الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله: «كاذبًا متعمّدًا» . والكذب يدخل القضيّة الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى، وهذا بخلاف قولنا:«والله» وما أشبهه، فليس الإخبار بها عن أمر خارجيٍّ، بل هي لإنشاء القَسَم، فتكون صورة الحلف هنا على وجهين:
أحدهما: أن تتعلق بالمستقبل، كقوله: إن فعل كذا فهو يهوديٌّ.
والثاني: تتعلق بالماضي، كقوله: إن كان فعل كذا فهو يهودي».
(1)
يعني إذا حلف بذلك
(2)
.
[728]
والحاصل: أن
تسمية النذر يمينًا وحلفًا والقول بأن كفارته كفارة يمين أمر معروف عن السلف
، فكلُّ ما جاء عنهم من إطلاق الحلف بالعتق والهدي والصدقة إنما يقصدون به النذر، وإطلاق الحلف واليمين على النذر مجاز. وَهَبْ أنه حقيقة أيضًا، فالنهي عن الحلف بغير الله إنما المقصود به أن يقول: والكعبة، أو أقسم بالكعبة، أو نحو ذلك. ولا يدخل فيه الحلف بمعنى النذر، كقول القائل: إن كلَّمتك فعليَّ الحجُّ ماشيًا، أو نحو ذلك. وجواز النذر ولزوم الكفارة به ــ وإن سُمِّيَ حَلِفًا ويمينًا ــ لا يَدلُّ على جواز الحلف
(1)
سنن النسائيّ، كتاب الأيمان والنذور، الحلف بالبراءة من الإسلام، 7/ 6 - 7.
(2)
فتح الباري 11/ 432. [المؤلف]
بغير الله بمعنى قوله: والكعبة، ونحو ذلك. وهذا واضح جدًّا، والفرق المعنوي بينهما كفلق الصبح؛ فإن القائل:«والكعبة» معظِّم للكعبة كما علمت، والقائل:«إن كلَّمتُ فلانًا فعليَّ صدقة» لا يُفْهم منه تعظيم للصدقة، والله أعلم.
فأما القَسَمُ من الضرب الثاني فقد يُشْكِل دخوله في النهي والتحريم من جهة أن أصل معنى قول الرجل: «وشَرَفِي» : إن كذبت أو إن لم أفِ فأنا محتقر لشرفي ومضيِّع له أو فلا شرف لي، وهذا اللفظ لا يظهر كونه حرامًا لو عبر به. نعم، يمكن أن يتطرَّق إليه التحريم؛ لما فيه من مدح النفس والافتخار والإعجاب، ولكن لا يستمرُّ هذا المعنى في جميع الألفاظ من هذا الضرب، مثل: وحقِّك، ولكن الذوق يشهد أنَّ الإجلال والتعظيم الذي يُفْهَم من قوله: وشرفي، وقوله: وحقِّك، [729] أعظم جدًّا مما يُفْهَم من قوله: إن كذبت، أو: إن لم أفِ فلا شرف لي، أو: فأنا مُخِلٌّ بحقك، وكأن ذلك لأنَّ المعروف في القسم أن يكون بالمعبود.
وفي الفتح: «قال الخطَّابي: اليمين إنما تكون بالمعبود المعظَّم، فإذا حلف باللات ونحوها فقد ضاهى الكفار
…
»
(1)
.
فإما أن يكون اختصاص القَسَم بالمعبود من أصل الوضع، ويكون ما شاع عنهم من القسم بغير المعبود مجازًا على سبيل المبالغة والغلو.
وإما أن يكون لاشتهار القسم بالمعبود أكثر من غيره صار يسبق إلى الفهم من قولهم: وحقِّك ــ مثلًا ــ أن الحالف يُجِلُّ حَقَّ صاحبه إجلال
(1)
فتح الباري 8/ 434. [المؤلف]
المعبود، وهذا المعنى ظاهر لا يتيسَّر إنكاره، ولا سيَّما إذا انضم إليه دلالة الحال على التعظيم والإجلال، كما في قولهم: وشرفي، وأبي.
إذا تقرَّر هذا، فأقول: إن ظاهر هذا الضرب من القَسَم أن الحالف يُجِلُّ المحلوف به إجلال المعبود، وذلك كفر وشرك، ولا مانع من أخذ الشرع بهذا الظاهر، فإذا ثبت من الشرع ما يدلُّ على ذلك وجب القول به، وقد تقدَّم ما بلغنا عن الشرع في ذلك. والله أعلم.
