الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لصحة إمكان الرؤية، ويبقى أن التعويل على الرؤية هو الأصل، كما قررته الشريعة الغراء.
2- اختلاف المطالع، وأثر ذلك في تحقق الثبوت والانقضاء
ما المقصود باختلاف المطالع، وما أثر ذلك على إثبات دخول الشهر القمري أو انقضائه؟
[اعلم - رحمني الله وإياك - أنه قد يُرى الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة، وذلك تبعاً لاختلاف مطالع القمر، كما تختلف مطالع الشمس بين البلدان، واختلاف مطالع القمر لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخاً، والفرسخ = ثلاثة أميال، وهو يساوى بالتقريب:(5544م) ، فلا يكون اختلاف المطالع - على ذلك - بمسافة هي أقلّ من (24 × 5544م) = 133056م = 133.056 كلم، وهي تقارب مرة ونصف مسافة القصر في السفر، والتي هي - كما هو معلوم - ستة عشر فرسخاً أو (89) كلم تقريباً.
(89) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب: الصوم، باب: قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا» برقم (1909) . ومسلم؛ كتاب: الصيام، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، برقم (1081) . وما بين الحاصرتين [غُبّي] عند البخاري. ومعنى الألفاظ التي في الصحيحين:(غُمّي) أو (غُبّي) أو (غُمّ) أو (أغمي)، جميعها تعني: وجود غيم ونحوه في السماء تسبّب في عدم إمكان رؤية الهلال، والله أعلم.
لذلك فقد رأى بعض الفقهاء (الشافعية) اختلاف بدء الصوم والعيد بحسب اختلاف مطالع القمر بين مسافات بعيدة - كما تقدّم - في حين رأى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) جزى الله الجميع خيراً، أن الصوم والعيد يوحَّد بين المسلمين، ولا عبرة لديهم باختلاف المطالع، فإذا ثبتت رؤية الهلال بمكان، قريباً كان أو بعيداً لزم المسلمين كلَّهم الصومُ، وحُكْمُ من لم يره حُكْمُ من رآه.
ومما استدل به الجمهور عموم ما يدل عليه حديث: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمِّيَ -[غُبِّي]- عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» (89) .
ومما استدلت به الشافعية حديث كُرَيْب: أن أمَّ الفضل [لبابة بنت الحارث الهلالية] بعثته إلى معاويةَ بالشام، قال: فقدمتُ الشام، فقضيتُ حاجتَها، وأستُهِلَّ عليَّ رمضانُ وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قَدِمتُ المدينةَ في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن
عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلتُ: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيتَه؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاويةُ، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاويةَ وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (90) .
ولعل الأَوْلى في مسألة اختلاف المطالع ترجيح رأي الجمهور في أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهلَ البلاد كلها (91) ، فإن ذلك أدعى لتوحيد كلمة المسلمين في الميقات الزماني لعبادة الصيام، وأقرب لدرء مفسدة الخلاف بينهم، ولأن وجوب الصيام متعلق بمطلق الرؤية للهلال، لا لقُطْر بعينه، هذا فضلاً عن أنه [من المقرر أن أقصى مدة زمنية بين أبعد قطرين إسلاميين لا يتجاوز تسع ساعات - كما تفيده تقارير العلوم الفلكية المستحدثة - وإن وسائل الاتصال الحديثة صارت تُمكِّن بيسر من تبليغ حصول الرؤية، فتتواصل بذلك
(90) أخرجه مسلم؛ كتاب: الصيام، باب: بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأَوْا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بَعُد عنهم، برقم (1087)، عن كريبٍ رحمه الله. وفي آخره قال مسلم:(وشك يحيى بن يحيى في: نكتفي أو تكتفي) . اهـ.
(91)
انظر: نيل الأوطار للإمام محمد بن علي الشوكاني (4/194) .