الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نكرة في الشرط مؤكدة بحرف (من) فهذا يعم كل قوله وأيضا فكونه يؤجر على قول معين أو يؤزر يحتاج إلى أن يعرف الكاتب ما أمر به وما نهى عنه فلا بد في إثبات معرفة الكاتب به إلى نقل، وأيضا فهو مأمور إما بقول الخير وإما بالصمات، فإذا عدل عما أمر به من الصمات الى فضول القول الذي ليس بخير كان هذا عليه فإنه يكون مكروها والمكروه ينقصه
…
”1.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]
ومَن مِن الناس يسترسل في الكلام الفارغ أو العمل الباطل بعد أن يوقن أن كل حركة وهمسة تحصى عليه؟! إلا أن يكون غافلا ذا لهو أو ماجنا ذا فسق.
1 مجموع الفتاوى 7 / 49.
3-
أسلوب الوعظ والتذكير:
قال الله تعالى: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُمْ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلمُ بِمَنْ ضَل عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلمُ بِالمُهْتَدِينَ} [النحل:125] في الآية الشريفة تقرير لأسلوب الوعظ، وفيها أن الوعظ لا بد من تقييده بخُلق الداعية المسلم المستنير بنور الله المستهدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كي تكون الموعظة حسنة.
فالحديث هنا من وجهين:
الوجه الأول معرفة السبيل الأقوم للإنتفاع بالموعظة:
ولا بد لتحقيق الانتفاع بالموعظة وبالتذكير من أمرين أساسين:
الأول: صلاح حال الواعظ حتى تتحقق المصادقية في مواعظه.
الثاني: زوال الموانع التي تعيق الانتفاع بالموعظة كاتباع الهوى والرين الذي يغطي على القلب.
وفي هذا قال ابن القيم رحمه الله: “ المنيب المتذكر لا تشتد حاجته إليها [أي الموعظة] كحاجة الغافل المعرض فإنه شديد الحاجة جدا إلى العظة ليتذكرما قد نسيه فينتفع بالتذكر وأما العمى عن عيب الواعظ: فإنه إذا اشتغل به حرم الانتفاع بموعظته لأن النفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به وهذا بمنزلة من يصف له الطبيب دواء لمرض به مثله والطبيب معرض عنه غير ملتفت إليه بل الطبيب المذكور عندهم: أحسن حالا من هذا الواعظ المخالف لما يعظ به لأنه قد يقوم عنده دواء آخر عنده مقام هذا الدواء وقد يرى أن به قوة على ترك التداوي وقد يقنع بعمل الطبيعة وغير ذلك بخلاف هذا الواعظ فإن ما يعظ به طريق معين للنجاة لا يقوم غيرها مقامها ولا بد منها ولأجل هذه النفرة قال شعيب عليه السلام لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] وقال بعض السلف: إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنهي: فإذا أمرت بشيء فكن أول الفاعلين له المؤتمرين به وإذا نهيت عن شيء فكن أول المنتهين عنه وقد قيل:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام ومن الضنى تمسي وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتى مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
إبدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم
فالعمى عن عيب الواعظ: من شروط تمام الانتفاع بموعظته وأما تذكر الوعد والوعيد: فإن ذلك يوجب خشيته والحذر منه ولا تنفع الموعظة إلا لمن آمن به وخافه ورجاه قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ}
[هود:103] وقال: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:10] وقال: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات [45] وأصرح من ذلك قوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] فالإيمان بالوعد والوعيد وذكره: شرط في الانتفاع بالعظات والآيات والعبر يستحيل حصوله بدونه قال وإنما تستبصر العبرة بثلاثة أشياء: بحياة العقل ومعرفة الأيام والسلامة من الأغراض إنما تتميز العبرة وترى وتتحقق بحياة العقل والعبرة هي الاعتبار وحقيقتها: العبور من حكم الشيء إلى حكم مثله فإذا رأى من قد أصابته محنة وبلاء لسبب ارتكبه علم أن حكم من ارتكب ذلك السبب كحكمه وحياة العقل: هي صحة الإدراك وقوة الفهم وجودته وتحقق الانتفاع النور {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ} [إبراهيم:5] .
وقد فسرت أيام الله بنعمه وفسرت بنقمه من أهل الكفر والمعاصي، فالأول تفسير ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد، والثاني: تفسير مقاتل.
