الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكتاب الله، ومن الذي ردَّ عليه ما قال، وبيَّن أن قوله (1) يؤدي إلى الضلال، والذي يرى كلام السيد مع جلالته يعتقد أنه لم يُجازف فيما لطخني به، وأنه أرفع منزلةً من أن ينسُب إلى أحدٍ ما لم يعلمه، فيظن بي ما ليس عندي، فليكن هذا حدّ السيد في نسبة الأباطيل إليَّ، وطرح الأكاذيب عليَّ.
المقدمة الخامسة: أن
المجاز الذي في القرآن غير المتشابه
، وذلك أن الله أخبر أنه لا يعلم المتشابه إلَاّ الله والراسخون في العلم على قول الجمهور من المتكلمين، والمجاز معروفٌ جليٌّ سابقٌ إلى الأفهام مع القرينة، فإن العربيَّ الجِلْفَ، المكبَّ -لغباوته- على عبادة الأصنام إذا سَمِعَ قوله تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] لا يعتقد أن للذُّل (2) جُناحاً حقيقياً أبداً، وكذا إذا سَمِعَ قوله تعالى:{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَه} [الكهف: 77]، فإنه لا يعتقد أن الجدار يعزِمُ على الانقضاض، ويريد ذلك.
فإذا ثبت أن الكل من عامة أهل اللِّسان العربي يعرفون معنى ذلك، لم يَجُزْ أن يكون ذلك هو (3) المتشابه الذي لا يعلمه إلَاّ الراسخون، وكثير من المجاز المتعلق بصفات الله تعالى من هذا القبيل الذي لا يستحق أن يسمى متشابهاً.
فإن قلت: فما الميزان المعتَبَرُ في الفرق بينهما؟
قلت: كل مجازٍ قرينة التجوز فيه ضروريةٌ أو جليةٌ غير خفيةٍ، فليس من المتشابه، وكل (4) مجازٍ قرينته تنبني على قواعد نظريةٍ دقيقةٍ لا يعرفها إلَاّ الخاصة من العلماء، فهو متشابهٌ، فتأمل ذلك، فإنه نفيس الفوائد وغزير المعارف.
المقدمة السادسة: سوف يأتي إن شاء الله أن القرائن الدالة على المجاز ثلاثٌ: عقليةٌ وعرفيةٌ ولفظيةٌ.
(1) في (ف): " أنه ".
(2)
" أن للذل " ساقطة من (ش).
(3)
في (ف): " من ".
(4)
في (ف): " فكل ".
ومثال العقلية: {واسألِ القرية التي كُنَّا فيها والعير} فإن العقل يعلم أن سؤال القرية والعير لا يصح، فيفهَمُ المخاطب أن المراد: سؤال أهلها.
إذا عرفت هذا، فاعلم أن القرينة العقلية إنما يصح الاستدلال بها على التجوز في الكلام متى كان العقل يقطع على أن المتكلِّم ممن لا يصح الظاهر في حقه، فلهذه النُّكتة يختلف الاستدلال بها، فيصح في مواضع فيما بين الناس، ولا يصح مثله في كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه السلام.
مثال ذلك: أنا نفهم التجوُّز في قول الشاعر:
شكا إليَّ جملي طول السُّرى
…
يا جملي لَيْسَ إليَّ المُشتَكى
وذلك لأن العادة جرت بأن العجماوات لا تُكَلِّمُ إلَاّ الأنبياء (1) عليهم السلام، فتعلم أنَّها لا تكلم سواهم على قولٍ، ونظنُّ ذلك على القول الآخر.
فأمَّا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن هذا الجمل شكا أنَّك تُجيعُه وتُدْئِبُه "(2)، فلا نفهم التَّجوز، لأنا لا نعلم امتناع الظاهر في حقه، ولا نظن ذلك.
ومن ها هنا اختلف كثيرٌ من المحدثين والمتكلمين في تأويل كثير من الأحاديث والآيات، مثل قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم} [الإسراء: 44]، فالمتكلمون حملوه على التجوز، لاعتقادهم أن الظاهر لا يصحُّ، وأهل الحديث لم يتأوَّلوه، لاعتقادهم أنه لا مانع من صحة الظاهر بالنظر إلى علم الكلام وقدرته، لأنه خبر من يعلم ما لا نعلم، ويقدِرُ على: إنطاق كل شيءٍ بالإجماع، فقد ورد في القرآن:{عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطيرِ} [النمل: 16]، وكلام سليمان عليه السلام مع الهدهد والنملة، ومن ذلك تسبيح الجبال مع داود عليه السلام، وهذا من خواصِّه ومعجزاته، وأما
(1) في (ش): " للأنبياء ".
(2)
أخرجه من حديث عبد الله بن جعفر أحمد 1/ 204 و205، وأبو داود (2549)، وصححه الحاكم 2/ 99 - 100، ووافقه الذهبي.
التسبيح المجازي، فالجبال يسبِّحنَ مع غيره عليه السلام.
وأما السنة، فقد صح عنه عليه السلام أنها كلمته الذِّراعُ المسمومة (1)، وحنَّ إليه الجِذْعُ (2)، وسبَّح الحصا في يده (3)، وكان يُسْمَعُ تسبيح الطعام في حضرته (4)، وهذا كثيرٌ في السنة.
وقد ذكر هذا الإمام المهدي محمد بن المطهر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُون} [البقرة: 159]، فإنه عليه السلام ذكر في تفسيرها كلاماً كثيراً يتعلق بلعن ما ليس بناطقٍ، وذكر الكلام عن الحيوانات من العجماوات، فذكر كلام (5) الثعلب وشعره (6)، وكلام البعير (7)، وكلام العَضْباء (8)، وكلام الضَّبِّ (9)، وحديث الذئب (10)، وحديث الحمار الذي
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري (3169)، والدارمي 1/ 32 - 33.
(2)
انظر " صحيح ابن حبان "(6506) و (6507) و (6508).
(3)
أخرجه من حديث أبي ذر الطبراني في " الأوسط "، والبزار (2413)، وأبو نعيم (338) و (339)، والبيهقي 6/ 64 - 65، كلاهما في " دلائل النبوة "، وابن عساكر في ترجمة عثمان من " تاريخ دمشق " ص 107 - 110، وهو حديث حسن بطرقه. وانظر " الشمائل " لابن كثير ص 252 - 254، و" مجمع الزوائد " 6/ 179 و8/ 299، و" الفتح " 5/ 592.
