الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- ولما حرم المتاجرة في أعيان منهي عنها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “ إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام” 1 أباح المتاجرة في سائر البيوع الأخرى التي لا حصر لها وهكذا.
ويمكن أن يقدم الداعية البديل الصالح لهواة سماع الموسيقى والأغاني المحرمة بترغيبهم في تلاوة الكتاب العزيز وترتيله وتشنيف الأسماع بقراءته بالأصوات الجميلة التي تميل إليها النفوس والتي ليس فيها تطريب ولا خروج عن المعروف المألوف.
وكذلك هواة الأفلام التي يأباها الدين وتنبذها المروءة والتي تربي في النشء الميوعة والانحلال والجريمة، تنبغي دلالتهم وترغيبهم إلى القصص الإسلامية التي صوغت بأسلوب أدبي رفيع وكذلك كتب التاريخ الإسلامي التي لا تخلو من المستطرف المستظرف من الوقائع في مختلف الأحقاب، وقد تهيأت في عصرنا أقراص الحاسب الآلي [الكمبيوتر] وتحوي قصص النبيين والصالحين وأتيحت الاستفادة منها بأسلوب مشوق أخاذ لا سيما لفئة الشباب من الجنسين، على نحو لم يسبق من قبل
…
فضلا عن لوحات المناظر الطبيعية من غير ذوات الأرواح وهو فن معروف لدى هواته وفيه الغنية عن الصور المحرمة.
1 متفق عليه: خ: البيوع (2236)، م: المساقاة (1581) .
11-
أسلوب الهجر:
الأصل في المجتمع الإسلامي التواصل والمحبة والتساند كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام “ 2 لكنه ولمصحلة العصاة وعلاجهم وإستصلاحهم وكف أذاهم عن الآخرين الصلحاء الذين يخشى أن
2 متفق عليه: خ: الأدب (6065)، م: البر والصلة والآداب (2559)
يسري إليهم الفساد بالمخالطة يجوز الهجر.
وفي تقرير مبدأ العقوبة بالهجر وغيره نصوص كثيرة استقى منها العلماء أن أسلوب العقوبة ومقدارها يتقدر بحسب المعصية، من ذلك ما ذكره ابن تيمية قال رحمه الله:" بعد أن ذكر تغليظ العقوبة على من سب الرسول صلى الله عليه وسلم لما يترتب عليها من المفاسد العظيمة قال: " وأيضا فإن سب الله ليس له داع عقلي في الغالب وأكثر ما هو سب في نفس الأمر إنما يصدر عن اعتقاد وتدين يراد به التعظيم لا السب ولا يقصد الساب حقيقة الإهانة لعلمه أن ذلك لا يؤثر بخلاف سب الرسول فإنه في الغالب إنما يقصد به الإهانة والاستخفاف والدواعي إلى ذلك متوفرة من كل كافر ومنافق وصار من جنس الجرائم التي تدعوا إليها الطباع فإن حدودها لا تسقط بالتوبة بخلاف الجرائم التي لا داعي إليها.
ونكتة هذا الفرق أن خصوص سب الله تعالى ليس إليه داع غالب الأوقات فيندرج في عموم الكفر بخلاف سب الرسول فإن لخصوصه دواعي متوفرة فناسب أن يشرع لخصوصه حد والحد المشروع لخصوصه لا يسقط بالتوبة كسائر الحدود فلما اشتمل سب الرسول على خصائص من جهة توفر الدواعي إليه وحرص اعداء الله عليه وأن الحرمة تنتهك به انتهاك الحرمات بانتهاكها وأن فيه حق لمخلوق تحتمت عقوبته لا لأنه أغلظ إثما من سب الله بل لأن مفسدته لا تنحسم إلا بتحتم القتل.