والصواب: أن أيامه تعم النوعين وهي وقائعه التي أوقعها بأعدائه ونعمه التي ساقها إلى أوليائه وسميت هذه النعم والنقم الكبار المتحدث بها أياما لأنها ظرف لها تقول العرب فلان عالم بأيام العرب وأيام الناس أي بالوقائع التي كانت في تلك الأيام فمعرفة هذه الأيام توجب للعبد استبصار العبر وبحسب معرفته بها تكون عبرته وعظته قال الله تعالى: {لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلبَابِ} [يوسف: 111] ولا يتم ذلك إلا بالسلامة من الأغراض وهي متابعة الهوى والانقياد لداعى النفس الأمارة بالسوء فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل ويعمي بصيرة القلب ويصد عن اتباع الحق ويضل عن الطريق المستقيم فلا تحصل بصيرة العبرة معه ألبتة والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره فأرته نفسه الحسن في صورة القبيح والقبيح في صورة الحسن فالتبس عليه الحق بالباطل فأنى له الانتفاع بالتذكر والتفكر أو بالعظة.”1.
1 مدارج السالكين 1/446-449.
الوجه الثاني: معرفة آداب المواعظ:
وهو أمرلا بد للداعية من معرفته ومراعاته كي تكون موعظته حسنة، فيتجنب السب والشتم واللعن وبذاءة اللسان وفحش القول والسخرية وحب الانتقام للنفس وكل ما نهى عنه الشرع. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: “ وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شئ قط الا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله” 1.
وتأمل كيف وعى الصحابة هذا القصد في الوعظ والنصح روى ابن الجوزي رحمه الله قال: مر أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله عز وجل الذي عافاكم. قالوا أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي2.
ومن فقه الدعوة في هذه معرفة دقيق العلم المتعلق به، قال ابن تيمية بعد أن ذكر المذهبين في جواز لعن العصاة وعدم جوازه: “ والتحقيق أن هذين القولين يسوغ فيهما الإجتهاد فإن اللعنة لمن يعمل المعاصى مما يسوغ فيها الاجتهاد وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات بل لا يتنافا عندنا أن يجتمع فى الرجل الحمد والذم والثواب والعقاب كذلك لا يتنافا أن يصلى عليه ويدعى له وأن يلعن ويشتم أيضا باعتبار وجهين.
فإن أهل السنة متفقون على أن فساق أهل الملة وإن دخلوا النار أو استحقوا دخولها فإنهم لا بد أن يدخلوا الجنة فيجتمع فيهم الثواب والعقاب ولكن الخوارج والمعتزلة تنكر ذلك وترى أن من استحق الثواب لا يستحق العقاب، ومن استحق العقاب لا يستحق الثواب، والمسئلة مشهورة وتقريرها في غير هذا الموضع، وأما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسألة فى الجنائر
1 متفق عليه: خ: المناقب (3560) واللفظ له، م: الفضائل (2327) .
2 صفة الصفوة 1/640.
فإن موتى المسلمين يصلى عليهم برهم وفاجرهم وأن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه لكن الحال الاول أوسط وأعدل وبذلك أجبت مقدم المغل بولاى لما قدموا دمشق فى الفتنة الكبيرة وجرت بينى وبينه وبين غيره مخاطبات فسألنى فيما سألنى: ما تقولون فى يزيد؟ فقلت: لا نسبه ولا نحبه! فإنه لم يكن رجلا صالحا فنحبه ونحن لا نسب أحدا من المسلمين بعينه فقال أفلا تلعنونه أما كان ظالما؟ أما قتل الحسين؟ فقلت له نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله فى القرآن {أَلا لعْنَةُ اللهِ عَلى الظَّالِمِينَ} [هود:18] ولا نحب أن نلعن أحدا بعينه وقد لعنه قوم من العلماء وهذا مذهب يسوغ فيه الإجتهاد لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن. وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضى بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
قال: فما تحبون أهل البيت؟ قلت: محبتهم عندنا فرض واجب يؤجر عليه فإنه قد ثبت عندنا فى صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعى هما بين مكة والمدينة فقال: “ أيها الناس إنى تارك فيكم الثقلين كتاب الله فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال وعترتى
…
“ 1.
وقال: “ واعلم أنه لا منافاة بين عقوبة الإنسان في الدنيا على ذنبه وبين الصلاة عليه والإستغفار له فإن الزاني والسارق والشارب وغيرهم من العصاة تقام عليهم الحدود ومع هذا فيحسن إليهم بالدعاء لهم في دينهم ودنياهم فإن العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده فهي صادرة عن رحمة الله وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على الذنوب أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد
1 ت: المناقب (3788) وقال حسن غريب، أحمد: المكثرين (10681) ، وانظر مجموع الفتاوى 4/486 وما يليها.
