 378) برقم 8769. وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(3)
ص: 1248 برقم 6512، وصحيح مسلم ص: 368 برقم 950.
وَلَوْ سَمِعَ الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ»
(1)
.
ثالثاً: إن العبد الفاجر ينتقل من شهوات الدنيا ولذاتها إلى العذاب والجحيم فيضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه، ويُفتح له بابٌ إلى النار كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة ولذلك يقول: يا ويلها أين يذهبون بها.
رابعاً: إن من رحمة اللَّه بالعباد إخفاء العذاب عن الميت ولو سمعه الإنسان لصعق وما يهنأ بطعام ولا شراب ولا نكاح. ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ»
(2)
.
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
ص: 256 برقم 1316.
(2)
ص: 1150 برقم 2867.