(4)
انظر " صحيح ابن حبان "(6459).
(5)
" كلام " ساقطة من (ش).
(6)
ستأتي القصة بتمامها في الصفحة التالية.
(7)
انظر الصفحة السابقة ت (2).
(8)
ذكره القاضي عياض في " الشفاء " ص 313، بلا سند، وعزاه إلى الإسفراييني، وبيض السيوطي في " مناهل الصفاء "، ولم ينسبه إلى أحد.
(9)
أخرجه من حديث عمر الطبراني في " الأوسط "، و" الصغير "(948)، وأبو نعيم (275)، والبيهقي 6/ 36 - 38، كلاهما في " الدلائل "، وذكره السيوطي في " الخصائص " 2/ 65، وزاد نسبته إلى ابن عدي، والحاكم في " المعجزات "، وابن عساكر، وأورده ابن كثير في " الشمائل " ص 285 - 288، وأشار إلى أنه غريب منكر، وقال الذهبي في " الميزان " 3/ 651. حديث باطل.
(10)
انظر ابن حبان (6494).
أُخذ من خيبر وسأله النبي عن اسمه (1)، وحديث الناقة التي نطقت بالشهادة أنها ملكٌ لصاحبها (2)، وحديث الشجرة التي شهدت بالنبوة، وذكرها علي عليه
(1) أخرجه من حديث أبي منظور أبو موسى المديني كما في " الإصابة " 4/ 186، وابن حبان في " المجروحين " 2/ 308 - 309، وابن الجوزي في " الموضوعات " 1/ 293 - 294، وابن عساكر في " تاريخه " كما في " حياة الحيوان " للدميري 1/ 357، وابن كثير في " الشمائل " ص 288، وقال: أنكره غير واحد من كبار الحفاظ، وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، فلعن الله واضعه فإنه لم يقصد إلَاّ القَدح في الإسلام، والاستهزاء به، وقال ابن حبان: هذا الحديث لا أصل له، وإسناده ليس بشيء، وقال أبو موسى المديني: هذا حديثٌ منكر جداً سنداً ومتناً، لا أُحِلُّ لأحد أن يرويه عني إلَاّ مع كلامي عليه. وقال الحافظ في " الإصابة ": واهٍ.
(2)
لا يصح. ذكره القاضي عياض في " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ص 315، وأخرجه الحاكم 2/ 619 من طريق يحيى بن عبد الله المصري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: كنا جلوساً حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل أعرابي جهوري بدوي يماني على ناقة حمراء، فأناخ بباب المسجد، فدخل فسلم، ثم قعد، فلما قضى نحبه، قالوا: يا رسول الله إن الناقة التي تحت الأعرابي سرقة.
قال: " أثمّ بينه ". قالوا: نعم يا رسول الله، قال:" يا علي خذ حق الله من الأعرابي إن قامت عليه البينة، وإن لم تقم، فرده إلي ". قال. فأطرق الأعرابي ساعة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" قم يا أعرابي لأمر الله، وإلا فأدل بحجتك "، فقالت الناقة من خلف الباب: والذي بعثك بالكرامة يا رسول الله أن هذا ما سرقني ولا ملكني أحد سواه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" يا أعرابي بالذي أنطقها بعذرك ما الذي قلت ". قال: قلت: اللهم إنك لستَ برب استحدثناك ولا معك إله أعانك على خلقنا، ولا معك رب فنشك في ربوييتك، أنت ربنا كما نقول وفوق ما يقول القائلون، أسألك أن تُصلي على محمد وأن تبريني ببراءتي.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " والذي بعثني بالكرامة يا أعرابي لقد رأيتُ الملائكة يبتدرون أفواه الأزقة يكتبون مقالتك فأكثر الصلاة علي ".
قال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات، ويحيى بن عبد الله المصري لست أعرفه بعدالة ولا جرح، وتعقبه الذهبي في " مختصره "، فقال: الخبر كذب، اختلقه يحيى بن عبد الله المصري، وقال في " الميزان ": يحيى بن عبد الله شيخ مصري عن عبد الرزاق
…
=
السلام في " النهج "(1).
وطوَّل في هذا في قدر كُرَّاسٍ من أشعارٍ وأخبارٍ، وروى ذلك كله بإسناده بالقراءة (2) والسماع بذكر ذلك في كل حديثٍ.
وقد عقد عياضٌ المالكي في ذلك ثلاثة فصول في كتابه " الشفاء "(3): فصلاً في كلام الحيوانات من العجماوات، وفصلاً في كلام الشجر، وفصلاً في كلام سائر الجمادات، واستوعب في ذلك.
وقد صحَّح المتكلِّمُون هذا المعنى، ولم ينكروه بالنظر إلى القدرة، وذكروا ما يقتضي صحته عندهم الجميع في كيفيَّةِ كلام الله تعالى، وفي فضل المعجزات ونحو ذلك.
ومن أعجب ما ورد في ذلك: ما رواه السيد الإمام أبو طالب في كتابه " الأمالي " بإسناده، قال عليه السلام: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (4) املاءاً، قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن أوس الأنصاري الكوفي، قال: حدثنا نصر بن وكيعٍ، قال: حدثنا أبي، عن الأعمش، عن إبراهيم التَّيميِّ، عن أبيه، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه أعرابي على ناقة له، فنزل ودخل، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامه، ثم قال:
= فذكر حديثاً باطلاً بيقين، فلعله افتراه.
قلت: وله طريق أخرى لا يُفرح بها عند الطبراني في " الدعاء "(1055) وفي سنده سعيد بن موسى الأزدي، وهو متهم بالوضع.
وأخرجه الطبراني في " الكبير (4877) وفي " الدعاء " (1054) من حديث زيد بن ثابت، وفي سنده مجاهيل، كما قال السيوطي في " مناهل الصفا " ص 133.
(1)
ص 437 - 438، وأخرج نحوه مسلم (3012)، وابن حبان (6524)، والبيهقي في " دلائل النبوة " 6/ 7 - 10. وانظر الدلائل أيضاً 6/ 13 - 17.
(2)
في (ش): " بالقرائن ".
(3)
ص 298 - 315.
(4)
في (ش): ابن الحسني.
