الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُعْفِيَ جماعة مخصوصين منهم، ولا يأخذ منهم شيئاً، ما اعتقد أن كلامه (1) متناقضٌ ولا جَهِلَ أنه أراد بالرعية من عدا أولئك المخصوصين، وهذا معلومٌ للمميِّز من الصبيان الذين لم يبلُغُوا الحُلُمَ، فلا نطوِّل بذكره، فلولا كثرة التعنُّتِ والتَّسرُّع إلى تكذيب رُواة الآثار النبوية، لما ذكر هذا، ولا خَفِيَ مثله، والله أعلم.
وقد يخصُّ (2) بالعموم بالقرينة، وهو كثيرٌ، خصوصاً في كلام أهل التفسير، ولذلك قال موسى عليه السلام في سورة القصص:{ربِّ إني قتلتُ منهم نفساً فأخاف أن يقتلون} [القصص: 33]، بعد أن قال الله سبحانه له:{يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} [القصص: 31]، وذلك أنه عليه السلام فَهِمَ من قرينة الحال، وسبب الآية أنه من الآمنين مما خاف منه بخصوصه، حيث رأى العصا تهتز كأنها جانٌّ، ولو فهِمَ العموم في الدنيا والآخرة من كل شيءٍ (3) ما خاف القتل من قوم (4) فرعون.
الفصل الثاني: في
ذكر شيءٍ من وجوه التأويل التي يمكِنُ حمل أحاديث الوعد والوعيد وآياتهما عند ظهور الاختلاف
، فمن ذلك أنه لا مانع من القول بأن بعض تلك الأحاديث ناسخٌ وبعضها منسوخٌ، وكذلك الآيات الكريمة، وهذا التأويل مشهور الصحة في كُتُبِ الأصول الفقهيَّة، وفي كتب الأحاديث الصحيحة القويَّة، وفي شُرُوح الأحاديثِ النبوية.
أما كتبُ الأصول الفقهية، فممَّن نص عليه واختاره واحتج عليه على ما يأتي فيه (5) من التفصيل: الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان عليه السلام في كتابه " صفوة الاختيار "، وحكاه عن الشيخ أبي عبد الله والقاضي وجماعةٍ من الفقهاء، واختار عليه السلام جواز ذلك إلَاّ فيما لا يجوز أن يتغير
(1) في (ف): " هذا ".
(2)
في (ش): " خص ".
(3)
عبارة: " من كل شيء " ساقطة من (ف).
(4)
" قوم " ساقطة من (ش).
(5)
" فيه " ساقطة من (ف).
فيه (1) المخبَرُ عنه كما يجب ثبوته لله تعالى وما يجب نفيه عنه، وحكى هذا التفصيل عن شيخه، وعن أبي الحسين البصري، وطوَّل في ذكر الحجة عليه، وخُلاصتُها أنه ليس فيه شيءٌ مما توهَّمه من منع ذلك من الكَذِبِ الذي لا يجوزُ على الله تعالى، وإنما مرجِعُه إلى الخبر عن الشيء بما هو عليه قبل تغيره وبعد.
وذكر هذا السيد الإمام الناطق بالحق أبو طالب في كتابه " المجزىء في أصول الفقه "، واختاره، واحتج عليه بمثل حجة الإمام المنصور، ورواه عن شيخه أبي عبد الله البصري، وكذلك اختار ما اختاراه من هذا التفصيل الإمامُ المؤيد بالله يحيى بن حمزة عليه السلام، ذكره (2) في كتابه " المعيار ".
وأما شهرة ذلك في كتب الحديث وشروحه، فإنه يظهر لك بما نذكره الآن (3) إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك أن ابن شهابٍ الزهري ذكر في " الصحيحين " وغيرهما بعد رواية حديث عُتبان بن مالك الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله حرَّم النار على من قال: لا إله إلَاّ الله، يبتغي بذلك وجْهَ الله ".
قال الزهري: ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمورٌ نُرَى أن الأمر انتهى إليها، فمن استطاع أن لا يغتَرَّ فلا يغترَّ (4).
وقد تُعُقِّبَ على الزهري هذا التأويل بأن الحديث مدنيٌّ غير مُؤَرَّخٍ، ومع ذلك يمتنع الحكم عليه بما ذكر. وسيأتي بطرقه إن شاء الله تعالى.
(1) في (ف): " وفيه ".
(2)
" ذكره " ساقطة من (ف).
(3)
" الآن " ساقطة من (ش).
(4)
أخرجه البخاري (425)، ومسلم (33) ص 456، وليس عند البخاري قول الزهري. وانظر ابن حبان (223).
