المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الردع بإقامة الحدود الشرعية والتعزيز والكفارات: - أساليب دعوة العصاة

[عبد الرب نواب الدين]

الفصل: ‌ الردع بإقامة الحدود الشرعية والتعزيز والكفارات:

وينبغي في أسلوب الزجر مراعاة الحكمة ومنها:

أن يمازج بين الزجر واللين كل بحسب الحال والمقتضى، لا سيما إن كان يقوم بالزجر أكثر من واحد كالأبوين أو الحاكم ونائبه فيأخذ هذا بالزجر وهذا باللين ليذهب كل منهما ما لدى الآخر من الفتور أو الغلظة، ومن الأمثلة عليه ما رواه ابو بكر الكوفي قال حدثنا عبد الله بن نمير عن مجالد عن الشعبي قال قال زياد: “ كتب إلي أمير المؤمنين أنه ليس ينبغي لي ولا لك ان نسوس الناس سياسة واحدة أن نلين جميعا فتمرح الناس في المعصية ولا أن نشد جميعا فنحمل الناس على المهالك ولكن تكون للشدة والفظاظة وأكون للين والرأفة والرحمة” 1.

أن يتجنب السب والشتم واللعن ـ كما تقدم ذكره في أسلوب الوعظ ـ فإن ذلك ليس من منهاج الصالحين وقد يتورط فيه من يتكرر منه الزجر كالآباء والمعلمين ونحوهم، ومما يتجنب أيضا الدعاء على المزجور ففي حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم “ 2.

والخلاصة أن الزجر أسلوب في منع العاصي من المضي في معصيته وينبغي أن لا يكون للتشفي ولا للإهانة لذاتها، ولا للإنتقام للنفس ولا لشئ من مقاصد النفس، وإنما يكون الزجر لله تعالى ولانتهاك محارمه وتعدي حدوده، وإذا لم ينفع العاصي الزجر فالردع، وفيما يلي الحديث عنه.

1 مصنف بن أبي شيبة 6 / 187 (30554) .

2 م: الزهد والرقائق (3014)، د: الصلاة (1309)، أحمد: الأنصار (25732)

ص: 217

8-

‌ الردع بإقامة الحدود الشرعية والتعزيز والكفارات:

أما الحدود الشرعية: فهي حد القتل قصاصا، والقتل للردة، وحد

ص: 217

الحرابة، وحد الزنا، وحد اللواط، وحد القذف، وحد السكر، وحد القصاص في الأطراف، والتعزير متروك لاجتهاد الحاكم.

ولنضرب بعض الأمثلة والأدلة على هذه الحدود:

- في حد القتل قصاصا قول الباري جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَليْكُمْ القِصَاصُ فِي القَتْلى الحُرُّ بِالحُرِّ} الآية [البقرة: 178] .

- في حد الردة قوله صلى الله عليه وسلم: “ من بدل دينه فاقتلوه” 1.

- في حد الحرابة قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33] .

- في حد الزنا غير المحصن قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَليَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ المُؤْمِنِينَ} [النور:2] .

وفي حد الزنا في حالة الإحصان القتل رجما، ودليله حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف “ 2.

1 خ: استتابة المرتدين (6922)، وأصحاب السنن: د: الحدود (3787)، ت: الحدود (1458)، ن: تحريم الدم (4059)، ماجة: الحدود (2535)، أحمد: هاشم (1775) .

2 متفق عليه: خ: الحدود (6829)، م: الحدود (1691) واللفظ له.

ص: 218

- في حد اللواط وهو إتيان الذكر الذكر القتل لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به “ 1.

- في حد القذف وهو اتهام المسلم أو المسلمة ورميه بالفاحشة: الجلد ثمانين جلدة قال تعالى: {وَالذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلدَةً وَلا تَقْبَلُوا لهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ} [النور:4] .

- في حد السكر: الجلد أربعين جلدة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال: “ اضربوه” قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال القوم: أخزاك الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان” وفي رواية أبي لهيعة عند أبي داود: ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد ضربه:“بكتوه “ فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله ما خشيت الله وما استحييت من رسول الله، ثم أرسلوه، وقال في آخره:“ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه” 2.