" حدِّثِ الناس من أمرِ ثعلبِكَ ". قال: يا رسول الله، أنا رجلٌ من أهل نجران، جئت أحتطب من وادٍ يقال له: السَّيَّال، فبينا أنا في الوادي أحتطب الحطب على راحلتي هذه إذ أنا (1) بهاتفٍ يهتف بي (2) من جانب الوادي:
يا حامل الجُرْزَةِ مِنْ سَيَّالِ
…
هل لك في أجرٍ وفي نَوَالِ
وحُسْنِ شكر آخر الليالي
…
أنقذك الله من الأغلالِ
ومِنْ سعير النار والأنكال
…
فامنُنْ فَدَتْكَ النفسُ بالإفضالِ
وحِّلني من وَهَقِ الحِبالِ
فالتفتُّ، فإذا ثعلب إلى شجرةٍ، فقال الثعلب:
يا حامل الجُرزة للأيتام
…
عجبتَ مِنْ شأني ومن كلامي
اعجب من الساجد للأصنام
…
مستقسماً للكفر بالأزلامِ (3)
هذا الذي بالبلد الحرام
…
نبيُّ صدقٍ جاءَ بالإسلامِ
وبالهدى والدين والأحكام
…
بالصلوات الخمس والصيامِ
والبرِّ والصِّلات للأرحام
…
مهاجرٌ في فتيةٍ كرامِ
غير معايب ولا لئام
فذهبت لأحُلَّه، فإذا هاتفٌ آخر يقول:
يا حاملَ الجُرْزَةِ مِنْ جُرْزِ الحَطَبْ
…
أما ترى (4) وأنتَ شيخ منجذِبْ
وفيك عِلْمٌ ووقارٌ وأدبْ
…
إنَّ الذي يُنبيك زورٌ وكَذِبْ
محمدٌ أَفْسَدَ ديوانَ العرب
فأنشأ الثعلب يقول:
(1)" أنا " ساقطة من (ش).
(2)
في (ش): " إلي ".
(3)
في (ش): " والأزلام ".
(4)
في (ش): " ماذا ترى ".
إنَّ الذي تسمعُه (1) لَعِيني
…
ملعونُ جنٍّ أيّما ملعونِ
يدينُ في الله بغيرِ دينِ
…
يُغويكَ بي عَهْداً (2) لكي تُرديني
فامنُن فدتكَ النَّفس بالتَّهوين
…
على أخٍ مُضطهدٍ مسكينِ
إن لم تُغِثْني غَلِقَتْ رُهوني
قال: فأتيتُه فحللته (3).
انتهى ما رواه السيد الإمام أبو طالب عليه السلام.
وهذا الباب واسعٌ، لا سبيل إلى استقصائه، ولا حاجة إلى ذلك، وإنما أتيت بهذه القصَّةِ تبرُّكاً بإيراد ما رواه أهل البيت عليهم السلام، وإلا فالإشارةُ في هذا كافيةٌ.
فإذا تقرَّر هذا، فاعلم أن عامَّةَ أهل الأثر لمَّا رأوا هذا داخلاً في قدرة الله تعالى لم يتأولوا كثيراً مِمَّا ورد في هذا المعنى، مثل قوله تعالى في السماء والأرض:{قَالَتَا أَتَيْنَا طائِعين} [فصلت: 11]، وليس يلزمهُم من هذا أن يسبِّحَ (4) كلُّ جزءٍ مِنَ الأجسام اللطيفة مثل ورقة التِّين والقلم والسِّواك، بل إذا سبحتِ الأرضُ، فقد صدق أنه يسبِّحُ كلُّ شيءٍ، مثلما أنه إذا سبَّح الإنسان، فقد سبَّح منه كلُّ شيءٍ، وإن لم تُسَبِّحْ منه كلُّ شعرةٍ على انفرادها، بل يصدُقُ أنَّ الإنسان سبَّح من غير تجوُّزٍ في ذلك، فكذلك إذا سبَّحت الأرض والسماوات والحيوانات، فقد صدق أنه يسبِّح لله كلُّ شيءٍ من غير تجوز (5)، وإن لم تسبِّحِ الأجسام اللطيفة.
(1) في (ش): " سمعته ".
(2)
" عهداً " ساقطة من (ش).
(3)
في سنده من لا يعرف، ولوائح الوضع عليه ظاهرة.
(4)
في (ش): " تسبحه ".
(5)
" من غير تجوز " ساقطة من (ش).
فإذا عرفتَ هذا، فاعلم أن المتكلمين والمحدثين إنَّما يختلفون هُنا، لاختلافهم في أن القرينة العقليَّة، هل تدلُّ هنا على التَّجوُّز أم لا؟ والأمر في هذا قريبٌ، والذي قالوه في هذا ممكنٌ عند المتكلِّمين عقلاً.
ويتفرع على هذا تنبيهٌ مفيدٌ، وذلك أن كثيراً من المحدِّثين -لعدم ارتياضهم في العلوم العقلية- يتوقفون في إحالة أشياء عقليةٍ، وإحالتها في العقل ظاهرةٌ جليةٌ مثل حديث (1) أنه " يؤتى بالموت على صُورة كبشٍ أملح "(2) يوم القيامة، فمن لم يكُن له أُنْسٌ بعلم العقل، لم يقطع باستحالة هذا، فربما ظنه على ظاهره، وربما توقف في معناه، وذلك مما لا يصح عند أحدٍ من جمهور أهل الكلام، لأن الموت إمَّا عَرَضٌ على قولٍ، أو عدمُ عَرَضٍ على قول، وكلاهما يستحيلُ أن يصير حيواناً عند جمهورهم، على أن ابن تيمية -وكان من أئمة الكلام- خالفهم في ذلك، وقال: إنه لا يستحيل أن يُنشىء الله تعالى من الأعراض أجساماً تكون تلك الأعراض مادة لها، وإنما المحال ذبح العرض نفسه، وهو ما هو عليه، وطوَّل في الاحتجاج على ذلك، ذكره تلميذه ابن قيّم الجوزية في أواخر " حادي الأرواح "(3).
(1)" حديث " ساقطة من (ف).
(2)
أخرجه البخاري (4730)، ومسلم (2849)، والترمذي (3156) من حديث أبي سعيد، والحديث بتمامه:" يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادى منادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئبُّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلُّهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلُّهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود، فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت "، ثم قرأ:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَة} ، وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُون} .