وإنما القصد هنا شهرة ذكر (1) النسخ فيما يُعارِضُ في ظاهره من هذا القبيل قديماً وحديثاًً، حتى في " البخاري " و" مسلم " مع شهرتهما، واشتغال المعترض بقراءتهما، فكيف ينسُب ما فيهما مع مروره على مثل هذه إلى المعارضة المُوجِبَة للعلم بتعمُّد الرواة للكذب؟
ومن ذلك ما رواه ابن بطَّال في " شرح البخاري " عن العلامة محمد بن جرير الطبري من اختيار مثل قول ابن شهاب الزهري، لكن الذي ذكراه هو تجويزٌ عقليٌّ على جهة الزَّجر عن المعاصي، وليس فيه دِلالةٌ صحيحةٌ، فأما الزجر عن المعاصي، فيكفي فيه قوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُون} [المعارج: 27 - 28].
وما أجمع العُقلاء عليه من جهل السوابق والخواتم، وذلك الأمرُ هو الذي قطع ظهور العارفين (2) وأسهر عيون العابدين، وقَلْقَلَ قلوب الصالحين، وأمرَّ حُلْوَ الشهوات على المتقين.
وأما الصَّدعُ بالحق في رجاء الراحمين، والطمع في رحمة خير الغافرين، فيقتضي أن المنسوخ هو الشديد والتعسير والتقنيط والتنفير، لا ما ورد الأمر به من التبشير (3)، وما صحَّ، بل تواتر، من التبشير (4) الذي يقتضي الجمع بين (5) الخوف والرجاء ولا يقتضي الأمان والإرجاء.
وقد قال النووي في " شرح صحيح مسلم "(6) في باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة. إلى أن قال (7): وأما ما حكاه -يعني القاضي عياضاً- عن ابن المسيِّب وغيره، فضعيفٌ، بل باطلٌ، وذلك لأن راوي أحد
(1) في (ش): " ذلك ".
(2)
" العارفين " ساقطة من (ف).
(3)
في (ش): " التيسير ".
(4)
في (ف): " التيسير ".
(5)
عبارة: " الجمع بين " ساقطة من (ش).
(6)
1/ 217.
(7)
1/ 220.
هذه الأحاديث أبو هريرة، وهو متأخِّرُ الإسلام، أسلم عام خيبر سنة سبعٍ بالاتفاق، وكانت أحكام الشريعة مستقرَّةً، وكانت الصلاة والزكاة وغيرها من الأحكام، وقد تقرَّر فرضها، وكذلك الحجُّ على قول من قال: فُرِضَ سنة خمسٍ أو ستٍّ، وهما (1) أرجح من قول من قال: سنة تسعٍ، والله أعلم. انتهى كلام النووي.
وعندي على هذا حجةٌ قاطعةٌ: وهي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أتقى لله وأعلم وأعقل من أن يرووا هذه الأحاديث بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين وقد عَلِمُوا نسخها، ثم لا يُنَبِّهُون على ذلك، ولا يُمكن حملهم على الجهل بالنسخ، وكذلك يجب أن ينقل الناسخ وينص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لِقُبْحِ تأخير البيان عن وقت الحاجة ويفهم بيان ذلك (2) كما بيَّن ما هو أسهل منه من نسخ نهيه عن زيارة القبور (3)، ونحو ذلك.
ونحن نشير إلى نبذةٍ من ذلك نُنَبِّهُ المتأمِّل على أمثالها، والله يحبُّ الإنصاف.
فمن ذلك ما ثبت في " الصحيحين " من حديث قتادة عن أنسٍ أنه لما نزل أوَّل سورة الفتح قال رجل: هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بيَّن الله لنا ما يفعل بك، فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل:{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح: 5]، رواه مسلم من غير طريق في " المغازي "، ورواه
(1) في (ف): " وهي ".
(2)
قوله: " ويفهم بيان ذلك " ساقط من (ف).
(3)
أخرج أحمد 5/ 255 و261، ومسلم (977)، وأبو داود (3235)، والترمذي (1054)، وابن حبان (3168) من حديث بريدة مرفوعاً:" إني نهيتكم عن ثلاث: عن زيارة القبور، وعن لحوم الأضاحي أن تمسكوها فوق ثلاثة أيام، وعن الظروف إلَاّ ما كان في سقاءٍ، وقد رُخِّص لمحمد صلى الله عليه وسلم في زيارة أمه ".
البخاري في المغازي أيضاً، والترمذي في " التفسير "، وقال: حسن صحيح (1).
كذا قال المزي في " الأطراف "(2).
قلت: هو اللفظ للبخاري، ورواه ابن عبد البر من طريق معمر عن قتادة بزياداتٍ، وقد روى الواحديُّ (3) في سورة الفتح عن عطاء، عن ابن عباس أن اليهود لما نزلت:{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُم} [الأحقاف: 9]، سبُّوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قالوا: كيف نتبع رجلاً لا يدري ما يُفْعَلُ به؟ واشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر} [الفتح: 1 - 2]، فهذا من آخر ما نزل فإن هذا كان في الحُديبية، وهي سنة ستٍّ من الهجرة في ذي القعدة، وعزاه ابن الأثير في " الجامع "(4) إلى البخاري ومسلم في تفسير سورة الفتح.
