المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7 - الصوم الواجب (المفروض) : - الصوم جنة

[خالد الجريسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌الفصل الأولالنُّصوص المتعلَّقة بالصيام (من القرآن العظيم)

- ‌الفصل الثانيتعريف الصيام، وتأريخ تشريعه

- ‌الصيام لغةً:

- ‌الصيام شرعاً:

- ‌مراحل تشريع الصيام:

- ‌ تأريخ تشريع فريضة الصوم

- ‌الفصل الثالثفضائل الصيام وأسراره، وخصائص رمضان

- ‌الفصل الرابعأنواع الصيام

- ‌الصوم المفروض - من حيث كيفية الأداء

- ‌ الصوم المكروه

- ‌ الصوم المُحرَّم

- ‌الفصل الخامسأحكام الصيام، ومسائل مهمة متعلقة به

- ‌1- كيفية ثبوت الشهر الكريم

- ‌2- اختلاف المطالع، وأثر ذلك في تحقق الثبوت والانقضاء

- ‌3- كيفية ثبوت انقضاء شهر رمضان:

- ‌4 - ركن الصوم:

- ‌5 - شروط وجوب الصوم:

- ‌6 - شروط صحة الصوم:

- ‌7 - الصوم الواجب (المفروض) :

- ‌8- مفسدات الصوم:

- ‌أ) ما يُفسِد الصوم عامة

- ‌ب) ما يُفسِد الصوم ويُوجِب القضاء فقط

- ‌جـ) ما يُفسِد الصوم ويُوجِب القضاء والكفارة معاً

- ‌9- ما لا يفسد الصومَ أصلاً:

- ‌10- مبيحات الإفطار وما يلحق بها

- ‌(1) المرض:

- ‌(2) السفر:

- ‌(3) (4) الحَمْل والرَّضاع:

- ‌5- الكِبَر (الشيخوخة

- ‌6- الإرهاق الشديد بجوع أو عطش:

- ‌7- الإكراه:

- ‌11- مندوبات الصوم

- ‌12- مكروهات الصوم:

- ‌13 - الاعتكاف

- ‌16- زكاة الفطر، أو صدقة الفطر

- ‌خاتمة(وفيها بيان حقيقة الصوم ومصالحه،…وكمال هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه)

الفصل: ‌7 - الصوم الواجب (المفروض) :

‌7 - الصوم الواجب (المفروض) :

هذا الصوم لا يسع المؤمن الجهل بأحكامه، وذلك لوقوع الإثم على من لم يلتزم به. وقد مرّ أنه من حيث كيفية الأداء هو على قسمين اثنين، وهاك تفصيلاً لذلك:

أ - ما يجب في أدائه التتابع (عدم انقطاع)، وهو:

-

صوم رمضان، قال تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البَقَرَة: 185] ، ومعلوم أن الشهر لا يكون َإلا متتابعاً قي أيامه فيكون صومه متتابعاً بالضرورة.

-

صوم بعض الكفَّارات، وهي: كفَّارة القتل الخطأ، قال الله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النِّسَاء: 92] .

-

وكذلك كفَّارة الظِّهار - والظِّهار: قول الرجل لامرأته أنتِ عليَّ كظَهْر أمي! يريد بذلك تحريمَها - قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ

ص: 78

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا} [المجَادلة: 4] .

-

ويشترط التتابع أيضاً في صوم كفَّارة الجماع عمداً في نهار رمضان، وهي المسمّاة (الكفَّارة الكبرى) .

قال أبو هريرة رضي الله عنه: بينما نحن جلوس عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكتُ، قال:«ما لَكَ؟» ، قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبةً تعتقها؟» ، قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» ، قال: لا، فقال:«فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟» ، قال: لا. قال: «فمكث النبيُّ صلى الله عليه وسلم» . فبينا نحن على ذلك، أُتِِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر، [والعَرَق المِكتَلُ](102)، قال صلى الله عليه وسلم:«أين السائل؟» فقال: أنا، قال:«خذها فتصدَّق به» فقال الرجل: أعَلى أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها [لابتي المدينة: يريد الحرّتين] ، أهل بيتٍ أفقرُ من أهل بيتي. فضحك النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:«أَطْعِمْه أهلَك» (103) .

