الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفر ثلاث وأربعين وستمائة.
1170 - محمد بن أحمد بن باق بن أحمد الأنصاري:
استجي فيما أرى؛ أخذ السبع عن الحاج أبي محمد بن محمد الأستجي ابن الفخار؛ وكان مقرئاً متصدراً ملتزم الإقراء إلى أن توفي باستجة، بعد الأربعين وستمائة.
1171 - محمد بن أحمد بن برد، مولى بني شهيد
(1) : قرطبي سكن المرية؛ روى عن أبيه أبي حفص وأبي الحسن عبد الملك بن مروان بن شهيد وغيرهما. وكان من بيت كتابة ونباهة، ومحمد هذا هو والد أبي حفص بن برد الأصغر (2) ، وفي حياته توفي ابنه بالمرية وثكله سنة خمس وأربعين وأربعمائة.
1172 -
محمد بن احمد بن جبير بن محمد بن جبير بن سعيد بن جبير بن [179 ظ] سعيد بن جبير بن سعيد بن جبير بن محمد بن مروان بن عبد السلام ابن مروان بن عبد السلام بن جبير الكناني (3) الداخل إلى الأندلس في طالعة بلج بن بشر بن عياض القيسي القشيري، وفي محرم ثلاث وعشرين ومائة وكان
(1) ترجمته في التكملة: 389.
(2)
أنظر ترجمة أبن برد الأصغر في الذخيرة 1/ 2: 18 والمطمح: 24.
(3)
ترجمته في التكملة: 589 والنفح 3: 143 - 243 - 251 وإرشاد الأريب 2: 106 ومسالك الأبصار 8: 311 والمطرب 1: 86 والإحاطة 2: 168 وفيها نقل كثير عن أبن عبد الملك والمغرب 2: 384 والنجوم الزاهرة 6: 221 وغاية النهاية 2: 60 وشذرات الذهب 5: 60 والمقفى ورحلة العبدري وبدائع البدائه (أنظر مقدمة الرحلة ط رايت) .
نزوله بكورة شذونة، وهو من ولد ضمرة بن كنانة بن بكر بن عبد مناة ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان؛ بلنسي نزل أبوه شاطبة، ثم استوطن هو جيان ثم غرناطة ثم فاس ثم الإسكندرية وأقام أثناء ذلك بستنة ومالقة وغيرهما حسبما اقتضته الأحوال، أبو الحسين، وهو سبط أبي عمران بن عبد الرحمن بن أبي تليد الشاطبي.
روى أبو الحسين بالأندلس عن أبيه وأبي الحسن بن محمد بن أبي العيش وأبوي عبد الله: ابن أحمد بن عروس وابن الأصيلي، واخذ العربية عن أبي الحجاج بن يبقا بن يسعون، وبستنة عن أبي عبد الله بن عبد اللهابن عيسى التميمي السبتي؛ وإجاز له أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز ابن الدباغ.
وله رحل ثلاث من الأندلس إلى المشرق حج في كل واحدة منها. وفصل عن غرناطة لرحلة الأولى اول ساعة من يوم الخميس لثمان خلون من شوال ثمان وسبعين وخمسمائة صحبة أبي جعفر بن حسان، وحج سنة تسع وسبعين، وعاد إلى وطنه غرناطة فوصل إليها يوم الخميس لثمان بقين من محرم إحدى وثمانين، ولقي في هذه الرحلة جماعة من اعلام العلماء وأكابر الزهاد والفضلاء منهم بمكة - شرفها الله -: ضياء الدين بن أحمد ابن عبد الوهاب بن علي بن علي بن سكينة وأبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله الغساني التونسي وأبو حف عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميانجي، نزبلا مكة، وأبو جعفر أحمد بن علي القرطبي الفنكي وأبو
محمد عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف الخجندي رئيس الشافعية باصبهان، وببغداد العالم الواعظ المستبحر أبو الفرج - وكناه أبو الفضائل - (1) ابن الجوزي، وحضر بعض مجالسه الوعظية، وقال فيه (2) : فشاهدنا رجلا (3) ليس من عمرو ولا زيد، وفي جوف الفراكل الصيد؛ [180 و] وبدمشق أبو الحسين أحمد بن حمزة بن علي بن الحسين بن الحسن بن علي بن عبد الله بن العباس السلمي ابن الموازيني وأبو سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون وأبو الطاهر بركات الخشوعي، وسمع عليه، وعماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني الكاتب ابن أله، وأخذ عنه بعض كلامه وغيره، وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الخضر بن عبدان وأبوا محمد: عبد الرزاق بن نصر بن مسلم النجار والقاسم بن علي بن عساكر، وسمع عليه، وأبو الوليد إسماعيل بن علي بن إبراهيم والحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري الربعي التغلبي وعبد الرحيم بن إسماعيل بن أبي سعد الصوفي، واجازوا له، وسمع على بعضهم سوى من ذكر سماعه هو عليه منهم، والشيخ الفاضل أبو عبد الله المرادي الإشبيلي نزيل دمشق؛ وبحران المتكلم الصوفي العارف أبو البركات حيان بن عبد العزيز وابنه الحاذي حذوه أبو علي عمر.