ألا ترى أن الكفر والردة أعظم إثما من الزنى والسرقة وقطع الطريق وشرب الخمر ثم الكافر والمرتد إذا تابا بعد القدرة عليهما سقطت عقوبتهما ولو تاب أولئك الفساق بعد القدرة لم تسقط عقوبتهم مع أن الكفر أعظم من الفسق ولم يدل ذلك على أن الفاسق أعظم إثما من الكافر فمن أخذ تحتم العقوبة سقوطها من كبر الذنب وصغره فقد نأى عن مسالك الفقه والحكمة، ويوضح ذلك أنا نقر الكفار بالذمة على أعظم الذنوب ولا نقر واحدا منهم ولا من
غيرهم على زنى ولا سرقة ولا كبير من المعاصي الموجبة للحدود وقد عاقب الله قوم لوط من العقوبة بما لم يعاقبه بشرا في زمنهم لأجل الفاحشة والأرض مملوئة من المشركين وهم في عافية وقد دفن رجل قتل رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرات والأرض تلفظه في كل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراكم هذا لتعتبروا ولهذا يعاقب الفاسق الملي من الهجر والإعراض والجلد وغير ذلك بما لايعاقب به الكافر الذمي مع أن ذلك أحسن حالا عند الله وعندنا من الكافر1.
وتتلخص ثلاثة آراء للعلماء في مدة هجر العصاة:
الأول: أن مدة الهجر لا يصح أن تتجاوز ثلاثة أيام لحديث أبي أيوب رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام “ 2 وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ لا هجرة بعد ثلاث “ 3.
الثاني: أن مدة الهجر أقصاها أربعون يوما استدلالا بهجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا حتى نزلت توبتهم قال تعالى: {لقَدْ تَابَ اللهُ عَلى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَليْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَليْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَليْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلجَأَ مِنْ اللهِ إِلا إِليْهِ ثُمَّ تَابَ عَليْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:117-118] .
1 الصارم المسلول 3 / 1023.
2 متفق عليه: خ: الاستئذان (6237)، م: البر والصلة والآداب (2560) باب تحرم الهجرة فوق ثلاث بلا عذر شرعي.
3 م: البر والصلة والآداب (2562)، أحمد: المكثرين (8564) .
ومنه ما ذكره أبو داود في سننه قال: هجر النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه أربعين يوما وابن عمر هجر ابنا له الى أن مات، وإذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشئ وإن عمر بن عبد العزيز غطى وجهه عن رجل1.
وأيضا قول عائشة رضي الله عنها: هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا 2.
الثالث: أنه ليس للهجر مدة محددة بل يهجر حتى يقلع عن المعصية وأن الهجر مرتبط بالمصلحة فمتى تحققت وهي الاقلاع عن المعصية بطل الهجر. قال ابن تيمية رحمه الله: “ وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا حتى تاب الله عليهم”3
وابن تيمية خير من بحث في مسألة الهجر وحدودها ومدتها وما يتعلق بها وبين أنها تدور مع تحقيق المصالح، ولو جمع ما كتبه رحمه الله في هذه المسألة لبلغ وقرا كبيرا قال رحمه الله:
“ ذكر الخلال فى كتاب السنة فى باب مجانبة من قال القرآن مخلوق عن اسحق أنه قال لأبى عبد الله من قال القرآن مخلوق قال ألحلق به كل بلية، قلت فيظهر العدواة لهم أم يداريهم؟ قال أهل خراسان لا يقوون بهم وهذا الجواب منه مع قوله فى القدرية لو تركنا الرواية عن القدرية لتركناها عن أكثر أهل البصرة ومع ما كان يعاملهم به فى المحنة من الدفع بالتى هى أحسن ومخاطبتهم بالحجج يفسر ما فى كلامه وأفعاله من هجرهم والنهى عن مجالستهم ومكالمتهم حتى هجر فى زمن غير ما أعيان من الأكابر وأمر بهجرهم لنوع ما من التجهم فان الهجرة نوع من أنواع التعزير والعقوبة نوع من أنواع الهجرة التى هى ترك
1 د: الأدب (4270) .
2 أحمد: المكثرين (4935) .
3 مجموع الفتاوى 3 / 286.
السيئات فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “ المهاجر من هجر السيئات” 1 وقال: “المهاجر من هجر ما نهى الله عنه “ 2.
فهذه هجرة التقوى وفى هجرة التعزير والجهاد هجرة الثلاثة الذين خلفوا وأمر المسلمين بهجرهم حتى تيب عليهم.
فالهجرة تارة تكون من نوع التقوى إذا كانت هجرا للسيئات كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَا عَلى الذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرَى لعَلهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام:68-69] فبين سبحانه أن المتقين خلاف الظالمين وان المأمورين بهجران مجالس الخوض فى آيات الله هم المتقون وتارة تكون من نوع الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واقامة الحدود وهو عقوبة من اعتدى وكان ظالما.
