الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الثامنة والسبعون: أحداث الدانمارك
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فإن عداوة الكفار للمسلمين أزلية، قال تعالى:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]. وقال تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 10]. وقال سبحانه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
وفي هذه الأيام تطاول هؤلاء النصارى بدعم من اليهود عليهم لعائن اللَّه المتتابعة إلى يوم القيامة على نبينا وحبيبنا محمد بن عبد اللَّه صلى الله عليه وسلم، ونشرت الصحف الدنماركية الصور والمقالات السيئة التي تتضمن السخرية والاستهزاء بهذا النبي الكريم كل هذا بحجة الديمقراطية والحرية.
ولا شك أن الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم استهزاء بالإسلام وبالرب تعالى الذي أرسله إلينا، قال تعالى:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون (158)} [الأعراف].
ونحن نتساءل لماذا لا تكون الحرية في مهاجمة اليهود أو غيرهم ممن يخشونهم ويخافون منهم؟ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
وأمام هذا الحدث العظيم الذي حل بالأمة نقف هذه الوقفات:
أولاً: التأكيد على عقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين وإظهار عداوتهم، قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُون (56)} [المائدة]. وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
ثانياً: استغلال هذا الحدث ودعوة الناس إلى التمسك بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاستجابة لأوامرهما والانتهاء عما نهى اللَّه ورسوله عنه فإن ذلك من أعظم أسباب نصرته، قال تعالى:{قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِين (32)} [آل عمران].
روى الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنِّي قَد تَرَكتُ فِيكُم شَيئَينِ لَن تَضِلُّوا بَعدَهُمَا: كِتَاب اللَّهِ وَسُنَّتِي»
(1)
ثالثاً: يجب على جميع المسلمين حكومات وشعوباً الدفاع عنه عليه الصلاة والسلام والذب عن عرضه وأن يستخدموا
(1)
مستدرك الحاكم (1/ 284) برقم 324، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في مشكاة المصابيح (1/ 66).
جميع الوسائل والإمكانات في ذلك، قال تعالى:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون (157)} [الأعراف].
وقال تعالى: {إِلَاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ} [التوبة: 40].
رابعاً: على تجار المسلمين أن يستبدلوا البضائع التي تأتينا من الدانمارك والنرويج التي تتبعها في هذا الأمر ببضائع من دول أخرى حتى لا يستغل أعداء الإسلام هذه الأموال في حملتهم الشرسة ضد النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَن تَرَكَ شَيئاً لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيراً مِنهُ»
(1)
.
خامساً: على المسلمين أن يكثروا من الدعاء أن اللَّه ينصر دينه ويذل أعدائه وينتقم لرسوله ممن آذوه وسبوه، قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين (60)} [غافر]. وروى أبو داود في سننه من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»
(2)
.
سادساً: أبشروا وَأَمِّلوا فإن النصر قريب بإذن اللَّه، وسنة اللَّه في خلقه أن من آذى رسوله، أو سبه، ولم يجاز في الدنيا بيد المسلمين فإن اللَّه سبحانه ينتقم لنبيه منه ويكفيه إياه، والحوادث التي تشير إلى
(1)
مسند الإمام أحمد (5/ 363) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 296): رواه أحمد بأسانيد ورجالها رجال الصحيح، وقال الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (1/ 19): وسنده صحيح على شرط مسلم.
(2)
ص: 177 برقم 1479، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير برقم 3407.
هذا في السيرة النبوية وبعهد النبوة كثيرة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [الأحزاب: 57]. وقال تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين (95)} [الحجر]. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: «إنا كفيناك المستهزئين بك وبما جئت به وهذا وعد من اللَّه لرسوله أن لا يضره المستهزؤون وأن يكفيه اللَّه إياهم بما شاء من العقوبة»
(1)
. وقال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر (3)} [الكوثر]. فكل من شنأه أو أبغضه وعاداه فإن اللَّه يقطع دابره ويمحق عينه وأثره، وقيل: إنها نزلت في العاص بن وائل، أو عقبة بن أبي معيط، أو في كعب ابن الأشرف، وجميعهم أُخذوا أخذ عزيز مقتدر وقتلوا شر قتلة»
(2)
.
روى البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رجل نصرانياً فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته اللَّه فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه
(3)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلقاً: وهذا أمر خارج عن
(1)
تفسير ابن سعدي ص: 410.
(2)
تفسير ابن كثير 14/ 482 - 483.
(3)
ص: 691 برقم 3617، وصحيح مسلم ص: 1120 برقم 2781.
العادة يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد، إذ كان عامة المرتدين يموتون لا يصيبهم مثل هذا، وأن اللَّه منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه ومظهر لدينه ولكذب الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حدثناه أعدادٌ من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا: كنا نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه فعجلنا فتحة وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، وتكون ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه، وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك، ومن سنة اللَّه أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده، وتارة بأيدي عباده المؤمنين
(1)
اهـ.
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
الصارم المسلول على شاتم الرسول ص: 116 - 117.