الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرتد واجبة، وفي الثانية مستحبة والمشهور عند الإمام أبي حنيفة أن الاستتابة مستحبة، وهو أيضا قول للإمام الشافعي إلا أنه قال في أحد قوليه يستتاب فإن تاب في الحال وإلا قتل، ومذهب الجمهور أن المرتد يؤجل ثلاثة أيام بعد الاستتابة. إن حقيقة السب هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف وهو ما يفهم عنه السب في عقول الناس. إن الحكم في سب سائر الانبياء عليهم الصلاة والسلام كالحكم في سب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إن السَّاب لله عز وجل من المسلمين يجب قتله بالإجماع لأنه صار بذلك كافرا مرتدا بل اسوأ من الكافر وأن الذمي من إذا سب الله تعالى بما لا يتدين به مثل اللعن والتقبيح فهو سب يقتل به وإذا سب الله تعالى بما يتدين به مثل قول النصارى أن لله ولدا وصاحبة ففيه خلاف عند العلماء”1.
فالاستتابة أسلوب به يتعظ الغاوون، وبه تبقى للدين هيبته في النفوس، وبه ينزجر كل من تساهل في أمور دينه بارتكاب المعاصي صغائرها وكبائرها، وكأن الاستتابة حرز من التمادي في الإثم والعدوان.
1 الصارم المسلول 3 / 1120 وانظر للاستزادة الصارم المسلول 3 / 570.
7-
أسلوب الزجر بالإغلاظ في القول والضرب:
وفي مشروعيته الآية التي ورد فيها الإغلاظ للكفار والمنافقين ويدخل فيهم العصاة العتاة وهي قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَليْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التوبة:73]
وأيضا الأحاديث التي ورد فيها اللعن لفئات معينة من العصاة كالمصورين والمستوشمات والواشمات والمتنمصات وزوارات القبور والمغير منار الأرض.. ولا ريب أن اللعن يتضمن زجرا بليغا فهو الطرد والابعاد من رحمة الله التي وسعت كل شئ.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الإمام والمربي يزجر العتاة ويتخذ في ذلك من يعينه بعد الله تعالى، وقد جاء في حديث أنس رضي الله عنه “ أن قيس بن سعد رضي الله عنه كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير” 1.
ومن السنة العملية حديث عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ ائذنوا له بئس أخو العشيرة، أو بئس ابن العشيرة " فلما دخل ألان له الكلام، قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام؟! قال: “ أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه” 2.
وفي الحديث أن من زجر العصاة التحذير منهم ومن مسلكهم ويتأكد ذلك أن كانوا من أهل الأهواء والبدع الذين مضرتهم على الدين أكبر ومفسدتهم في الأمة أعظم من العصاة الذين تقتصر معاصيهم على أنفسهم وذويهم. لذا عنون البخاري فقال” باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب” ثم أورد فيه الحديث.
وقال النووي: وفي الحديث مداراة من يتقي فحشه وجواز غيبة الفاسق المعلن فسقه ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه.. وأما قوله “ بئس أخو العشيرة أو رجل العشيرة” فالمراد قبيلته أي بئس هذا الرجل منها3.
ومما يستدل به أيضا على زجر العصاة بالتحذير منهم ومن أعمالهم السيئة ما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا” قال الليث: كانا رجلين من المنافقين 4.
1 خ: الأحكام (7155)، ت: المناقب (3850) .
2 متفق عليه: خ: الأدب واللفظ له (6054)، م: البر والآداب والصلة (2591) .
3 المنهاج 16 / 144.
4 خ: الأدب (6068) وانفرد به.
ومن الزجر الضرب والتأديب وحلق الشعر مع مراعاة المصلحة المحققة للغرض وهو زجر العاصي وكفه عن المعصية قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: “ قال أبو عبد الرحمن النجيبي كنت قاعدا عند عمر بن عبد العزيز وهو إذ ذاك أمير المدينة فأتي برجل يقطع الدراهم وقد شهد عليه فضربه وحلقه وأمر فطيف به وأمره أن يقول: هذا جزاء من يقطع الدراهم ثم أمر أن يرد إليه، فقال:
إنه لم يمنعني أن أقطع يدك إلا أني لم أكن تقدمت في ذلك قبل اليوم وقد تقدمت في ذلك فمن شاء فليقطع، قال القاضي أبو بكر بن العربي: أما أدبه بالسوط فلا كلام فيه، وأما حلقه فقد فعله عمر، وقد كنت أيام الحكم بين الناس أضرب وأحلق وإنما كنت أفعل ذلك بمن يرى شعره عونا له على المعصية وطريقا إلى التجمل به في الفساد وهذا هو الواجب في كل طريق للمعصية أن يقطع إذا كان غير مؤثر في البدن، وأما قطع يده فإنما أخذ ذلك عمر من فصل السرقة وذلك أن قرض الدراهم غير كسرها فإن الكسر إفساد الوصف والقرض تنقيص للقدر فهو أخذ مال على جهة الاختفاء فإن قيل أليس الحرز أصلا في القطع قلنا يحتمل أن يكون عمر يرى أن تهيئنها للفصل بين الخلق دينارا أو درهما حرز لها وحرز كل سيء على قدر حاله وقد أنفذ ذلك ابن الزبير وقطع يد رجل في قطع الدنانير والدراهم، وقد قال علماؤنا المالكية إن الدنانير والدراهم خواتيم الله عليها اسمه ولو قطع على قول أهل التأويل من كسر خاتما لله كان أهلا لذلك أو من كسر خاتم سلطان عليه اسمه أدب وخاتم الله تقضى به الحوائج فلا يستويان في العقوبة قال ابن العربي وأرى أن يقطع في قرضها دون كسرها وقد كنت أفعل ذلك أيام توليتي الحكم إلا أني كنت محفوفا بالجهال فلم أجبن بسبب المقال للحسدة الضلال فمن قدر عليه يوما من أهل الحق فليفعله احتسابا لله تعالى1.
1 تفسير القرطبي 9 / 88 – 89.