وعقوبة الظالم وتعزيره مشروط بالقدرة فلهذا اختلف حكم الشرع فى نوعى الهجرتين بين القادر والعاجز وبين قلة نوع الظالم المبتدع وكثرته وقوته وضعفه كما يختلف الحكم بذلك فى سائر أنواع الظلم من الكفر والفسوق والعصيان فإن كلما حرمه الله فهو ظلم إما فى حق الله فقط وإما فى حق عباده وإما فيهما وما أمر به من هجر الترك والانتهاء وهجر العقوبة والتعزير إنما هو إذا لم يكن فيه مصلحة دينية راجحة على فعله وإلا فإذا كان فى السيئة حسنة راجحة لم تكن سيئة وإذا كان فى العقوبة مفسدة راجحة على الجريمة لم تكن حسنة بل تكون سيئة وان كانت مكافئة لم تكن حسنة ولا سيئة.
1 لم أجده في الكتب التسعة بهذا اللفظ، ولعله الحديث الذي يليه مروي بالمعنى.
2 خ: الإيمان (10)، س: الإيمان وشرائعه (4996)، د: الجهاد (2122)، أحمد: المكثرين (6515) .
فالهجران قد يكون مقصوده ترك سيئة البدعة التى هى ظلم وذنب وإثم وفساد وقد يكون يكون مقصوده فعل حسنة الجهاد البدعة والنهى عن المنكر وعقوبة الظالمين لينزجروا ويرتدعوا وليقوى الإيمان والعمل الصالح عند أهله، فإن عقوبة الظالم تمنع الظالم النفوس عن ظلمه وتحضها على فعل ضد ظلمه من الإيمان والسنة ونحو ذلك فإذا لم يكن فى هجرانه إنزجار أحد ولا انتهاء أحد بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأمورا بها كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوى وكذلك لما كثر القدر فى أهل البصرة فلو ترك رواية الحديث عنهم لاندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم فإذا تعذر اقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك الا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرا من العكس ولهذا كان الكلام فى هذه المسائل فيه تفصيل”1.
وملخص ما سبق: أن الهجرة أسلوب في استصلاح العصاة، وأنه لا مدة للهجر، وأن الهجرة إنما تشرع إذا حققت المقصود وهو الانزجار.
إن للخلطة والعزلة في حياة الدعاة فقها ينبغي أن يعيه الدعاة لاسيما وقد ورد فيها نصوص كثيرة منها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال:
1 مجموع الفتاوى 28 / 210- 212.
ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا”1.
قال الشارح: قوله “ فلا يمنعه ذلك” أي ما راه من ذلك أمس أن يكون أكيله وشريبه وقعيده أي من يكون أكيله وشربيه وقعيده والكل على وزن فعيل بمعنى فاعل هو من يصاحبك في الأكل والشرب والقعود.” ضرب الله قلوب بعضهم ببعض “ يقال ضرب اللبن بعضه ببعض أي خلطه، ذكره الراغب وقال ابن الملك رحمه الله: الباء السببية أي سود الله قلب من لم يعص بشؤم من عصى فصارت قلوب جميعهم قاسية بعيدة عن قبول الحق والخير أو الرحمة بسبب المعاصي ومخالطة بعضهم بعضا انتهى.
قال القاري: وقوله قلب من لم يعص ليس على إطلاقه لأن مؤاكلتهم ومشاربتهم من غير إكراه وإلجاء بعد عدم انتهائهم عن معاصيهم معصية ظاهرة لأن مقتضى البغض في الله أن يبعدوا عنهم ويهاجروهم انتهى2
وهكذا تناسقت هذه الأساليب وتضافرت في تحقيق مقاصد الشرع بردع العصاة عن المعصية وتنفيرهم منها، وترغيبهم في الطاعة وتحبيبها إليهم.
1 د: الملاحم (3774)، ت: التفسير (3048)، ماجه: الفتن (4006) .
2 عون المعبود 11 / 227.
ضوابط دعوة العصاة:
هذا ويمكن تلخيص أهم ضوابط دعوة العصاة في المجتمعات الإسلامية في الفقرات الآتية:
1-
الاهتمام الأول بتحقيق التوحيد والبدء به، وهذا أساس راسخ من أسس الدعوة سواء كانت في مجتمع إسلامي أو غيره، وقد سبق إيراد الأدلة عليه.