وهذه الرحلة هي التي صنف وذكر مناقله فيها وما شاهد من عجائب البلدان وغرائب المشاهد وبدائع المصانع، وهو كتاب ممتع مؤنس مثير
(1) م: أبو الفضل.
(2)
الرحلة: 220.
(3)
الرحلة: مجلس رجل.
سواكن النفوس إلى الوفادة على تلك المعالم المكرمة والمشاهد المعظمة، وكان أبو الحسن الشاري يقول أنها ليست من تصنيفه وإنما قيد معاني ما تضمنته، فتولى ترتيبها ونضدها بعض الآخذين عنه بناء على ما تلقاه منه.
ولما ورد في هذه الرحلة الإسكندرية متوجهاً إلى الحاج في ركب عظيم من المغاربة أمر الناظر على اللبد بالبحث عن ما أستصحبوه من مال على اختلاف أنواعه وفتش الرجال والنساء وهتكت (1) حرمة الحرم ولم يكن منهم إبقاء على أحد، وأحلفوهم بالأيمان المغلظة إستبراء لما قدروا غيبتهم عليه، قال (2) : فلما جاءتني النوبة وكانت معي حرم ذكرتهم بالله ووعظتهم فلم يعرجوا على قولي ولا التفتوا إلى كلامي وفتشوني كما فتشوا غيري فاستخرت الله تعالى ونظمت هذه القصيدة ناصحاً لأمير المسلمين صلاح الدين بن أيوب ومذكراً له بالله في حقوق المسلمين ومادحاً له فقلت (3) : [180 ظ] .
أطلت على أفقك الزاهر
…
سعود من الفلك الدائر
فأبشر فأن رقاب العدا
…
تمد إلى سيفك الباتر
وعما قليل يحل الردى
…
بكندهم (4) الناكث (5) الغادر
(1) م ط: وهتك.
(2)
أنظر مقدمة الرحلة: 28 نقلاً عن العبدري.
(3)
مقدمة الرحلة: 28 والنفح 3: 144.
(4)
الكند هو ما يسمى الكونت Count.
(5)
م: الناكب.
وخصب الورى يوم تسقي الثرى
…
سحائب من دمها الهامر
فكم لك من فتكة فيهم
…
حكت فتكة الأسد الخادر
كسرت صليبهم عنوة
…
فلله درك من كاسر
وغيرت آثارهم كلها
…
فليس لها الدهر من جابر
وأمضيت جدك في غزوهم
…
فتعساً لجدهم العاثر
فأدبر ملكهم بالشآم
…
وولى كأمسهم الدابر
جنودك بالرعب منصورة
…
فناجز متى شئت أو صابر
فكلهم غرق هالك
…
بتيار عسكرك الزاخر
ثأرت لدين الهدى في العدا
…
فآثرك الله من ثائر
وقمت بنصر إله الورى
…
فسماك بالملك الناصر
وجاهدت مجتهداً صابراً
…
فلله درك من صابر
تبيت الملوك على فرشها
…
وترفل في الزرد السابري
وتؤثر جاهد عيش الجهاد
…
على طيب عيشهم الناضر
وتسهر جفنك في حق من
…
سيرضيك في جفنك الساهر
فتحت المقدس من أرضه
…
فعادت إلى وصفها الطاهر
وجئت إلى قدسه المرتضى
…
فخلصته من يد الكافر
وأعليت فيه منار الهدى
…
وأحييت من رسمه الدائر
لكم ذخر الله هذي الفتوح
…
من الزمن الأول الغابر
وخصك من بعد ما زرته
…
بها لاصطناعك في الآخر
محبتكم ألقيت في النفوس
…
بذكر لكم في الورى طائر
فكم لهم عند ذكر الملوك
…
بمثلك من مثل سائر
رفعت مغارم (1) أهل الحجاز
…
بإنعامك الشامل الهامر [181 و]
فكم لك بالشرق من حامد
…
(2) وكم لك بالغرب من شاكر
وكم بالدعاء لكم كل عام
…
بمكة من معلن جاهر
وكم بقيت حسبة في الظلوم
…
وتلك الذخيرة للذاخر
يعنف حجاج بيت الإله
…
ويسطو بهم سطوة الجائر
ويكشف عما بايديهم
…
وناهيك من موقف صاغر
وقد وقفوا بعدما كوشفوا
…
كأنهم في يد الآسر
ويلزمهم حلفاً باطلا
…
وعقبى اليمين على الفاجر
وأنعرضت بينهم حرمة
…
فليس لها عنه من ساتر
أليس يخاف غداً عرضه
…
على الملك القادر القاهر
وليس على حرم المسلمين
…
بتلك المشاهد من غائر
ولا حاضر نافع زجره
…
فيا ذلة الحاضر الزاجر
(1) النفح: مغارم مكس.
