الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يخفى أنه قد صار من المسلَّم به - طِبًّا - ثبوت الضرر البالغ للتدخين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» (108) .
تنبيه: مَن تعمَّد الفِطْر في نهار رمضان بجماع، فعليه الإمساك بقية النهار فلا يأكل مثلاً بعد الجماع، لأن في ذلك مزيد انتهاك لحرمة الشهر، فيزداد بذلك إثمه، والعياذ بالله.
9- ما لا يفسد الصومَ أصلاً:
إن المتدبر لما ذكره الفقهاء - جزاهم الله خيراً - من مسائلَ لا يَفسد بها الصوم، يدرك أن ذلك منحصر بضوابط منها: أن يكون مما يُتسامح فيه مما لم يُتعمَّد، أو مما لم يمكن الاحتراز منه، أو هو مما لم يأت به نصٌّ عليه، كما لم يمكن القياس عليه، أو كان مما فيه شبهة، أو كان مشروعاً فِعْلُه في نهار رمضانَ وغيره، أو هو ليس أكلاً وشرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب،
(108) تقدم تخريجه وبيان معناه بالهامش ذي الرقم (85) .
والأمثلة على ما ذُكِر آنفًا عديدة، لا يمكن حصرها، أذكر منها:
1-
ابتلاع الريق، حتى لو جمعه داخل فمه.
2-
ابتلاع النخامة ما لم تخرج إلى حد ظاهر الفم (مخرج الحاء المهملة) .
3-
استنشاق أو ابتلاع غبار الطريق.
4-
الأكل أو الشرب حال النسيان.
5-
الادّهان بعطر، أو الاختضاب بحِنَّاء.
6-
المضمضة والاستنشاق، ولو ابتلع البلل الذي يبقى بعد المضمضة. (لكن لو بالغ بهما فدخل الماءُ جوفَه، وهو ذاكر لصومه عالم بكراهة المبالغة أفطر، لنهيه صلى الله عليه وسلم الصائم عن المبالغة في المضمضة والاستنشاق) .
7-
ابتلاع قليلٍ مما يبقى بين الأسنان من أثر طعام بغير قصد، أو عند عجزه عن تمييزه ومجِّه.
8-
القيء، إذا ذرعه (أي غلبه)، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من ذَرَعَهُ القيءُ، فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض» (109) . وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (إذا قاء فلا يفطر؛ إنما يُخرِج ولا يُولِج)(110) .
9-
القُبلة ونحوها بدون إنزال.
10-
الإمذاء بتكرار النظر.
11-
تكرار النظر من غير إنزال.
12-
الإمناء أو الإمذاء عند التفكير.
13-
الشكُّ في طلوع الفجر، فلو أكل أو شرب أو جامع شاكًّا في طلوع الفجر ودام شكُّه لم يُفطِر؛ لأن الأصل واليقين بقاءُ الليل، واليقين لا يزول بالشك. ولأنه لم يتبين له الفجر، وقد قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البَقَرَة: 187] . ثم إنْ تبيَّنَ له بعدُ أن الفجر قد كان طلع حالَ أكلِه أو شربه أو جماعه، أفطر وعليه القضاء، وكذلك لو أفطر يظن الشمس قد غابت،
(109) أخرجه الترمذي؛ كتاب: ما جاء فيمن استقاء عمداً، برقم (720) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي: حديث حسن غريب، ثم عقّب بقوله: والعمل عند أهل العلم عليه - أي على حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه وإذا استقاء عمداً فليقض. قال: وبه يقول الشافعي، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق. اهـ.
(110)
قول أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري - مَعَلَّقًا - كتاب: الصوم، أول باب الحجامة والقيء للصائم، ثم قال - أي البخاري رحمه الله: ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر، والأول أصحّ. اهـ. أي: أنه لا يفطر.
وفي الواقع تبين له أنها لم تغب، فإنه يكون قد أفطر كذلك ويلزمه القضاء.
