المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة ست وسبعمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٢

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌(تَابع سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون)

- ‌(تَابع سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سادس ربيع الآخر)

- ‌(وَفِي رَابِع عشره)

- ‌(سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة)

- ‌سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

- ‌السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل ابْن الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون الألفي الصَّالِحِي النجمي

- ‌وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان

- ‌سنة تسعين وسِتمِائَة

- ‌(سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي عاشره)

- ‌(فورد الْخَبَر)

- ‌(وَفِي هده السّنة)

- ‌(سنة أَربع وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سِتّ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبع وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَسَبْعمائة)

- ‌(يأيها الَّذين آمنُوا أَطيعوا الله وأَطيعوا الرَّسُول وَأولى الْأَمر مِنْكُم)

- ‌(سنة عشر وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة إِحْدَى عشر وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْ عشر وَسَبْعمائة)

- ‌وَمَات فِي هَذِه السّنة

- ‌سنة أَربع عشر وَسَبْعمائة

- ‌وَمَات فِيهَا مِمَّن لَهُ ذكر

- ‌سنة خمس عشر وَسَبْعمائة

- ‌(سنة سِتّ عشر وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبع عشر وَسَبْعمائة)

الفصل: ‌(سنة ست وسبعمائة)

(سنة سِتّ وَسَبْعمائة)

فِيهَا توحش مَا بَين الأميرين علم الدّين سنجر البرواني وَسيف الدّين الطشلاقي على بَاب الْقلَّة من القلعة بِحَضْرَة الْأُمَرَاء من أجل استحقاقهما فِي الإقطاعات فَإِنَّهُمَا تباعلا وَنزل الطشلاقي على إقطاع البرواني. وَكَانَ كل مِنْهُمَا فِيهِ كبر وظلم وعسف والبرواني من خَواص الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير والطشلاقي من