ومن ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الحنفيُّ في " مسنده "(5) عن ابن عُمَرَ بن الخطاب أنه قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتَّى سمعنا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48 و116]، قال: -يعني- النبي صلى الله عليه وسلم: " إنِّي ادَّخَرْتُ دعوتي شفاعةً (6) لأهل الكبائر من أمتي ". فأمسكنا عن كثيرٍ مما كان في أنفسنا، ثم نطقنا بعد ورجونا. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7) في التفسير: رواه أبو يعلى برجال الصحيح.
(1) البخاري (4172)، ومسلم (1786)، والترمذي (3263).
(2)
1/ 346.
(3)
في " أسباب النزول " ص 255.
(4)
2/ 355 - 357. وانظر الصفحة السالفة ت (4).
(5)
برقم (5813).
وأخرجه ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " 1/ 533 بنحوه.
وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 2/ 557، وزاد نسبته إلى ابن الضريس وابن المنذر وابن عدي، وصحح إسناده.
(6)
في (ف): " ادخرت شفاعتي ".
(7)
7/ 5.
قلت: وفي المجلد الثامن في أبواب التوبة والاستغفار من هذا الكتاب أن ابن عمر روى من طُرُقٍ أحدها: رواه البزار وإسناده جيَّدٌ (1).
وفي باب المذنبين من الموحِّدين (2)، رواه الطبراني من طريق أبي عصمة (3).
ورواه أيضاً في معجميه " الكبير " و" الأوسط " من طريق عمر بن المغيرة (4).
وبقيتهم رجال الصحيح (5).
وسند آخر من طريق عمر بن يزيد السَّيَّاري، عن مسلم بن خالدٍ الزَّنجيِّ، وبقيتهم رجال الصحيح (6)، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7): إنه لم يعرف عمر بن يزيد السياري (8)، وهو معروفٌ، ذكره الذهبي في كتابه " ميزان الإعتدال في نقد الرجال "(9) للتمييز بينه وبين عمر بن يزيد الرَّفَّاء راوي حديثٍ موضوعٍ، وقال في السياري هذا: إنه بصري أدرك عبَّاد بن العوَّام، وعبد الوارث، روى عنه أبو داود وبقيُّ بن مَخلد وعبدان، ووثَّقه صاعقةُ.
ومسلم بن خالد (10) الزنجي المكِّيُّ الفقيه من رجال أبي داود وابن ماجة،
(1) البزار (3254)، وهو حديث أبي يعلى نفسه سنداً ومتناً. وانظر " المجمع " 10/ 210.
(2)
" المجمع " 10/ 193.
(3)
الطبراني (13332). وأبو عصمة متروك كما قال الهيثمي.
(4)
قال فيه الهيثمي: مجهول، وقال البخاري: منكر الحديث مجهول. انظر " الميزان " 3/ 224.
(5)
" رجال الصحيح " ساقطة من (ف).
(6)
أخرجه الطبراني في " الكبير "(13364).
(7)
10/ 193.
(8)
" السياري " ساقطة من (ف).
(9)
3/ 231.
(10)
في الأصول: " وخالد "، وهو خطأ.
مختلفٌ فيه، وممن وثَّقه ابن معين، وكان شيخ الشافعي، وكان فقيهاً عابداً، يصوم الدهر.
فهذه خمسة أسانيد.
وله شاهدٌ عن ابن مسعودٍ من طريق أبي رجاءٍ الكلبيِّ، لم يعرفه الهيثمي (1).
هذا مع العلم الضروري أن هذه الآية الشريفة: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48] متأخرة، فإنها في النساء بالضرورة، و" النساء " مدنيةٌ وفاقاً.
وهذه الآية كافيةٌ في المقصود كما سيأتي في الكلام على معناها والرد على من أوَّلها، وإنما القصد هنا ذكر الحجة بالنظر إلى التاريخ المتأخِّر، لا سوى، ولكن هذه الأحاديث زادت ذلك بياناً، ولا شكَّ أن السنة النبوية مشتملةٌ على بيان كتاب الله، لقوله تعالى:{لِتُبَيِّنَ للنَّاس ما نُزِّلَ إليهم} [النحل: 44]، وليس في كتاب الله من الصلاة إلَاّ الأمرُ بإقامتها، وجاءت السنة النبوية بأعدادها وفرائضها وشرائطها وأوقاتها، وتحريمها على الحائض حتى ينقطِعَ دمها وتطهر، وتحريمها على الجُنُب والمُحْدِثِ حتى يتطهَّرَ الطُّهْرَ المشروع، وكذلك فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة والصوم والحج ونِصَابَ السرقة، وقيَّد إطلاق الله في المواريث، فاستثنى الكافر والعبد وقاتل العمد ونحو ذلك (2)، والأمَّةُ مقرَّةٌ لتفسيره، حتى جاءت المبتدعة إلى الوعد والوعيد، فعزلوا الرسول عن تفسيره وتفصيله، وخالفوا في ذلك المعقول والمنقول كما يتضح لك إن شاء الله تعالى.
