المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ القسم بغير الله عز وجل - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ٣

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌ وقد يكون للمعبود الواحد ألوف من التماثيل يطلقون على كل تمثال منها اسم ذلك المعبود

- ‌ عبادة الشياطين

- ‌ عبادة الهوى

- ‌النظر فيما كان يعتقده المشركون في آلهتهم ويعملونه

- ‌تفسير عبادة الأصنام

- ‌عُبَّاد النار

- ‌عجل السامري

- ‌الأناسي الأحياء وأرواح الموتى

- ‌تفسير تأليه المسيح وأمه عليهما السلام

- ‌تأليه الأحبار والرهبان

- ‌ شرع الدين خاصٌّ بالربِّ

- ‌عبادة القبور والآثار

- ‌عبادة أشخاصٍ لا وجود لها

- ‌المصريُّون

- ‌ في عهد إبراهيم عليه السلام

- ‌ في عهد موسى عليه السلام

- ‌العرب وتأليه الإناث الخياليَّات

- ‌تحرير العبارة في تعريف العبادة

- ‌ فصلٌ في الدعاء

- ‌الدعاء عبادةٌ

- ‌ أحكام الطلب، ومتى يكون دعاءً

- ‌من أشنع الغلط في هذا الباب الاعتمادُ على التجربة

- ‌مَن قاس الأموات على الأحياء [555] فهو كمَن قاس الملائكة على البشر

- ‌ الشبهات ورَدُّها

- ‌شبه عُبَّاد الأصنام

- ‌ شُبَه عُبّاد الأشخاص الأحياء

- ‌شُبَه النصارى في عبادتهم الصليب

- ‌شبهة للنصارى واليهود في شأن الأحبار والرهبان

- ‌شُبَهُ عَبَدَةِ الملائكة

- ‌تقسيم الكفر إلى ضربين

- ‌الأعذار

- ‌ ذكر أمور ورد في الشريعة أنها شركوأشكل تطبيقها على الشرك

- ‌تمهيد

- ‌ الطِّيَرة

- ‌ فصل في التِّولة والسحر

- ‌ التأثير على ضربين:

- ‌ حكم السحر وتعليمه وتعلمه

- ‌ طرق تحصيل قوة السحر

- ‌ القسم بغير الله عز وجل

- ‌حقيقة القَسَم

- ‌ تسمية النذر يمينًا وحلفًا والقول بأن كفارته كفارة يمين أمر معروف عن السلف

- ‌ الشرك إذا أُطْلِق في الشريعة في مقام الذَّمِّ كان المراد به الشركَ بالله عز وجل، بأن يُشْرِكَ معه غَيْرَه في العبادة على سبيل العبادة للشريك

- ‌ لم يجئ في الشرع نصٌّ على أنَّ الرئاء شرك بالله، وإنما جاء أنَّه شرك فحسب

- ‌قول ما شاء الله وشئت

- ‌فهرس مصادر التحقيق

الفصل: ‌ القسم بغير الله عز وجل

[701]

‌ القسم بغير الله عز وجل

في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَن حلف فقال في حلفه: باللات والعُزَّى، فليقل: لا إله إلا الله» الحديث

(1)

.

وفي صحيح مسلمٍ عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم»

(2)

.

وفي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت»

(3)

.

وفي مسند أبي داود الطيالسي: ثنا شعبة، عن منصورٍ والأعمش ــ قال أبو داود: وأنا لحديث الأعمش أحفظ، والإسناد واحدٌ ــ، سمعا سعد بن عبيدة يحدِّث عن ابن عمر أن رجلًا سأله عن الرجل يحلف بالكعبة فقال: لا تحلف بالكعبة ولكن احلف بربِّ الكعبة، فإن عمر كان يحلف بأبيه فقال له

(1)

البخاريّ، كتاب الأيمان والنذور، بابٌ لا يحلف باللات والعزَّى ولا بالطواغيت، 8/ 133، ح 6650. مسلم، كتاب الأيمان، باب مَن حلف باللات والعزَّى

، 5/ 81، ح 1647. [المؤلف]

(2)

مسلم، الموضع السابق، 5/ 82، ح 1648. [المؤلف]

(3)

البخاريّ، كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم، 8/ 132، ح 6646. مسلم، كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، 5/ 81، ح 1646. [المؤلف]

ص: 989

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن حلف بغير الله فقد أشرك»

(1)

.