ألزام الْأَمِير سلار النَّائِب لإنه خشداشه وَكِلَاهُمَا مَمْلُوك الصَّالح على بن قلاوون. فَاشْتَدَّ الطشلاقي على البرواني وسفه عَلَيْهِ فَقَامَ البرواني إِلَى الْأَمِير بيبرس فَشَكا مِنْهُ فاستدعى بِهِ وعنفه فاساء فِي الرَّد وأفحش فِي حق البرواني وَقَالَ: أَنْت وَاحِد منفي وافدي تجْعَل نَفسك مثل مماليك السُّلْطَان. فاستشاط بيبرس غَضبا وَقَامَ ليضربه فَجرد سَيْفه يُرِيد ضرب بيبرس فَقَامَتْ قِيَامَة بيبرس وَأخذ سَيْفه وَأَوْمَأَ ليضربه فترامى عَلَيْهِ من حَضَره وأمسكه عَنهُ وأخرجوا الطشلاقي بَعْدَمَا كَادَت مماليك بيبرس أَن تقتله. وللوقت طلب بيبرس الْأَمِير سنقر الكمالي الْحَاجِب وَأمره بِإِخْرَاج الطشلاقي إِلَى دمشق فخشي من النَّائِب سلار وَدخل عَلَيْهِ وَأخْبرهُ الْخَبَر فَوجدَ الْعلم عِنْده وَأمره بِالْعودِ إِلَى بيبرس وملاطفته فِي الْعَفو عَن الطشلاقي وَأَنه يلْزم دَاره حَتَّى يرضى عَنهُ. فَعَاد إِلَى بيبرس وعندما أَخذ يبلغهُ رِسَالَة سلار صرخَ فِيهِ وَحلف إِن بَات الطشلاقي اللَّيْلَة فِي الْقَاهِرَة عملت فتْنَة كَبِيرَة. فَعَاد الْحَاجِب وَبلغ سلار ذَلِك فَلم يَسعهُ إِلَّا السُّكُوت وَأخرج الطشلاقي من وقته وَأمر الْحَاجِب بِتَأْخِيرِهِ فِي بلبيس ليراجع بيبرس فِيهِ. وعندما اجْتمعَا من الْغَد فِي الْخدمَة بدأه بيبرس بِمَا كَانَ من الطشلاقي فِي حَقه من الْإِسَاءَة وسلار يسكن غَضَبه فَلَا يسكن بل يشْتَد فَأمْسك على حقد وَتوجه الطشلاقي إِلَى الشَّام. وفيهَا قدم الْبَرِيد من حماة بِمصْر ثَابت على القَاضِي أَن ضَيْعَة تعرف ببارين بَين جبلين فَسمع للجبلين فِي اللَّيْل قعقعة عَظِيمَة فَتسَارع النَّاس فِي الصَّباح إِلَيْهَا فَإِذا أحد الجبلين قد قطع الْوَادي وانتقل مِنْهُ قدر نصفه إِلَى الْجَبَل الآخر والمياه فِيمَا بَين الجبلين تجْرِي فِي الْوَادي فَلم يسْقط من الْجَبَل الْمُنْتَقل شَيْء من الْحِجَارَة وَمِقْدَار النّصْف الَّذِي انْتقل من الْجَبَل مائَة ذِرَاع وَعشرَة أَذْرع ومسافة الْوَادي الَّذِي قطعه هَذَا الْجَبَل مائَة ذِرَاع وَأَن قَاضِي حماة خرج بالشهود حَتَّى عاين ذَلِك وَكتب بِهِ محضراً فَكَانَ هَذَا من غرائب الِاتِّفَاق.