(2)
في النفح قبل هذا البيت بيتان وهما:
وأمنت أكناف تلك البلاد
…
فهان السبيل على العابر
وسحب أياديك فياضة
…
على وارد وعلى صادر
ألا ناصح مبلغ نصحه
…
إلى الملك الناصر الظافر
ظلوم تضمن مال الزكاة
…
لقد تعست صفقة الخاسر
يسر الخيانة في باطن
…
ويبدي النصيحة في ظاهر
فأوقع به حادثاً إنه
…
يقبح أحدوثة الذاكر
فما للمناكر من زاجر
…
سواك وبالعرف من آمر
وحاشاك إن لم تزل رسمها
…
فما لك في الناس من عاذر
ورفعك أمثالها موسع
…
رداء فخارك للناشر
وآثارك الغر تبقى بها
…
وتلك المآثر للآثر
نذرت النصيحة في حقكم
…
وحق الوفاء على الناذر
وحبك أنطقني بالقريض
…
وما أبتغي صلة الشاعر
ولا كان في ما مضى مكسبي
…
وبئس البضاعة للتاجر
إذا الشعر صار شعار الفتي
…
فناهيك من لقب شاهر
وأن كان نظمي له نادراً
…
فقد قيل لا حكم للنادر
ولكنها خطرات الهوى
…
تعن فتغلب للخاطر [181 ظ]
وأما وقد زار تلك العلا
…
فقد فاز بالشرف الباهر
وأن كان منك قبول له
…
فتلك الكرامة للزائر
ويكفيه سمعك من سامع
…
ويكفيه لحظك من ناظر
ويزهى على الروض غب الحيا
…
(1) بما حاز من ذكرك العاطر
(1) كتب في ح: هنا بياض، بعد لفظة " العاطر ".
ومن شعره وقد شارف المدينة المكرمة على ساكنها الصلاة والسلام (1) :
أقول وآنست بالليل نارا
…
لعل سراج الهدى قد أنارا
وإلا فما بال أفق الدجى
…
كأن سنا البرق فيه استطارا
ونحن من الليل في حندس
…
فما باله قد تجلى نهارا
وهذا النسيم شذا المسك قد
…
أعير أم المسك منه استعارا
وكانت رواحلنا تشتكي
…
وجاها فقد سابقتنا ابتدارا
وكنا شكونا عناء السري
…
فعدنا نباري سراع المهارى
أظن النفوس قد استشعرت
…
بلوغ هوى تخته شعارا
بشائر صبح السرى آذنت
…
بأن الحبيب تدانى مزارا
جرى ذكر طيبة ما بيننا
…
فلا قلب في الركب إلا وطارا
حنيناً إلى أحمد المصطفى
…
وشوقاً يهيج الضلوع استعارا
ولاح لنا أحد مشرقاً
…
بنور من الشهداء استنارا
فمن أجل ذلك ظل الدجى
…
يحل عقود النجوم انتثارا
ومن ذلك الترب طاب النسيم
…
نشراً وعم الجناب انتشارا
ومن طرب الركب حث الخطا
…
إليها ونادى البدار البدارا
ولما حللنا فناء الرسول
…
نزلنا باكرم خلق جوارا
وحين دنونا لفرض السلام
…
قصرنا الخطى ولزمنا الوقارا
(1) مقدمة الرحلة: 6 نقلاً عن الإحاطة، والإحاطة 2: 171 ومنها ثلاثة أبيات في النفح 3: 244 قال المقرى: وهي ثلاثة وثلاثون بيتاً من الغر.
فما نرسل اللحظ إلا اختلاسا
…
ولا نرفع الطرف إلا انكسارا
ولا نظهر الوجد إلا اكتتاماً
…
ولا نلفظ القول إلا سرارا
سوى أننا لم نطق أعينا
…
بأدمعها غلبتنا انفجارا [182 و]
وقفنا بروضته (1) للسلام
…
نعيد السلام عليه مرارا
ولولا مهابته في النفوس
…
لثمنا الثرى والتزمنا الجدارا
قضينا بزورتنا حجنا
…
وبالعمرين (2) ختمنا اعتمارا
إليك إليك نبي الهدى
…
ركبت البحار وجبت القفارا
وفارقت اهلي ولا منة
…
ورب كلام يجر اعتذارا
وكيف نمن على من به
…
نؤمل للسيئات اغتفارا
دعاني إليك هوى كامن
…
أثار من الشوق ما قد أثارا
فناديت لبيك داعي الهوى
…
وما كنت عنك أطيق اصطبارا
ووطنت نفسي لحكم الهوى
…
علي وقلت رضيت اختيارا
أخوض الدجى وأروض السرى
…
ولا أطعم النوم إلا غرارا
ولو كنت لا أستطيع السبيل
…
لطرت ولو لم أصادف مطارا
وأجدر من نال منك الرضى
…
محب ذراك على البعد زارا
عسى لحظة منك لي في غد
…
تمهد لي في الجنان القرارا
فما ضل من بهداك اهتدى
…
ولا ذل من بذراك استجارا
(1) الإحاطة: بروضة دار السلام.