وفي رواية عبد الرحمن بن أزهر: “ ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا من الأرض فرمى به في وجهه” 3.

- وفي حد القصاص في الأطراف قول الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَليْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لهُ وَمَنْ لمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُوْلئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] .

1 د: الحدود (3869)، ت: الحدود (1456)، ماجة: الحدود (2561)، أحمد: بني هاشم (2591) .

2 خ: الحدود (6777)، د: الحدود (3882)، أحمد:((7645) .

(2)

د: الحدود (3890) .

ص: 219

- وأما التعزير فهو متروك لاجتهاد الإمام وتقديره، ومن الأدلة عليه حديث أبي بردة الأنصاري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله” 1.

ويكون التعزيز بالضرب وقد يكون بالقتل، وقد يكون بتغريم المال ومنه الغرامات التي يضعها الإمام على مخالفي أنظمة المرور في عصرنا كما يقطعون إشارة المرور فيتسببون في ازهاق الأرواح.

ومن المعلوم أن إقامة الحدود الشرعية إنما هي من اختصاصات السلطان فليس لآحاد الناس القيام بذلك، ولابد قبل إقامة الحد الشرعي من إثبات التهمة بالطرق الشرعية التي يسلكها القاضي فلا تجوز شهادة رجل واحد في حد من حدود الله تعالى قال ابن القيم رحمه الله: “صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: لو رأيت رجلا على حد من حدود الله تعالى لم آخذه حتى يكون معي شاهد غيري، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أرأيت لو رأيت رجلا قتل أو شرب أو زنا؟ قال: شهادتك شهادة رجل. فقال له عمر: صدقت” 2.

ومن وسائل الزجر الضرب فيما هو دون الحدود الشرعية كضرب الأب ابنه والزوج زوجته والمعلم والمربي تلميذه ونحو ذلك والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: “ لا تجلدوا فوق عشرة أسواط الا في حد من حدود الله” 3.

على أن لا يكون الضرب مبرحا ولا متجاوزا الحد الشرعي فلا يكسر عظما ولا يجرح ولا يترك آثارا عضوية ولا يلجأ اليه الا بعد استنفاذ الوسائل الأخرى، ولا يضرب من لا ولاية له عليه وإنما هذا من مسئوليات السلطان أو من ينيبه فيه كرجال الحسبة والشرطة.

1 متفق: خ: الحدود (6850)، م: الحدود (1708) .

2 الطرق الحكمية – ص 196.

3 متفق عليه: خ: الحدود (6850)، م: الحدود (1708) .

ص: 220

وينبغي للدعاة والوعاظ والناصحين والمرشدين والمعلمين والمربين ونحوهم أن يراعوا آداب الزجر فمن ذلك:

- ألا يبالغوا فيه ولا يخرجوا به عن حدود المقاصد الشرعية التي شرع من أجلها، وإن من مقاصد الزجر أن يحصل الارتداع والانكفاف فحسب فإذا جر إلى غير ذلك فهو من الشطط وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه “ 1

وفيه أن المؤمن يكون حرصه على إصلاح أخيه المسلم أكبر من حرصه على إيقاع العقوبة به أو إنزال النكاية به، بل إن العافية لا يعدلها شئ.

- وأن لا يخرج عن حدود أدب المسلم المستبصر فلا يتورط في الشتائم بل يعمل على سل السخائم، ففي حديث أنس رضي الله عنه قال: “ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا كان يقول عند المعتبة ما له ترب يمينه “ 2.

- وأن لا يسلك الطرق غير المشروعة في التحري أو تتبع العورات للإدانة وإيقاع الزجر فإن العافية بغية المؤمن ما وسعه إليها سبيل، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا” 3.

والدعاة إنما هم في حقيقة الأمر ناصحون مصلحون، والإصلاح لا يتأتى إلا بالطرق المشروعة الخيّرة.