وأخرجه بنحوه أحمد 2/ 423، والدارمي 2/ 329، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " 9/ 347 من حديث أبي هريرة.
(3)
ص 283 - 284.
وتلخيصُ كلامه: أن منعهم لذلك مجرَّد استبعاد، ولا مانع من كون الشيء مادة لمخالفه لا ضده، وإنما يمتنع لو كان يستلزم المُحال، ويؤدِّي إلى الجمع بين النَّقيضين، وأمَّا مجرَّدُ الاستبعاد، فليس هو أبلغ من استبعاد الفلاسفة لإنشاءِ الموجود مِنَ العدم المحض، كما هو قول أكثر أهل الإسلام، ومنتهى ما فيه أنَّ العقل يقِفُ هنا، ولا يقطع بشيءٍ، لكن السمع دلَّ عليه دلالات مختلفة متنوِّعة، فمنه حديث:" تجيء البقرة وآل عمران كأنَّهما غمامتان "(1)، وحديث:" إن ما يذكرون مِنْ جلال الله من تسبيحه وتمجيده وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دويٌّ يُذَكِّرن بصاحبهن "(2)، وحديث الصورة التي تقول للميِّت في قبره:" أنا عملُك الصَّالح أو السَّيِّىء "(3).
فهذا أمرٌ معقولٌ، لو لم يرد به النص، فورود النَّصِّ به من قبيل تطابُق السَّمع والعقل، ثم ساق ما ورد مِنَ الآثار. انتهى بالمعنى.
والسرُّ في هذ التنبيه أن يعرف المتكلِّمُ أنه لا حَرَجَ على من توقف في تأويل هذا الجنس من أهل الأثر، ولا تحلُّ غيبة المتوقِّف في هذا ولا انتقاصه، لأنه مسلمٌ محقونُ العِرْضِ، مستحقٌّ لحقوق جميع المسلمين، والبحث عن هذا -وإن كان من جليَّاتِ علم المعقول- فلا يجب عليه، والوقف في التأويل مع الجهل بالموجب له هو الواجب عليه، وليس كلُّ أمرٍ جليٍّ في العقل يجب على المسلمين النظر فيه، فإن من الجليَّات عند المنطقيين صدق قولنا إذا صدق أنَّ
(1) أخرجه مسلم (804) من حديث أبي أمامة، وأخرجه مسلم (805)، والترمذي (2886) من حديث النواس بن سمعان، وأخرجه أحمد 5/ 348 و352، والدارمي 2/ 450 - 451 من حديث بريدة.
(2)
أخرجه أحمد 4/ 268، وابن ماجه (3809)، وقال البوصيري في " زوائد " ابن ماجه 236/ 1 إسناده صحيح، وصححه الحاكم 1/ 500 و503، ووافقه الذهبي في الموضع الثاني.
(3)
قطعة من حديث صحيح مطوّل رواه أحمد في " المسند " 4/ 287 - 288 من حديث البراء بن عازب، وهو مخرج في " صحيح ابن حبان " 7/ 387.
كل ألفٍ باءٌ، فبالضرورة يجب أن بعض الباء ألفٌ، وهذا وإن كان صحيحاً، بل ضرورياً، فإنه لا يجب على المسلمين أن يعرفوه.
المقدمة السابعة: اعلم أنَّا نظرنا في هذه الأحاديث التي ذكرها السيد، وقطع أن رواتها تعمَّدُوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل الأولى القطع بتعمُّدِهم الكذب، أم الوقفُ في ذلك؟ فوجدنا الوقف أولى، لوجوهٍ مرجِّحة لذلك (1).
المرجِّح الأول: أن القطع بأنهم تعمَّدُوا الكذب فيها يؤدي إلى بطلان أمر مجمعٍ عليه، وما أدَّى إلى ذلك، فهو باطلٌ، والمقدمة الثانية: أنها مسلمة وفاقية، وبيان المقدمة الأولى أن الأمة قد أجمعت على الرجوع إلى كتب المحدثين هذه المسمَّاة بالصِّحاح، والاجتماع بما فيها، أما الفقهاء، فظاهرٌ، وأما الزيدية، فلوجوهٍ:
أحدها: أن من أول كتابٍ صُنِّفَ في تجريد أدلة الأحكام من الحديث للزيدية، فهو كتاب " علوم آل محمد " تأليف محمد بن منصور المرادي، وهو المعروف بأمالي أحمد بن عيسى، وهو يروي فيه عن محمد بن إسماعيل البخاري، وعن رجال الصِّحاح، وعمَّن دونهم، بل صرَّح فيه بما يقتضي قبول المجاهيل، وبعده كتاب " أصول الأحكام " للإمام المتوكل أحمد بن سليمان عليه السلام، وقد قال في خطبته: إنه نقل من " البخاري " وغيره من كتب الفقهاء، مثل كتاب الطحاوي الحنفي، وكتاب المُزني صاحب الشافعي، وكتاب محمد بن الحسن الشيباني، وكتاب الإمام هذا قد خلط الذي رُوِيَ عنهم بالذي رُوِيَ عن أهل البيت عليهم السلام من غير تمييزٍ لأحدهما عن الآخر بصريح لفظ ولا رمزٍ في خطٍّ ولا قاعدةٍ ذكرها في خطبة الكتاب، والزيدية مجمعون على الرجوع إليه، والمجتهدون منهم معتمدون في معرفة أدلة الأحكام عليه في قدر أربعمئة سنةٍ، ما أنكر ذلك منكرٌ.
(1) في (ف): " في ذلك ".
وثانيها: شهرة النقل عنها قديماً وحديثاً في كتب الزيدية من غير نكيرٍ، هذا إمام الأئمة المنصور بالله عليه السلام يقول في كتاب " الرسالة النافعة " بالأدلة القطعية بعد ذكر (1) الصحاح ما لفظه: إذ هذه الكتب التي توجد في أيدي الأمة سبيلٌ (2) إلى ربها. ويقول في " العقد الثمين " ما لفظه: فالذي رويناه من طريق العامة هو ما صحَّت لنا روايته عن الفقيه العالم أبي الحُسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق الأسدي الحلبي يرفعه إلى رجاله مما رواه من كتب العامة بالأسانيد الصحيحة.