(2)
الإحاطة: وبالعمرتين؛ والعمران: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
ولم يزل دأبه تمني الحج إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام؛ وفي ذلك يقول (1) :
هنيئاً لمن حج بيت الهدى
…
وحط عن النفس أوزارها
وان السعادة مضمونة
…
لمن حل طيبة أو زارها وفي مثله يقول (2) :
إذا بلغ المرء ارض الحجاز
…
فقد نال أفضل ما أمله
وان زار قبر نبي الهدى
…
فقد أكمل الله ما أم له وله في هذا المعنى كلام كثير نظماً ونثراً، وسيأتي بعض ذلك. ومنه مقالة سماها: طرسالة اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك " كتب بها إلى وليه أبي الحسن بن مقصير من فاس عند عودته إلى المشرق في ذي قعدة ثلاث وتسعين وخمسمائة. [182 ظ] ولما قفل من هذه الحجة ولاحت له وهو على ظهر البحر جبال دانية من جزيرة الأندلس قال (3) :
لي نحو أرض المنى من شرق أندلس
…
شوق يؤلف بين الماء والقبس
(1) مقدمة الرحلة: 8 والإحاطة 2: 172.
(2)
الصدران السابقان، والنفح 3:245.
(3)
مطلعها في مقدمة الرحلة: 20 والنفح 3: 246.
لاحت لنا من ذراها الشم شاهقة
…
تدني لزهر الدراري كف ملتمس
وقد أغذت بنا في اليم جارية
…
سوداء لا تستطيع الجري في يبس
كأنها وعباب الماء يزعجها
…
تنص جيد مراعي اللحظ مختلس
كأن بيض نواحيها إذا انتشرت
…
لواء صبح بدا في سدفة الغلس
تنازع الريح منها صعب مقودها
…
فترتمي بعنان مسمح سلس
لولا حذاري أن أذكي لها لهباً
…
زجيتها برياح الشوق من نفسي
يا ليت شعري والآمال معوزة
…
وربما أمكنت يوماً لمختلس
هل يدنون مزار الشوق أن به
…
ما شئت من نهز للأنس او خلس
وهل تعودن أيام رشفت بها
…
سلافة العيش أحلى من جنى اللعس
حيث أنبسطنا مع اللذات تنقلنا
…
أيدي المسرات من عيد إلى عرس ولما (1) شاع الخبر المبهج المسلمين جميعاً حينئذ بفتح بيت المقدس على يد السلطان الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن بوري رحمه الله وكان يوم فتحه يوم السبت لثالث عشرة ليلة بقيت من رجب ثلاث وثمانين وخمسمائة، كان ذلك من أقوى الأسباب التي بعثته على الرحلة الثانية فتحرك لها من غرناطة أيضاً يوم الخميس لتسع خلون من ربيع الأول من سنة خمس وثمانين قال: وقضى الله برحمته لي بالجمع بين زيارة الخليل عليه السلام وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم وزيارة المساجد الثلاثة في
(1) أنظر الإحاطة 2: 169.
عام واحد متوجهاً وفي شهر واحد منصرفاً، ووصل إلى غرناطة يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من شعبان سبع وثمانين.
وفي أثناء المدة التي بين قفوله من الرحلة الثانية ورحلته الثالثة سكن غرناطة ثم مالقة ثم فاس ثم سبتة منقطعاً إلى إسماع الحديث [183 و] والتصوف وتروية ما كان عنده، وفضله مع ذلك يزيد وورعه يتحقق وأعماله الصالحة تزكو.
وكانت رحلته الثالثة من سبتة بعد وفاة زوجه الفاضلة عاتكة المدعوة بام المجد ابنة الوزير الحسيب أبي جعفر أحمد بن عبد الرحمن الوقشي بأيام، وكانت وفاتها يوم السبت - رحمها الله - لعشر خلون من شعبان أحد وستمائة، بعد زمانة طاولتها مدة، ودفنت يوم الأحد بعده وهو اليوم الحادي عشر من الشهر؛ قال: ومن عجائب اتفاقات الاقدار الباعثة على الاعتبار ان كان تجهيزها إلي بجيان في الحادي عشر من شعبان سبعين وخمسمائة، فوافق تجهيز الحياة تجهيز الممات، وليلة القبر تنسي ليلة العرس، فيا لها من لوعة وحرقة، ولكل اجتماع من خليلين فرقة. قال: وكان مولدها بمرسية لاثنتي عشرة ليلة بقيت من محرم ست وأربعين وخمسمائة. ووصل إلى مكة - شرفها الله - أثناء اثنتين وستمائة وجاور بحرم الله الشريف طويلاً وبيت المقدس، ثم تحول إلى مصر والإسكندرية فأقام بها يحدث ويؤخذ عنه إلى أن لحق بربه.