14-
التسوُّك طوال النهار، فهو غير مُفَطِّر، إلا إذا ابتلع جزءاً من عود السواك. ولا يخفى كذلك استحباب المحافظة على خَلوف (ريح فم الصائم) ، وبخاصة عند اشتداده بعد الزوال.
15-
الاكتحال في العين، ولو وجد طَعْمَه في حَلْقه، فالعين ليست منفذاً مفتوحاً إلى الحلق، وما يصل إلى الحلق من طعم القطرة بالعين أو الاكتحال فإنما هو بتشَرُّب المسام، لا عن طريق منفذ مفتوح. وفي حديث عائشةَ رضي الله عنها:«اكتحل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم» (111) . وجاء رجل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: اشتكت عينيَّ، أفأكتحل وأنا صائم؟ قال «نعم» (112) .
16-
شَمُّ هواءٍ تطيَّبَ بريح عطرٍ كمسك أو ورد ونحوه، وليُتنبَّه هنا إلى أن مَنْ تبخر بعود أو عنبر
(111) أخرجه ابن ماجه؛ كتاب: الصيام، باب: ما جاء في السواك والكحل للصائم، برقم (1678) ، عن عائشة رضي الله عنها. والحديث ضعّف إسنادَه البوصيري في المصباح (1/299) .
(112)
أخرجه الترمذي؛ كتاب: الصوم، باب: ما جاء في الكحل للصائم، برقم (726) ، من طريق أبي عاتكة، عن أنس رضي الله عنه. وقال أبو عيسى (الترمذي) : حديث أنس حديثٌ ليس إسناده بالقوي، ولا يصح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، وأبو عاتكة يُضعَّف. اهـ.
ونحوهما، فآواه إلى نفسه، واشتم دخانه، فوصل إلى حلقه، ذاكراً لصومه، أفطر، وذلك لإمكان التحرز من إدخال ذلك، ولأن جوهر الدخان وصل إلى الجوف، والله أعلم.
17-
الحِجامة: وهي استخراج الدم المُحقَّن من الجسم مصًّا أو شرطاً، وهي غير مُفطِّرة للحاجم ولا للمحجوم، لكنها تكره فقط (113) .
18-
اغتسال الصائم، فهو غير مُفطِّر، ولا يُكره، ولو كان للتبرُّد. فعن عائشةَ وأمِّ سلمةَ رضي الله عنهما:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر، وهو جُنُب من أهله، ثم يغتسل ويصوم» (114) .
19-
…
التقطير في الإحليل عند الذَّكَر، أي: في مسلك البول، فهو غير مُفطِّر، سواء وصل إلى المثانة أم لم يصل. أما التقطير في فَرْج المرأة، والاحتقان بمائع أو بجامد في الدُّبُر، كل ذلك مُفطِّر، والله أعلم.
(113) وهو مذهب الجمهور؛ واحتجّوا «بأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجم وهو مُحْرِم، واحتجم وهو صائم» ، كما في البخاري برقم (1938) ، ومسلم برقم (1202) ، وذهب الحنابلة إلى أن الحجامة يُفطِر بها الحاجم والمحجوم، عملاً بحديث:«أفطر الحاجم والمحجوم» ، كما في الترمذي، وصححه برقم (774) . انظر: الإنصاف للمرداوي (3/302) . وقال الشوكاني رحمه الله: يُجْمَع بين الأحاديث: بأن الحجامة مكروهة في حق من كان يَضعُف بها، وتزداد الكراهة إذا كان الضعف يبلغ إلى حدٍّ يكون سببًا للإفطار، ولا تكره في حق من كان لا يَضْعُف بها، وعلى كل حال فإن تجنب الحجامة للصائم أَوْلى. اهـ. انظر: نيل الأوطار (4/203) .
(114)
تقدم تخريجه بالهامش ذي الرقم (101) . واللفظ هنا للبخاري رحمه الله.