المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الثمانون: تأملات في قوله تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين} - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٥

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الواحدة والخمسون: القتل

- ‌الكلمة الثانية والخمسون: شرح اسم الله الرزاق

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون: ما ينتفع به الميت

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون: قضاء الدَّين

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون: الإعراض عن الدين

- ‌الكلمة السادسة والخمسون: شرح حديث أسرعوا بالجنازة

- ‌الكلمة السابعة والخمسون: المفهوم الخاطئ للدِّين

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون: فوائد من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ}

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون: اليقين

- ‌الكلمة الستون: التحذير من الكسل

- ‌الكلمة الواحدة والستون: معجزاته عليه الصلاة والسلام

- ‌الكلمة الثانية والستون: فضل الأعمال الصالحة في رمضان

- ‌الكلمة الثالثة والستون: شرح اسم الله الكافي

- ‌الكلمة الرابعة والستون: خطورة المجاهرة بالمعصية

- ‌الكلمة الخامسة والستون: استقبال العام الجديد

- ‌الكلمة السادسة والستون: الإيمان بالبعث بعد الموت

- ‌الكلمة السابعة والستون: تفسير سورة المسد

- ‌الكلمة الثامنة والستون: سيرة أبي عبيدة بن الجراح

- ‌الكلمة التاسعة والستون: شرح اسم الله الغني

- ‌الكلمة السبعون: المسارعة إلى الخيرات

- ‌الكلمة الواحدة والسبعون: شرح حديث «احفظ الله يحفظك»

- ‌الكلمة الثانية والسبعون: تأملات في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}

- ‌الكلمة الثالثة والسبعون: الوفاء

- ‌الكلمة الرابعة والسبعون: سيرة جعفر بن أبي طالب

- ‌الكلمة الخامسة والسبعون: خطورة السحر وتحريم الذهاب إلى السحرة

- ‌الكلمة السادسة والسبعون: تفسير سورة الهمزة

- ‌الكلمة السابعة والسبعون: شرح اسم الله الشهيد

- ‌الكلمة الثامنة والسبعون: أحداث الدانمارك

- ‌الكلمة التاسعة والسبعون: سيرة عثمان بن عفان

- ‌الكلمة الثمانون: تأملات في قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين}

- ‌الكلمة الحادية والثمانون: تأملات في قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين}

- ‌الكلمة الثانية والثمانون: شرح اسم الله البصير

- ‌الكلمة الثالثة والثمانون: شرح حديث

- ‌الكلمة الرابعة والثمانون: قصة قارون

- ‌الكلمة الخامسة والثمانون: نزول المطر

- ‌الكلمة السادسة والثمانون: تواضع السلف وخوفهم من ربهم

- ‌الكلمة السابعة والثمانون: سيرة الزبير بن العوام

- ‌الكلمة الثامنة والثمانون: شرح اسم الله السميع

- ‌الكلمة التاسعة والثمانون: تفسير سورة الزلزلة

- ‌الكلمة التسعون: شرح حديث: «اللَّهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك»

- ‌الكلمة الواحدة والتسعون: تأملات في قوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}

- ‌الكلمة الثانية والتسعون: تأملات في قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا}

- ‌الكلمة الثالثة والتسعون: وقفات مع الأزمة المالية العالمية

- ‌الكلمة الرابعة والتسعون: وقفات مع أحداث غزة

- ‌الكلمة الخامسة والتسعون: موقف الحساب

- ‌الكلمة السادسة والتسعون: شرح اسم من أسماء الله الحسنى: الوارث

- ‌الكلمة السابعة والتسعون: تأملات في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌الكلمة الثامنة والتسعون: النفخ في الصور

- ‌الكلمة التاسعة والتسعون: تأملات في قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى}

- ‌الكلمة المئة: صفات اليهود

الفصل: ‌الكلمة الثمانون: تأملات في قوله تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين}

‌الكلمة الثمانون: تأملات في قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين}

الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد،

فإن اللَّه أنزل هذا القرآن العظيم لتدبره والعمل به فقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد]، وعملاً بهذه الآية الكريمة لنستمع إلى آية من كتاب اللَّه ونتدبر ما فيها من العظات والعبر، قال تعالى:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين (95)} [الحجر]. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: أي بك وبما جئت به وهذا وعد من اللَّه لرسوله أن لا يضره المستهزئون وأن يكفيه اللَّه إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه اللَّه وقتله شر قتلة

(1)

. اهـ.

قال تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم (137)} [البقرة]. والأمثلة على ذلك من السنة كثيرة.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ، إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي؟ أَيُّكُمْ

(1)

تفسير ابن سعدي ص: 95.