الطبيب معالجة المريض فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما أنا لكم بمنزلة الوالد وقد قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب] “1.
قال ابن حزم رحمه الله في أهمية إلتزام الدعاة بآداب المواعظ: “ الإتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب، فمن وعظ بالجفاء والإكفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته صلى الله عليه وسلم وصار في أكثر الأمر مغريا للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجا وحردا ومغايظة للواعظ الجافي، فيكون في وعظه مسيئا لا محسنا، ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ بما يستفتح من الموعوظ فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة، فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء، فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ، فهذا أدب الله في أمره بالقول واللين، وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه بالموعظة لكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، وقد أثنى عليه الصلاة والسلام على الرفق وأمر بالتيسير ونهى عن التنفير، وكان يتخوّل بالموعظة خوف الملل، وقال الله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لهُمْ وَلوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159] .
وأما الغلظة والشدة فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة.
ومما ينجع في الوعظ أيضا الثناء بحضرة المسئ على من فعل خلاف فعله، فهذا داعية إلى عمل الخير، وما أعلم لحب المدح فضلا إلا هذا وحده، وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء، ولهذا يجب أن يؤرخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره، ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه ويتعظ بما سلف”2.
1 منهاج السنة 5 / 237.
2 الأخلاق والسير – ص 63 وما بعدها.
ومن أجلّ أساليب الوعظ: التذكير فهو أجلّ الأساليب في وعظ العصاة، والتذكير ضرب من الوعظ حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه ربه بصفة التذكير فقال تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21]
ولا ينتفع بالتذكير إلا من كان له إيمان وخوف من الله وخشية منه ويخاف الحساب قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:9-10] وقال تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَنْ يُنِيبُ} [غافر:13] وقال تعالى: {فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] وقال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لهُ قَلبٌ أَوْ أَلقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]
وقال تعالى في مدح الذين يتأثرون بالموعظة والتذكير بالله: {وَالذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لمْ يَخِرُّوا عَليْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان:73]
ومما يقع التذكير به أيضا التذكير بأيام الله قال تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُل صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5] ومن التذكير بأيام الله تذكير بنعمه وآلائه، ولا ينتفع بالتذكير بأيام الله إلا الصبار الشكور وهو كثير الصبر والشكر.
ومن التذكير بالله التخويف به تعالى وعقابه وأليم عذابه كما في قوله تعالى: {وَلِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى} [النجم:31] وقوله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالا وَسَعِيرًا إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان:4-5] ومن السنة ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا” 1.
1 خ: الرقاق (6458)، ت: الزهد (2313)، أحمد: المكثرين (7186) .
ومن التذكير التذكير برحمة الله وسعة عفوه ترغيبا في الإنابة، والنفوس إذا أكثرت من الذنوب عميت عن رؤية الهدى فارتكست في الغي والضلال إلا أن تتداركها رحمة الله، والله تعالى يقول:{وَهُوَ الذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى:25] .
ومن أنفع التذكير التذكير بالقِصاص الذي لا مندوحة عنه في حقوق المخلوقين إن لم يحصل بينهم تسامح، يدل عليه حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: “ إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة “ 1.
قال الإمام ابن حجر رحمه الله: “ دل هذا الحديث على أن المراد بالذنوب في حديث بن عمر ما يكون بين المرء وربه سبحانه وتعالى دون مظالم العباد فمقتضى الحديث أنها تحتاج إلى المقاصصة ودل حديث الشفاعة أن بعض المؤمنين من العصاة يعذب بالنار ثم يخرج منها بالشفاعة كما تقدم تقريره في كتاب الإيمان فدل مجموع هذه الأحاديث على أن العصاة من المؤمنين في القيامة على قسمين:
أحدهما من معصيته بينه وبين ربه فدل حديث بن عمر على أن هذا القسم على قسمين: قسم تكون معصيته مستورة في الدنيا فهذا الذي يسترها الله عليه في القيامة وهو بالمنطوق وقسم تكون معصيته مجاهرة فدل مفهومه على أنه بخلاف ذلك.
والقسم الثاني من تكون معصيته بينه وبين العباد فهم على قسمين أيضا قسم ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء يقعون في النار ثم يخرجون بالشفاعة وقسم تتساوى سيئاتهم وحسناتهم فهؤلاء لا يدخلون الجنة حتى يقع بينهم التقاص كما دل عليه حديث أبي سعيد وهذا كله بناء على ما دلت عليه
1 خ: المظالم (2440)، أحمد: المكثرين (10673) .