ص: 405

وفيهَا قدم الْخَبَر من بِلَاد الْمغرب بقتل السُّلْطَان أبي يَعْقُوب بوسف بن يَعْقُوب المريني صَاحب تلمسان فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الحالية على يَد خدمه وَأَن ابْنه أَبَا سَالم قَامَ من بعده فثاروا بِهِ بعد أُسْبُوع وَأَقَامُوا عوضه حفيده أَبَا عَامر ثَابت. وفيهَا ابتدأت الوحشة بَين الأميرين بيبرس وسلار: وسببها أَن التَّاج بن سعيد الدولة الْكَاتِب كَانَ مُتَمَكنًا من بيبرس مستولياً على سَائِر أُمُوره فمكنه من الدولة حَتَّى صَارَت أُمُور الْأَمْوَال الديوانية الْمُتَعَلّقَة بالوزارة والأستادارية لَا يلْتَفت فِيهَا إِلَى كَلَام غَيره واستعان مَعَه أكْرم بن بشير أحد أَقَاربه فتقربا إِلَى بيبرس بتحصيل الْأَمْوَال من المشتروات وأضافا لَهُ جِهَة النطرون وَكَانَ التَّاج صديقا لِابْنِ الشيخي وَهُوَ الَّذِي قدمه إِلَى الوزارة فَلَمَّا قتل شقّ عَلَيْهِ واتهم الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي بِأَنَّهُ السَّبَب فِي ذَلِك وَأَنه الَّذِي أغرى بِهِ الْأَمِير سلار لما كَانَ يعلم من عَدَاوَة الجاولي لِابْنِ الشيخي ومصادقته للصاحب سعد الدّين مُحَمَّد بن سعد بن عطايا وَهُوَ الَّذِي عينه للوزارة بِقصد إنكاء التَّاج بن سعيد الدولة. فَأخذ التَّاج فِي الْعَمَل على الجاولي وَهُوَ يَوْمئِذٍ يَنُوب عَن بيبرس الجاشنكير فِي الأستادرية وَندب لمرافقته رجل من الأقباط وَصَارَ كل قَلِيل يَقُول عَنهُ لبيبرس إِنَّه نهب الْأَمْوَال وَأخذ رواتب كَثِيرَة لنَفسِهِ وحواشيه وَمد وقفت أَحْوَال الدولة من ذَلِك والوزير ابْن عطايا لَا يدْرِي صناعَة الْكِتَابَة وَإِنَّمَا أَشَارَ الجاولي على سلار بوزارته ليتَمَكَّن من أغراضه وان بعض كتاب الْحَوَائِج خاناه كتب أوراقاً بِمَال كَبِير فِي جِهَة الجاولي وَأكْثر من هَذَا القَوْل وَمَا أشبهه إِلَى أَن تقرر ذَلِك فِي نفس بيبرس وَتغَير على الجاولي وَحدث سلار فِي أمره وَأَنه أَخذ جملَة مَال مستكترة. وَكَانَ سلار صديقا للجاولي شَدِيد الْمحبَّة لَهُ من قديم حَتَّى أَن كلا مِنْهُمَا عمر مدرسة على جبل يشْكر بجوار مناظر الْكَبْش مجاورة لمدرسة الآخر وَعمل لنَفسِهِ مدفناً بحذاء مدفن الآخر. فدافع سلار عَن الجاولي وَقَالَ لبيبرس: بِاللَّه لَا تسمع للديوان فَإِنَّهُم مناحيس يُرِيدُونَ الْفِتَن. فتمادى بيبرس فِي الْحَط على الجاولي وسبه وَقَالَ: لابد أَن أخْلص مِنْهُ المَال. فَلَمَّا افْتَرقَا أعلم سلار الجاولي بِتَغَيُّر بيبرس عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: هَذَا من التَّاج بن سعيد الدولة فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ إِلَى بيبرس ومخادعته بلين القَوْل لَهُ عساه ينخدع ويمسك عَمَّا يُريدهُ. فامتثل ذَلِك وَصَارَ إِلَيْهِ وخضع لَهُ وتذلل فَاشْتَدَّ فِي الْحَرج وَبَالغ فِي السب والتهديد وَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله فَقَامَ يتعثر فِي أذياله إِلَى سلار وَأخْبرهُ فَغَضب من ذَلِك. وَعند خُرُوج الجاولي من عِنْد بيبرس دخل عَلَيْهِ ابْن سعيد الدولة بأوراق قد رتبها. مِمَّا فِي جِهَة الجاولي وَقرأَهَا عَلَيْهِ وأحضر مَعَه أكْرم بن بشير ليحاقق الجاولي على مَا فِي الأوراق فقوى بيبرس قلب بن بشير على الْمُحَافظَة. وَلما كَانَ الْغَد وَخرج الْأُمَرَاء من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وجلسوا عِنْد