(1)" المجمع " 10/ 194. قلت: وليس كما قال، فقد وثقه يحيى بن معين في " تاريخه " ص 705. ونقل توثيقه عنه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 9/ 370، والدولابي في " الكنى " 1/ 174.
(2)
في (ف): " ونحوه ".
ومن ذلك ما جاء في حديث رجم ماعزٍ في حدِّ الزِّنى، وهي متأخرةٌ بعد نزول الحدود، وفيها أنه نهى عن الاستغفار له في الابتداء، ثم استغفر له، وأمر بالاستغفار له، وهي أحاديث صحيحةٌ شهيرةٌ (1).
فإن قيل: إنما استغفر له على ظاهر التوبة.
قلنا: لو كان كذلك، لم يَنْهَ عن ذلك في الابتداء، بل أراد التشديد، ثم أمر بخلافه، والله أعلم.
وكذلك قد ورد القرآن بالأمر بالأذى للزاني، ثم نهى عن ذلك بعد نزولِ الحدود، فقال في الأمر بحدِّ الأمة:" لا يعيِّرُوها، ولا يُثَرِّب عليها " متفق عليه (2).
وكذلك نهى عن سبِّ شارب الخمر بعد نزول الحدود، وقال:" لا تُعينوا الشيطان على أخيكم، أما إنه يحبُّ الله ورسوله ". رواه البخاري (3).
ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].
وعن أبي الدرداء، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس وجلسنا حوله، فأراد أن يقوم، ترك نعليه، أو بعض ما يكونُ عليه، وأنه قام وترك نعليه، فأخذتُ رَكْوَةً من ماءٍ فاتَّبعتُه، فرجع ولم يقض حاجته، فقلت: يارسول الله، ألم تكن لك حاجةٌ؟ قال: " بلى (4)، ولكن أتاني آتٍ من ربِّي، فقال: {مَنْ يَعْمَلْ سوءاً أو يَظْلِمْ نَفْسَهُ
(1) تقدم تخريجه 1/ 260، وانظر ص 153 - 154 من هذا الجزء.
(2)
نص الحديث بتمامه: " إذا زنت الأمة، فتبين زناها، فليجلدها ولا يُثَرِّب عليها، ثم إن زنت، فليجلدها ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة، فليبعها ولو بحبل من شعر ". أخرجه من حديث أبي هريرة أحمد 2/ 249 و494، والبخاري (2152) و (2234) و (6839) -واللفظ له-، ومسلم (1703)، وأبو داود (4470) و (4471).
(3)
برقم (6780)، وأخرجه أيضاً أبو يعلى (176)، والبيهقي 8/ 312.
(4)
في (ش): " لا ".
ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غفوراً رَحِيماً}، وقد كانت شقَّت عليَّ الآية التي قبلها:{مَنْ يعمل سوءاً يُجْزَ به} [النساء: 123]، فأردت أن أُبَشِّرَ أصحابي.
قلت: يا رسول الله: وإن زنى وإن سرق، ثم يستغفرُ الله غفرَ لَهُ؟
قال: " نعم "، ثمَّ ثلَّثتُ، قال:" على رغمِ أنفِ أبي الدرداء ".
قال الراوي: رأيتُ أبا الدرداء يضرب أنفه بأصبعه.
رواه الطبراني (1)، قال الهيثمي (2): وفيه مبشِّرُ بن إسماعيل، وثّقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري، وهذا وهمٌ من الهيثمي، فإن البخاري ما ضعَّفه، بل روى عنه، بل هو من رجال الجماعة كلِّهم.
قال الحافظ ابن حجر في مقدمة " شرح البخاري "(3): هو من طبقة وكيع.
قال ابن سعدٍ: كان ثقةً مأموناً، وقال النسائي: لا بأس به.
قال الحافظ ابن حجر مع سعة اطِّلاعه وتقدُّمه في هذا الفنِّ على الهيثمي ما لفظه: وذكره صاحب " الميزان "(4) فقال: تُكُلِّمَ فيه بلا حجة، قال: ولم يذكر من تكلَّم فيه، ولم أر فيه كلاماً لأحدٍ من أئمة الجرح والتعديل، لكن قال ابن
(1) وأخرجه أيضاً ابن حبان في " المجروحين " 1/ 204، وابن مردويه كما في " تفسير ابن كثير " 1/ 566 من طريق مبشر بن إسماعيل الحلبي، عن تمام بن نجيح، عن كعب بن ذهل، عن أبي الدرداء.
وتمام بن نجيح ضعفه البخاري وابن عدي وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يروي أشياء موضوعة عن الثقات كأنه المتعمد لها. وكعب بن ذهل فيه لين، وقال الذهبي في " الميزان " 3/ 412: لا يعرف.
ولذا قال الحافظ ابن كثير بعد إيراد الحديث: هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه بهذا السياق، وفي إسناده ضعف.
(2)
في " المجمع " 7/ 11.
(3)
ص 442 - 443.
(4)
3/ 433.
