الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: أساليب دعوة العصاة
أسلوب التعليم والتبصير
…
المحور الثاني: أساليب دعوة العصاة
إن اشتغال الدعاة بدعوة العصاة لهو العمل الأكبر الذي يقومون به داخل المجتمع الإسلامي، ولا يقل أهمية وفضلا عن دعوة غير المسلمين، وأساليب دعوة العصاة المسلمين تتنوع وتتعدد بتعدد العصاة وتعدد المعاصي وتفاوتها، وأيضا تنوع أسباب وقوع الناس في المعاصي، وهذا أمر يلمسه الداعية الدارس لأساليب الدعوة المتأمل في النصوص التي تضبطها وتحكمها وتفصل الحديث فيها.
ويمكن تلخيص تلك الأساليب في الآتي:
1-
أسلوب التعليم والتبصير.
2-
أسلوب تقوية الايمان وتقوية الوازع الديني.
3-
أسلوب الوعظ والتذكير.
4-
أسلوب التأليف والستر.
5-
أسلوب حفز العاطفة واثارة الشعور والغيرة.
6-
أسلوب الاستتابة.
7-
أسلوب الزجر بالاغلاظ في القول والضرب.
8-
الردع بإقامة الحدود الشرعية والكفارات.
9-
أسلوب تغيير البيئة.
10-
إيجاد البدائل.
11-
أسلوب الهجر.
ولنتناول كل واحد من هذه الأساليب بشئ من التفصيل على ضوء الكتاب والسنة النبوية الشريفة والسيرة العطرة وبعض مواقف السلف الصالح، فأقول وبالله تعالى التوفيق ومنه جل وعلا التسديد والتأييد:
1-
أسلوب التعليم والتبصير:
وهو أسلوب يأتي في المقدمة، ويأخذ مكانته في أوليات سُلم الأساليب، لأن العلم يسبق القول والعمل، والمؤاخذة والمعاتبة والمناصحة وغير ذلك من أساليب التربية والتقويم والدعوة إنما تسوغ بعد التعليم والتبصير والتنوير وإقامة الحجة وإيضاح المحجة!.
وبأسلوب التعليم والتبصير يتحقق البلاغ وتقام الحجة، وينبغي أن يسبق التعليمُ المؤاخذةَ والمحاسبة وهذا هو الترتيب الطبيعي لإصلاح العصاة.
وللعلماء تفصيل في إلزام المسلم بمعرفة الأحكام التفصيلية ليس هنا موضع إيرادها، ومن الإشارة إليها ما قاله ابن تيمية: “ اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، قيل يثبت وقيل لا يثبت وقيل يثبت المبتدأ دون الناسخ، والصحيح الذي دل عليه القرآن في قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الاسراء:15] .
وقوله {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:165] .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ ما أحد أحب اليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين” 1،2.
وفي أسلوب العلم والتعليم عدد من الثوابت والمبادئ التي لابد للداعية من معرفتها وتعلمها وتعليمها وتبصير العصاة بها، ومنها:
أ) العلم بشرط قبول العمل وهو منحصر في الإخلاص والمتابعة، كما قال
1 متفق عليه: خ: التوحيد (7416)، م: اللعان (1499) .
2 مجموع الفتاوى 3/288.
تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ} [الملك:2] قال الفضيل بن عياض رحمه الله: “ أخلصه وأصوبه فان العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة”1.
فالعمل الصالح لا بد أن يراد به وجه الله تعالى فان الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه وحده كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ يقول الله أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا برئ منه وهو كله للذي أشرك” 2،3.
ب) تعليم المسلمين التوحيد وتبصيرهم به وبأهميته القصوى وتربيتهم عليه، لا سيما توحيد الألوهية الذي هو أصل الدين وأساسه وهو الأصل الذي دعا إليه كل الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن تتبع الآيات القرآنية الشريفة التي تأمر بالتوحيد وتحض عليه وتنوه بقيمته وأهميته، وتنهى عن الشرك وتحذر من خطره يجد حشدا كبيرا، الأمر الذي يبرز أهمية التوحيد وأنه أساس كل دعوة وأصل كل عمل شريف، ولنذكر منها الآيات التالية:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة [5] .
{وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لا إِلهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163] .
1 حلية الأولياء 8 / 95 ترجمة الفضيل بن عياض ط: 1405هـ بيروت.
