الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعيسى عليهما السلام وأبلغ في تبرئتهما، ولو كان المنفيُّ الحلَّ لأمكن أن يقولوا: أما هما فقد أمرانا بما نحن عليه، وكونه يحل لهما أو لا يحل لا شأن لنا به.
فإن قيل: إن نفي الحلِّ يستلزم نفي الإمكان لعصمة الأنبياء عليهم السلام، فيكون نفي الإمكان بطريقٍ استدلاليٍّ، وهو أبلغ.
قلت: ولكن النصارى لا يعترفون بعصمة الأنبياء عليهم السلام.
تأليه الأحبار والرهبان
أخرج ابن جرير وغيره من طريق عبد السلام بن حرب قال: حدثنا غُطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال:"يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك"، قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا [392] نعبدهم، فقال:"أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ " قال: قلت: بلى، قال:"فتلك عبادتهم"
(1)
.
وأخرجه الترمذي بألفاظ أخرى، ثم قال: "حسن غريب لا نعرفه إلا من
(1)
لفظ ابن جرير 10/ 71. [المؤلف]. وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (ترجمة غُطيف بن أعين) 7/ 106. وابن أبي حاتم 6/ 1784، ح 10057. والطبراني 17/ 92، ح 218 - 219. والبيهقي، كتاب آداب القاضي، باب ما يقضي به القاضي
…
، 10/ 116. وغيرهم. وانظر: السلسلة الصحيحة 7/ 861، ح 3293.
حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث"
(1)
.
أقول: غطيف وثقه ابن حبان وضعفه الدارقطني
(2)
.
وقد روى ابن جرير وغيره نحو هذا التفسير موقوفًا على حذيفة رضي الله عنه. وبمعناه عن ابن عباس، ثم عن أبي العالية والحسن والضحاك
(3)
.
وقال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64] ما لفظه: "فإن اتِّخاذ بعضِهم بعضًا هو ما كان بطاعة الأتباع الرؤساء فيما أمروهم به من معاصي الله وتركهم ما نهوهم عنه من طاعة الله، كما قال جل ثناؤه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا [393] مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} ".
ثم أخرج عن ابن جريج يقول: "لا يطع بعضنا بعضًا في معصية الله"
(4)
.
وأخرج في تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
(1)
جامع الترمذي، كتاب التفسير، باب ومن سورة التوبة، 2/ 184، ح 3095. [المؤلف]
(2)
انظر: الثقات 7/ 311، الضعفاء والمتروكون ص 324.
(3)
تفسير ابن جرير 11/ 418 - 421، تفسير ابن أبي حاتم 6/ 1784.
(4)
3/ 195. [المؤلف]
[البقرة: 22]. عن ابن عباس وابن مسعود وناسٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} قال: "أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله". وقد مرَّ ذلك
(1)
.
وأخرج عن السدي في تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]. قال: "الأنداد من الرجال، يطيعونهم كما يطيعون الله، إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله". وقد مرَّ هذا أيضًا
(2)
.
وقد جاء في القرآن عَّدة آيات في ذكر عبادة الطاغوت لعلَّنا نذكرها في فصل عبادة الشياطين.
وقد فسَّر جماعة من السلف الطاغوت بالكاهن والساحر وسادن الصنم الذي يأمر بعبادته وغيرها مما يتديَّن به المشركون، وبكعب بن الأشرف وحُييِّ بن أخطب [394] وغيرهما ممن كان اليهود يطيعونه في الدين.
قال ابن جرير: "والصواب من القول في تأويل: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} أن يقال: يصدِّقون بمعبودَين من دون الله، يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إلهين.
وذلك أنَّ (الجبت) و (الطاغوت): اسمان لكل معظَّم بعبادةٍ من دون
(1)
ص 494.
(2)
ص 495.
الله، أو طاعة، أو خضوع له، كائنًا ما كان ذلك المعظَّم، من حجر أو إنسان أو شيطان. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظَّمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جُبوتًا وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولًا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله، وكذلك حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعَيْن في أهل ملّتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين"
(1)
. [396]
[395]
وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ [396] بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ
(1)
5/ 79. [المؤلف]