الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الثالثة والخمسون: ما ينتفع به الميت
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين (12)} [يس]. قال سعيد بن جبير: «ما سنوا من سنة فعمل بها قوم من بعد موتهم فإن كانت خيراً فلهم مثل أجورهم لا ينقص من أجر من عمل به شيئاً»
(1)
. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»
(2)
.
فتبين من الآية الكريمة والحديث الشريف أن الميت ينتفع من عمل غيره بأمور.
أولاً: دعاء المسلم له لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم (10)} [الحشر].
(1)
تفسير ابن كثير (11/ 348).
(2)
ص: 670 برقم 1631.
روى مسلم في صحيحه من حديث صفوان بن عبد اللَّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَاسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ»
(1)
.
وهذا يشمل دعاء المسلم لأخيه الغائب حياً أو ميتاً.
ثانياً: قضاء ولي الميت الصوم عنه وفيه أحاديث:
منها ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»
(2)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا فَنَجَّاهَا اللَّهُ فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ فَجَاءَتِ ابْنَتُهَا أَوْ أُخْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا»
(3)
.
فهذه الأحاديث صريحة الدلالة في مشروعية صيام الولي عن الميت صوم النذر وقد اتفق العلماء على ذلك واختلفوا فيما سواه.
ثالثاً: قضاء الدين عنه من أي شخص وليًّا كان أو غيره.
روى الحاكم في المستدرك من حديث جابر بن عبد اللَّه قال: مات رجل فغسلناه وكفنّاه وحنطناه، ووضعناه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيث
(1)
ص: 1094 برقم 2733.
(2)
ص: 370 برقم 1952، وصحيح مسلم ص: 442 برقم 1147.
(3)
ص: 372 برقم 3308، صحّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 635) برقم 2829.
توضع الجنائز عند مقام جبريل ثم آذنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه فجاء معنا خطى ثم قال: «لَعَلَّ عَلَى صَاحِبِكُم دَينًا» قالوا: نعم ديناران، فتخلف وقال:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُم» ، فقال له رجل منا يقال له: أبو قتادة: يا رسول اللَّه هما عليّ، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:«هُمَا عَلَيكَ وَفِي مَالِكَ وَالمَيتُ مِنهُمَا بَرِيءٌ» فقال: نعم، فصلى عليه فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبو قتادة يقول:«مَا صَنَعَتِ الدِّينَارَانِ؟ » حتى كان آخر ذلك قال: قد قضيتهما يا رسول اللَّه، فقال:«الآنَ حِينَ بَرَّدتَ عَلَيهِ جِلدَهُ»
(1)
أي بسبب رفع العذاب عنه بعد وفاته.
فأفاد هذا الحديث أن الميت ينتفع بقضاء الدين عنه ولو كان من غير ولده، وأن القضاء يرفع العذاب عنه فهي من جملة المخصصات لعموم قوله تعالى:{وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى (39)} [النجم]
(2)
.
رابعاً: ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء، لأن الولد من سعيهما وكسبهما واللَّه عز وجل يقول:{وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى (39)} [النجم].
روى أحمد في مسنده من حديث عائشة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ»
(3)
.
(1)
مستدرك الحاكم (2/ 370) برقم 2393، ومسند الإمام أحمد (22/ 406). وقال محققوه: إسناده حسن.
(2)
أحكام الجنائز للألباني ص: 28.
(3)
(40/ 34) برقم 24032 وقال محققوه: حديث حسن لغيره.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله: ويؤيد ما دلت عليه الآية والحديث أحاديث خاصة وردت في انتفاع الميت بعمل ولده الصالح: كالصدقة والصيام والعتق والحج ونحوه
(1)
.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»
(2)
.
وفي رواية: فَلِي أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»
(3)
.
خامساً: ما خلفه من بعده من آثار صالحة وصدقات جارية لقوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12]. ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ
…
»
(4)
.
ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ»
(5)
.
(1)
أحكام الجنائز ص: 217.
(2)
ص: 270 برقم 1388، وصحيح مسلم ص: 388 برقم 1004.
(3)
صحيح مسلم ص: 669 برقم 1400.
(4)
صحيح مسلم ص: 670 برقم 1631.
(5)
ص: 41 برقم 242، وصححه الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (6/ 28)، وقال المنذري في كتابه الترغيب والترهيب (1/ 128): إسناده صحيح.
روى مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد اللَّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»
(1)
(2)
.
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
ص: 393 برقم 1017.
(2)
انظر أحكام الجنائز للألباني رحمه الله ص: 213 - 226.