هذا لفظه عليه السلام، وفيه التصريح بصحة أسانيدها، ولم يقل -كما قال السيد- المسماة بالصحاح احترازاً من الكذب، بل قطع المنصور بالله عليه السلام القول بصحتها، وكان إليه المنتهى في التَّقوِّي والتحري.
وقال عليه السلام في هذه الرسالة وقد ذكر ما في كتب الصحاح من فضل أهل البيت عليهم السلام، وعيَّن منها مواضعها حتى قال ما لفظه:" من " صحيح البخاري "، ومن " صحيح مسلم "، وقال: من " الجمع بين الصحيحين " للحُميدي، ولم يقل المسمى " بصحيح البخاري "، والمسمى " بصحيح مسلم "، والمسمى " بالجمع بين الصحيحين "، وقال من " صحيح أبي داود السجستاني "، وهو كتاب " السنن "، ولم يقل المسمى " بالسنن "، وذكر الرواية من " صحيح البخاري " ومن " صحيح مسلم "، وأطلق على الكُلِّ منها لفظ الصِّحة من دون احترازٍ، وقال: من " الجمع بين الصحاح الستة " لرزين بن معاوية العبدي (3)، وأطلق على الكل فيها لفظ الصحاح، قال، وقد ذكر جملة
(1)" ذكر " ساقطة من (ف).
(2)
في (د) و (ش): " سبيلاً ".
(3)
هو الإمام المحدث أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري الأندلسي السرقسطي، المتوفى سنة 535، واسم كتابه:" التجريد للصحاح الستة "، جمع فيه بين " الموطأ "، و" صحيحي " البخاري ومسلم، و" سنن " أبي داود والترمذي والنسائي، وعليه اعتمد أبو السعادات ابن الأثير في تصنيف كتابه " جامع الأصول ". انظر " السير "20/ 204، ومقدمة " جامع الأصول " 1/ 48 - 51.
الصِّحاح و" تفسير الثعلبي " و" مسند " ابن حنبل ما لفظه: وهذه الكتب التي تُوجَدُ في أيدي الأمة سببٌ (1) إلى ربِّها، فحكم بأن كتب الحديث المعروفة هي محلُّ النجاة.
وكذلك العلامة الزمخشري ذكر في " كشافه " سماعه في " صحيح مسلم "، وسماه صحيحاً، ولم يقل كتاب مسلم الذي سماه صحيحاً، كما فعل السيد، فكانت للزمخشري بصيرةٌ يُميِّزُ بها بين الصحيح والسقيم.
وذكر الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام أنه وجد كتب الحديث في خِزانة الإمام الناصر بن الهادي إلى الحق عليه السلام، وهذا يدل على قِدَمِ وجودها في خزائن الأئمة من غير نكيرٍ على من يعتمد عليها.
وذكر الأمير الحسين رحمه الله في " شفاء الأوام " حديثاًً، وقال: ليس له فيه سماعٌ، ولكنه من كتاب " الفائق "، وهو مشهور عند الشفعوية مقويّاً للحديث بشهرة الكتاب عندهم، وصرح الأمير الحسين في " الشفاء " بالنقل منها.
وقال القاضي العلامة عبد الله بن حسن رحمه الله في " تعليق الخلاصة " فيما يشترط في علم الإمام ما لفظه: والعلم بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، يكفي في ذلك كتابٌ مما يشمل الأحاديث المتعلقة بالأحكام " كأصول الأحكام " أو أحد الكتب المصحِّحة المشهورة.
وكذلك الفقيه علي بن يحيى الوشلي رحمه الله ذكر في " تعليق اللمع " أنه يكفي المجتهد مِنَ السنة معرفة (2) كتاب " السنن " لأبي داود.
وكذلك الفقيه العلامة علي بن عبد الله رحمه الله نص على ذلك في " تعليق الجوهرة "، وكان الإمام يحيى بن حمزه عليه السلام ينقلُ منها ويعتمد عليها.
وكذلك الإمام محمد بن المطهِّر عليه السلام، وكذلك حيٌّ الإمام الناصر عليه السلام.
(1) في الأصول: " سبباً ".
(2)
" معرفة " ساقطة من (ف).
وقد تقدم شيء من هذا، ولكن مقتضى الحال مع لجاج أهل الزمان يقتضي التكرار والبيان الكثير، وإن سئم منه قليل النَّشاط، فالسآمة من طول الاحتجاج على الحق خيرٌ من العماية من طول السكوت عنه (1) والعارف لا يكون كسلان، ومن أحبَّ العلم، لم يسأم التطويل والتكرار.
إذا تقرر هذا، فاعلم أنه لو كان ما في هذه الكتب الصحيحة كُفراً صريحاً، لا يمكن تأويله، بل يجري مجرى سبِّ الأنبياء عليهم السلام، والأمر بعبادة الأصنام، ونحو ذلك من تجويز وأدِ البنات، ونكاح الأمهات، واستحلال الفواحش المحرمات، لم يحل الرُّجوع إليها، ولا النَّقل منها ولا نساختها لخزائن الأئمة الطاهرين من وقت الإمام الناصر أحمد بن يحيى الهادي عليه السلام إلى زماننا هذا من غير تحذيرٍ منها، ولا إعلانٍ لتقبيح ما فيها.
ومن العجب أنَّه ما ظهر القول بأن فيها الكفر الصَّريح الذي لا يحتمل التأويل البتة إلَاّ في شهر ذي الحجة من سنة ثمانٍ وثمانمئة سنة من السيد أيده الله، وقد تقدَّمه من هو أعلم منه وأفضل، مثل المنصور بالله، وأحمد بن سليمان المتوكِّل على الله، والإمام يحيى بن حمزة، والإمام الناصر محمد بن علي عليه السلام، وقد كان الفقيه أحمد بن سليمان الأوزري يقرىء فيها في صعدة وقت الإمام الناصر عليه السلام، وقرأ عليه الإمام الناصر والسيد أيضاً من جملة مَنْ سمعها عليه، وكانت العامة (2) تحضُرُ في مجالس السماع على أنها كتبُ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أحدٌ أنكر ذلك ولا بيَّن للعامَّة ولا للخاصة.
فلو أن الفقيه الأوزري جاء من تهامة بكتبٍ منسوبةٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فيها سبَّ الأنبياء وإضافة النقص إليهم بما لا يحتمل التأويل، مثل القول بأن عيسى كان ساحراً، ولم يكن يحيي الموتى على الحقيقة، ومريم العذراء البتول عليها السلام كانت (3) ارتكبت الفاحشة، وولدها كان ولد زنى، وإنما ستر الله
(1)" عنه " ساقطة من (ف).