ص: 406

النَّائِب سلار وَفِيهِمْ الجاولي والوزير أَمر بيبرس بإحضار ابْن بشير الْكَاتِب فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ: أَنْت قلت إِن مَال السُّلْطَان ضائع وَإِن هَذَا - يَعْنِي الجاولي - أَخذ مِنْهُ أَشْيَاء وَإِن الْوَزير وَافقه على ذَلِك وَإِن أَحْوَال الدولة قد وقفت وَإنَّك ترافعهما وَتحقّق مَال السُّلْطَان فِي جهتهما فَتكلم الْآن مَعَهُمَا وَلَا تقل إِلَّا الصَّحِيح. فَنَهَضَ عِنْد ذَلِك قَائِما وَأخرج الأوراق وحاقق الْوَزير على فُصُول تلْزم الجاولي فَأجَاب الجاولي. عَنْهَا فصلا فصلا وَابْن بشير يرد عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كَلَامه: أَنْت أَمِير مَا تَدْرِي فُصُول الْكِتَابَة وَطَالَ الْكَلَام وانفض الْمجْلس على أقبح صُورَة وَقد وَقع التنافر بَين بيبرس وسلار بِسَبَب قيام كل مِنْهُمَا فِي نصْرَة صَاحبه. وَكَانَ من عَادَة بيبرس أَن يركب لسلار عِنْد ركُوبه وَينزل عِنْد نُزُوله فَمن يَوْمئِذٍ لم يركب مَعَه وَبَقِي كل مِنْهُمَا يركب فِي حَاشِيَته وَحده وتوقع النَّاس الْفِتْنَة. فَبعث الْأَمِير سلار بسنقر الكمالي الْحَاجِب إِلَى بيبرس ليتلطف بِهِ ويعرفه إِن الجاولي قد علمت مَا بيني وَبَينه من الْأُخوة بِحَيْثُ أَن كلا منا عمل الآخر وَصِيّه على أَوْلَاده بعد مَوته ويتضرع لَهُ حَتَّى يعْفُو عَنهُ. فَمضى إِلَيْهِ وَبَالغ مَعَه فِي الْكَلَام وَهُوَ يشْتَد إِلَى أَن قَالَ: لَا أرجع عَنهُ حَتَّى أَخذ مِنْهُ مَال السُّلْطَان وأضربه بالمقارع. وَبعث إِلَيْهِ: إِن لم تحمل المَال ضربتك بالمقارع حَتَّى تَمُوت مثل الْغَيْر يَعْنِي ابْن الشيخي وَبعث إِلَى الْوَزير بذلك أَيْضا ورسم عَلَيْهِمَا حَتَّى يحملا المَال. فَلَمَّا بلغ الكمالي ذَلِك لسلار قَامَت قِيَامَته إِلَّا أَنه كَانَ كثير المداراة عَاقِلا. وَأخذ الجاولي فِي بيع خيله وقماشه وأمتعته بِبَاب الْقلَّة على الْأُمَرَاء فشق عَلَيْهِم مَا نزل بِهِ وشروا مبيعه بأضعاف ثمنه ليردوه إِلَيْهِ إِذا صلح حَاله مَعَ الْأَمِير بيبرس تقرباً لخاطر الْأَمِير سلار. وَتَمَادَى الْحَال عدَّة أَيَّام وبيبرس وسلار لَا يَجْتَمِعَانِ واستعد الْأُمَرَاء البرجية ألزام بيبرس وصاروا يركبون بِالسِّلَاحِ من تَحت ثِيَابهمْ خوفًا من وُقُوع الْفِتْنَة وترقب النَّاس الشَّرّ فِي كل يَوْم وتحدثوا بِهِ. فَركب الْأُمَرَاء الأكابر: أقوش قتال السَّبع وبيبرس الدودار وبرلغي وأيبك الخازندار وسنقر الكمالي وبكتوت الفتاح فِي آخَرين إِلَيّ الْأَمِير بيبرس الجاشنكير وتحدثوا مَعَه فِي تسكين الشَّرّ وإخماد الْفِتْنَة. ومازالوا بِهِ حَتَّى رفع الترسيم عَن الجاولي بِشَرْط أَن يخرج إِلَى الشَّام بطالا وَقَامُوا من عِنْده إِلَى الْأَمِير سلار ومازالوا بِهِ حَتَّى وَافق على سفر الجاولي فسافر من يَوْمه بعد مَا قطع خبزه ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بعد وُصُوله إِلَى دمشق بإمرة طبلخاناه. وفيهَا أفرج عَن الصاحب سعد الدّين مُحَمَّد بن عطايا بَعْدَمَا حمل نَحْو الثَّمَانِينَ ألف دِرْهَم واصطلح بيبرس وسلار ثمَّ تحدثا فِي أَمر الوزارة وَمن يصلح لَهَا فعين سلار

