الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يريد مجاهدٌ ــ والله أعلم ــ: أن المراد بالمقتصد الذي لا يستغيث بغير الله تعالى في قوله، ولكنه كافرٌ في اعتقاده وعمله.
وهذا مع ما تقدَّم من تفسيرهم {الدِّينَ} في الآيات بالدعاء يدلُّك أن المراد بإخلاصهم الدين إنما هو إخلاص الدعاء وحده، فأمَّا الاعتقاد فهو باقٍ حتى في البحر؛ لأنه لم يَعْرِضْ له ما يزيله، وإنما عرض لهم من الشدَّة ما اضطرَّهم إلى الاقتصار على دعاء الله عز وجل؛ لأنهم واثقون بأنَّ دعاء الله تعالى ينفع، ومرتابون في دعاء غيره، والإنسان عند الشدَّة إنما يفزع إلى أوثق الأسباب عنده ولا يتشاغل بما دونها.
قال الشاعر
(1)
:
وإذا نَبَا بك والحوادِثُ جَمَّةٌ
…
زمنٌ حَدَاكَ إِلَى أَخِيكَ الأَوْثَق
والآيات القرآنيَّة في شأن الدعاء كثيرةٌ، وفيما ذكرناه كفايةٌ إن شاء الله تعالى.
[506]
أحكام الطلب، ومتى يكون دعاءً
لقائلٍ أن يقول: قد علمنا أن السؤال من الله تعالى والرغبة إليه يُسمَّى دعاءً، وأنه عبادةٌ، وأن القرآن قد أثبت أن المشركين يدعون آلهتهم من دون
(1)
هو القطامي التغلبي. والبيت في ديوانه (257) تحقيق محمود الربيعي، (111) تحقيق إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب. ورواية الديوان ومعظم المصادر التي وقفتُ عليها هكذا:
وإذا أصابك والحوادث جمَّةٌ
…
حدثٌ حداك إلى أخيك الأوثق
وفي بعضها: «يصيبك» ، وفي بعضها:«ينوبك» .
الله، وثبت أن دعاءهم آلهتهم هو السؤال منها والرغبة إليها، وأنَّ ذلك عبادةٌ لها وشركٌ بالله عز وجل، ولكن ما هو السؤال الذي إذا وقع لغير الله تعالى كان دعاءً وعبادةً للمسؤول وشركًا بالله تعالى؟
فالجواب: أَمَرَ الله عز وجل عبادَهُ أن يدعوه في صلاتِهم قائلين: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، ولا نزاع أن المعنى: نعبدك وحدك لا نعبد غيرك، ونستعينك وحدك لا نستعين غيرك، والاستعانة هنا عامَّة.
وروى الإمام أحمد والترمذيُّ وغيرهما عن ابن عبَّاسٍ أنه ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«يا غلام، إني معلِّمك كلماتٍ، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمَّة لو اجتمعوا على أن ينفعوك [507] لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرَّوك بشيءٍ لم يضروك إلَّا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفِعَتِ الأقلام وجفَّت الصحف»
(1)
.
وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بايع جماعةً من أصحابه على ألَّا يسألوا الناس شيئًا، فكان سوط أحدهم يسقط وهو على بعيره فينزل فيأخذه، لا يقول لأحدٍ: ناوِلْنيه
(2)
.
(1)
المسند 1/ 293، جامع الترمذيِّ، كتاب صفة القيامة، باب 59، 2/ 84، ح 2516، وقال:«هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ» .
(2)
انظر: صحيح مسلمٍ، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، 3/ 97، ح 1043. [المؤلف]
وجاءت أحاديث كثيرةٌ في تحريم سؤال الناس، أي: أن تسألهم أن يعطوك شيئًا من أموالهم
(1)
، واستُثْنِيَ في بعضها السؤالُ من السلطان، والسؤالُ عند شدَّة الحاجة
(2)
.
وقد نظرتُ في وجوه السؤال فوجدته على أقسامٍ:
القسم الأوَّل: ما هو من باب سؤال الإنسان حقًّا له عند المسؤول، كأن يكون لك دَيْنٌ عند إنسانٍ فتطلبه منه.
الثاني: ما جرت العادة بالتسامح به على نيَّة المكافأة، كقول التلميذ لزميله:(ناولني الكتاب).