روى عنه أبوا إسحاق: ابن مهيب وابن الواعظ وأبو تمام بن إسماعيل
وأبوا الحسن: ابن أبي نصر فاتح بن عبد الله البجائي، مقيم ببعض بلاد المشرق، وابن محمد الشاري، وأبو سليمان بن حوط الله وأبو زكرياء وأبو بكر يحيى بن عبد الملك بن أبي الغص وأبو عبد الله ابن حسن بن مجبر؛ وآباء العباس: ابن عبد المؤمن والنباتي وابن محمد بن (1) حسن اللواتي ابن تامتيت وابن محمد الموروري، وأبوا عمرو: ابن سالم وعثمان بن سفيان ابن عثمان بن الشقر التميمي التونسي؛ وممن روى عنه بالإسكندرية رشيد الدين أبو محمد عبد الكريم بن عطاء الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد ابن عيسى بن الحسين الجذامي، واستجازه أبو إسحاق ابن الواعظ لجماعة من أصحابه برغبتهم إليه في ذلك، منهم: شيخانا (2) أبو علي الحسن بن أبي الحسن علي الماقري الكفيف وأبو محمد حسن بن أبي الحسن علي بن القطان [183 ظ] ، فأجاز لهم. ولم يزل يروى عنه ويسمع منه ويستجاز من البلاد حيث ما حل. وممن روى عنه بمصر رشيد الدين أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي ابن العطار وفخر القضاة ابن الجباب وابنه جمال القضاة وعز القضاة.
وكان أديباً بارعاً كاتباً بليغاً شاعراً مجيداً سنياً فاضلاً نزيه الهمة سري النفس كريم الأخلاق انيق الطريقة في الخط، كتب في شبيبته عن أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن وعن غيره من ذوي قرابته، وله فيهم أمداح كثيرة، ثم نزع عن ذلك وتوجه إلى المشرق. وكذلك جرت بينه وبين طائفة كبيرة من ادباء عصره مخاطبات ظهرت فيها براعته وإجادته؛
(1) بن: سقطت من م ط.
(2)
م ط: شيخنا.
ونظمه فائق وقفت منه على مجلد متوسط يكون قدر ديوان ابي تمام حبي ابن أوس جمع أبي بكر الصولي أو نحو ذلك ومنه جزء سماه: طنتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح " أودعه قطعاً وقصائد في مراثي زوجه أم المجد المذكورة بعد وفاتها والتوجع لها أيام حياتها تزيد بيوته على ثلاثمائة، سوى موشحات خمس جعلها قريباً من آخره؛ ومنه جزء سماه: " نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان " يشتمل على أزيد من مائتي بيت في قطع؛ وله ترسيل بديع وحكم مستجادة دون ذلك كله ونقل عنه؛ فمن حكمه قوله (1) إن شرف الإنسان، فبفضل وإحسان، وأن فاق، فبتفضل وإنفاق؛ ينبغي للإنسان أن يحفظ لسانه (2) ، كما يحفظ الجفن إنسانه، فرب كلمة تقال، تحدث عثرة لا تقال. كم كست فلتات الألسنة الحداد، من وراءها من ملابس الحداد. نحن في زمن لا يحظى فيه بنفاق، إلا من عامل بنفاق. شغل الناس عن طريق الآخرة بزخارف الأعراض، فلجوا في الصدود عنها والإعراض، آثروا دنيا هي أضغاث أحلام، وكم هفت في حبها من أحلام، وكم هفت في حبها من أحلام، أطالوا فيها آمالهم، وقصروا أعمالهم، ما بالهم لم يتفرغ لغيرها بالهم، ما لهم في غير ميدانها استنان، ولا [184 و] بسوى هواها استنان، تالله لو كشفت الأسرار، لما كان هذا الإصرار؛ ولسهرت العيون، وتفجرت من شئونها من شئنها العيون، فلو أن عين البصيرة من سنتها هابة، لرات ان جميع ما في
(1) أنظر الإحاطة 2: 173.
(2)
للإنسان؟ لسانه: سقطت من م ط.
الدنيا ريح هابة، ولكن استولى العمى على البصائر، ولا يعلم المرء ما هو غليه صائر، أسأل الله هداية لسبيله، ورحمة تورد في نسيم الفردوس وسلسبيله، إنه الحنان المنان، لا رب سواه. وقوله (1) : فلتات الهبات، أشبه شيء بفلتات الشهوات، منها نافع لا يعقب ندماً، ومنها ضار يبقي في النفس ألما، فضرر الهبة وقوعها عند من لا يعتقد لحقها أداء، وربما أثمرت عنده اعتداء، وضرر الشهوة ألا توافق ابتداء، فتعود لمستعملها داء، ومثلها كمثل السكر يلتذ صاحبه بحلو جناه، فإذا صحا تعرف قدر ما جناه، ومنفعتها بعكس هذه القضية، وهي الحالة المرضية، فالأسلم للمرء ان ياتي أمره على بصيرة من رشده، مستوضحاً فيه سبيل قصده، وما التوفيق إلا بالله وما الخبير إلا من عند الله، لا إله إلا هو.
ونظم معناه فقال:
وكم فلتات للصنائع تتقى
…
عواقبها إن لم تقع في محلها
كذا شهوات المرء أن لم تكن له
…
موافقة عادت عليها بكلها وقال: (2)
لصنائع المعروف فلتة غافل
…
إن لم تضعها في محل قابل
(1) الإحاطة 2: 174.