2 م: الزهد (2985)، ماجة: الزهد (4202)، أحمد: المكثرين (7658) واللفظ له.
3 مجموع الفتاوى 28 / 134.
{اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} [آل عمران:2] .
{هُوَ الذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلهَ إِلا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [آل عمران:6] .
{شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لا إِلهَ إِلا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [آل عمرانك:18] .
{اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ ليَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللهِ حَدِيثًا} [النساء:87] .
{ذَلِكُمْ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُل شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام:102] .
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِليْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ المُشْرِكِينَ} [الأنعام:106] .
{إِنَّمَا إِلهُكُمْ اللهُ الذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُل شَيْءٍ عِلمًا} [طه:98] .
{وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِليْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] .
{بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} [الزمر] .
{هُوَ الحَيُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لهُ الدِّينَ الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالمِينَ} [غافر:65] .
{لا إِلهَ إِلا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ} [الدخان:8] .
{هُوَ اللهُ الذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ هُوَ اللهُ
الذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23] .
{رَبُّ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [المزمل:9] .
والآيات البينات ونظائرها في تقرير التوحيد كثيرة جدا، وهي على كثرتها وتنوع دلالاتها تؤكد وترسخ هذا الأصل الذي عليه تقوم كل دعوة وعليه يؤسس كل مجتمع راشد إنه أصل توحيد العبادة وهو توحيد الألوهية الذي هو أصل الأصول.
ومن السنة النبوية من عشرات الأحاديث حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قال الله ورسوله أعلم قال أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حقهم عليه قال الله ورسوله أعلم قال أن لا يعذبهم “ 1.
وللتوحيد مستلزمات ومقتضيات حرص عليها المسلمون مذ كانوا، ومن عشرات الأمثلة عليه من سيرة السلف حديث عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن أخت زينب امرأة عبد الله عن زينب قالت كانت عجوز تدخل علينا ترقي من الحمرة وكان لنا سرير طويل القوائم وكان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت فدخل يوما فلما سمعت صوته احتجبت منه فجاء فجلس إلى جانبي فمسني فوجد مس خيط فقال ما هذا فقلت رقى لي فيه من الحمرة فجذبه وقطعه فرمى به وقال لقد أصبح آل عبد الله أغنياء عن الشرك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “ إن الرقى والتمائم والتولة شرك” 2.
قلت فإني خرجت يوما فأبصرني فلان فدمعت عيني التي تليه فإذا رقيتها
1 متفق عليه: خ: التوحيد (7373) واللفظ له، م: الإيمان (30) .
2 ابن حبان 13/456 (6090) ، البيهقيّ 9/350 (19387)، د:(3883) .
سكنت دمعتها، وإذا تركتها دمعت قال ذاك الشيطان إذا أطعته تركك وإذا عصيته طعن بإصبعه في عينك ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفين تنضحين في عينك الماء وتقولين " أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما"1.
ج) معرفته بأن مدار الفوز بالجنة والنجاة من النار محض رحمة الله تعالى وتفضله، وهذه الرحمة تتحقق بشرط الايمان والعمل الصالح، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ لن ينجي أحدا منكم عمله” قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: “ ولا أنا الا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشئ من الدلجة والقصد القصد تبلغوا” 2.
وفي الحديث كما قال ابن حجر: أن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لأنه إنما عمل بتوفيق الله وإنما ترك المعصية بعصمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته3.
د) ومما ينبغي تعليم العصاة وتبصيرهم به مما هو مندرج في مضامين التربية والتعليم:
التبصير بأن للذنوب والمعاصي آثارا وخيمة في الحياة الدنيا وتبعة ثقيلة في الآخرة إن لم تتدارك العصاة رحمة الله، فمن آثار الذنوب في الدنيا ذهاب النعم وحلول النقم، ومن الشواهد العملية ما حصل للمسلمين يوم أحد من الهزيمة والضعف، قال الله تعالى:{إِنَّ الذِينَ تَوَلوْا مِنْكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران:155]
1 متفق عليه: خ: المرضى (5675)، م: السلام (2191) .
2 متفق عليه: خ: الرقاق (6463) واللفظ له، م: صفات المنافقين (2816) .
3 الفتح 11 / 297.