1 د: الأدب (4272) وله شاهد عند الترمذي: البر والصلة (1929) .

2 خ: الأدب (6031)، أحمد: المكثرين (11826) .

3 متفق عليه: خ: الأدب (6064)، م: البر والصلة (2563) .

ص: 221

- وأن لا يبلغ الزاجر والواعظ في تغليظه وتشديده على العصاة حد التيئيس من رحمة الله، وربما تورط في القول على الله تعالى بغير علم، فيكون كمن نهى غيره عن الصغائر وأوقع نفسه في الكبائر! يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم” 1.

وفي قوله (فهو أهلكهم) وجهان: الأول بفتح الكاف أي قال لهم هلكوا ولا يكون ذلك إلا إذا استحقرهم، وفي هذا حملهم على التمادي في المعصية فهو آيسهم. الوجه الثاني (فهو أهلكُهم) بالضم والمعنى فهو أكثرهم هلاكا لعجبه بنفسه، وكلا الوجهين مذموم. ونقل أبو داود عن الإمام مالك قوله: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس ـ يعني في أمر دينهم ـ فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذي نهي عنه.2

إن إقامة الحدود من واجبات الولاة والحكام لأنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولنمض مع الامام ابن القيم يفصّل لنا الكلام في هذا وننقل منه ما ذكره بطوله خاصة في باب التعزير قال رحمه الله: “ ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية فإن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن فإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور.

والعقوبة تكون على فعل محرم أو ترك واجب، والعقوبات كما تقدم منها ما هو مقدر ومنها ما هو غير مقدر وتختلف مقاديرها وأجناسها وصفاتها باختلاف أحوال الجرائم وكبرها وصغرها وبحسب حال المذنب في نفسه.

والتعزير منه ما يكون بالتوبيخ وبالزجر وبالكلام ومنه ما يكون بالحبس ومنه ما يكون بالنفي ومنه ما يكون بالضرب وإذا كان على ترك واجب كأداء

1 م: البر والصلة (2623)، د: الأدب (4331)، أحمد: المكثرين (8158) .

2 سنن أبي داود: الموضع السابق.

ص: 222

الديون والأمانات والصلاة والزكاة فإنه يضرب مرة بعد مرة ويفرق الضرب عليه يوما بعد يوم حتى يؤدي الواجب. وإن كان ذلك على جرم ماض فعل منه مقدار الحاجة، وليس لأقله حد وقد تقدم الخلاف في أكثره وأنه يسوغ بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين والداعي إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما” 1 وقال: “من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان” 2.

وأمر بقتل رجل تعمد عليه الكذب وقال لقوم أرسلني إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحكم في نسائكم وأموالكم، وسأله ابن الديلمي عمن لم ينته عن شرب الخمر فقال: “ من لم ينته عنها فاقتلوه “3 وأمر بقتل شاربها بعد الثالثة أو الرابعة، وأمر بقتل الذي يتزوج امرأة أبيه، وأمر بقتل الذي اتهم بجاريته حتى تبين له أنه خصي وأبعد الأئمة من التعزيز بالقتل أبو حنيفه ومع ذلك فيجوز التعزيز للمصلحه كقتل المكثر من اللواط وقتل القاتل بالمثقل.

ومالك يرى تعزير الجاسوس المسلم بالقتل ووافقه بعض أصحاب أحمد ويرى أيضا هو وجماعة من أصحاب أحمد والشافعي قتل الداعية إلى البدعة، وعزر أيضا صلى الله عليه وسلم بالهجر وعزر بالنفي كما أمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم وكذلك الصحابة من بعده كما فعل عمر رضي الله عنه بالأمر بهجر صبيغ ونفي نصر بن حجاج.

1 م: الإمارة (1853) انفرد به مسلم.

2 م: الإمارة (1852)، د: السنة (4134)، س: تحريم الدم (4020)، أحمد: الكوفيين (17579) .

3 انظره كتب السنة الآتية: د: الحدود (1444)، ت: الحدود (3886)، ماجة: الحدود (2573)، أحمد: الشاميين (16244) .