(2)
الإحاطة 2: 173.
كالنفس في شهواتها إن لم تكن
…
وفقاً لها عادت بضر عاجل وقال يصف القلم من قصيدة:
قلم به الإقليم أصبح في حمى
…
بشباته صرف الحوادث يصرف
ولئن تقاصر قده فلقده
…
ظلت له الأسل الطوال تقصف
هل تغنين المرهفات غناءه
…
وصليلها لصريره يستضعف حكت الظبا والسمر فعلاً منه لولا لعطل صارم ومثقف
…
طعن كمثل النقط منضاف إلى
…
ضرب كما شكلت بنقط أحرف [184 ظ]
كل يتيه بان حوى شبهاً له
…
فانظر إلى المحكي فهو الأشرف
يكفيه فخراً أن كل مقدر
…
يجري بما قد خطه ويصرف وقال في تفضيل الشرق (1) :
لا يستوي شرق البلاد وغربها
…
الشرق حاز الفضل باسترقاق (2)
(1) مقدمة الرحلة: 9 نقلا عن الإحاطة؛ والإحاطة 2: 173.
(2)
كذا في الأصول، وفي الإحاطة: باستحقاق.
أنظر لحال الشمس عند طلوعها
…
زهراء تصحب بهجة الإشراق
وأنظر لها عند الغروب كئيبة
…
صفراء تعقب ظلمة الآفاق
وكفى بيوم طلوعها من غربها
…
أن يؤذن الدنيا بوشك فراق وقال في ذم الفلاسفة:
قد ثبت (1) الغي في العباد
…
طائفة الكون والفساد
يلعنها الله حيث كانت
…
فإنها آفة العباد
دهرية لا يرون رسلاً
…
ولا يقرون بالمعاد
يعتقدون الأمور دوراً
…
والناس كالزرع والحصاد وفيه أيضاً:
لأشياع الفلاسفة اعتقاد
…
يرون به عن الشرع انحلالا
أباحوا كل محظور حرام
…
وردوه لأنفسهم حلالا
وما انتسبوا إلى الإسلام إلا
…
لصون دمائهم ان لا تسالا
فيأتون المناكر في نشاط
…
ويأتون الصلاة وهم كسالى وفيه أيضاً:
الدين يشكو بليه
…
من فرقة منطقيه
لا يشهدون صلاة
…
إلا لمعنى التقيه
ولا ترى الشرع إلا
…
سياسة مدنيه
(1) كذا ولعله: بثت.
ويؤثرون عليه
…
مذاهباً فلسفيه وفيه أيضاً:
قل للزناديق عني
…
قولا هو السيف أمضيه
أرسلت شعري فيكم
…
يغزوكم بقوافيه [185 و]
صدعت لله فيه
…
بالحق والحق يرضيه
كم ظامئ لكلامي
…
يرويه عجباً فيرويه
وكم غليل فؤاد
…
بصحة القول يشفيه
وراكب لهواه
…
عساه يوماً سيثنيه
لعلكم ان تقولوا
…
فإنكم أهل تمويه
من كان جاهل شيء
…
فلا يزال يعاديه
هيهات بغضي فيكم
…
في الله والله يدريه
وذلك العلم عندي
…
لا خير فيكم ولا فيه وله في هذا الغرض كثير وسيأتي شيء منه في رسم أبي الوليد محمد (1) ابن أحمد بن رشد إن شاء الله.
ومن وصاياه النافعة، وآدابه الجامعة، قوله (2) :
عليك بكتمان المصائب واصطبر
…
عليها فما أبقى الزمان شفيقا
(1) محمد: سقطت من م.
(2)
الإحاطة 2: 173 ومقدمة الرحلة: 9.
كفاك من الشكوى إلى الناس أنه
…
تسر عدواً أو تسوء صديقا وقوله (1) :
من الله فاسأل كل شيء تريده
…
فما يملك الإنسان نفعاً ولا ضرا
ولا تتواضع للولاة فإنهم
…
من الكبر في حال تموج بهم سكرا
وإياك ان ترضى بتقبيل راحة
…
فقد قيل إنها السجدة الصغرى وقال في الولاة وأحوالهم:
من كبرت عن قدره خطة
…
داخله من اجلها الكبر
ومن سمت همته لم يكن
…
لخطة في نفسه قدر
ولاية الإنسان سكر فما
…
دامت له دام به السكر
مغايظ الدنيا وأربابها
…
ليس عليها لامرئ صبر
دعهم مع الدهر وأحداثه
…
حتى ترى ما يصنع الدهر
(1) النفح 2: 248.