(2)
في (ش): " والخاصة ".
(3)
" كانت " ساقطة من (ف).
عليها بذكر ما ليس بصحيحٍ من كلام عيسى في المهد، ونحو ذلك، لم يشكَّ عاقلٌ في أن العُلماء والأئمة ما يقرُّونها على الأوزري، ويطلبُون الإجازة فيها، وينسخُونها، ويشحنُون خزائنهم بها، بل كانوا يَؤدِّبُون مَنْ جاء بها ومن قرأ فيها إن كان جاهلاً، ويقتلون من يعتقد صحَّتها.
فإذا كان عند السيد أن في كتب الحديث من نسبة النقص إلى الله تعالى ما لا يحتمل التأويل، فذلك أعظم من سبِّ الأنبياء ونقصهم بما لا يحتمل التأويل (1).
فإذا عرفت هذا فتنبَّه على تعريفٍ مفيد (2)، وهو أنا لو أتينا والناس مجتنبون لها، متواصون بالتحذير من قراءتها، ثم ابتدعنا القراءة فيها، والتصحيح لها، لكنا نستحق الإنكار وأما حين جئنا والإقراء فيها مشهورٌ في المساجد منذ أعصارٍ قديمة، والمذكور في تعليق " اللمع "، و" الخُلاصة "، و" الجوهرة " التي هي مِدْرَسُ الزيدية في فُنون الفقه والكلام والأصول أنَّ الذي يكفي المجتهد معرفة كتابٍ فيها، وكتبُ الزيدية المتداولة في الحديث مفصحةٌ بالنقل منها، لم يشك أن القراءة فيها غير مُنكَرةٍ، والعمل بما فيها غير محرَّم.
وأما (3) إن قلتم: نعلم ولا نعمل بهذا الأمر بما لا يجوز، ومثل الذين يتعلَّمون ولا يعملون، كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
وقد طال الكلام في هذا الوجه، وهو موضعٌ لطول الكلام، وقد تبين من هذا أن رواة هذه الأحاديث لو كانوا معتمدين للكذب -كما ذكر السيد- لم يجُزِ الرجوع إلى كتبهم، ولا إلى ما يجوز أن فيه شيئاً منها من كتب الزيدية والفقهاء، ولا التقليد لمن يستجيز الاحتجاج بها، ونحن لا نعلم في تصانيف المتأخرين ما هو كذلك، ولا نعلمُ منهم من لا يستجيز ذلك، وقد انعقد الإجماع على جواز
(1) من قوله: " فذلك أعظم " إلى هنا، ساقط من (ش).
(2)
في (ش): " مقيد ".
(3)
في (ف): " فأما ".
القراءة في كتب المتأخِّرين، وعلى جواز التَّقليد لهم متى كانوا مجتهدين، فما أدى إلى بطلان هذا الإجماع، فهو أولى بالبطلان.
الوجه الثالث: أن المنصور بالله قد حكى أنَّ المحققين رووا عن المخالفين لنا في الاعتقادات من غير مناكَرَةٍ، والمؤيد بالله عليه السلام قد نص على أن الظاهر من مذهب أصحابنا قبول كُفَّارِ التأويل، هكذا رواه عن أصحابنا على الإطلاق، والقاضي زيدٌ قدِ ادعى الإجماع على قبولهم، وهذا يقتضي أن مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام قبولهم، بل قد رواه عنهما نصاً القاضي أبو مُضر خرَّجه عنهما المؤيد بالله عليه السلام، وهو أحدُ تخريجي أبي طالبٍ، وقد تقدَّم تقرير ذلك.
فإن كان هذا في حق الهادي والقاسم عليهما السلام، فكيف بغيرهما من الأئمة والرواة، فثبت بهذا أنا نُجَوِّزُ في جِلَّةِ الأئمة والعلماء المتأخرين والقُدماء أنهم يقبلون رواة هذه الكتب من أهل التأويل. فإذا ثبت ذلك، فالكذب في هذه الكتب إنما دخل (1) فيها مِنْ أنَّ الحشوية كذَبُوا فيها، لكنا بيَّنَّا أن قَبُول هؤلاء الذين سمَّاهم السيد بالحشوية مذهب كثيرٍ من الأئمة الطاهرين نصاً صريحاً، ومذهب أكثرهم قولاً ظاهراً، أو مذهب جميعهم تجويزاً محتملاً، فلا يجوز الرُّجوع إلى أحدٍ منهم حتى نظن أنه لا يروي عن كافر تأويلٍ ولا فاسقه، ولا يستجيز الرِّواية المرسلة عمَّن يقبلهما (2)، وهذا بعيدٌ عزيزٌ، فإن أقصى ما في الباب أنا نجدٌ من لا يروي عن المتأوِّلين بأنفسهم، لكنا نجد من لا يروي عن العدل المتنزِّه عن البدع إذا كان ذلك العدل يقبل المتأولين. ألا ترى أن المؤيد بالله والمنصور بالله يقبلان المتأوِّلين بنصِّهما الصريح، ولا يوجد من الزيدية من لا يقبل حديث المؤيد بالله والمنصور بالله عليهما السلام ويرد مراسيلهما.
(1) في (ش): " يدخل ".
(2)
في (ش): " يقبلها ".
فإذا ثبت أنه لا يمكن الاحتراز عن (1) حديثهم وروايتهم، ثبت أن القول بأنهم كذبةٌ متعمِّدون يؤدي إلى تحريم القراءة في جميع كتب الحديث مصنَّفات الزيدية والفقهاء، وهذا قولٌ مُخالفٌ للإجماع، وهذا الوجه غير الذي قبله، فلا يقع في ذلك (2) وهم.