أقول: هذا إسنادٌ جليلٌ على شرط الشيخين إلَّا أن للحديث علَّةً.

قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن منصور، عن سعد

(2)

بن عبيدة قال: كنت عند ابن عمر فقمت وتركت رجلًا عنده من كندة فأتيت سعيد بن المسيب [702] قال: فجاء الكندي فزعًا، فقال: جاء ابنَ عمر رجلٌ، فقال: أحلف بالكعبة؟ فقال: لا، ولكن احلف برب الكعبة، فإن عمر كان يحلف بأبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا تحلف بأبيك؛ فإنه مَنْ حلف بغير الله فقد أشرك»

(3)

.

وقال أيضًا: ثنا حسين بن محمد، ثنا شيبان، عن منصور، عن سعد بن عبيدة قال: جلست أنا ومحمد الكندي إلى عبد الله بن عمر ثم قمت من عنده. فذكر الحديث بنحوه، وفيه: فجاء صاحبي ــ يعني الكندي ــ وقد اصفرَّ وجهه وتغيّر لونه، فقال: قم إليَّ، قلت: ألم أكن جالسًا معك الساعة، فقال سعيد

(4)

: قم إلى صاحبك، قال: فقمت إليه، فقال: ألم تسمع إلى ما قال ابن عمر

، فذكره بنحوه

(5)

.

وقال الطحاوي: إن ابن مرزوق قد حدّثنا، قال: حدّثنا شعبة، عن منصور

فذكره بنحوٍ من رواية محمد بن جعفرٍ ــ غندر ــ، عن شعبة. ثم

(1)

مسند الطيالسي ص 257. [المؤلف]. وفي ط: دار هجر 3/ 412، ح 2008.

(2)

في النسخة: «سعيد» ، خطأ. [المؤلف]

(3)

المسند 2/ 86. [المؤلف]

(4)

في النسخة: «سعد» ، خطأ. [المؤلف]

(5)

المسند 2/ 69. [المؤلف]

ص: 990

قال الطحاوي أيضًا: «وأن يزيد بن سنان قد حدثنا، قال: حدثنا الحسن

(1)

بن عمر بن شقيقٍ، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصورٍ .... فذكره بنحوٍ من رواية غندر عن شعبة أيضًا

(2)

.

فهذه الروايات عن منصورٍ تبين أن سعد بن عبيدة إنما سمع القصة من محمد الكندي، وهو رجل مجهول.

فإن قلت: سعد بن عبيدة لم يوصف بتدليس فليحمل على أنهما قصتان سمع سعد من ابن عمر إحداهما وسمع الأخرى من محمد الكندي عن ابن عمر، ويوجَّه إخباره بالثانية عن الكندي مع أنه قد سمع مثلها من ابن عمر بأن في الثانية زيادةً وهي بيان ما لحق الكندي [703] من الرَّوْع والفزع.

قلت: إنه لمحتملٌ ولكن ليس بالبيِّن، ويُضعفه أن أبا داود الطيالسي أشار إلى أنه لم يتقن الحديث كلَّ الإتقان.

وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم من طريق أبي خالدٍ الأحمر، عن الحسن بن عبيد الله النخعي، عن سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلًا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»

(3)

.

(1)

في النسخة: «الحسين» ، خطأ. [المؤلف]

(2)

مشكل الآثار، باب بيان مشكِل ما رُوِي عنه عليه السلام من نهيه عن الحلف بغير الله تعالى

، 1/ 359. [المؤلف]. وفي طبعة الرسالة 2/ 299 - 300، ح 830 - 831.