ثم قارن بين الحالين حال التقاة وحال العصاة فقال {أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [آل عمران:162]
ثم بين أن الذنوب سبب الضعف والمصائب فقال: {أَوَلمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْليْهَا قُلتُمْ أَنَّى هَذَا قُل هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165] في آيات مترابطة محكمة يعتبر بها أولوا الألباب.
ومن الأمثلة أيضا أن الله تعالى حذر من عواقب المعصية بكل صورها وأشكالها وأنها عواقب وخيمة ينبئ عنها أسلوب التهديد في قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام:120] .
وهذا ولا شك تهديد ووعيد شديد من رب الأرباب وقيوم السموات، والجزاء بالمعاصي يكون في الدنيا أو في الآخرة أو في الدارين معا أجارنا الله من ذلك، وقال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]
أي ما أصابكم من مصائب الدنيا فسببها أعمالكم السيئة فضلا عن عواقبها الوخيمة في الآخرة إن لم يغفرها الله، ومثله قوله تعالى:{إِنَّ الذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلمُونَ} [النور:19] فذكر هاهنا عذاب الدنيا والآخرة لمن يعمل على نشر الفواحش في صفوف المؤمنين.
وقد يكون أثر التمادي في المعاصي وبيلا جدا قال ابن تيمية رحمه الله: “ولا ريب أن المعصية قد تكون بريد الكفر فينهى عنها خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط كما قال تعالى: {قَدْ يَعْلمُ اللهُ الذِينَ يَتَسَللُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَليَحْذَرْ الذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وإبليس
خالف أمر الله فصار كافرا وغيره أصابه عذاب أليم1.
ومما ينبغي تعليمه العصاة وتبصيرهم به أن الله تبارك وتعالى بين أن آثار المعاصي لا تقتصر على العصاة فقط وإنما تعم المجتمع بأسره قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الذِينَ ظَلمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال:25] بل وتبقى آثار المعاصي من شؤمها حتى على غير البشر ودليله ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك “ 2.
وأن من نجا من آثار الذنوب وتبعات المعاصي يوم القيامة فقد فاز وأفلح قال تعالى: {وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [غافر:9] .
وقال في الهالكين من العصاة المجرمين {يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ} [الرحمن:41] .
ومن أساليب القرآن العظيم في ذلك بيان أثر الطاعة الحميد مع بيان أثر المعصية الوخيم ليختار الانسان لنفسه ما يتحمل تبعته ويتكبد معرته! وهو أثر يمتد من الحياة الدنيا ليشمل الدار الآخرة، مما ورد في أهل الطاعة والمتقين:
- قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظْلمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124] .
- وقوله تعالى: {مَنْ عَمِل صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] .
- وقال في موضع: {إِنَّ الذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَليْهِمْ وَلا
1 مجموع الفتاوى 7 / 494.
2 أحمد: بني هاشم (3356)، ت: الحج (877) .
هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13-14]
- وقال: {إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات:15]
- وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]
وهذه النصوص ونظائرها مما مضى ومما سيأتي إن شاء الله تعالى مادة علمية جليلة يستمد منها الداعية مواعظه بين المؤمنين ويقيم عليها أسلوبه في الخطاب والحوار والمواقف.
ولا تنبغي الاستهانة بالأمر بالمعروف ولو كان قليلا فإنه بالإخلاص يعظم حتى ينجي بإذن الله صاحبه من العقاب وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق” 1.
ومن السير قصة البغيّ من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني اسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها “ 2.
وفي وصف أهل الطاعة والتقوى أهل الجنة وهم أهل الايمان والعمل الصالح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك وسعديك فيقول هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك. فيقول أناأعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا رب وأي شئ أفضل من ذلك. فيقول: أهل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا” 3.
1 م: البر والصلة (2626)، ت: الأطعمة (1833)، أحمد: مسند المكيين (15389) واللفظ له.
2 متفق عليه: خ: أحاديث الأنبياء (3467)، م: السلام (2245) .
3 متفق عليه: خ: الرقاق (6549)، م: الايمان (183) .
يا لها من بشارة لو فقهها المؤمنون وأعدوا لها عدتها!.