الثالث: سؤال الإنسان ما ليس بحقٍّ له ولا جرت العادة بالتسامح به على نيَّة المكافأة، وذلك كقول مَن يجد الكَفاف [508] من العيش لغنيٍّ لا حقَّ له عليه:(أعطني دينارًا) مثلًا. ومن هذا القسم سؤال الإنسان من ربِّه تعالى؛ لأنه لا حقَّ له على ربِّه تعالى.
فأمَّا الأوَّل فلا يُسمَّى استعانةً، ولا يلزمه التذلُّل والخضوع.
وأما الثاني فإنه وإن سُمِّي استعانةً لكنَّه لا يلزمه التذلُّل والخضوع، إلَّا
(1)
كحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سأل الناس أموالهم تكثُّرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقلَّ أو ليستكثر» . أخرجه مسلمٌ في الموضع السابق، 3/ 96، ح 1041.
(2)
كحديث سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المسألة كدٌّ يكدُّ بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانًا أو في أمرٍ لا بدَّ منه» . أخرجه الترمذيّ في كتاب الزكاة، باب ما جاء في النهي عن المسألة، 3/ 65، ح 681، وقال:«حديثٌ حسنٌ صحيحٌ» .
أن فيه رائحةً مَّا من ذلك.
وأما الثالث: فهو الذي يلزمه التذلُّل والخضوع.
وقد يكون السؤال من القسم الأوَّل ولكنه يصحبه تذلُّلٌ مَّا فيما يظهر، وذلك كسؤال الناس أنبياءهم عن أمور دينهم، وكذلك سؤال العامَّة علماءهم عن أمور الدين، وكذلك سؤال المحتاج العاجز حاجته من الغنيِّ.
والحقُّ أن السؤال من الأنبياء والعلماء إنما يصحبه الإكرام والاحترام الذي أمر الله عز وجل به، وأما سؤال المحتاج العاجز فإنما يصحبه التذلُّل لجهل الأغنياء بما عليهم من الحقوق، ونظير ذلك أن يكون لك دَيْنٌ على جبَّارٍ؛ فإنك تحتاج [509] عند طلبك حقَّك منه إلى إظهار التذلُّل.
ومن القسم الأوَّل ما أُبِيح من سؤال السلطان
(1)
، فالمراد إباحة أن يسأله مَن كان له حقٌّ في بيت المال، فأمَّا مَن لم يكن له حقٌّ أصلًا فسؤاله من السلطان كسؤاله له من غيره.
ومن الأوَّل أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم الناسَ بالصلاة عليه؛ فإن ذلك حقٌّ له عليهم.
وفيه معنيان آخران هما المقصود بالذات، والله أعلم:
- تبليغهم أمر الله عز وجل.
- وإرشادهم إلى ما ينفعهم.
وعلى هذا ما رُوِي من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: «لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك»
(2)
، على أن في صحَّته مقالًا.
(1)
سبق قريبًا تخريج الحديث الذي يدل على ذلك.
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، 2/ 80، ح 1498. والترمذيّ في كتاب الدعوات، باب 110، 5/ 559، ح 3562، وقال: «حديثٌ حسنٌ صحيحٌ». وابن ماجه في كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحجِّ، 2/ 966، ح 2894. وفيه: عاصم بن عُبَيد الله، وهو ضعيفٌ. ولذا ضعَّفه الألبانيّ. انظر: ضعيف سنن أبي داود (الأم) 2/ 92.
وأمَّا ما رُوِي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن خير التابعين رجلٌ يُقال له: أُوَيْسٌ، وله والدةٌ، وبه بياضٌ، فمروه فليستغفرْ لكم»
(1)
.
فهذا أمرٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُوَيْسٍ مصداقُه من كتاب الله عز وجل قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10]، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبلِّغوا أُوَيْسًا هذا [510] الحكم.
ومما يَشُدُّ هذا قوله: «فمروه فليستغفر لكم» ، ولم يقل:(فاسألوه)، أو نحو ذلك، وكأنه إنما خصَّ أُوَيْسًا تنبيهًا على مزيد فضله؛ لأن الناس كانوا يسخرون منه ويحتقرونه، والله أعلم.