قانعٍ في " الوفيات ": إنه ضعيفٌ، وابن قانع ليس بمعتمدٍ، وليس له في البخاري سوى حديثٍ واحدٍ عن الأوزاعي في كتاب التهجُّد بمتابعة عبد الله بن المُبارك، وروى له الباقون. انتهى.
ولعل رواية البخاري عنه مقروناً هو سبب وهم الهيثمي، وليس فيه حجةٌ على تضعيفه، إذ يمكن أنه لو لم يُتابَعْ، لخرَّج عنه وحده كسائرِ الجماعة (1).
ولأبي الدرداء نحو هذا في تفسير قوله في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان} [الرحمن: 46]، ورجاله رجال الصحيح (2).
لكن سورة الرحمن مكية، فلم نحتج به، وإنما احتجاجنا هنا لكونه ورد بعد قوله تعالى:{من يعمل سوءاً يَجْزَ به} ، وهي مدنيةٌ من سورة النساء، وقد كانت شقّت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبشَّر أصحابه بنزول هذه بعدها، وذلك واضحٌ في أنه آخر الأمرين على القول بالنسخ دون التأويل والله سبحانه أعلم.
وفي الحديث دليلٌ على أن الاستغفار سؤال المغفرة على ما سيأتي (3) تقريره بالأدلة الواضحة، فأمَّا التوبة، فلم تزل مقبولةً من أول النبوة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث (4) يدعو الكفار إلى التوبة والرجوع إلى الله.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102]، و" عسى " من الله بمعنى القطع، لأن التَّرجِّي لا يجوز عليه، وقد روى البخاري في " صحيحه "(5) من
(1) قلت: علة الحديث ليست في مبشر بن إسماعيل، وإنما في شيخه فيه تمام بن نجيح وكعب بن ذهل كما تقدم.
(2)
قاله الهيثمي في " المجمع " 7/ 118، وهو حديث صحيح رواه أحمد وغيره، وسيأتي تخريجه في الجزء التاسع.
(3)
" ما سيأتي " ساقطة من (ش).
(4)
" بعث " ساقطة من (ف).
(5)
برقم (7047)، وقد تقدم تخريجه.
حديث سمُرَةَ في الرؤيا النبوية الطويلة أنه رأى قوماً نصف خلقهم كأقبح ما رأى، ونصفها كأحسن ما رأى، فغُمِسُوا في نهرٍ، فخرجوا منه، وصارُوا كلهم كأحسن ما رأى، فقيل له: إنهم خَلَطُوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً، تاب الله عليهم.
وهذا أصح من تفسيرهم بالتائبين سنداً ونظراً.
أمَّا السَّندُ، فظاهر، خُصوصاً على رأي الخصوم، فإنَّ البخاري رواه من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي. وثَّقه أحمد، وابن معين والنسائي، وبالغ، ومحمد بن عبد الله الأنصارى وبالغ أيضاً، ولم يقدح فيه إلَاّ بالتَّشيُّع والاعتزال.
وأما النظر، فإن الله ذكر هؤلاء بعد ذكر السابقين من المهاجرين والأنصار، فلو أراد بالخالطين: التائبين، لكانوا من الخالطين، لأنهم خلطوا الكفر المقدَّم بالإسلام المتأخِّرِ، وتابو من أكبر الكبائر، وهو الشرك بالله، إلَاّ عليّاً عليه السلام، وهذه الآية مدنيةٌ وفاقاً.
ومن ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ به فهو كَفَّارةٌ له} [المائدة: 45]، و" المائدة " من آخر ما أنزل، منسوخ منها.
وروى أحمد في " المسند "(1) من حديث مُجالدٍ، عن عامر، عن المحرَّر بن أبي هريرة، عن رجُلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أُصيبَ بشيءٍ في جسده، فتركه لله، كان كفَّارةً له " وهذا في معنى الآية. هكذا وجدته في " جامع المسانيد " لابن الجوزي. وأظنُّه من أغلاط النُّسَّاخ، وصوابه -إن شاء الله- المحرز بن هارون (2) القرشي التَّيميُّ المدني، يروي عن الأعرج، عن أبي
(1) 5/ 412، لكن جاء فيه عن رجل، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومجالد بن سعيد ضعيف، والمحرر بن أبي هريرة لم يوثقه غير ابن حبان.
(2)
جاء في هامش (ف) ما نصه: هذا وهم، فإن المحرر بن أبي هريرة الدوسي الصحابي -بمهملات، كمحمد- من رجال النسائي وابن ماجه. قال الحافظ ابن حجر: مقبول.
هريرة، حسَّنَ الترمذي حديثه، وقال البخاري: هو محرَّر برائين مهملتين، وخالفه ابن أبي حاتم، فقال (1): بزاي. ذكر ذلك الذهبي في " الميزان "(2).
فهذه الآيات وأمثالُها مما يأتي عند سَرْدِ الأدلة المكية والمدنية معاً، تدل على ذلك.