ص: 407

التَّاج بن سعيد الدولة فَقَالَ بيبرس: إِنَّه لَا يُوَافق فقد عرضتها عَلَيْهِ وَامْتنع مِنْهَا فَقَالَ سلار: دَعْنِي وإياه فَقَالَ: دُونك وتفرقا. فَبعث سلار إِلَى التَّاج أحضرهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ عبس فِي وَجهه وَصَاح بانزعاج: هاتوا خلعة الوزارة فأحضروها وَأَشَارَ إِلَيّ التَّاج بلبسها فتمنع وصرخ فِيهِ وَحلف لَئِن لم يلبسهَا ضرب عُنُقه. فخاف الإخراق بِهِ لما يُعلمهُ من بغض سلار لَهُ وَلبس التشريف فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر الْمحرم وَقبل يَد الْأَمِير سلار فبش لَهُ ووصاه وَخرج من دَار النِّيَابَة بالقلعة إِلَى قاعة الصاحب بهَا وَبَين يَدَيْهِ النُّقَبَاء والحجاب وأخرجت لَهُ دَوَاة الوزارة وَالْبَغْلَة فَعلم على الأوراق وَصرف الْأُمُور إِلَى بعد الْعَصْر وَنزل إِلَى وَأصْبح النَّاس يَوْم الْجُمُعَة إِلَى دَار الْوَزير تَاج الدّين أبي الْفتُوح بن سعيد الدولة ينتظرون ركُوبه فَلم يخرج إِلَى أَن علا النَّهَار وَخرج غُلَامه وَقَالَ: يَا جمَاعَة! القَاضِي عزل نَفسه وَتوجه إِلَى زَاوِيَة الشَّيْخ نصر المنبجي فَتَفَرَّقُوا وَكَانَ لما نزل إِلَى دَاره توجه لَيْلًا إِلَى الشَّيْخ نصر وَكَانَ خصيصاً بِهِ وَله مكانة عِنْد الْأَمِير بيبرس وَبعث بتشريف الوزارة إِلَى الخزانة السُّلْطَانِيَّة بالقلعة وَأقَام عِنْد الشَّيْخ نصر مستجيراً بِهِ فَكتب الشَّيْخ نصر إِلَى بيبرس يشفع فِيهِ وَيَقُول لَهُ إِنَّه قد استعفى من الوزارة وَقَالَ إِنَّه لَا يُبَاشِرهَا أبدا ويقصد أَن يُقيم فِي الزاوية مَعَ الْفُقَرَاء يعبد الله فَأخذ بيبرس الورقة وَدخل على سلار فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا قَالَ: قد أعفيناه فَأحْضرهُ حَتَّى نَسْتَشِيرهُ فِيمَن يَلِي الوزارة فَأحْضرهُ بيبرس إِلَيْهِ فَاعْتَذر وَأَشَارَ بوزارة ضِيَاء الدّين أبي بكر بن عبد الله بن احْمَد النَّسَائِيّ نَاظر الدَّوَاوِين فاستدعى وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره. فباشر ضِيَاء الدّين الوزارة وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا سوى الِاسْم وَصَارَ التَّاج يدبر الْأُمُور وَلَا يصرف شَيْء إِلَّا بِخَطِّهِ وَلَا يفعل أَمر إِلَّا بِحكمِهِ. وَفِي سادس صفر: خلع على التَّاج بن سعيد الدولة وَاسْتقر مُشِيرا وناظراً على الوزارة وَسَائِر النظار مصرا وشاماً ومنفرداً بِنَظَر البيوتات والأشغال الْمُتَعَلّقَة بالأستادارية وَنظر الصُّحْبَة وَنظر الجيوش وَكتب لَهُ توقيع لم يكْتب لمتعمم مثله. وَصَارَ يجلس بِجَانِب الْأَمِير سلار نَائِب السلطنة فَوق كل متعمم من الْكتاب وَنفذ حكمه وَمضى قلمه فِي سَائِر أُمُور الدولة فألان الْوَزير جَانِبه لَهُ وخفض جنَاحه بِكُل مُمكن. وَاسْتقر عز الدّين أيدمر الخطيري أستادارا عوضا عَن سنجر الجاولي. وفيهَا قدم الرُّسُل الَّذين توجهوا إِلَى الْملك طقطاي صَاحب بِلَاد الشمَال: وهم الْأَمِير بلبان الصرخدي ورفقته وَمَعَهُمْ نامون رَسُول طقطاي بهدية سنية وَكتاب