(3)

المسند 2/ 125، جامع الترمذيّ، كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء أن مَن حلف بغير الله قد أشرك 1/ 290، وقال:«حسنٌ» . المستدرك، كتاب الأيمان والنذور، تسبيح ديكٍ رجلاه في الأرض وعنقه تحت العرش، 4/ 297، وقال:«صحيحٌ على شرط الشيخين» ، وأقرَّه الذهبيّ. وفي رواية الحاكم تصريح أبي خالدٍ بقوله:«ثنا الحسن بن عُبَيد الله» ، فأُمِنَ تدليسه. [المؤلف]

ص: 991

أقول: قوله في هذه الرواية «إنَّ ابن عمر سمع رجلًا يقول: لا والكعبة» يدل أن هذه قصة أخرى غير التي سمعها سعد من الكندي؛ لأن في تلك «جاء ابنَ عمر رجلٌ، فقال: أحلف بالكعبة؟ » ولكن قد يُقال: إن مثل هذا الاختلاف كثيرًا ما يقع في حكاية القصة الواحدة، والحسن بن عُبيد الله ثقةٌ وثَّقه الأئمة، وأخرج له مسلمٌ في صحيحه، وأما البخاري فقال:«لم أخرج حديث الحسن بن عُبيد الله؛ لأن عامَّة حديثه مضطرب» حكاه في تهذيب التهذيب

(1)

.

ولما ذكر الإمام أحمد هذه الرواية في المسند أعاد عقبها روايته عن محمد بن جعفر غندر، عن شعبة

(2)

التي مرَّت؛ كأنه يشير إلى احتمال أن تُعَلَّلَ بها. وصَرَّح بذلك البيهقي في السنن

(3)

، ذكر رواية أبي خالد الأحمر، ثم قال:«وهذا مما لم يسمعه سعد بن عبيدة من ابن عمر» ، فذكر حديث أحمد عن غندر، كما مضى.

[704]

وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: «قلت: قد رواه شعبة عن منصور عنه قال: كنت عند ابن عمر، ورواه الأعمش، عن سعد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن عمر»

(4)

.

(1)

2/ 292.

(2)

انظر: المسند 2/ 125.

(3)

كتاب الأيمان، باب كراهية الحلف بغير الله عز وجل، 10/ 29. [المؤلف]

(4)

تلخيص الحبير ص 396. [المؤلف]

ص: 992

كذا قال، فإن كان أراد رواية شعبة التي ذكرها الإمام أحمد عن غندر عنه فلا يفيد قول سعد:«كنت عند ابن عمر» ، فإن بعده: «فقمت وتركت رجلًا

» كما تقدم، وهو صريح أنه لم يسمع القصة، وإن أراد غيرها فلم أقف عليها. وكذلك رواية الأعمش، عن سعد، عن أبي عبد الرحمن السلمي لم أقف عليها، وستأتي رواية للأعمش على غير هذا الوجه.

وفي المستدرك من طريق جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عُبيد الله النخعي، عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال:«مَن حلف بغير الله فقد كفر»

(1)

، وقال:«هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين؛ فقد احتجَّا بمثل هذا الإسناد وخَرَّجاه في الكتاب، وليس له علَّةٌ، ولم يخرجاه. وله شاهدٌ على شرط مسلمٍ .... شريك بن عبد الله، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كل يمينٍ يُحْلَف بها دون الله شركٌ» . أقرَّه الذهبي.

وأعاده بعد عدَّة أوراقٍ من طريق إسرائيل، عن سعيد بن مسروقٍ، عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر قال: قال عمر: لا وأبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا تحلفوا بآبائكم، مَن حلف بشيءٍ دون الله فقد أشرك» .