الوجه الرابع: أنا قد بيَّنَّا فيما تقدم رواية إجماع الصحابة على قبول المتأوِّلين، وأقل الأحوال أن تكون تلك الطريق (3) توجب أنهم يقولون بذلك، فمع القطع بأن المتأولين هم الذين كذبوا هذه الأحاديث، لا ندري (4) هل الفساق منهم هم الذين كذبوها أم الكفار، فالكل ممن لا يُنَزَّهُ عن تعمُّد الكذب، عند السيد، ومع هذا، فلا ندري فلعل الفُسَّاق المتأولين من الصدر الأول وقت الصحابة هم الذين كذبوهم، وعدول الصحابة، وإن لم يكونوا متَّهمين في أنفسهم لكنه يجوز أن يستحلُّوا الرِّواية عن فُسَّاق التأويل المتَّهمين، فيلزم أن لا يُقبل ثقات الصحابة إلَاّ إذا صرَّحُوا بالسماع، فالعنعنة محتملة، وتجويز توسُّط المتأوِّل (5) بين أهل العدل محتملٌ لجواز أن يذهب العدلي إلى ذلك، وهذا سد لباب الرواية، ومحوٌ لآثار العلم، وتعفيةٌ لسُبل الشريعة، ومخالفةٌ لإجماع الأمة، فلهذا اخترنا القول بتأويل ما في الصحاح محبَّةً للبقاء على ما كان عليه سلفنا الصالح من أهل البيت عليهم السلام، وسائر علماء الإسلام، وكراهة الابتداع والغلوِّ في الدِّين، لا محبِّةً لتلاوة المتشابهات، ولا شَغَفَاً بظواهر أحاديثِ الصفات. فهذا هو المرجِّحُ الأول الذي بينته. على أن تكذيب رواية الصحاح يُؤدِّي إلى خلاف ما انعقد عليه الإجماع، وقد تبين ذلك بهذه الوجوه الأربعة، ولله الحمد.
المرجح الثاني: قوله تعالى: {ولا تَقْفُ ما ليس لك به عِلْمٌ} [الإسراء:
(1) في (ف): " من ".
(2)
" في ذلك " ساقطة من (ش).
(3)
في (ش): " الطرق ".
(4)
" لا ندري " ساقطة من (ف).
(5)
في (ش): " المتأولين ".
36]، فإن القول بأنَّ رواة الصِّحاح قد تعمَّدُوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الأحاديث مما ليس لي به علمٌ، فلو علم ذلك أحدٌ، فلا لوم عليه في تكذيبهم، لكن من لا يعلمُ ذلك ما سبب إلزامِه أن يقطع بغير تقريرٍ ولا هُدى، ولا كتاب منيرٍ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب اليهود فيما رووه (1) خوفاً أن يصدقوا، فيكون المكذِّب لهم قد كذَّت الحق (2)، فهذا في اليهود القوم البُهْتِ، فكيف بأهل الإسلام؟
المرجِّح الثالث: أنا نخاف أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تلك الأحاديث، ونخاف أن يكون ما قالها، فنظرنا أيُّ الجَنَبتين أهون، فوجدنا الخطأ في القبول أهون من الخطأ في الرَّدِّ، لأنا متى أخطأنا في القبول، كان تصديقاً له (3) موقوفاً على شرط أنه قال (4): ومتى أخطأنا في الرَّدِّ كان تكذيباً (5) موقوفاً على أنه ما قال، والتصديق الموقوف خيرٌ من التكذيب بالضرورة، أقصى ما في الباب أن يكون الخطأ في القبول كذباً عليه، والخطأ في الرد تكذيباً له، صانه الله تعالى من ذكر ذلك، لكن تعمُّد الكذب عليه فسقٌ، وتعمُّد التكذيب له كفرٌ، فالخطأ فيما عمده فسقٌ أهون من الخطأ فيما عمده كفر، وهذا من نفائس المرجِّحات وخفيَّات المُدركاتِ النظرية.
(1) في (ش): " رووا ".
(2)
أخرج عبد الرزاق (20059)، وأحمد 4/ 136، وأبو داود (3644) من حديث أبي نملة الأنصاري مرفوعاً:" ما حدثكم أهل الكتاب، فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله، فإن كان حقَّاً، لم تكذبوهم، وإن كان باطلاً، لم تصدقوهم ".
وصححه ابن حبان (6257). وله شاهد من حديث أبي هريرة عند البخاري (4485) و (7362) و (7542) بلفظ: " لا تصدقوا أهل الكتاب بما يحدثونكم عن الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أُنزل إلينا، لأن الله تعالى أخبر أنهم كتبوا بأيديهم، وقالوا: هذا من عند الله ".
(3)
" له " ساقطة من (ف).
(4)
في (د) و (ف): " أن يقول ".
(5)
" تكذيباً " ساقطة من (ف).
المرجِّح الرابع: أن الخطأ في العفو أولى مِنَ الخطأ في العقوبة، والقطع على حال الرُّواة بتعمُّد الكذب عقوبةٌ، والوقف (1) في ذلك عفو، والحمل على السلامة ظنٌّ جميلٌ، ولعلَّهم قد بلَّغُوا منه ما سمعوا منه، امتثالاً للأمر النبوي، حيث قال:" ليبلِّغِ الشاهد الغائب "(2)، ولعلَّهم قد شملتهم الدعوة المباركة النبوية، حيث قال صلى الله عليه وسلم:" نضَّر الله امرءاً سمع (3) مقالتي، فوعاها، ثم أداها كما سمعها إلى من لم يسمعها "(4). وأنت يا هذا لضيق فهمِكَ، وقِلِّةِ علمك، تكذِّب من امتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغِ كلامه الحق الذي لم يقُلْهُ عبثاً، ولا نطق به سدىً:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].
وكم من عائِبٍ قولاً صحيحاً
…
وآفتهُ من الفهم السَّقيمِ (5)
المرجِّح الخامس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلَّف فينا ثقلين، ووعدنا بالأمان من الضلال أبداً ما تمسكنا بهما (6)، فرجعنا إليهما فلم نجد في واحدٍ منهما الأمر بأنا نقطع بعجز جميع الراسخين في العلم -عليٍّ عليه السلام فمن بعده- عن تأويل تلك الأحاديث، فوقفنا في ذلك ووسعنا في الصمت عن تكذيب الرواة ما وَسِعَ أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم في مقدار خمس مئة سنة، فإن هذه الكتب قد سارت في أقطار الإسلام هذا القدر، وتداولتها علماء الأئمة، ونُصحاء الأمة، ونُقَّادُ النظر والأثر، ما نعلم أحداً ممن يُعتدُّ به من جميع الفرق الإسلامية القائلين
(1) في (ش): " والوقوف ".
(2)
قطعة من حديث مطول تقدم تخريجه 3/ 370.