ومن ذلك مِنَ الأحاديث الصحيحة الشهيرة كثيرٌ، كحديث الأعمش عن أبي سعيدٍ وأبي هريرة مؤرَّخاً بغزوة تبوك. خرَّجه مسلمٌ في أوائل كتابه، فقال في كتاب الإيمان (3): حدثنا سهلُ بن عثمان، وأبو كُريبٍ محمد بن العلاء جميعاً (4)، عن أبي معاوية، قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية، عَنِ الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة أو أبي (5) سعيد -شكَّ الأعمش- قال: لما كان غزوة (6) تبوك أصاب الناس مجاعةٌ. قالوا: يا رسول الله: لو أذِنْتَ لنا فنحرنا نواضِحَنَا. إلى قوله: فدعا بنِطْعٍ فبسطه (7)، ثم دعا بفضل أزوادهم حتى اجتمع من ذلك شيءٌ يسيرٌ، ثم دعا بالبركة، ثم قال: خذوا في أوعيتكم "، فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلَاّ ملؤوه، فأكلوا حتى شَبِعُوا، ففَضَلَتْ فضلَةٌ، فقال: " أشهد أن لا إله إلَاّ الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكٍّ، فيُحجَبَ عن الجنة " إسناده صحيح.
وله طرق عن الأعمش بعضها في " النسائي "(8)، لكن بغير تسمية الغَزَاة تبوك، وكانت تبوك (9) سنة تسعٍ من الهجرة في ذي القعدة.
(1) في (ف): " قالوا ".
(2)
3/ 443.
(3)
رقم (27). وأخرجه أيضاً أحمد 3/ 11 وأبو يعلى (1199)، وابن حبان (6530).
(4)
" جميعاً " ساقطة من (ف).
(5)
في (ش): " وأبي ".
(6)
في (ش): " في غزوة ".
(7)
" فبسطه " ساقطة من (ف).
(8)
انظر " تحفة الأشراف " 9/ 366 رقم الحديث (12455).
(9)
" تبوك " ساقطة من (ف).
وفيها أيضاً حديث الذي أوجب النار (1)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتقوا عنه رقبةً يعتق الله بكل عضوٍ منها عضواً منه من النار، رواه أبو داود، والنسائي من طريق إبراهيم، عن الغريف بن عيَّاشٍ، عن واثلة، ورواه الإمام أحمد (2) والذي وَرَّخه بتبوك ابن عبد البر، وهو متأخِّرٌ عن الوعيد لقوله:" أوجب النار ".
وحديث ابن مسعود: لمَّا أُسرِيَ برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدْرَةِ المنتهى، وهي في السماء السادسة، وإليها ينتهي ما يُعْرَجُ به من الأرض، فيُقبَضُ منها، وإليها ينتهي ما يُهبط به (3) من فوقها، فيُقبض منها، فأعطي ثلاثاً: الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغُفِرَ لمن لا يُشرِكُ بالله من أمته شيئاً المُقْحِمَاتُ. رواه مسلم والنسائي والترمذي، وفي لفظِ الترمذي:" فأعطاه الله ثلاثاً لم يعطِهِنَّ نبيَّاً قبله، وقال في الثالثة: وغَفَرَ لأُمَّته المُقْحِمَاتِ ما لم يشركوا بالله شيئاً "(4).
قال ابن الأثير في " جامع الأصول "(5): هي الذنوب التي تُقْحِمْ صاحبها في النار، أي: تُلقيه فيها، وهذا يردُّ على من زعم أن أحاديث الرجاء قبل أن تُفرض الفرائض، كما تقدم عن الزُّهري والطبري.
ومن ذلك قوله تعالى في " آل عمران "، وهي مدنيةٌ:{وكنتم على شَفَا حُفرةٍ من النار فأنقذكم منها} [آل عمران: 103]، وهذا خبرٌ جازمٌ بأنه قد أنقذهم من النار، وهو خطابٌ عامٌّ لأهل الإسلام، كما لو أمرهم ونهاهم توجَّه إليهم
(1) في (ش): " أوجب النار بالقتل ".
(2)
أخرجه أحمد 3/ 490 - 491، و4/ 107، وأبو داود (3964)، والنسائي في العتق من " الكبرى " كما في " التحفة " 9/ 79، وصححه ابن حبان (4307)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(3)
" به " ساقطة من (ف).
(4)
أخرجه مسلم (173)، والترمذي (3276)، والنسائي 1/ 223 - 224.
(5)
11/ 309.
الجميع، وقد ذكر السبكي في " جمع الجوامع " أن العموم يثبُتُ في مثل ذلك عُرفاً، والله سبحانه أعلم.
وُيشبه هذه الآية الكريمة في خطاب أهل الإسلام بالمُبَشِّرات قوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم} [محمد: 35] من أعظم آيات الرجاء المبشرات لمن يعقِلُ هذه المعيَّة، فإنها هنا معية النصر (1) والعون والرحمة، ونحو ذلك، لا معية العلم، فإنها عامة للكافرين والمسلمين، وترد للوعيد وللبشرى.