[705]

ومن طريق محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أبنا سفيان، عن أبيه والأعمش ومنصورٍ، عن سعد بن عُبيدة، عن ابن عمر قال: كان عمر يحلف: وأبي، فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «مَن حلف بشيءٍ من دون

(1)

المستدرك، كتاب الإيمان، مَن حلف بغير الله فقد كفر، 1/ 18. [المؤلف]

ص: 993

الله فقد أشرك»، وقال الآخر

(1)

: «فهو شركٌ» .

ثم أعاد رواية جرير بن عبد الحميد من طريق أخرى ثم قال: «هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وإنما أودعته كتاب الإيمان للفظ الشرك فيه، وفي حديث مصعب بن المقدام عن إسرائيل: «فقد كفر» .

فأما الشيخان فإنما أخرجاه من حديث سالمٍ ونافعٍ وعبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم» ، وهذا غير ذاك»

(2)

.

ورواية عبد الرزاق عن سفيان أخرجها الإمام أحمد في المسند

(3)

، وسفيان هو الثوري، ورواية إسرائيل عن سعيد بن مسروق ــ وهو والد الثوري ــ ذكرها الطحاوي في مشكل الآثار

(4)

.

فهذه الروايات أقرب إلى أن يُحْكَمَ لها بالسلامة من العلَّة؛ لأنه غير مستنكر أن يكون سعد بن عبيدة قد سمع هذا الحديث المرفوع من ابن عمر، ولكنه لم يسمع كلام ابن عمر في شأن الكعبة فاحتاج أن يذكره عن الكندي عن ابن عمر.

ويؤيد هذا: قال الإمام أحمد «ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة

(1)

لم يتبيَّن لي مَن هو، إلا أن يكون الأعمش أو منصورًا.

(2)

المستدرك، كتاب الإيمان، مَن حلف بشيءٍ دون الله فقد أشرك، 1/ 52. [المؤلف]

(3)

2/ 34. [المؤلف]

(4)

1/ 358. [المؤلف]

ص: 994

قال: كنت مع ابن عمر في حلقة فسمع رجلًا في حلقة أخرى وهو يقول: لا وأبي، فرماه ابن عمر بالحصى وقال: إنها كانت يمين عمر فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم [706] عنها وقال: إنها شرك»

(1)

.

وقال الطحاوي: «حدثنا بكار، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة» فذكره بنحوه

(2)

.

ففي هذه الرواية تصريح سعد بسماعه هذا الحديث من ابن عمر، وأكَّد ذلك أن في هذه الرواية قصة غير القصة التي ذكرها عن الكندي قطعًا، وليس من المحتمل أن تكون القصة واحدة، ولكن فيه شيء وهو أن الأعمش مدلِّس ولم يصرِّح في هذه الرواية بالسماع، وإن كان قد صرَّح به في رواية أبي داود الطيالسي التي صَدَّرْنا بها. نعم، ذكر الذهبي في ترجمة الأعمش من الميزان أن روايته عن شيوخه الذين أكثر عنهم محمولة على الاتصال. كذا قال، وفيه نظر.

وبالجملة، فإن جاء في روايةٍ تصريحُ الأعمش بالسماع في الرواية التي صرَّح فيها سعدُ بن عبيدة بسماعه هذا الحديث من ابن عمر، فالحديث صحيح على شرط الشيخين حتمًا، وكذا إذا كان شعبة قد روى عن منصور عن سعد مصرِّحًا بالسماع كما سبق عن تلخيص الحبير، أو صحَّ رواية سعد الحديث عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن عمر كما سبق من تلخيص الحبير أيضًا، وإلا فالحديث حسن كما قاله الترمذي. ويؤكِّد ذلك جزم

(1)

المسند 2/ 58، وأعاده في ص 60. [المؤلف]

(2)

مشكل الآثار، باب بيان مشكِل ما رُوِي عنه عليه السلام من نهيه عن الحلف بغير الله تعالى

، 1/ 357. [المؤلف]. وفي طبعة الرسالة 2/ 297، ح 826.