وأما الضرب الثالث، فقد يقال: ليس في أصل معناه إجلال وتعظيم، وإنما فيه المحبة. وأقول: المحبة تستلزم الإجلال والتعظيم؛ لأن حبيب الإنسان جليل عظيم عنده، كما قيل
(1)
:
أحبك إجلالًا وما بك قدرة
…
عليَّ ولكِنْ مَلْءُ عينٍ حبيبُها
[730]
وفي أشعار العجم ومحاوراتهم العشقية كثير مما معناه: أنا أعبدك، وأنتِ معبودتي، ونحو ذلك، فإذا أقسم الإنسان بما يحبه كان ظاهر ذلك أنه يحبه كما يحبُّ المعبود، وقد علمت توجيه ذلك، وبقية الكلام عليه كالكلام على الضرب الثاني.
وأما الضرب الرابع، فليس في أصل معناه تعظيم ولا ما يستلزم التعظيم، ولكنه يُمْنَعُ منه إذا كان يُتَوَهَّمُ أنه من الأَضْرُب السابقة.
وأقسام الله تبارك وتعالى لا يُتَوَهَّم فيها ذلك؛ إذ كيف يتخيل أن الله
(1)
البيت لنُصَيب بن رباحٍ المعروف بالأكبر. انظر: شعره: 68، وهو في ديوان مجنون ليلى:58. وشرح ديوان الحماسة للأعلم الشنتمريِّ 2/ 748. والرواية: (أهابك) بدل: (أحبُّك).
تبارك وتعالى يتخذ شيئًا من خلقه معبودًا أو يجلّه كما يجلّ العابد المعبود أو يحبه كما يحب العابد المعبود.
وقد جاء عن السلف ما يشير إلى أن إقسام الله تبارك وتعالى بمخلوقاته من هذا الضرب.
(1)
.
وكذلك ما تَقَدَّم من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وأبيه» ، «وأبيك» ؛ إذ لا يتوهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يعظِّم مشركًا أجنبيًّا عنه تعظيمَ المعبود.
وعلى كلِّ حال فينبغي المنعُ من القَسَم من هذا الضرب ما لم تكن القرينةُ الصارفة عن تَوَهُّمِ كونه من الأَضْرُبِ الثلاثة الأولى واضحةً. والله أعلم.
[731]
وأما الضرب الخامس، فالظاهر المنع منه؛ لأنه من قبيل إطلاق الكلمة التي ظاهرها كفر على وجه الاستهزاء، وذلك لا يجوز، بل نصَّ جماعة من العلماء على تكفير فاعل ذلك.
إذا تقرَّر هذا، فحَلِف الإنسان بأبيه منهيٌّ عنه مطلقًا، وقد عَلِمْتَ الأدلَّةَ الدالَّة على أنه شرك، أما إذا كان من الأضرب الثلاثة الأولى فظاهر، وأما إذا كان من الرابع قصدًا فالظاهر لا يساعد على هذا القصد، بل يكون الظاهر أنه من أحد الأضرب الثلاثة الأولى.
(1)
فتح الباري 11/ 429. [المؤلف]
فأما إقسامه بأبي غيره فقد يساعد الظاهر على أنه قصد به من الضرب الرابع، كما تقدَّم في كلمتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلمة أبي بكر رضي الله عنه، وعلى هذا فإما أن يكون ذلك مُخَصِّصًا لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا تحلفوا بآبائكم» ، وإما أن يُقال: إن الإضافة في قوله: «بآبائكم» كهي في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، والمعنى: لا يُقْسِمْ أحدٌ منكم بأبيه، وعلى هذا فلا يدخل فيه حلف أحدهم بأبي غيره، ويبقى حكم ذلك مسكوتًا عنه، فما كان بمعنى المنصوص أُلْحِقَ به وما لا فلا. فأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليسكت» ، وقوله:«مَن حلف بغير الله فقد أشرك» ، فعامٌّ مخصوص تُخَصِّصه الأدلَّة الدالَّة على جواز ما يجوز من الضرب الرابع.
ولقائلٍ أن يقول: إنَّ القسم الجائز من الضرب الرابع لا يسمَّى حلفًا، بدليل أنَّ الحلف لم يجئ في القرآن إلاّ في معرض الذمّ، كما تقدّم، ولا يُذمُّ القَسَم [732] من الضرب الرابع؛ لأنه عبارة عن إقامة دليل وحجة، وليس فيه تعظيم لغير الله تعالى ولا ما يستلزم تعظيمًا ولا ما يوهمه، ولذلك كثر إقسام الله عز وجل في كتابه، مع قوله:{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10].