ص: 408

يتَضَمَّن أَن عَسْكَر مصر تسر إِلَى بر الْفُرَات ليسير مَعَهم وَيَأْخُذ بِلَاد غازان وَيكون لكل مِنْهُمَا مَا يصل إِلَيْهِ من الْبِلَاد. فَأكْرم الرَّسُول وجهزت لَهُ الْهَدَايَا وَأجِيب بِأَن الصُّلْح قد وَقع مَعَ خربندا وَلَا يَلِيق نقضه فَإِن حدث غير ذَلِك عمل بِمُقْتَضَاهُ وسير إِلَيْهِ الْأَمِير بدر الدّين بكمش الظَّاهِرِيّ وفخر الدّين أياز الشمسي أَمِير أخور وسنقر الْأَشْقَر وَأحد مقدمي الْحلقَة. وفيهَا نقل شهَاب الدّين غَازِي بن أَحْمد بن الوَاسِطِيّ من نظر الدولة وَمَعَهُ تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن السنهوري إِلَى نظر حلب. وَسبب ذَلِك إِنَّه كَانَ يعادي التَّاج بن سعيد الدولة بِحَيْثُ إِنَّه كَانَ سَببا فِي ضرب سنقر الأعسر لَهُ بالمقارع أَيَّام وزارته حَتَّى أسلم. وَكَانَ طَوِيل اللِّسَان بعرف بالتركي ويداخل الْأُمَرَاء فَإِذا دخل ابْن سعيد الدولة إِلَى بَيت أَمِير وَهُوَ هُنَاكَ لَا يقوم لَهُ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ. فَلَمَّا تحدث ابْن سعيد الدولة فِي أُمُور المملكة ثقل عَلَيْهِ ابْن الوَاسِطِيّ وَمَا زَالَ بالأمير بيبرس إِلَى أَن كتب توقيعه بِنَظَر حلب وَبعث إِلَيْهِ. فَقَامَ لما جَاءَهُ التوقيع. وَقَالَ: وَالله لقد كنت قانعاً بجهنم عوضا عَن مُوَافقَة ابْن تعيس الدولة وَسَار إِلَيْهَا. وفيهَا نقل الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الحسامي من شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق إِلَى الحجوبية على عَادَته فِي ثامن ذِي الْحجَّة وَاسْتقر عوضه فِي الشد الْأَمِير جمال الدّين أقوش الرستمي وَالِي الْقَاهِرَة بِالصّفةِ الْقبلية بَعْدَمَا الْتزم بثماني مائَة ألف دِرْهَم فِي أَربع سِنِين. وفيهَا قدم الْبَرِيد من دمشق بقدوم رجل من بِلَاد التتر يُقَال لَهُ الشَّيْخ براق فِي تَاسِع جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ جمَاعَة من الْفُقَرَاء نَحْو الْمِائَة: لَهُم هَيْئَة عَجِيبَة وعَلى رؤوسهم كلاوت لباد مقصصة بعمائم فَوْقهَا وفيهَا قُرُون من لباد شبه قُرُون الجاموس فِيهَا أَجْرَاس ولحاهم محلقة دون شواربهم ولبسهم لبابيد بَيْضَاء وَقد تقلدوا بحبال منظومة بكعاب الْبَقر وكل مِنْهُم مكسور الثَّنية الْعليا وشيخهم من أَبنَاء الْأَرْبَعين سنة وَفِيه إقدام وجرأة وَقُوَّة نفس وَله صولة وَمَعَهُ طبلخاناه تدق لَهُ نوبَة وَله يحْتَسب على جماعته يُؤَدب كل من ترك شَيْئا من سنته بِضَرْب عشْرين عَصا تَحت رجلَيْهِ وَهُوَ وَمن مَعَه ملازمون التَّعَبُّد وَالصَّلَاة وَأَنه قيل لَهُ عَن زيه فَقَالَ: أردْت أَن أكون مسخرة الْفُقَرَاء وَذكر أَن غازان لما بلغه خَبره استدعاه وَألقى عَلَيْهِ سبعا ضارياً فَركب على ظهر السَّبع وَمَشى بِهِ فجل فِي عين غازان ونثر عَلَيْهِ عشرَة آلَاف دِينَار وَأَنه عِنْدَمَا قدم دمشق كَانَ النَّائِب بالميدان الْأَخْضَر فَدخل عَلَيْهِ وَكَانَ هُنَاكَ نعَامَة قد تفاقم شَرها وَلم يقدر أحد على الدنو مِنْهَا فأصر النَّائِب بإرسالها عَلَيْهِ فتوجهت نَحوه