وأما سؤال الصحابة من النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم ففيه حظٌّ من القسم الأوَّل؛ لأن الله تعالى قد أمر رسوله بذلك، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]، وقال تعالى:{فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} [النور: 62]،
(1)
صحيح مسلمٍ، كتاب فضائل الصحابة، بابٌ من فضائل أُوَيسٍ القرنيّ، 7/ 189، ح 2542 (224). [المؤلف]
وقال سبحانه: {فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 12]، وقال تبارك وتعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
قال السيوطيُّ في أسباب النزول: أخرج ابن أبي حاتمٍ والطبرانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عبَّاسٍ قال: كان أبو برزة الأسلميُّ كاهنًا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناسٌ من المسلمين، فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}، إلى قوله:{إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}
(1)
.
وأخرج ابن أبي حاتمٍ من طريق عكرمة أو سعيدٍ عن ابن عبَّاسٍ قال: كان الجلاس بن الصامت ومعتِّب بن بشيرٍ
(2)
ورافع بن زيدٍ وبشر
(3)
يدَّعون الإسلام، فدعاهم رجالٌ من قومهم من المسلمين في خصومةٍ كانت بينهم إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فدعوهم إلى الكهَّان حكَّام الجاهليَّة، فأنزل الله فيهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية
(4)
.
أقول: فقول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} أي: لإظهار التوبة وقبول حكمك في قضيَّتهم والاعتذار إليك فيما سبق منهم [513] من إبائهم المحاكمة إليك.
وقوله: {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} أي: إظهارًا للتوبة، وقوله:{وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} أي: كما أمره ربُّه عز وجل بالاستغفار للمؤمنين؛ لأن أولئك النفر إنما يرجعون إلى الإيمان بتوبتهم، ومن توبتهم المجيء إلى الرسول ــ كما تقدَّم ــ، والله أعلم.
(1)
انظر ما سبق ص 434.
(2)
ويُقال له أيضًا: (معتِّب بن قُشيرٍ)، كما في الاستيعاب لابن عبد البرِّ، بهامش الإصابة 3/ 442.
(3)
كذا في الأصل واللباب، وفي مصادر أخرى:(بُشير)، وهو الصواب؛ لأن بشرًا وبُشيرًا الأنصاريَّين ابني الحارث (وهو أبيرق) أَخَوان، وقد ذُكِر بُشير بنفاقٍ وردَّة ولم يُذكر أخوه بشيءٍ من ذلك. انظر: الاستيعاب، بهامش الإصابة 1/ 154.
(4)
انظر: لباب النقول ص 64، الدرّ المنثور 2/ 580.
هذا مع أن كبار الصحابة كان غالب أحوالهم عدم سؤال الدعاء لأنفسهم من النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كانوا يسارعون في الخيرات من الأعمال الصالحة عالمين بأن ذلك هو السبب الحقيقيُّ لأن يستغفر لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما أمره الله عز وجل.
وقد يُقال في قول أبناء يعقوب: {قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97]: إن فيه طلب حقٍّ أيضًا.
وعلى كلِّ حالٍ فطلب الدعاء من الأنبياء بما فيه صلاح الدين أمرٌ مرغوبٌ فيه في الجملة إذا كان بحضرتهم، إلَّا أن ما قدَّمناه من صنيع كبار الصحابة يدلُّ أن الأولى عدم الطلب والاكتفاء بعمل الخيرات؛ لأنه يبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الدعاء والاستغفار للعامل بدون سؤالٍ [515] منه، والله أعلم.
وقد روى مسلمٌ في صحيحه عن ربيعة بن كعبٍ: كنتُ أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوَضوئه وحاجته، فقال لي:«سل» ، فقلتُ: أسألك مرافقتك في الجنَّة، قال:«أوْ غيرَ ذلك؟ » قلتُ: هو ذاك، قال:«فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود» ، الحديث في صحيح مسلمٍ هكذا مختصرًا
(1)
.
وقد أخرجه الإمام أحمد في المسند
(2)
مطوَّلًا، وفيه: فقلت: يا رسول الله: «اشفع لي إلى ربِّك عز وجل فلْيُعتقني من النار» .
وفي روايةٍ أخرى: أسألك يا رسول الله أن تشفع لي إلى ربِّك فيعتقني من النار. وفيه: فقال: «إني فاعلٌ، فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود» .
فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يكافئ ربيعة لخدمته إيَّاه، فأمره بسؤال حاجته، فسأله الدعاء له بمرافقته في الجنَّة أو بالإعتاق من النار، فكأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تردَّد في استحقاق ربيعة للمرافقة حينئذٍ، فقال له:«أوْ غير ذلك» ، أي: سلْ شيئًا [516] غير ذلك، فلما أبى، قال صلى الله عليه وسلم:«إني فاعلٌ، فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود» ، أي: حتى تستحقَّ ذلك أو تقارب الاستحقاق، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدعو لأحدٍ بما لا يستحقُّه أصلًا وإن سأله؛ فقد رُوِي أن قاتلًا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له، فقال:«لا غفر الله لك»
(3)
.
(1)
كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحثِّ عليه، 2/ 52، ح 489. [المؤلف]
(2)
4/ 59. [المؤلف]
(3)
أخرجه الطبريُّ 7/ 353، من طريق ابن إسحاق عن نافعٍ عن ابن عمر. وفي إسناده: سفيان بن وكيعٍ، وهو ضعيفٌ. وأخرجه ــ بمعناه ــ أبو داود في كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، 4/ 171 - 172، ح 4503. وأحمد 5/ 112 و 6/ 10، وابن أبي شيبة في كتاب المغازي، حديث عبد الله بن أبي حدردٍ الأسلميِّ، 20/ 553 - 555، ح 38168. وابن الجارود (غوث المكدود)، بابٌ في الديات، 3/ 92 - 93، ح 777. والطبرانيُّ 6/ 41 - 42، ح 5455، والبيهقيُّ في كتاب السير، باب المشركون يسلمون قبل الأسر
…
، 9/ 116 وغيرهم، من طرقٍ عن ابن إسحاق وعن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير عن زياد بن سعد بن ضميرة عن أبيه. قال الحافظ ابن حجرٍ في الإصابة 4/ 271:«إسناده حسنٌ» ، مع أن فيه زياد بن سعدٍ، الذي قال عنه في التقريب:«مقبول» . ولذلك ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود.
فأما سؤال الدعاء بالمغفرة ونحوها من غير النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقد كرهه بعض الصحابة وغيرهم.
قال ابن سعدٍ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ، ثنا أبو عونٍ، قال: كنا عند إبراهيم، فجاء رجلٌ، فقال: يا أبا عمران، ادع الله أن يشفيني، فرأيته أنه كرهه كراهةً شديدةً، حتى رَأَيْتُنَا عرفنا كراهية ذلك في وجهه ــ أو: حتى عرفتُ كراهية ذلك في وجهه ــ، ثم قال: جاء رجلٌ إلى حذيفة، فقال: ادع الله أن يغفر لي، قال:«لا غفر الله لك» ، قال: فتنحَّى الرجل ناحيةً فجلس، فلما كان بعد ذلك قال:«أدخلك [517] الله مدخل حذيفة! أقد رضيت الآن؟» قال: «ويأتي أحدكم الرجل كأنه قد أحصى شأنه، كأنَّه كأنه»
(1)
، فذكر إبراهيم السنَّة فرغَّب فيها، وذكر ما أحدث الناس فكرهه. اهـ
(2)
.
ونقل صاحب الاعتصام عن مهذَّب الآثار للطبريِّ أنه أخرج فيه عن مدرك بن عمران قال: كتب رجلٌ إلى عمر رضي الله عنه أن ادعُ الله لي، فكتب إليه عمر: إني لستُ بنبيٍّ، ولكن إذا أقيمت الصلاة فاستغفر الله لذنبك.
(1)
كتب الشيخ بعد «كأنه» الثانية: مكرَّر.
(2)
من طبقات ابن سعدٍ 6/ 193. [المؤلف] وهو في طبعة دار صادر 6/ 276 - 277.
وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ أنه لما قدم الشام أتاه رجلٌ، فقال: استغفر لي، فقال: غفر الله لك، ثم أتاه آخر، فقال: استغفر لي، فقال: لا غفر الله لك ولا للأوَّل، أنبيٌّ أنا؟ !
وعن زيد بن وهبٍ أن رجلًا قال لحذيفة رضي الله عنه: استغفرْ لي، فقال: لا غفر الله لك، ثم قال: هذا يذهب إلى نسائه فيقول: استغفرَ لي حذيفة، أترضى أن أدعو الله أن تكن (تكون)
(1)
مثل حذيفة
(2)
.