(3)
في (ش): " عرفها ".
(4)
تقدم تخريجه 1/ 246.
(5)
هو للمتنبي من قصيدة مطلعها:
إذا غامَرْتَ في أمرٍ مرومٍ
…
فلا تقنع بما دونَ النجومِ
انظر الديوان 4/ 119 - 120 بشرح العكبري.
(6)
انظر 1/ 178.
للآحاد صرَّح بمثل ما صرَّح به السيد بالتكذيب من غير تردُّدٍ البتة.
المرجِّح السادس: أنا قد وجدنا في كتاب الله تعالى شواهد لِمَا ورد فيها من المتشابهات، وقول السيد: إن المتشابه الذي في القرآن جليٌّ قريبٌ، مثل قوله تعالى:{بَلْ يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] لا يصلح أن يُقال لمن يعرف القرآن ويدري ما فيه، وهذه الآية ليست مِنَ المتشابه الذي لا يعلمه إلَاّ الله والرَّاسخون في العلم، بل هي من المجاز الجليِّ الذي يعلمه من سمعه من أجلاف عُبَّاد الأصنام، وذلك لأن بسط اليدين -كما قال السيد- معروفٌ عند العرب أنه كنايةٌ عن الكرم، وهو كنايةٌ عندهم مشهورةٌ، كطول النِّجاد، وكثرة الرَّماد، وما كان مشهوراً عندهم، لم يكن من المتشابه المختصِّ بالراسخين، وإنما ظهر الأمر في ذلك عندهم لوضوح القرينة، وذلك أن الكلام واردٌ مورد المدح والثناء، وغير خافٍ على كل عاقلٍ أن مجرد بسط اليدين ممَّا لا مدح فيه ولا ثناء (1)، فبسط اليدين الحقيقي هو صفة الميت، وصفة الأخطل وكثيرٍ من أهل العاهات.
فلا يشكُّ من سمِعَ تمدُّح ربِّ الأرباب بذلك، لم يُرِدْ هذا الوصف الحقيقي مجرّداً عن الكناية عن جُوده الواسع، ومعروفه الدائم، وأنه إنما أراد ما تعارفته العربُ في لسانها وتداولتها (2) البلغاء في خطابها من الكناية عن الكرم والجُود الفائض.
والسيد قد اختار هذه الآية، وزعم أنها من متشابه القرآن، وأومأ إلى أن بقية المتشابه في القرآن من هذا القبيل، ثم اختار أدقَّ ما في كتب الحديث من المتشابه، وأشار إلى أن بقية ما ورد فيها مِنْ ذلك القبيل، وليس كما أوهم (3) في الجانبين، ففي القرآن ما هو أدقُّ من تلك الآية، وفي السنة ما هو أوضح من تلك الأحاديث.
(1)" ولا ثناء " ساقطة من (ش).
(2)
في (ش): " أو تداولتها ".
(3)
في (ش): " وهم ".
وقد رأيتُ أن أُورِدَ مِنْ آيات القرآن الكريم ما يُشابه (1) تلك الأحاديث، وأنا أُوردُ الآيات هنا مسرودة، ثم أُبيِّنُ الشواهد منها على كلِّ لفظٍ من ألفاظ تلك (2) الأحاديث، إلَاّ لفظ الضَّحِكِ وحده، فليس له في القرآن شاهدٌ، لكنه مجازٌ قريبٌ، نبيِّن الشواهد عليه من اللغة العربية إن شاء الله تعالى.
وهذه الآيات الكريمة منها: قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك} [الأنعام: 158]، وقوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَة} [البقرة: 210]، وقوله تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّ} [الفجر: 22]، وقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51]، وقوله تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُون} [المطففين: 15]، وقوله:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه} [النمل: 65]، وقوله:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِير} [الملك: 16 - 17]، وقوله:{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} [النمل: 8 - 9]، وقول:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} [القيامة: 22 - 23]، وقوله:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْك} [الأعراف: 143]، وقوله:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143]، وقوله:{ثُمَّ استوى إلى السماء} [البقرة: 29]، وقوله في غير موضع:{ثم استوى على العرش} ، وقوله:{ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته} [الأعراف: 206]، وقوله:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ (3) الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19]،
(1) في (ش): " شابه ".
(2)
" تلك " ساقطة من (د) و (ف).
(3)
" عند " بالنون، وهي قراءة نافع وابن عامر وابن كثير، وقرأ الباقون:" عباد ". انظر " حجة القراءات " ص 647.
وقوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [آل عمران: 15]، وقوله:{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِم} [الأنعام: 127]، وقوله:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54 - 55]، وقوله:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الزمر: 34] و [الشورى: 22]، وقوله:{إنَّ للمتقين عند ربهم جنات النعيم} [القلم: 34]، وقوله:{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِم} [الأنعام: 127]، وقوله:{إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11]، وقوله:{وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد: 19]، وقوله:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الزمر: 34] و [الشورى: 22]، وقوله:{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} [الذاريات: 33 - 34]، وقوله:{وعنده أُمُّ الكتاب} [الرعد: 39]، وقوله:{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم} [الزخرف: 4]، وقوله:{وعندنا كتابٌ حفيظُ} [ق: 4]، وقوله:{ولدينا كتابٌ ينطق بالحق} [المؤمنون: 62]، وقوله:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِم} [السجدة: 12]، وقوله:{لا تختصموا لدي} [ق: 28]، وقوله:{ولو تَرَى إذْ وُقِفُوا على ربِّهِمُ} [الأنعام: 30]، وقوله:{أولئك يُعْرَضُونَ على ربهم} [هود: 18]، وقوله:{يَخَافُون ربَّهم من فوقهم} [النحل: 50]، وقوله:{إذ قال الله يا عيسى إني مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إليَّ ومُطَهِّرُكَ من الذين كفروا} [آل عمران: 55]، وقوله:{وما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفََعَه الله إليه} [النساء: 157 - 158]، وقوله:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} [السجدة: 5]، وقوله:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]، وقوله:{إليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطيب} [فاطر: 10]، وقوله:{إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42]، وقوله:{ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيدي} [ص: 75]، وقوله:{والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويَّاتٌ بيمينه} [الزمر: 67]، وقوله:{واصنع الفلك بأعيننا} [هود: 37]، وقوله: {واصبر لحكم ربك