ويستأنس لهذا بأن الحلف مأخوذ من حلافة اللسان كما تقدَّم، وحلافة اللسان مأخوذ من قولهم: سنان حليف، إذا كان مُحَدَّدًا، وحِدَّة اللسان وحلافته عندهم ليس بمدح، فكأنهم إنما يريدون بها ما لا يستند إلى الدليل والحجة؛ لأن الاستناد إلى الدليل والحجة ليس موضعًا للذمِّ، ولا يناسب أن يقال لصاحبه: حديد اللسان، بل يوصف بالسداد والبيان والثبات ونحو ذلك، فتأمل.
والحاصل: أن القَسَم الجائز من الضرب الرابع لا يدخل تحت النهي، إما لأنه لم يتناوله النهي أصلًا، وإما لأنَّ الدليل أخرجه. والله أعلم.
فإن قلت: حاصل كلامك أنك أبقيت قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» على ظاهره إلا ما استثنيته من الضرب الرابع، وهذا خلاف ما عليه أهل العلم. فقد قال الترمذي عقب هذا الحديث:«وفُسِّر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله: «فقد كفر أو أشرك» على التغليظ، والحجة في ذلك حديث ابن عمر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سمع عمر يقول: وأبي وأبي، فقال:«ألا إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم» .
وحديث أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَن قال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله» .
[733]
قال أبو عيسى: هذا دليل على ما روي عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أن الرياء شرك
(1)
، وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} الآية [الكهف: 110]، قال:«لا يرائي»
(2)
.
(1)
أخرجه ــ بهذا اللفظ ــ البيهقيّ في شعب الإيمان، بابٌ في إخلاص العمل لله عز وجل وترك الرياء، 12/ 185، ح 6394، وغيره، من حديث أبي الدرداء مطوّلًا، وذكر البيهقي أنه من أفراد بقية - يعني ابنَ الوليد - عن شيوخه المجهولين. وضعّفه الشيخ الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب برقم 24. وورد وصف الرياء بأنه شرك أصغر في أحاديث ثابتة، كحديث محمود بن لبيد عند الإمام أحمد (5/ 428 و 429) وغيره، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 951.
(2)
جامع الترمذيّ 1/ 290. [المؤلف]
قلت: قد خالفه أستاذه البخاريّ بذكره حديث عمر محتجًّا به على أنَّ من قال لأخيه: يا كافر متأوِّلًا أو جاهلًا لا يكفر بعد جزمه أن مَنْ قال ذلك غير متأوِّل ولا جاهل يكفر، وقد تقدم بيان ذلك، وعُلم بذلك الجوابُ عن احتجاج الترمذي بحديث عمر، وحاصله: أنَّ عمر كان معذورًا، ولا يلزم من عدم إكفار المعذور عدمُ إكفار مَنْ لا عذر له.
وأما احتجاج الترمذيّ بحديث: «مَن قال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله» فعجيبٌ؛ فإنه لا حجَّة له فيه، والحلف باللات والعزى كفرٌ جزمًا، إلا إن كان الحالف جاهلًا أو ذاهلًا فيعذر، كما أشار إليه البخاري وصرَّح به ابن العربي، وقد مرَّ.
وهذا الحديث نفسه حجة في ذلك؛ فإن أمره بقول: (لا إله إلا الله) ظاهر في أنَّ الحلف باللات والعزى ينقض الشهادة الأولى، ونقض الشهادة الأولى هو الكفر والشرك، ويلزم من انتقاض الأولى انتقاض الثانية، أعني شهادة أنَّ محمدًا رسول الله.
غاية الأمر أنَّ الحالف إذا كان جاهلًا أو ذاهلًا لم تنتقض شهادته الأولى حقيقة، ولكن حصل فيها خللٌ مَّا ينقضها صورةً، فشُرِعَ جبرانه بقول:(لا إله إلا الله) تجديدًا للشهادة الأولى، ولم يشرع تجديد الشهادة الثانية؛ لأنه [734] لم ينقضها صورة، ولم تنتقض الشهادة الأولى حقيقة فيلزمَ من ذلك انتقاضُ الشهادة الثانية، فتدَبَّرْ.
فإن قلت: ما نَسَبْتَه إلى البخاريِّ يردُّه قوله في ترجمة أخرى: «باب مَنْ حلف على مِلَّةٍ سوى مِلَّة الإسلام، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«مَن حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله» ولم ينسبه إلى الكفر»
(1)
.