ص: 409

فَوَثَبَ عَلَيْهَا وركبها فطارت بِهِ فِي الميدان قدر خمسين ذرعاً فِي الْهَوَاء حَتَّى دنا من النَّائِب فَقَالَ لَهُ: أطير بهَا إِلَى فوف شَيْئا آخر قَالَ: لَا وَإنَّهُ أنعم عَلَيْهِ وهاداه النَّاس. فَكتب بِمَنْعه من الْقدوم إِلَى مصر فَسَار إِلَى الْقُدس وَرجع إِلَى بِلَاده وَفِيهِمْ يَقُول السراج: من موشحة طَوِيلَة أَولهَا: جتنا عجم من جوا الرّوم صور تحير فِيهَا الأفكار لَهُم قُرُون مثل الثيران إِبْلِيس يَصِيح مِنْهُم زنهار وفيهَا عَاد الْأَمِير طقصبا وَمَعَهُ الْعَسْكَر من بِلَاد النّوبَة إِلَى قوص بعد غيبتهم تِسْعَة اشهر ومقاساة أهوال فِي محاربة السودَان وَقلة الزَّاد. وفيهَا منع الأميران بيبرس وسلار المراكب من عبور الخليج الْمَعْرُوف بالحاكي خَارج الْقَاهِرَة لكثره مَا كَانَ يحصل من الْفساد والتظاهر بالمنكرات وتبرج النسا فِي المراكب وجلوسهن مَعَ الرِّجَال مكشوفات الْوُجُوه بكوافي الذَّهَب على رؤوسهن وتعاطيهن الْخمر وَكَانَت تئور الْفِتَن بِسَبَب ذَلِك وَتقتل الْقَتْلَى العديدة. فَلم يدْخل الخليج إِلَّا مركب فِيهَا متجر وَأما مراكب النزهة فامتنعت وعد ذَلِك من أحسن أَفعَال. وفيهَا كملت عمَارَة الْجَامِع الَّذِي أنشأه الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم بسفح جبل قاسيون وخطب بِهِ القَاضِي شمس الدّين بن الْعِزّ الْحَنَفِيّ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرى شَوَّال. وفيهَا ولى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق صدر الدّين أَبُو الْحسن على بن الشَّيْخ صفي الدّين أبي الْقَاسِم مُحَمَّد البصروي فِي تَاسِع عشرى ذِي الْقعدَة عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد الْأَذْرَعِيّ. وفيهَا قدمت رسل صَاحب سيس بِالْحملِ بَعْدَمَا أطلق مِائَتَيْنِ وَسبعين أَسِيرًا من الْمُسلمين قدمُوا حلب. وفيهَا ولى جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي خطابة دمشق بعد وَفَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الخلاطي فِي شَوَّال. وفيهَا أفرج الْأَمِير سلار عَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية فِي آخر يَوْم من رَمَضَان بَعْدَمَا جمع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وبعثوا إِلَيْهِ ليحضر من الاعتقال فَامْتنعَ وترددت إِلَيْهِ الرُّسُل مرَارًا فَلم يحضر وانفضوا من عِنْد سلار. فاستدعى بأخويه شرف الدّين عبد