ص: 995

الحاكم بأن الحديث صحيح على شرط الشيخين وليس له علَّة وأقرَّه الذهبي، ويبعد أن يكونا لم يطَّلعا على الرواية التي ذُكِرَ فيها الكندي. وقد صحَّح الحديث أيضًا ابن حبان، رواه من طريق الحسن بن عُبيد الله

(1)

.

وقد أشار البخاري في صحيحه إلى صحة هذا الحديث فإنه قال: «باب مَن [707] أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال» ثم ذكر الأحاديث في ذلك، ثم قال:«باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولًا أو جاهلًا» ثم ذكر قول عمر لحاطب: إنه منافق، وقول معاذ للرجل الذي فارقه في الصلاة: إنه منافق، وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حلف منكم فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله» ، وحديث نافع عن ابن عمر أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله وإلَّا فليصمت»

(2)

.

فأما حديث أبي هريرة فكأن البخاري استنبط من اكتفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «فليقل: لا إله إلا الله» ، أنه لم يجعل ذلك رِدَّة مع أن الكلمة كلمة كفر؛ ولكن لما كانت لا تقع منه عمدًا وإنما يسبق لسان بعضهم إليها لاعتياده قولها قبل أن يُسْلِمَ عَذَرَهُمْ بذلك، وأخبرهم بما يدفع مَعَرَّةَ التلفظ بها وهو أن يعلن بنقيضها وهو قول لا إله إلا الله.

قال في الفتح: «وقال ابن العربي: مَن حلف بها جادًّا فهو كافر، ومَن

(1)

انظر: صحيح ابن حبان (الإحسان)، كتاب الأيمان، ذكر الزجر عن أن يحلف المرء بشيء سوى الله جلَّ وعلا، 10/ 199 - 200، ح 4358.

(2)

انظر: صحيح البخاريِّ، كتاب الأدب، 8/ 26 - 27، ح 6103 - 6108. [المؤلف]

ص: 996

قالها جاهلًا أو ذاهلًا يقول: لا إله إلا الله، يكفِّر الله عنه، ويرد قلبه عن السهو إلى الذكر، ولسانه إلى الحق، وينفي عنه ما جرى به من اللغو»

(1)

.

وأخرج النسائيُّ بسندٍ صحيحٍ عن سعد بن أبي وقَّاصٍ قال: حلفت باللات والعزَّى، فقال لي أصحابي: بئس ما قلتَ، قلتَ هُجْرًا

(2)

، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فقال:«قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ وانفث عن [708] يسارك ثلاثًا، وتعوَّذْ بالله من الشيطان، ثم لا تَعُدْ» .

وفي روايةٍ أخرى له: عن مصعب بن سعدٍ، عن أبيه، قال: كنا نذكر بعض الأمر وأنا حديث عهدٍ بالجاهليَّة، فحلفت باللات والعزَّى، فقال لي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره؛ فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فأتيته فأخبرته فقال لي:«قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثلاث مرَّاتٍ، وتعوَّذ بالله من الشيطان ثلاث مرَّاتٍ، واتفل عن يسارك ثلاث مرَّاتٍ، ولا تَعُدْ له»

(3)

.

وأما ذِكْرُ البخاري لحديث عمر فقال في الفتح: «وقصد بذكره هنا

(1)

فتح الباري 8/ 434. [المؤلف]

(2)

أي: قبيحًا من الكلام.

(3)

سنن النسائيّ، كتاب الأيمان والنذور، الحلف باللات والعزَّى، 2/ 140، ح 3785 - 3786، وأخرجه ابن ماجه [في كتاب الكفَّارات، باب النهي أن يحلف بغير الله] مختصرًا، 1/ 330، ح 2097. وصحَّحه ابن حِبَّان [(الإحسان)، كتاب الأيمان، ذكر الأمر بالاستعاذة بالله جلَّ وعلا من الشيطان لمن حلف بغير الله تعالى، 10/ 206، ح 4365]، كما في الفتح 8/ 434. [المؤلف]

ص: 997

الإشارة إلى ما ورد في بعض طرقه: «مَن حلف بغير الله فقد أشرك» . لكن لما كان حلف عمر بذلك قبل أن يسمع النهي كان معذورًا فيما صنع، فلذلك اقتصر على نهيه ولم يؤاخذه بذلك»

(1)

.

