الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة السابعة والتسعون: تأملات في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}
[المائدة: 3]
الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على رسول اللَّه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك لا وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. قال ابن كثير رحمه الله: «هذه أكبر نعم اللَّه تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات اللَّه وسلامه عليه، ولهذا جعله اللَّه تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحله ولا حرام إلا ما حرمه ولا دين إلا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [الأنعام: 115]. أي: صدقاً في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة، ولهذا قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} ، أي: فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه اللَّه ورضيه وبعث به
أفضل الرسل الكرام وأنزل به أشرف كتبه»
(1)
.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وهو الإسلام أخبر اللَّه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه اللَّه فلا ينقصه أبداً، وقد رضيَه فلا يسخطه أبداً، وقال ابن جريج وغير واحد: مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بواحد وثمانين يوماً.
روى البخاري ومسلم من حديث طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} . قال عمر: «قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة»
(2)
.
وروى ابن جرير بسنده أن ابن عباس قرأ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} فقال يهودي: لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيداً، فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: يوم عيد ويوم جمعة
(3)
.
ومن فوائد الآية الكريمة:
أولاً: أن الدين قد كمل فلا يحتاج إلى زيادة أبداً فما يفعله
(1)
تفسير ابن كثير (5/ 246).
(2)
ص: 32 برقم 45، وصحيح مسلم ص: 1207 برقم 3017.
(3)
تفسير ابن جرير (4/ 419).
أهل الضلالة من البدع إنما هو ابتداع في دين اللَّه واتهام لهذا الدين بالنقص، روى البخاري ومسلم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن أَحدَثَ فِي أَمرِنَا هَذَا مَا لَيسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ»
(1)
فما من خير إلا والنبي صلى الله عليه وسلم دل أمته عليه وما من شر إلا حذر أمته منه، قال أبو ذر:«لقد تركنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً»
(2)
.
ثانياً: أن اللَّه أتم على المؤمنين نعمه الظاهرة والباطنة، ومن أعظم هذه النعم بعث النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين (164)} [آل عمران].
ثالثاً: أن اللَّه تعالى رضي للمؤمنين هذا الدين العظيم دين الإسلام بل إن اللَّه لا يقبل من الناس غيره، قال تعالى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين (85)} [آل عمران]. وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ إِلَاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهِ سَرِيعُ الْحِسَاب (19)} [آل عمران].
فوجب على المؤمنين أن يرضوا بهذا الدين الذي رضيه اللَّه لهم، روى مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
ص: 514 برقم 2697، وصحيح مسلم ص: 714 رقم 1718.
(2)
تفسير ابن جرير (5/ 188).
(1)
.
رابعاً: أن أحكام هذا الدين وشرائعه قد كملت فلا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة، فعلى سبيل المثال ذكر اللَّه في كتابه اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار ونهانا عن موالاتهم، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]. فلا يأتي أحد فيقول: إن الزمن قد تغير وأن اليهود والنصارى أصدقاء وبيننا وبينهم مصالح فلا بد من صداقتهم وأن هؤلاء ليسوا كأسلافهم من قبل، قال تعالى:{وَالَّذينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلَاّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِير (73)} [الأنفال].
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
ص: 166 برقم 386.