قلت: مراد البخاري والله أعلم أنَّ من حلف بملَّة سوى الإسلام جاهلًا أو ذاهلًا لا يكفر، بدليل حديث:«مَن حلف باللات والعزى» إلخ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قاله عالمًا أنَّ أحدًا من أصحابه لا يحلف باللات والعزى إلَّا ذاهلًا، فأمر مَنْ وقع منه ذلك أن يقول:«لا إله إلَّا الله» ولم ينسبه إلى الكفر، فدلَّ هذا على أنَّ مَن حلف بملَّة سوى الإسلام على نحو تلك الصفة، أي: جاهلًا أو ذاهلًا، لا يكفر.
وهذا من البخاري رحمه الله بيان للحديث الذي ساقه في هذه الترجمة، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«مَن حلف بغير ملَّة الإسلام فهو كما قال» ، أي: إنه محمولٌ على مَن حلف غير جاهلٍ ولا ذاهلٍ. هكذا يجب أن يُفْهَم كلام البخاري رحمه الله تعالى ليوافق صنيعه المتقدم؛ إذ كيف يُظَنُّ به أن يرى أنَّ حَلِف الإنسان بأبيه غير جاهلٍ ولا ذاهلٍ كُفْرٌ، ومع ذلك يرى أن حلفه باللات والعزى ليس بكفر مطلقًا.
وإخراج الذاهل قد جاء في رواية لمسلم بلفظ: «مَن حلف بملة سوى ملة الإسلام كاذبًا متعمِّدًا فهو كما قال»
(2)
. وكذا في صحيح البخاريِّ بلفظ: «مَن حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمِّدًا فهو كما قال»
(3)
.
فإن قلت: فهلَّا إذْ أراد البخاري الإشارة إلى استثناء الجاهل والذاهل كما زعمت أشار إلى هذه الرواية فإنها أصرح في ذلك؟
(1)
البخاريّ 8/ 133. [المؤلف]
(2)
مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الإنسان نفسه، 1/ 73، ح 110. [المؤلف]
(3)
البخاريّ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قاتل النفس، 2/ 96، ح 1363. [المؤلف]
قلت: كأنه عدل عن ذلك؛ لأنه قد يُفْهم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «متعمِّدًا» أنَّ المراد: متعمِّدًا للكذب، وعلى هذا فلا دلالة في الحديث على إخراج الجاهل والذاهل. وإنما ذكرت أنا هذه الرواية لأني أرى الأَوْلى إبقاء قوله:«متعمِّدًا» على إطلاقها، فيكون المراد: متعمِّدًا للحلف والكذب معًا، والله أعلم.
وذلك كأن يقول: إن كان ذاق ذلك اليوم طعامًا فهو يهودي، يعني نفسه، فإن كان لم يذق طعامًا فليس بكاذب، وإن كان ذاق طعامًا ولكنه نسي فليس بمتعمِّدٍ للكذب، وإن كان ذاق ولم ينس فهو متعمِّدٌ للكذب. ثم إن كان قوله:«فهو يهودي» ، كلمةً جرت على لسانه ولم يعقد نيته على قولها فليس بمتعمِّدٍ للحلف بملَّةٍ غير الإسلام، بل هو ذاهل، وإلا فهو متعمِّدٌ. فإذا اجتمع تعمّد الكذب وتعمّد الحلف باليهودية فهو كما قال، وقس على هذا حالَ مَنْ قال: إن كنتُ أملك الآن شيئًا فأنا
…
وذكر اليهودية. فأما من يقول: إن سافرت غدًا فأنا
…
فالظاهر أنه إن كان حالَ اليمين عازمًا ألَّا يسافر غدًا فهو صادق، ثم إن بدا له بعد ذلك أن يسافر غدًا فسافر فلم يكن متعمِّدًا للكذب، ما لم يكن سفره غدرًا بأن كان فيه ضرر على المحلوف له، والله أعلم.
فإن قلتَ: فلماذا بنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «مَن حلف باللات والعزى» إلخ على علمه أنَّ أحدًا من أصحابه لا يحلف بهما إلَّا ذاهلًا ولم يصنع مثل ذلك في قوله: «مَن حلف بغير ملَّة الإسلام» إلخ؟
قلتُ: لأنَّ أصحابه كانوا [735] يعلمون حقَّ العلم أنَّ الحلف باللات والعزى عمدًا كفر، فلم يكن ذلك ليقع منهم. وأما الحلف بغير ملَّة الإسلام كقول القائل: هو يهوديٌّ إن كان فعل كذا، يعني نفسه، فلم يكونوا يعلمون