(102) العَرَق: المِكْتَل من خُوْص النّخل (أي: ورقه) ، يسع خمسة عشر صاعاً، والصاع يعدل أربعة أمداد، والمد أربع حَفَنات، أي ما يقارب (675 غم) فيكون الصاع: 2700 غم؛ وعليه فقد كان في هذا المكتل بالتقريب: أربعين كيلوغرامًا ونصفاً.

(103)

متفق عليه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب: الصوم، باب: المجامع في رمضان، برقم (1936)، ومسلم؛ كتاب: الصيام، باب: تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، برقم (1111) .

ص: 79

-

كما يُشترط التتابع في أداء الصوم الواجب، لمن نذر أو حلف أن يصوم أياماً بعينها، كالعشر الأولى من شهر رجب مثلاً، أو صوم شهر شعبان، ونحو ذلك، فإنه يتعين عليه التتابع لتعيينه الوقت، فلا يَصْدُق على العشر الأولى إلا إذا تتابعت، وإلا لم تكن أولى، ولا يَصْدُُق على شهر إلا إذا تتابع.

ب- ما لا يجب في أدائه التتابع (يجوز تفريق أداء صيامه) :

من الصوم الواجب، ما يكون صاحبه بالخِيار: إن شاء فرّق، وإن شاء تابع، ومن ذلك:

- صوم قضاء رمضان.

فلو أفطر مسلم في رمضانَ أياماً لعذرٍ كمرض أو سفر، فعليه المبادرة إلى إسقاط الفرض، ويستحب له أن يتابع في القضاء، ولكن هذا التتابع لا يشترط، لقوله تعالى:[البَقَرَة: 184]{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، فقد

ص: 80

ذكر تعالى صوم القضاء لرمضان، بصيغة ُ 8 ِ، وهي نَكِرة مُنَوَّنة، فتعمّ لتشمل أي يوم آخر من غير أيام شهر الصيام، - ويستثنى من ذلك ما يحرم صومه من أيامٍ، وقد ذُكِر بيانه آنفًا - كما أن الله تعالى قد ذكر الصوم هنا مطلقاً عن التتابع، لذا، فإنه لا يجب فيه التتابع.

- صوم المتعة في الحج.

فمن أحرم بالعمرة في أشهر الحج، وأتى بأعمالها، حتى إذا فرغ من أداء عمرته تحلل منها، ثم أحرم بعدها بالحج من مكة في تلك السنة: سُمِّي حاجًّا متمتعاً، وهذا الحاجُّ - بسبب تمتُّعِه بالتحلُّل من العمرة قبل إحرامه بالحج -، قد أوجب الله عليه الهَدْي، وهو: ما يُهدى إلى البيت ويُفرَّق لحمُه على مساكين الحرم، من بدَنَة (104) ، أو بقرة، أو شاة، فإن عجز عن الهَدْيَة (سوق الهَدْي) إلى البيت، وجب عليه الصيام عشراً كاملةً من ذي الحجة، والأفضل صوم

(104) البَدَنة: ناقة أو بقرة تُنحر بمكة؛ سميت بذلك لأنهم كانوا يسمِّنونها، والجمع بُدْن، بالضم، قال تعالى:[الحَجّ: 36] {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ

} . انظر: مختار الصحاح، مادة (ب د ن) .

ص: 81

الأيام الثلاثة في أيام الحج قبل يوم النحر (10 ذي الحجة) ، على أن يكون يوم عرفة (9 ذي الحجة) مفطراً، فإن لم يدرك الأيام الثلاثة قبل يوم النحر، فإن له أن يصوم أيام التشريق، وهي (11-12-13 ذي الحجة) ، ثم يصوم السبعة المتبقية عند فراغه من الحج وعودته إلى أهله ووطنه.

قال تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمْوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البَقَرَة: 196] .

