الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الذِينَ لمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لعَلكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31-30]
- في تنمية الرقابة الذاتية التي تنهى المسلم بالدافع الذاتي عن الفحشاء والمنكر فتستوي عنده الخلوة والجلوة قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام:120]
وكم في الآيات البينات من دروس وعبر، وكم فيها من آداب وأخلاق، لو وفق الدعاة إلى تعليمها الناس وتربيتهم عليها وتبصيرهم بآثارالإلتزام بها لكان للناس شأن آخر.
2-
أسلوب تقوية الإيمان وتقوية الوازع الديني:
لا جرم أن الايمان بالله وبيوم الحساب وما فيه من جزاء وحساب وجنة ونار هو الصراط السوي الذي يحفز على التقوى ويقي المسلم بإذن الله تعالى مصارع السوء فإذا ما انتفى الإيمان أو ضعف، قويت نوازع الشر فغلبت الشهوات على النفس فلا يزال الإيمان والحال هذه في ضعف كما في أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: “ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن” 1.
إن الرقابة الذاتية والشعور بالذنب وهو ما يسمى بيقظة الضمير، هو الذي يعصم بعد الله تعالى من الوقوع في الاثم ومقارفة السيئات أو التمادي فيها، فإذا ما ضعف الإيمان وكلت العزيمة وخارت تنامى في النفس التهاون
1 متفق عليه: متفق عليه: خ: المظالم (2475)، م: الايمان (57) .
بمحارم الله والعياذ بالله، وهذا يتفاوت من جيل إلى جيل كما في حديث أنس رضي الله عنه قال:" إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات"1.
ويوضح هذا بجلاء أكثر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا، فقال أبو شهاب [يعني الراوي] بيده فوق أنفه "2.
ونقل ابن حجر عن المحب الطبري قال: إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته لأنه على يقين من الذنب وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قل خوفه واستهان بالمعصية3.
وقال قوله " إِنَّ المُؤْمِن يَرَى ذُنُوبه كَأَنَّهُ قَاعِد تَحْت جَبَل يَخَاف أَنْ يَقَع عَليْه" قال ابن أَبِي جمرة: “السَّبَب فِي ذَلِكَ أَنَّ قَلب المُؤْمِن مُنَوَّر، فَإِذَا رَأَى مِنْ نَفْسه مَا يُخَالِف مَا يُنَوِّر بِهِ قَلبه عَظُمَ الأَمْر عَليْهِ، وَالحِكْمَة فِي التَّمْثِيل بِالجَبَلِ أَنَّ غَيْره مِنْ المُهْلِكَات قَدْ يَحْصُل التَّسَبُّب إِلى النَّجَاة مِنْهُ بِخِلافِ الجَبَل إِذَا سَقَطَ عَلى الشَّخْص لا يَنْجُو مِنْهُ عَادَة. وَحَاصِله أَنَّ المُؤْمِن يَغْلِب عَليْهِ الخَوْف لِقُوَّةِ مَا عِنْده مِنْ الإِيمَان فَلا يَأْمَن العُقُوبَة بِسَبَبِهَا، وَهَذَا شَأْن المسلم أَنَّه دائم الخَوف وَالمراقبَة، يستصْغر عمله الصَّالح ويخشى من صغير عمله السَّيِّئ “. قوله “وإنّ الفَاجر يَرى ذنوبه كذباب “ في رواية أَبي الرَّبيع الزّهراني عن أَبِي شهاب عند الإِسماعيلِيّ “ يرى ذنُوبه كأَنَّهَا ذباب مرَّ على أَنْفه “ أَي ذَنْبه سهل عنده لا
1 خ: الرقاق (6492) ، أحمد المكثرين (12143) .
2 خ: الدعوات (6308)، ت: صفة القيامة (2497)، أحمد: المكثرين (3446) .
3 الفتح 11/ 105.
يعتقد أَنَّه يحصل له بسببه كبير ضرر، كما أن ضرر الذباب عنده سهل، وكذا دفعه عنه “1.
وحب الدنيا والخلود إليها وإلى شهوات النفس ومن ثم كراهية الأعمال الجادة النافعة الصائبة هو سبب الشقاء كما يبين ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره” 2.
فلا بد من امتثال المأمور وترك المحظور ولا بد أن يتحلى المسلم بهاتين الخصلتين معا، والاقتصار على واحدة دون الأخرى لا يجدي ولا يحقق المطلوب، قال ابن تيمية: “ ترك المكروه بدون فعل المحبوب ليس بمطلوب وإنما المطلوب بالمقصود الأول فعل ما يحبه الله ورسوله وترك المكروه متعين كذلك به تزكو النفس فإن الحسنات اذا انتفت عنها السيئات زكت فبالزكاة تطيب النفس من الخبائث وتعظم فى الطاعات كما أن الزرع إذا أزيل عنه الدغل زكا وظهر وعظم.
فصل: وأما طريق الوصول إلى ذلك فبالاجتهاد فى فعل المأمور وترك المحظور والاستعانة به على ذلك ففي صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال “المؤمن القوى خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنى فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإنّ لو تفتح عمل” 3.
وهذه المجاهدة التي ينوه بها شيخ الإسلام هي طريق السالكين إلى منازل العبودية لله رب العالمين، وقد أوضح ذلك ابن القيم رحمه الله فقال: “ في هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق وظهرت حقائق الرجال، فأكثرهم آثر الحلاوة
1 الفتح: موضع الحديث (6308) .
2 متفق عليه: خ: الرقاق (6487) واللفظ له، م: الجنة وصفة نعيمها (2823) .
3 مجموع الفتاوى 7 / 653.
المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول، ولا يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد، ولا ذل ساعة لعز الأبد، ولا محنة ساعة لعافية الأبد، فإن الحاضر عنده شهادة والمنتظر غيب والإيمان ضعيف، وسلطان الشهوة حاكم فتولد من ذلك ايثار العاجلة ورفض الآخرة، وهذا حال النظر الواقع على ظواهر الأمور وأوائلها ومبادئها، وأما النظر الثاقب الذي يخرق حجبه العاجلة ويجاوزه إلى العواقب والغايات فله شأن آخر”1.
وكأن ابن القيم رحمه الله يفسر بذلك ما في كتاب الله تعالى في قوله سبحانه: {كَلا بَل تُحِبُّونَ العَاجِلةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} [القيامة 20-21] .
وقوله تعالى: {بَل تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى16-17] .
وتفريعا على ما سبق نقول: من الوسائل التي بها يتقوى الإيمان وتزكو النفس فتنبو عن الخسائس:
- إقامة الفروض لاسيما الصلوات الخمس كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم “ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر” 2.
فأداء العبادات وجملة الطاعات يقوي الإيمان، وللطاعة أثر حميد في النفس يبعث فيها المضي في الخير والكف عن الشر. ذكر ابن القيم رحمه الله أثر العبادة في النفس حتى تجد راحتها في العبادة والمناجاة ثم قال: “ فإذا حصل للنفس هذا الحظ الجليل فأي فقر يخشى معه وأي غنى فاتها حتى تلتفت إليه ولا يحصل لها
1 زاد المعاد 4 / 196.
2 م: الطهارة (233) واللفظ له، ت: الصلاة (214) وقال حسن صحيح، ماجة: إقامة الصلاة (1086)، أحمد: المكثرين (6832) .
هذا حتى ينقلب طبعها ويصير مجانسا لطبيعة القلب فتصير بذلك مطمئنة بعد أن كانت لوامة وإنما تصير مطمئنة بعد تبدل صفاتها وانقلاب طبعها لاستغناء القلب بما وصل إليه من نور الحق سبحانه فجرى أثر ذلك النور في سمعه وبصره وشعره وبشره وعظمه ولحمه ودمه وسائر مفاصله وأحاط بجهاته من فوقه وتحته ويمينه ويساره وخلفه وأمامه وصارت ذاته نورا وصار عمله نورا وقوله نورا ومدخله نورا ومخرجه نورا وكان في مبعثه ممن انبهر له نوره فقطع به الجسر.
وإذا وصلت النفس إلى هذه الحال استغنت بها عن التطاول إلى الشهوات التي توجب اقتحام الحدود المسخوطة والتقاعد عن الأمور المطلوبة المرغوبة فإن فقرها إلى الشهوات هو الموجب لها التقاعد عن المرغوب المطلوب وأيضا فتقاعدها عن المطلوب بينهما موجب لفقرها إلى الشهوات فكل منهما موجب للآخر وترك الأوامر أقوى لها من افتقارها إلى الشهوات فإنه بحسب قيام العبد بالأمر تدفع عنه جيوش الشهوة كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَر} [العنكبوت:45]1.
- ومما يقوي الإيمان التحصن بالأدعية والأوراد المشروعة، وقد نبه إليها أهل العلم وبينوا خصائصها وتأثيرها كما في كلام ابن القيم رحمه الله قال: “وأصل المعاصي كلها العجز فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات، وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي وتحول بينه وبينها فيقع في المعاصي فجمع هذا الحديث الشريف استعاذته صلى الله عليه وسلم من أصول الشر وفروعه ومبادئه وغاياته وموارده ومصادره، وهو مشتمل على ثمان خصال كل خصلتين منها قرينتين فقال “ أعوذ بك من الهم والحزن” وهما قرينتان، فإن المكروه الوارد على القلب ينقسم باعتبار سببه إلى قسمين: فإنه إما أن يكون سببه أمرا ماضيا فهو يحدث الحزن،
1 طريق الهجرتين – ص 71
وإما أن يكون توقع أمر مستقبل فهو يحدث الهم وكلاهما من العجز “1.
والحديث المشار إليه رواه أنس رضي الله عنه مرفوعا وهذا نصه: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال" ولفظ مسلم " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات"2.
والخلاصة أن سبب المعصية ضعف الإيمان الذي يولد العجز عن الطاعات وفي حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله” 3.
- ومما يقوي الإيمان: تدبر آيات الله الكونية والقرآنية أما الكونية فأكثر من يحاط بها، وما من لمحة بصر إلا ولله فيها آية تدل على أنه لا إله إلا هو.
وأما الآيات القرآنية فكثيرة أيضا، منها قوله تعالى:{مَا يَلفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] إن تدبر هذه الآيات يغرس في النفس الخوف من الجبار ومن شديد عذابه وأليم عقابه. ولنتدبر قليلا هذه الآية الشريفة التي تقرر أن الله تعالى يحصي على الناس كل أقوالهم وأفعالهم..
وينبغي أن تتنامى في وجدان المسلم هذه الحقيقة الإيمانية وهي كتابة أعماله وأقواله صغيرها وكبيرها وأن يستحضرها في كل حال، قال ابن تيمية رحمه الله: “وقد اختلف أهل التفسير هل يكتب جميع أقواله؟ فقال مجاهد وغيره: يكتبان كل شئ حتى أنينه في مرضه. وقال عكرمة لا يكتبان الا ما يؤجر عليه أو يؤزر. والقرآن يدل على أنهما يكتبان الجميع فإنه قال: {مَا يَلفِظُ مِنْ قَوْلٍ}
1 زاد المعاد 2 / 358 – 359.
2 متفق عليه: خ: الدعوات (6363)، م: الذكر والدعاء (2706) .
3 ت: صفة القيامة (2459)، ماجة: الزهد (4260) .