ومثل حديث فضل يوم عرفة، وما يقع فيه من المغفرة، وتحمُّلِ المظالم، وتاريخه بحجة الوداع، بل فيه أن ذلك لكل من حج البيت من أمته صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وهذا مما لا يصح نسخه مع تأخره أيضاً، وله طرق أربع مذكورةٌ في كتب الحديث والمناسك، منهم من ذكر بعضها، ومنهم من جمعها.
فممَّن (2) ذكر بعضها ابن عبد البر، وأبو داود (3)، وابن ماجة (4)، والبيهقي (5)، والشريف القاضي تقيُّ الدين محمد بن أحمد المكي، ومحبُّ الدين الطبري في كتابه " القرى "(6)، وعبد الله بن المبارك، وممن ذكرها كلَّها (7) الحافظ المنذري في كتابه " الترغيب والترهيب "(8).
وأصح طرقه طريق عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري، عن الزبير بن عديٍّ، عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الطريق رواه الحافظ العلامة ابن عبد البر في كتابه " التمهيد "، ولم يضعِّفه ولا أعلَّه واحدٌ منهما، ولفظه:" إن الله غفر لأهل عرفات والمَشْعَرِ وتحمَّلَ عنهم التبعات "، وفي هذه الرواية هذا
(1) تحرفت في (ش) إلى: " النظر ".
(2)
في (ش): " فمن "، وهو خطأ.
(3)
برقم (5234)، مختصراً ولم يسبق لفظه.
(4)
برقم (3013).
(5)
في " السنن الكبرى " 5/ 118.
(6)
ص 408.
(7)
" كلها " ساقطة من (ش).
(8)
2/ 202 - 203.
الإسناد المتفق على الاحتجاج برجاله؛ فقال عمرُ: يا رسول الله، هذا لنا خاصة؟ فقال رسول الله:" هذا لكم ولمن أتى من (1) بعدكم إلى يوم القيامة "، فقال (2) عمر: كَثُرَ خيرُ الله وطَابَ!.
ثم ذكر حديث عباس بن مرداسٍ الذي رواه أبو داود مختصراً، ورواه أبو الوليد (3) الطيالسي أيضاً. ذكره الذهبي في ترجمته من كتاب " الميزان " ورواه ابن ماجة والبيهقي (4) مطولاً، وذكر أنه من رواية عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداسٍ، عن أبيه. وهو وأبوه من رجال أبي داود وابن ماجة، ولم يُذكرا بجرحٍ ولا توثيق في " الميزان "، ولكن ذكر في ترجمة كل واحد منهما مذهبه عن البخاري أنه لم يَصِحَّ حديثه (5)، وهذا صحيحٌ بالنظر إلى هذه الطريق، وإلى شرط بعضهم، كالبخاري، ومن يذهب مذهبه، فإن شرطه عزيزٌ، فليس يلزم من انتفاء الصحة عنده (6) انتفاؤها عند غيره، وقد سكت عليه أبو داود، ولم يُضَعِّفْهُ، وهو لا يسكت على (7) ضعيفٍ، وكذلك المنذري رواه بالعنعنة، وشرط أن لا يروي بها حديثاًً باطلاً ولا ضعيفاً، وإنما يروي بها الصحيح والحسن وما يقاربهما، وقال البيهقي فيه: هذا الحديث له شواهدُ كثيرةٌ، وقد ذكرناها (8) في كتاب " البعث "، فإن صح بشواهده، ففيه الحجة، وإن لم يصح، فقد قال الله تعالى:{ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وظلم العباد بعضهم بعضاً دون الشرك.
(1)" من " ساقطة من (ش).
(2)
في (ش): " قال ".
(3)
في الأصول: " أبو داود "، والمثبت من " الميزان " 3/ 415.
(4)
أبو داود (5234)، وابن ماجه (3013)، والبيهقي 5/ 118.
(5)
انظر " الميزان " 2/ 474 و3/ 415.
(6)
" عنده " ساقطة من (ف).
(7)
في (ش): " عن " قلت: وفي هذه الدعوى نظر، فقد سكت أبو داود في سننه عن أحاديث غير قليلة وهي ضعيفة.
(8)
في (ف): " ذكرها ".
قلت: قد صح أنه لا يغفِرُ على معنى إبطال حقِّ المظلوم، ولكن على معنى إرضاء المظلوم عن خصمه، ولفظ الحديث دالٌّ على ذلك.
وروى المنذري (1) حديث أنسٍ الآخر، وقال: رواه أبو يعلى في " مسنده "(2) وسكت عليه المنذري.
ثم رواه من طريقٍ رابعةٍ بلفظ (3): " عن " الذي تقدم شرطه فيه من طريق عبادة بن الصامت، وقال: رواته مُحتج بهم في الصحيح إلَاّ أن فيهم رجلاً غير مسمَّى (4).