- صوم ثلاثة أيام فديةً لحلقٍ أو تقصير في حجٍّ أو عمرة. والمقصود: وجوب الفدية - على التخيير - بين صيام ثلاثة أيام ولو مُتفرِّقات، أو التصدُّقِ على ستة مساكين، أو ذبحِ شاةٍ أو أعلى منها، وتجب تلك الفدية على من كان به مرض يحوجه إلى الحلق أو

ص: 82

التقصير، فتحلَّل التحلُّل الأول في الحج، أو تحلَّل من عمرته، وذلك قبل أن يبلغ زمانَ ذبح الهدي، وهو يوم النحر للحاج (10 ذي الحجة) ، ويوم يبلغ الهديُ الحرمَ للمعتمر، هذا إن لم يكن الحاجُّ أو المعتمر مُحصَراً - أي: منعه عدو من وصولٍ إلى الحرم -، فإن كان مُحصَراً فمَحِلُّ ذَبْحِه حيث أُحصِر.

فائدة:

من حلق أو قصَّر لغير عذر، فهو أولى بالكفَّارة من المريض، وكذلك من استمتع بغير الحلق كالطيب والدهن لعذر، أو لغيره.

- صوم جزاء الصيد.

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ

ص: 83

فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ *} [المَائدة: 95] .

تأمل - أخي القارئ - كيف ذكر الله تعالى الصوم في هذه الآية مطلقاً عن شرط التتابع.

هذا، وقد اتفق الفقهاء - جزاهم الله خيراً - على أنه يَحرُم التعرُّضُ لصيدٍ في الحرم، سواء في ذلك من أحرم بنُسُك (من حجٍّ أو عمرة) ومن لم يُحرم، فلا يُقتل الصيد مطلقًا في الحرم، ولا يُجرح، ولا يؤذى، ولا يُستولى عليه، ولا يُنفَّر، ولا يُساعد في اصطياده بأي وجه؛ كدلالة عليه إن كان غير مرئي للصائد، أو إشارة إليه إن كان مرئياً للصائد، ولا فرق في ذلك - كما سبق - بين محرِمٍ بحج أو عمرة وبين الحلال (غير المُحرِم) ، فلو فُرِض أن تعرض مُحرِم أو حلالٌ لصيدٍ في الحرم فقتله، فقد أثم بذلك، ويجب عليه الجزاء: فيخيّر عندها - إن كان الصيد مثلياً (أي توافر مثلُه من الحيوان الإنسي) بين أمور ثلاثة: إما إخراج مثله من النَّعَم؛ ففي النعامة مثلاً بَدَنة، وفي بقرة الوحش بقرة،

ص: 84

وفي الغزال عنز، فيذبحه ويتصدق به على مساكين الحرم، وإما أن يُقوِّمه بنقد فيشتري بثمنه طعاماً يطعمه مساكين الحرم، لكل مسكين مُدٌّ (والمدّ هو وزن ملء أربع حفنات بكفَّي رجل معتدل من قمح ونحوه، أي ما يقارب 700 سبعمائة غرام) ، أو يختار الصيام، فيصوم عن كل مُدٍّ يوماً، ويسمى هذا الصوم صوم التعديل.

أما إن لم يكن الصيد مثلياً، فإن الصائد يُخيِّر عندها بين أمرين: إما تقويمه نقداً وشراء طعام بذلك ثم التصدق به لكل مسكين مُدٌّ، وإما بتعديل الأمداد أيامَ صومٍ؛ عن كل مُدٍّ يوماً.

ويختصُّ المُحرِم (وهو من جاوز الميقات ملبِّياً بحج أو عمرة) ، بأنه يَحْرُم عليه التعرُّضُ لصيدٍ؛ سواء كان ذلك في الحرم، أو فيما دون المواقيت، كما يحرم عليه بيعُه وشراؤه وحَلْبُ لبنه.

أما صيد البحر فإن للمُحرِم ولغيره أن يصيد صيدَ البحر وأن يتعرَّض له، وأن يشير إليه، وأن يأكل منه،

ص: 85

قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المَائدة: 96] .

فائدة:

المعتبر في قيمة مِثْل المِثْلي: ما يكون في مكة، لا بمحل الإتلاف. والمعتبر في قيمة غير المثلي: ما يكون في محل الإتلاف، لا بمكة.

ومما لا يشترط فيه التتابع كذلك صوم الأيام الثلاثة في كفارة اليمين: قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *} [المَائدة: 89] .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

[فهذه خصالٌ ثلاث في كفارة اليمين، أيها فعل

ص: 86