ص: 410

الله وزين الدّين عبد الرَّحْمَن وَجرى بَينهمَا وَبَين القَاضِي زين الدّين بن مخلوف الْمَالِكِي كَلَام كثير. ثمَّ اجْتمع وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْكَافِي بن عبد الْوَهَّاب البليني الشَّافِعِي أحد نواب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة خَارج الْقَاهِرَة وَكَانَ صَالحا دينا فَاضلا. وَمَات الصاحب شهَاب الدّين أَحْمد بن أَحْمد بن عطا الْأَذْرَعِيّ الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي محتسب دمشق ووزيرها. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك الطَّوِيل الخازندار المنصوري فِي حادي عشر ربيع الأول بِدِمَشْق وَكَانَ كثير الْبر دينا. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح الصَّالِحِي النجمي اصله من مماليك الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ وَصَارَ إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فترقى فِي الخدم حَتَّى صَار من أكبر الْأُمَرَاء وَخرج إِلَى الْغُزَاة غير مرّة وَعرف بِالْخَيرِ وعلو الهمة وسداد الرَّأْي وَكَثْرَة الْمَعْرُوف وَلما قتل الْمَنْصُور لاجين أَجمعُوا على سلطنته فَأبى وَأَشَارَ بِعُود النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فأعيد وَمَات بَعْدَمَا اسْترْجع إقطاعه بِالْقَاهِرَةِ فِي ربيع الأول عَن ثَمَانِينَ سنة وَهُوَ آخر الصالحية وَإِلَيْهِ ينْسب قصر أَمِير سلَاح بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلبان الجوكندار المنصوري ولي نِيَابَة قلعة صفد وَشد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق ثمَّ نِيَابَة قلعتها وَمَات وَهُوَ نَائِب حمص بهَا وَكَانَ خيرا. وَمَات الشَّيْخ سيف الدّين الرجيحي بن سَابق بن هِلَال ابْن الشَّيْخ يُونُس اليونسي شيخ الْفُقَرَاء اليونسية قدم من الْعرَاق فَصَارَت لَهُ حُرْمَة وافرة فِي الْأَيَّام المنصورية قلاوون حَتَّى مَاتَ وَله أَتبَاع كَثِيرَة فخلفه ابْنه حسام الدّين فضل. وَمَات الطواشي شمس الدّين صَوَاب السُّهيْلي بالكرك عَن مائَة سنة وَكَانَ لَهُ بر ومعروف.

ص: 411

وَمَات ضِيَاء الدّين عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن على الطوسي الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي تَاسِع عشرى جُمَادَى الأولى وَله شرح الْحَاوِي فِي الْفِقْه وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ودرس مُدَّة بِدِمَشْق. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله بن مجلي الْعمريّ أَخُو كاتبي السِّرّ شرف الدّين عبد الْوَهَّاب ومحي الدّين يحيى وَقد جَاوز سبعين سنة. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الخلاطي خطيب دمشق فَجْأَة فِي ثامن شَوَّال وَكَانَ صَالحا معتقداَ. وَمَات مُحَمَّد بن عبد الْعَظِيم بن على بن سَالم القَاضِي جمال الدّين أَبُو بكر بن السفطي الشَّافِعِي ولد سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ تعفف عَن وَمَات الْأَمِير فَارس الدّين أصلم الردادي فِي رَابِع ذِي الْقعدَة بِدِمَشْق. وَفِي نصف ذِي الْقعدَة مَاتَ الْأَمِير سيف الدّين كاوركا المنصوري. وَمَات الْأَمِير بهاء الدّين يعقوبا الشهرزوري بِالْقَاهِرَةِ فِي سَابِع عشر ذِي الحجه. وَمَات الطواشي عز الدّين دِينَار العزيزي الخازندار الظَّاهِرِيّ يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع ربيع الأول وَكَانَ خيرا دِينَار محبا لأهل الْخَيْر وَكَانَ دوادار الْملك النَّاصِر وناظر أوقاف الْملك الظَّاهِر. وَمَات ملك الْمغرب أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة وثب عَلَيْهِ سَعَادَة الْخصي أحد موَالِيه فِي بعض حجره وَقد خضب رجلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ وَهُوَ مستلق على قَفاهُ فطعنه طعنات قطع بهَا أمعاءه وَخرج فَأدْرك وَقتل فَمَاتَ السُّلْطَان آخر يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع ذِي الْقعدَة وأقيم بعده أَبُو ثَابت عَامر ابْن الْأَمِير أبي عَامر بن السُّلْطَان أبي يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق فَكَانَت مدَّته إِحْدَى وَعشْرين سنة.

ص: 412