2-
لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بغير برهان، ومن الأدلة عليه قوله صلى الله عليه وسلم: “ يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك “ 1 وفي حديث أبي هريرة ة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما “ 2.
وقضية التكفير في عصرنا قضية شائكة لا سيما في دعوة العصاة واستصلاحهم، والتكفير في المجتمعات الإسلامية له خطورته البالغة وآثاره الموبقة، ولا ينبغي التهور في تكفير المسلمين بغير بينة ولا برهان، قال ابن تيمية:
“ لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولابخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة فإن الله تعالى قال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِل إِليْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُل آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِليْكَ المَصِيرُ} [البقرة:285] وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم، والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب
1 متفق عليه: خ: الأدب (6045) واللفظ له، م: الإيمان (61) .
2 متفق عليه: خ: الأدب (6103)، م: الإيمان (60) .
وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين، فقالتهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم 1.
3-
تجنب العنف في الدعوة إلا عند الاضطرار وبقدر الحاجة. ومن العنف اللعن وفي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار “ 2
والدعاة إلى الله تعالى من أبعد الناس عن اللعن والطعن والخوض في أعراض الناس لأنه قدوة الناس في أقواله وأفعاله وتصرفاته ومواقفه، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم” 3
وإذا كان اللعن والاعتداء على المسلم بالضرب والإيذاء ونحوه غير جائز فكيف بحوادث القتل والاغتيال والتفجير ونحو ذلك من مظاهر العنف، إن هذا كله ليس من الدعوة إلى الله ولا هو سبيل الإصلاح ولا تستقيم به مسارات الدعوة بل هو من الجهل والغي والإثم والعدوان.
إن الرفق واللين هو الأصل في الدعوة والأدلة على ذلك كثيرة متضافرة كقوله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه] ومن السنة حديث جرير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ من يحرم الرفق يحرم الخير” 4
1 مجموع الفتاوى 3 / 282 وفيه بحث نفيس وتحقيق مفيد.
(2)
ت: البر والصلة (1976) وقال حسن صحيح، د: الأدب (4260)، أحمد: البصريين (19315) .
3 ت: الإيمان (2627) وقال حسن صحيح، س: الإيمان وشرائعه (4995)، أحمد: المكثرين (8575) .
4 م: البر والصلة والآداب (2592)، د: الأدب (4175)، ماجة: الآداب (2687)، أحمد: الكوفيين (18411) .
وحديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه “1.
4-
لا يجوز الخروج على الحكام ولو فسقوا وجاروا ما أقاموا الصلاة، لما يترتب على الخروج عليهم من المفاسد الكثيرة والشرور المستطيرة،، وهذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة لم يخالفهم فيها غير أهل الأهواء كالخوارج ونحوهم، والنصوص في هذا كثيرة جدا منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا وإن قال بغيره فإن عليه منه” 2
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود” فقال رجل أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال: “ لا ما أقاموا الصلاة” 3
5-
وجوب الاعتزاز بالدين ومناصرة الحق والتعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر {وَلِلهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلمُونَ} [المنافقون:8] وقال في موضع {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلى
1 متفق عليه: خ: استتابة المرتدين (6927)، م: البر (2593) واللفظ له.
2 متفق عليه: خ: الجهاد (2957)، م: الإمارة (1835) .
3 أحمد: المكثرين (10792) .
الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54]
ومما هو من مستلزمات الاعتزاز بالدين الحنيف بيان ما الكفار في اغترار به من الباطل والضلال بالتضييق عليهم لهذا القصد وعدم بدئهم بالسلام، وحرمة السفر بالقرآن إلي بلادهم. وأن تأخذ المسلم الغيرة لله عز وجل حين تنتهك حرماته فلا يجوز السكوت على منكر تهاونا وتخاذلا وإلا كان رضا وتسليما.
6 -
الحكم على الناس يكون بالظاهر فلا يجوز التنقيب عما في القلوب لأن ذلك لا يعلمه ولا يملكه الا الله عز وجل، وفي قصة الخارجي ذي الوجنتين، لما قال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: “ لا لعله أن يكون يصلي”. فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق عن بطونهم “1
هذا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 متفق عليه: خ: المغازي (4351)، م: الزكاة (1064) .