وقال يهنئ حجاجاً اجتمع بهم في مكة - شرفها الله - ويتشوق إليهم (1) :
يا وفود الله فزتم بالمنى
…
فهنيئاً لكم أهل منى [185 ظ]
قد عرفنا عرفات معكم
…
فلهذا برج الشوق بنا
نحن بالمغرب نجري ذكركم
…
فغروب الدمع تجري هتنا
أنتم الأحباب نشكو بعدكم
…
هل شكوتم بعدنا من بعدنا
علنا نلقى خيالا منكم
…
بلذيذ الذكر وهناً علنا
لو حنا الدهر علينا لقضى
…
باجتماع بكم في المنحنى
لاح برق موهناً من أرضكم
…
فلعمري ما هنا العيش هنا
صدع الليل وميضاً وسناً
…
فأبينا أن نذوق الوسنا
كم جنى الليل علينا من أسى
…
عاد في مرضاتكم حلو الجنى
ولكم بالخيف من قلب شج
…
لم يزل خوف النوى يشكو الضنى
ما ارتضى جانحة الصدر له
…
سكناً منذ به قد سكنا
فيناديه على شحط النوى
…
من لنا يوماً بقلب ملنا
سر بنا يا حادي العيس عسى
…
أن نلاقي يوم جمع سر بنا
ما عنى داعي النوى لما دعا
…
غير صب شفه برح العنا
شم لنا البرق إذا هب وقل
…
جمع الله بجمع شملنا
(1) منها أبيات في النفح 3: 243 والمغرب 2: 385 ومقدمة الرحلة: 18.
وقال وقد تذكر طيبة على ساكنها الصلاة والسلام:
يا أهل طيبة قلبي
…
عن منهج الصبر جارا
أشكو إليكم زماناً
…
علي بالبين جارا
وبعدكم لست أرضى
…
من البرية جارا
ودمع عيني عليكم
…
لأدمع المزن جاري وقال متشوقاً لأهل العقيق:
سكان وادي العقيق شوقي
…
إليكم في البعاد زادا
ونظرة منكم المنى لو
…
أهديتموها إلي زادا
عهد لنا عندكم حميد
…
يا ليته بالوصال عادا
صادق فيه الكرى جفوني
…
وبعدكم للجفون عادى وقال في السماع من الصوت الحسن: [186 و]
زيادة حسن الصوت في الخلق زينة
…
يروق بها لحن القريض المحبر
ومن لم يحركه السماع بطيبة
…
فذلك أعمى القلب أعمى التصور
تصيخ إلى الحادي الجمال لواغباً
…
فتوضع في بيدائها غير حسر
ولله في الأرواح عند ارتياحها
…
إلى اللحن سر للورى غير مظهر
وكل امرئ عاب السماع فإنه
…
من الجهل في عشوائه غير مبصر
وأهل الحجا أهل الحجاز وكلهم
…
رأوه مباحاً عندهم غير منكر
وهام به أهل التصوف رغبة
…
(1) لتهييج شوق ناره لم تسعر
فإن رسول الله قد قال: زينوا
…
بأصواتكم آي الكتاب المطهر
وزانت لداوود النبي زبوره
…
مزامره بالنوح في كل محضر
وفي الخلد إسرافيل يسمع أهله
…
فيسليهم المسموع عن كل منظر
فإن أك مغرى بالسماع وحسنه
…
فحسبي اقتداء بالكريم ابن جعفر وقال في حب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته الكريم (2) وصحبه، رضي الله عنهم (3) :
أحب النبي المصطفى وابن عمه
…
علياً وسبطيه وفاطمة الزهرا
هم أهل بيت أذهب الرجس عنهم
…
وأطلعهم أفق الهدى انجما زهرا
موالاتهم فرض على كل مسلم
…
وحبهم أسنى الذخائر للأخرى
وما أنا للصحب الكرام بمبغض
…
فإني ارى البغضاء في حقهم كفرا
هم جاهدوا في الله حق جهاده
…
وهم نصروا دين الهدى بالظبا نصرا
عليهم سلام الله ما دام ذكرهم
…
لدى الملأ الأعلى وأكرم به ذكرا وقال يحرض السلطان صلاح الدين على النظر في ما ظهرت (4) من
(1) سقط البيت من م ط.
(2)
م: الكرام.
(3)
النفح 3: 250.
(4)
كذا في الأصول.
البدع بالمدينة، على دفينها الصلاة والسلام (1) :
صلاح الدين أنت له نظام
…
فما يخشى لعروته انفصام
فأظهر سنة الله احتساباً
…
فقد ظهرت بها البدع العظام
وفي دين الهدى حدثت أمور
…
بها للدين حزن واغتمام
جدير أن يقام لها ارتماضاً
…
مآتم للورى فيها التدام [186 ظ]
وكيف يلذ للأجفان نوم
…
وللإسلام جفن لا ينام
وكيف تطيب في الدنيا حياة
…
وطيبة لا يطيب بها مقام
بتربتها رسول الله ثاو
…
وليس لأهلها منه احتشام
لو احترموه أو هابوه يوماً
…
لكان لصحبه معه احترام
وهل يرضى صلاتهم عليه
…
إذا سبت صحابته الكرام
بأم المؤمنين قد استهانوا
…
وللصديق والفاروق ذاموا
عزوا بعد النبي لهم ضلالا
…
لقد ضل الغواة وما استقاموا
وسنته أضاعوها امتهاناً
…
فما لهم بواجبها اهتمام
وليس يذل عندهم سوى من
…
له بجميل مذهبها ارتسام
وما يرعون ذمة زائريه
…
وللذمي قد يرعى الذمام
ومسجده المبارك عاد سوقاً
…
لهم فيها على اللهو ازدحام
يعيد به الصلاة مؤذنوه
…
وما بإمامهم لهم ائتمام
إذا قاموا لها قاموا كسالى
…
على كره كأنهم نيام
(1) أنظر النفح 3: 144.