ومما ورد في أهل المعصية سوى ما تقدم قوله تعالى: {كُل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ اليَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ المُجْرِمِينَ مَا سَلكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لمْ نَكُ مِنَ المُصَلينَ وَلمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ} [المدثر:38-47] ففي الآية الشريفة أن من أسباب دخول النار: ترك الصلاة إما كسلا أو جحودا وعدم إطعام المسكين، وكذلك الخوض مع الخائضين والتكذيب بيوم الدين، وهذه معاصي كبيرة كما ترى.
ومما ورد على سبيل المقارنة بين الحالين والتباين بين السبيلين قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ مَا لكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:36-35] .
وقال في موضعٍ بعد أن ذكر أهل النار وأهل الجنة: {مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَل يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [هود:24] .
وليس بعد هذه الآيات البينات بيان ولا بعدها حجة ولا برهان {تِلكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَليْكَ بِالحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية:6] .
ج) ومن مجالات التعليم في تبصير العصاة: تعريفهم بحقيقة الدنيا وأنها دار ابتلاء وامتحان كي لا يغتروا بها ولا يركنوا إليها ولا تلهيهم عن معالي الأمور
د) ومما يندرج في ذلك إيجاد القناعة لدى المسلم بما كتب الله له فلا تطمح عينه إلى حقوق الآخرين ولا تمتد يده إلى أموالهم ولا يلوك لسانه أعراضهم فمتى حصلت لديه القناعة بحرمة الآخرين وحرمة حقوقهم ومكتسباتهم لم يتعد حدوده، وفي هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله “1.
هـ) ومن مجالات تعليمهم وتبصيرهم: إيقافهم على آثار الإستغفار والتوبة والأوبة في الدنيا والآخرة من ازدياد الثمار ونزول البركة وارتفاع القحط ورخص الأسعار ونحو ذلك وفي الآخرة مغفرة ورضوان وأن ترك الاستغفار والتمادي في المعاصي على العكس من ذلك، وفي هذا قول الباري جل ذكره في قصة هود عليه السلام:{وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِليْهِ يُرْسِل السَّمَاءَ عَليْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52] وقال في داود عليه السلام: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لهُ عِنْدَنَا لزُلفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:25] وقال في دعوة نوح عليه السلام: {فَقُلتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِل السَّمَاءَ عَليْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لكُمْ أَنْهَارًا مَا لكُمْ لا تَرْجُونَ لِلهِ وَقَارًا} [نوح:13-10] إن هذا الأسلوب التربوي الإيماني يفتح في المؤمن البصيرة فيرى بنور الله ويزيده ذلك إيمانا ويقينا، لذا يكون حساسا كثير الخوف من الله فيتقه ويتقي
1 متفق عليه: خ: الرقاق (6490)، م: الزهد (2963) واللفظ له.
عقابه وغضبه باتقاء المعاصي، وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان مرهف الحس، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه) قالت فقلت له، فقال: وما أدري لعله كما قال الله تعالى: {فَلمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِل أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَل هُوَ مَا اسْتَعْجَلتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف:24] ” 1.
و) ومن مجالات تبصير العصاة أيضا: تعليمهم الآداب والأخلاق الإسلامية التي هي بمثابة التحصين لهم من الوقوع في المعاصي وهي من التدابير الشرعية لقطع دابر المعصية قبل وقوعها وقبل تكرارها وهذا ما يعبرون عنه بقولهم الوقاية خير من العلاج، وهذا باب تربوي عظيم ولنضرب فيه بعض الأمثلة:
- في الدخول إلى البيوت لابد من استئذان وإعلام كي لا يقع البصر على عورة أو تمتد يد إلى محرم أو يتعلق قلب بشهوة موبقة، ولا يجوز الهجوم في الدخول كيفما اتفق، وفي تقرير هذا الأدب الإسلامي الجليل قول الباري جل ذكره:{يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلمُوا عَلى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لكُمْ لعَلكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لكُمْ وَإِنْ قِيل لكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور:28-27] .
- في سلوك المسلم العام لابد من حفظ البصر والسمع والفؤاد عما نهى الله عنه صيانة له من العطب ووقاية لأخلاقه من كل شر وسوء قال تعالى: {قُل لِلمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِلمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُن إِلا لِبُعُولتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولتِهِنَّ أَوْ
1 ت: التفسير (3257) وقال حسن صحيح.