ص: 223

فصل: وأما التعزير بالعقوبات المالية فمشروع أيضا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك وأحد قولي الشافعي وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع منها: إباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده، ومثل أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها، ومثل أمره لعبد الله بن عمر أن يحرق الثوبين المعصفرين، ومثل أمره صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الأنسية ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم، فدل ذلك على جواز الأمرين لأن العقوبة لم تكن واجبة بالكسر، ومثل هدمه مسجد الضرار، ومثل تحريق متاع الغال، ومثل حرمان السلب الذي أساء على نائبه، ومثل إضعاف الغرم على سارق مالا قطع فيه من الثمر والكثر، ومثل إضعافه الغرم على كاتم الضالة ومثل أخذه شطر مال مانع الزكاة عزمة من عزمات الرب تبارك وتعالى، ومثل أمره لابس خاتم الذهب بطرحه فلم يعرض له أحد، ومثل تحريق موسى عليه السلام العجل وإلقاء برادته في اليم، ومثل قطع نخيل اليهود إغاظة لهم، ومثل تحريق عمر وعلي رضي الله عنهما المكان الذي يباع فيه الخمر، ومثل تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية، وهذه قضايا صحيحة معروفة وليس يسهل دعوى نسخها، ومن قال إن العقوبات المالية منسوخة وأطلق ذلك فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا فأكثر هذه المسائل سائغ في مذهب أحمد

إلى آخر كلامه رحمه الله”1.

ومما تقدم يتبين أن زجر العصاة والتنكيل بهم هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهومن الحسبة التي يقوم بها المسلمون إما تطوعا وإما ولاية، وينبغي تعاون المسلمين لاسيما الدعاة على هذا المبدأ العظيم وأن يكونوا جميعا يدا واحدة في نشر الفضائل وقمع الرذائل قال ابن تيمية رحمه الله مبينا طرفا من

1 الطرق الحكمية – ص 384.

ص: 224

المنكرات وكيف تآزر الصحابة على قمعها وأهلها: “ ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ لا تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها” 1.

فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وصف المرأة لئلا تتمثل في نفسه صورتها فكيف بمن يصف المردان بهذه الصفات ويرغب في الفواحش بمثل هذه الأقوال المنكرات التي تخرج القلب السليم وتعمى القلب السقيم وتسوق الإنسان إلى العذاب الأليم وقد أمر عمر رضي الله عنه بضرب نائحة فضربت حتى بدا شعرها فقيل له يا أمير المؤمنين إنه قد بدا شعرها فقال لا حرمة لها إنما تأمر بالجزع وقد نهى الله عنه وتنهى عن الصبر وقد أمر الله به وتفتن الحي وتؤذي الميت وتبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها إنها لا تبكي علي ميتكم وإنما تبكي على أخذ دراهمكم!

وبلغ عمر أن شابا يقال له نصر ابن حجاج تغنت به امرأة فأخذ شعره ثم رآه جميلا فنفاه إلى البصرة وقال لا يكون عندي من تغنى به النساء فكيف لو رأى عمر من يغني بمثل هذه الأقوال الموزونة في المردان مع كثرة الفجور وظهور الفواحش وقلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن هؤلاء من المضادين لله ولرسوله ولدينه ويدعون إلى ما نهى الله عنه ويصدون عما أمر الله به ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا2.

ونقول: وكيف لو رأى عمر ما في عصرنا من انتشار صناعة الغناء انتشار النار في الهشيم وما يصاحبها من آلات العزف والموسيقى وما ينتج عنه من خنوع وتخنث وميوعة وميل عن العفاف والفضيلة؟!

رحم الله أحوال المسلمين وأنار لهم طريق السعادة ووفق شبابهم إلى

1 خ: النكاح (5240)، ت: الأدب (2792)، د: النكاح (1838)

أحمد: المكثرين (3486) .

2 مجموع الفتاوى 32 / 251 وما يليها.

ص: 225