أقول: ومن الواضح أن احتجاج البخاري بحديث عمر في هذا الباب أنه يرى أن من حلف بأبيه غير جاهل ولا ذاهل فقد كفر، ويؤخذ من ذلك أنه يرى أن حديث سعد بن عبيدة صحيح ثابت. والله أعلم.

ومن شواهد الحديث ما في مصنف ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: قال عمر: حَدَّثْتُ قومًا حديثًا فقلت: «لا وأبي» ، فقال رجل من خلفي:«لا تحلفوا بآبائكم» ، فالتفتُّ؛ فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«لو أنَّ أحدكم حلف بالمسيح هلك، والمسيح خيرٌ من آبائكم»

(2)

.

قال الحافظ ابن حجرٍ: وهذا مرسلٌ يتقوَّى بشواهده

(3)

.

وفي كنز العمال عن مصنَّف عبد الرزاق عن الشعبي قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجلٍ يقول: وأبي، فقال:«قد عُذِّب [709] قومٌ فيهم ابن مريم، خير من أبيك، فنحن منك براءٌ حتى ترجع»

(4)

.

وأخرج الحازمي في كتاب الاعتبار وابن عساكر وغيرهما عن يزيد بن سنان أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يحلف زمنًا فيقول: «لا وأبيك»

(1)

فتح الباري 10/ 395. [المؤلف]

(2)

المصنَّف، كتاب الأيمان والنذور، الرجل يحلف بغير الله أو بأبيه، 3/ 416.

(3)

فتح الباري 11/ 425. [المؤلف]

(4)

كنز العمال 8/ 346. [المؤلف]. وهو في مصنَّف عبد الرزَّاق، كتاب الأيمان والنذور، باب الأيمان ولا يحلف إلا بالله، 8/ 468، ح 15928.

ص: 998

حتى نُهِي عن ذلك، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يحلف أحدكم بالكعبة؛ فإن ذلك إشراكٌ، وليقل: وربِّ الكعبة» .

قال الحازمي: «هذا حديث غريب من حديث الشاميِّين، وإسناده ليس بذاك القائم غير أن له شواهد» ، ثم ذكر حديث «أفلح وأبيه إن صدق» ونحوه

(1)

.

وأنا إنما ذكرته شاهدًا لحديث سعد بن عبيدة؛ لأن فيه: «فإنه إشراك» .

وأخرج الإمام أحمد والنسائي والحاكم في المستدرك ــ وقال صحيح الإسناد وأقرَّه الذهبي ــ عن قُتَيْلَة بنت صَيْفِي رضي الله عنها أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنكم تُندِّدون، وإنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربِّ الكعبة، ويقول أحد [هم]: ما شاء الله ثم شئت»

(2)

.

وأخرج أبو داود والحاكم في المستدرك ــ وقال: صحيح الإسناد وأقرَّه الذهبي ــ[710] عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن

(1)

الاعتبار ص 229. [المؤلف]. وانظر: تاريخ دمشق، ترجمة يزيد بن سنانٍ، 65/ 219.

(2)

مسند أحمد 6/ 371 - 372، سنن النسائيّ، كتاب الأيمان والنذور، الحلف بالكعبة، 2/ 140 ح 3782 ــ واللفظ له ــ. والمستدرك، كتاب الأيمان والنذور، تسبيح ديكٍ رجلاه في الأرض وعنقه تحت العرش، 4/ 297، وفيه: «

إنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة

». [المؤلف]. وما بين المعقوفتين من السنن الكبرى للنسائيِّ، وفي المجتبى:«ويقولون» .

ص: 999