يضيعون المواقيت اقتصادا
…
ليعدم للصلاة به انتظام
وأشنع بدعة حدثت صلاة
…
لسني بشيعي تقام
وروضته المقدسة استباحوا
…
مهابتها فادمعها سجام
إذا حفوا بها لعبوا ازدراء
…
وكان لهم بتربتها انتخام
ويرقى للسلام وفيه لعن
…
لقد ساء الهدى ذاك المقام
ويرقى فوق منبره
…
له في الدين خطب لا يرام
هو القاضي وحسبك من قضاء
…
له بالجور في الشرع احتكام
يعيب على أئمتنا هداها
…
إماميون فساق لئام
يغرهم لفاطمة انتساب
…
وما لهم بحرمتها التئام
وهل يغني انتسابهم إليها
…
وعن دين الهدى لهم انصرام
ونوح لابنه لم يغن شيئاً
…
ولا أغناه بالجبل اعتصام
اعز الله بالإسلام قوماً
…
فليس له بغيرهم قوام [187 و]
فذلت فرقة طعنت عليهم
…
وهيل على أنوفهم الرغام
وكيف يعز عند الله قوم
…
ودين الله بينهم يضام
نقوم إلى الصلاة وهم قعود
…
ويعلو عندها لهم الكلام
بلعن صمت الآذان منه
…
وسب للصحابة يستدام
وتقرأ بين أيديهم جهاراً
…
توالف كلها زور سخام
ويسعى بين أيدينا اعتراضاً
…
لقطع صلاتنا منهم طغام
فلا المأموم يدري ما يصلي
…
ولا يدري بما صلى الأمام
تراهم يسخرون بنا احتقاراً
…
وللأحقاد عندهم احتدام
ويعتقدوننا نجساً خبيثاً
…
فليس لهم لجانبنا انضمام
يرون الجمع للأختين حلاً
…
وتعطى البنت ما يرث الغلام
وما التجميع عندهم بشرع
…
لقد شردوا كما شرد النعام
وليس لهم من الإسلام حظ
…
ولو صلوا مدى الدنيا وصاموا
ومن قد خالف السلف ابتداعاً
…
أتنفعه الصلاة أو الصيام
لقد مرقوا من الدين اعتداء
…
كما مرقت من المرمى السهام
لهم من أهل مذهبهم شيوخ
…
أقاموا بين أظهرهم وداموا
روافض أحدثوا بدعاً وشادوا
…
قواعدها فليس لها انهدام
فكم غمر أضلوا واستزلوا
…
فحم على الضلال له الحمام
وكم غر ببذل المال غروا
…
فكان على الحطام له انحطام
ومغويهم فقيه الرفض سيف
…
أتاه باسمه الموت الزؤام
وفر إليهم منكم حسين
…
مخافة أن يطوقه الحسام
فأضرم بالمدينة نار غي
…
أبت ألا يزال لها اضطرام
وأوسع أهلها براً وبراً
…
فكان لهم على الغي اقتحام
فما يرجى لهم أبداً فلاح
…
ولا رشد وهل يرجى الجهام
وما لهم إلى خير مضاء
…
مدى الدنيا وهب يمضي الكهام [187]
لعمرك إنهم داء عضال
…
وما بسوى الحسام له انحسام
ومن لم يرض حكم الله شرعاً
…
فما دمه لسافكه حرام
إذا انحط الرعية في هواها
…
ولم تردع فراعيها يلام
وان نشأت عوارض للأعاري
…
فبرق السيف أولى ما يشام
فأمض الهمة العليا إليهم
…
وجاهد أيها الملك الهمام
وأرض المصطفى في صاحبيه
…
بنصر لا يفل له اعتزام
أتاك رضاه عفواً فاغتنمه
…
لما ترجو وحق له اغتنام
أيقبل منك عند الله عذر
…
وما لك من أعاديه انتقام
وما نال الحجاز بكم صلاحاً
…
وقد نالته مصر والشآم
ولولا هيبة لدفينهم لم
…
تحج الكعبة البيت الحرام
فإن أسلمت دين الله فيها
…
على الدنيا وساكنها السلام وأهدي إليه بعض أصحابه بالقاهرة موزاً فكتب إليه (1) :
يا مهدي الموز تبقى
…
وميمه لك فاء
وزايه عن قريب
…
لمن يناويك تاء وأغراضه في أشعاره مستحسنة، ولولا خوف الإملال والخروج بها إلى غير ما له قصدنا لاستكثرنا منها، إيثاراً لكريم آثاره، واستطابة لإيراد
(1) النفح 3: 144.