وعن ابن عُلَيَّة، عن ابن عونٍ، قال: جاء رجلٌ إلى إبراهيم، فقال:[518] يا أبا عمران، ادعُ الله أن يشفيني، فكره ذلك إبراهيم وقطَّب، وقال: جاء رجلٌ إلى حذيفة، فقال: ادعُ الله أن يغفر لي، فقال: لا غفر الله لك، فتنحَّى الرجل فجلس، فلما كان بعد ذلك قال: فأدخلك الله مُدْخَل حذيفة، أقد رضيتَ الآن؟ يأتي أحدكم الرجل كأنه قد أحصر
(3)
شأنه، ثم ذكر إبراهيم السنَّة فرَغَّب فيها، وذكر ما أحدث الناس فكرهه.
وعن منصورٍ، عن إبراهيم، قال:«كانوا يجتمعون فيتذاكرون، فلا يقول بعضهم لبعض: استغفر لنا» . اهـ
(4)
.
فأما سؤال الدعاء في أمرٍ دنيويٍّ فقد جاء عن بعض الصحابة أنهم سألوا
(1)
التصحيح من المؤلف، وفي طبعة دار ابن الجوزي من الاعتصام 2/ 332: يجعلك.
(2)
أخرجه أبو نُعَيمٍ في الحلية 1/ 277.
(3)
كذا في الأصل، وفي طبعة دار ابن الجوزي من الاعتصام:«أحصى» ، وهو الذي سبق أن نقله المؤلفُ عن ابن سعد في الطبقات قريبًا.
(4)
الاعتصام 2/ 159 - 160. [المؤلف]. قال الشاطبيُّ: «وهذه الآثار من تخريج الطبريِّ في تهذيب الآثار له» . ولم أجدْه في المطبوع منه.
النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما هو في مصلحةٍ عامَّةٍ تتناول السائل وغيره، وهذا قد وقع من بعض أكابر الصحابة، كما رُوِي عن أبي هريرة أو أبي سعيدٍ قال: لما كان غزوة تبوك أصاب الناسَ مجاعةٌ، قالوا: يا رسول الله، لو أذِنْتَ لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادَّهنَّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«افعلوا» ، قال: فجاء عمر، فقال يا رسول الله، إن فعلتَ قلَّ الظَّهْرُ، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، لعلَّ الله أن يجعل في ذلك
…
الحديث
(1)
.
ومنه ما هو لبعض أقارب السائل، كقول أمِّ أنسٍ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، خادمك أنسٌ؛ فادع الله له، فقال:«اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته»
(2)
.
وفي روايةٍ: فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث دعواتٍ، قد رأيتُ منها اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة
(3)
. أقول: والثالثة هي قوله: «وأَدْخِلْهُ الجنَّة»
(4)
صرَّح بِها في روايةٍ ــ كما في الإصابة ــ، على أنها لم تصرِّح بسؤال الدعاء [519] لمصلحة دنيويَّةٍ، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
صحيح مسلمٍ، كتاب الإيمان، بابٌ مَن لقي الله بالإيمان وهو غير شاكٍّ فيه دخل الجنَّة
…
، 1/ 42، ح 27 (45). [المؤلف]
(2)
صحيح مسلمٍ، كتاب فضائل الصحابة، بابٌ مَن فضائل أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، 7/ 160، ح 2481. [المؤلف]. وقد أخرجه البخاريُّ في كتاب الدعوات، باب قول الله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}
…
، 8/ 73، ح 6334، ومواضع أخرى.
(3)
صحيح مسلمٍ، الموضع السابق، 7/ 160، 2481 (144). [المؤلف]
(4)
زيادةٌ يقتضيها السياق، والرواية بهذه الزيادة أخرجها عبد بن حميدٌ في مسنده (المنتخب 3/ 127، ح 1253)، وانظر الإصابة 1/ 255.
دعا له لدينه ودنياه.
ومنه: ما هو للسائل نفسه. وعامَّة ما ورد من ذلك كان لحاجةٍ أو ضرورةٍ، كما جاء في سؤال قتادة بن النعمان ردَّ عينه واعتذاره بأنَّ له أزواجًا يخاف أن يقلن: أعور
(1)
، وما رُوِي في سؤال الأعمى الدعاء بردِّ بصره وشكواه أنه ليس له قائدٌ وأنه قد اشتدَّ تضرُّره، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى
(2)
.