ص: 503

يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ، فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا

(1)

وَدَمِهَا وَسَلَاهَا

(2)

، فَيَجِيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ

(3)

،

فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ رضي الله عنها وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ:«اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ، ثُمَّ سَمَّى:«اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ ابْنِ الْوَلِيدِ» ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً»

(4)

(5)

.

وفي رواية: فشق عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة

(6)

، وكان من أشد الكفار عداوة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما يقال له: عقبة بن أبي معيط، والآخر يقال له: النضر بن الحارث.

(1)

هو بقايا الطعام في الكرش.

(2)

السلا: هو الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفاً فيه ويسمى المشيمة.

(3)

جاء في رواية أخرى: أنه عقبة بن أبي معيط ..

(4)

ص: 119 برقم 520، وصحيح مسلم ص: 746 برقم 1794.

(5)

قليب بدر: بئر مهجور والمسافة الآن بين بدر والمدينة 153 كيلو متر «غزوة بدر الكبرى» للأستاذ محمد باشميل.

(6)

صحيح البخاري ص: 69 برقم 240.

ص: 504

قال ابن كثير رحمه الله: هذان الرجلان من شر عباد اللَّه وأكثرهم كفراً وعناداً وبغياً وحسداً وهجاء للإسلام وأهله لعنهما اللَّه وقد فعل

(1)

.

وأذكر بعضاً من مواقف هذين الرجلين، التي تدل على حقدهما وبغضهما للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام وأهله.

روى البخاري في صحيحه من حديث عروة بن الزبير قال: سألت عبد اللَّه بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال:«أتقتلون رجلاً أن يقول ربي اللَّه وقد جاءكم بالبينات من ربكم»

(2)

.

وتقدم أن عقبة بن أبي معيط هو الذي وضع سلا الجزور على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد.

أما النضر بن الحارث فقد قال عنه ابن إسحاق: كان من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مجلساً، فذكر فيه باللَّه، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم، من نقمة اللَّه، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا واللَّه يا معشر قريش أحسن حديثاً منه، فهلمَّ إليَّ، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار

(3)

، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثاً مني؟ قال

(1)

البداية والنهاية (5/ 189).

(2)

ص: 702 برقم 3678.

(3)

هما حكيمان من حكماء الفرس.

ص: 505

ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثل ما أنزل اللَّه، قال ابن اسحاق: وكان ابن عباس يقول فيما بلغني: نزل فيه ثمان آيات من القرآن قول اللَّه عز وجل: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين (15)} [القلم] وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن

(1)

.

وكان هذا الرجل حامل لواء المشركين في غزوة بدر، وقد أُسر هذان الرجلان عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث في غزوة بدر وجيء بهما مع الأسرى وفي مكان يقال له: الأثيل

(2)

، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنق النضر بن الحارث فقتله علي بن أبي طالب ضرباً بالسيف، وأرغم اللَّه أنف هذا الكافر وأذله، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].

وأما عقبة بن أبي معيط فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقة في مكان يقال له: عرق الظبية

(3)

.

وكان الذي أسره من المسلمين عبد اللَّه بن سلمة، فقال عقبة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله: فمن للصبية يا محمد؟ يستعطف النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: «النَّارُ» ، وكان الذي قتله عاصم بن ثابت

(4)

.

(1)

السيرة النبوية (1/ 326).

(2)

الأثيل: موضع بين بدر والصفراء وفاء الوفا (2/ 242). قال الواقدي: الأثيل واد طوله ثلاثة أميال، بينه وبين بدر ميلان، مغازي الواقدي (1/ 113).

(3)

مكان دون الروحاء بميلين، وفاء الوفا (4/ 1009 / 1259).

(4)

السيرة النبوية (2/ 236) وأخرجه ابن جرير (2/ 38)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 323). وأخرجه أبو داود ص: 303 حديث رقم 2686، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود برقم 2336.

ص: 506

وفي رواية الواقدي: أنه لما أقبل إليه عاصم بن ثابت ليقتله قال: يا معشر قريش، علام أُقتل من بين من هاهنا؟ قال: لعداوتك للَّه ولرسوله، فأمر به فضربت عنقه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«بِئسَ الرَّجُلُ كُنتَ وَاللَّهِ مَا عَلِمتُ كَافِراً بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ مُؤذِياً لِنَبِيِّهِ، فَأَحمَدُ اللَّهَ الَّذِي هُوَ قَتَلَكَ، وَأَقَرَّ عَينَيَّ مِنكَ»

(1)

.

والأمثلة كثيرة فيمن عاداه وآذاه عليه الصلاة والسلام وكيف كانت نهايته في الدنيا قبل الآخرة؟ ! قال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر (3)} [الكوثر]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57)} [الأحزاب].

والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

مغازي الواقدي (1/ 114).

ص: 507