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخيِّر مَن يسأله الدعاء أنه إن صبر فهو خيرٌ له؛ فمنهم مَن اعتذر، ومنهم مَن اختار الصبر، كما جاء في صحيح مسلمٍ عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: قال لي ابن عبَّاسٍ: ألا أُرِيك امرأةً من أهل الجنَّة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: إني أُصْرَع، وإني أتكشَّف، فادع الله لي، قال:«إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنَّة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيكِ» ، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشَّف، فادعُ الله أن لا أتكشَّف، فدعا لها
(3)
.
وجاء في قصَّة ثعلبة بن حاطبٍ أنه قال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يرزقني مالًا، [520] قال: ويحك يا ثعلبة، قليلٌ تؤدِّي شكره خيرٌ من كثيرٍ لا
(1)
انظر ترجمته في الإصابة. [المؤلف]. 9/ 27، وما يتعلَّق باعتذاره بأنَّ له أزواجًا انظره في الطبقات الكبرى لابن سعدٍ 3/ 453.
(2)
انظر: ص 544 - 548 من المخطوط.
(3)
صحيح مسلمٍ، كتاب البرِّ والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرضٍ، 8/ 16، ح 2576. [المؤلف]. وقد أخرجه البخاريّ في كتاب المرضى، باب فضل مَن يُصرَع من الريح، 7/ 116، ح 5652.
تطيقه، قال: والله لئن آتاني الله مالًا لأوتِينَّ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فدعا له، فأوتيَ المال، فكان نهايتُه أن أنزل الله تعالى فيه:{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} [التوبة: 77]
(1)
.
وفي هذا تنبيهٌ على سرٍّ عظيمٍ، وهو أن الله تعالى أرحم بعباده من أنفسهم، وهو سبحانه أعلم منهم بما يُصلحهم. وقد أباح الله عز وجل للعبد أن يدعوه بما شاء، قال تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، والله تعالى لا يخلف الميعاد، ولكنه إذا عَلم أنَّ ما سأله العبد يعود عليه بالمضرَّة لو أوتيه يمنعه إيَّاه، ويجعل إجابته لتلك الدعوة نعمةً أخرى للسائل خيرًا له مما سأل
(2)
.
وفي صحيح مسلمٍ عن أبي هريرة قال: قال النبيُّ صلَّى الله [521] عليه وسلَّم: «لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ، ما لم يستعجل» ، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال:«يقول: قد دعوتُ، قد دعوت، فلم أر يُستجاب لي؛ فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء»
(3)
.
(1)
انظر: أسباب النزول. [المؤلف]. للواحديّ 252، ولباب النقول للسيوطيِّ 115. والحديث أخرجه الطبري (11/ 578) وابن أبي حاتمٍ (6/ 1847) وغيرهما من طريق عليّ بن يزيد الألهانيّ، وهو متروكٌ، وضعَّفه العراقيّ في تخريج الإحياء (3/ 272) وابن حجرٍ في فتح الباري (3/ 266). وحكم ببطلان القصة ابن حزم في المحلى 11/ 208. وانظر السلسلة الضعيفة 4/ 111 برقم 1607.
(2)
يعني أنه يُعطى عوض تلك الدعوة ما هو أولى له عاجلًا أو آجلًا.
(3)
صحيح مسلمٍ، كتاب الذكر والدعاء
…
، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل
…
، 8/ 87، ح 2735 (92). [المؤلف]
وفي جامع الترمذيِّ عن جابرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحدٍ يدعو بدعاءٍ إلَّا آتاه الله ما سأل أو كفَّ عنه من السوء مثله ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ»
(1)
.
وفي المستدرك عن أبي هريرة قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد ينصب وجهه إلى الله في مسألةٍ إلا أعطاه الله إيَّاها، إمَّا أن يعجِّلها وإما أن يدَّخرها» . قال الحاكم: «صحيحٌ» ، وأقرَّه الذهبيُّ
(2)
.
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي سعيدٍ الخدريِّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحمٍ إلا أعطاه الله بِها إحدى ثلاث: إما أن تُعَجَّلَ له دعوتُه، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف [522] عنه من السوء مثلها» ، قالوا: إذًا نكثر، قال:«الله أكثر»
(3)
. وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال:«صحيحٌ» ، وأقرَّه الذهبيُّ
(4)
.
وفي المسند أيضًا عن عبادة بن الصامت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدَّثهم، قال: «ما على ظهر الأرض من رجلٍ مسلمٍ يدعو الله عزَّ
(1)
جامع الترمذيّ، كتاب الدعوات، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، 2/ 244، ح 3381. [المؤلف]. وأخرجه أحمد في مسنده 3/ 360، وحسَّنه الألباني.
(2)
المستدرك، كتاب الدعاء، قال الله عز وجل:«عبدي أنا عند ظنِّك بي» ، 1/ 497. [المؤلف]. وأخرجه أحمد في مسنده 2/ 448، والبخاري في الأدب المفرد 1/ 375 ح 711 وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 264 - 265.
(3)
مسند أحمد 3/ 18. [المؤلف]. والبخاري في الأدب المفرد 1/ 374 ح 710 وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 264.
(4)
المستدرك، كتاب الدعاء، «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل» ، 1/ 493. [المؤلف]
وجلَّ بدعوةٍ إلا آتاه الله إيَّاها، أو كَفَّ عنه من السوء مثلها، ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ»
(1)
.
وأخرج الترمذيُّ من حديث سلمان الفارسيِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله حَيِيٌّ كريمٌ، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردَّهما صِفْرًا خائبتين»
(2)
. أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال:«صحيحٌ على شرط الشيخين» ، وأقرَّه الذهبيُّ. وذكر له الحاكم شاهدًا من حديث أنسٍ نحوه
(3)
.
استثنى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاء بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ؛ لأنَّ الداعي عاصٍ بهذا الدعاء، فلا يستحقُّ الإجابة أصلًا.
ويُلْحَق بذلك ــ والله أعلم ــ مَن ابتدع في دعائه، إمَّا في نفس الدعاء، وإمَّا فيما يتعلَّق به، كأن تحرَّى مكانًا أو زمانًا أو هيئةً يزعم أنَّ ذلك أقرب إلى الإجابة، ولم يثبت ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن مُغفَّلٍ
(1)
مسند أحمد 5/ 329. [المؤلف]. وأخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب في انتظار الفرج وغير ذلك، 5/ 554 ح 3573 وقال:«حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه» .
(2)
جامع الترمذيّ، كتاب الدعوات، باب 105، 2/ 273، ح 3556. [المؤلف]. قال الترمذي:«حديث حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه» . وقد أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، 2/ 79، ح 1488. وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء، 2/ 1271، ح 3865. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان)، 3/ 160، ح 876.
(3)
المستدرك، كتاب الدعاء، «إن الله حييٌّ كريمٌ
…
»، 1/ 497.
رضي الله عنه أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتُها، قال: أي بُنَيَّ، سل الله الجنَّة وتعوَّذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«سيكون في هذه الأمَّة قومٌ يعتدون في الطُّهور والدعاء»
(1)
. [و] أخرجه الحاكم في الدعاء من المستدرك، وقال:«صحيح الإسناد» ، وقال الذهبيُّ في تلخيص المستدرك:«صحيحٌ»
(2)
.
[523]
فأما تحرِّي الدعاء بلفظٍ معيَّنٍ يحفظه الرجل ويواظب عليه؛ فإن كان ذلك لأنَّه ثبت في كتاب الله عز وجل أو ورد عن رسوله صلى الله عليه وسلم فحسنٌ، ولكنَّ الأولى أن يتتبَّع أدعية النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويدعو بكلٍّ منها في موضعه كما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنع. وإن كان لغير ذلك؛ كأن أعجبه لفظه، أو كان قد دعا به مرَّةً فحصل مطلوبه، أو نُقِل عن بعض الصالحين، أو زعم بعضهم أنه مجرَّبٌ أو أن له ثوابًا عظيمًا، أو أنه علَّمه الخضر، أو علَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في النوم، أو نحو ذلك، فلا أحبُّ أن يتحرَّاه؛ فإن التحرِّيَ حقٌّ لما ثبت عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3].
وما أخسر صفقة من يَدَعُ الأدعية الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا [524] يكاد يدعو بِها، ثم يعمِد إلى غيرها فيتحرَّاه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟ !
(1)
مسند أحمد 4/ 87. سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الإسراف في الماء، 1/ 11، ح 96 ــ واللفظ له ــ. سنن ابن ماجه، كتاب الدعاء، باب كراهية الاعتداء في الدعاء، 2/ 229، ح 3864. [المؤلف]. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان) 15/ 166 - 167، ح 3763، 6764.
(2)
المستدرك، كتاب الدعاء، الاعتداء في الدعاء والطهور، 1/ 540. [المؤلف]