وروى في الباب (5) من حديث جابرٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله تعالى أنه يقول لملائكته:" انظروا إلى عبادي، أتوني شُعْثَاً غُبْرَاً ضاحِين، أُشْهِدُكُم أنِّي قَدْ غفرتُ لهم، فتقول الملائكة: إن فيهم فلاناً مُرَهَّقَاً وفلاناً، فيقول الله: غفرت لهم ".
قال المنذري: المُرَهق: الذي يغشى المحارم، ويرتكب المفاسد.
رواه البيهقي وابن خزيمة في " صحيحه " بنحوه، واللفظ للبيهقي (6).
(1) في " الترغيب والترهيب " 2/ 202.
(2)
أخرجه أبو يعلى (1351)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 3/ 257، وقال: فيه صالح المري، وهو ضعيف، قلت: وفيه يزيد الرقاشي، وهو ضعيف أيضاً.
وأورده السيوطي في " الجامع الكبير " 164/ 1، ونسبه إلى الخطيب البغدادي في " المتفق والمفترق "، وقال: ضعيف.
(3)
" بلفظ " ساقطة من (ف).
(4)
" الترغيب والترهيب " 2/ 201 - 202، والحديث رواه الطبراني في " الكبير "، وابن الجوزي في " الموضوعات " 2/ 215 - 216، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3/ 256 - 257، وقال: رواه الطبراني في " الكبير " وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(5)
" الترغيب والترهيب " 2/ 201.
(6)
حديث صحيح وأخرجه أيضاً ابن حبان (3853)، وانظر تمام تخريجه فيه.
وقال فضالة بن عبيدٍ: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الشُّهداء أربعةٌ: مؤمنٌ جيِّدُ الإيمان، لَقِيَ العَدُوَّ، فصَدَقَ الله حتى قُتِلَ، فذلك الذي (1) يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة " إلى قوله: " وَرَجُلٌ خَلَطَ عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً، لَقِيَ العدُوَّ، فصدق الله حتى قُتِلَ، فذاك في الدرجة الثالثة، ورجلٌ مُؤمنٌ أسرف على نفسه، لَقِيَ العدو، فصدق الله حتى قُتِلَ، فذاك في الدرجة الرابعة ".
رواه الترمذي في " الجهاد "(2)، وسنده قويٌّ جيِّدٌ، تفرَّد به عطاء بن دينارٍ، وقد وثَّقه أحمد وأبو داود، وقال أبو حاتم والبخاري: صالحٌ، ولم يضعَّفْهُ أحدٌ، وإنما ذُكرَ في " الميزان "(3) من أجل أنه نَسَخَ كتاب التفسير من غير سماعٍ، وأما رواية الترمذي للحديث من طريق ابن لهيعة عنه، فلم ينفرد به، فقد تابعه سعيد بن أبي أيُّوب عن عطاءٍ كما ذكره الترمذي عن البخاري، لكن ابن لهيعة رواه عن عطاء، عن أبي يزيد الخَوْلاني، عن فَضالة، وسعيد بن أبي أيوب، عن عطاء، عن أشياخٍ من خَوْلان، عن فضالة، وهذا لا يضرُّ، لأن أبا يزيد من خولان، فكأن عطاء صرَّح لابن لهيعة بأحدهم، وكونهم جماعة أقوى للحديث، خصوصاً وهم من التابعين، وقد ورد مثل هذا في " صحيح البخاري "(4).
(1)" الذي " ساقطة من (ش).
(2)
أخرجه الترمذي في " السنن "(1644)، و" العلل الكبير " 2/ 708، وابن المبارك في " الجهاد "(126)، وأحمد 1/ 22 - 23، والطيالسي ص 10 و20، وأبو يعلى (252)، والمزي في ترجمة أبي يزيد الخولاني من " تهذيب الكمال ".
قلت: وأبو يزيد الخولاني هذا مجهول، لم يرد توثيقه عن أحد ولم يرو عنه غيرُ عطاء بن يسار، ومع ذلك فقد قال الترمذي بإثره: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلَاّ من حديث عطاء بن يسار
…
(3)
3/ 69 - 70.
(4)
برقم (3642) رواه عن علي بن عبد الله، أخبرنا سفيان، حدثنا شبيب بن غرقدة، قال: سمعت الحي يتحدثون عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاة، =
وإنما أوردت الحديث هنا، لأنه يدل على تأخره بعد تحريم المحرَّمات، وبعد نزول قوله تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102]، وهي مدنيَّةٌ متأخِّرةٌ (1)، وهو يُقَوِّي حديث البخاري عن سَمُرَةَ في تفسير الخالطين (2)، ولله الحمد.
ومما يَرِدُ على الزهري والطبري من النظر: وجهان:
أحدهما: أن الزنى والسرقة ما زالا محرَّمَيْنِ من أول الإسلام، ولعلَّ بعضَ العلماء من أهل الأُصول يذكرون أن الزنى محرَّمٌ في جميع الشرائع، ويدل على تقدُّم تحريمه على هذه الأحاديث قول أبي ذرٍّ حين سَمِعَ البُشرى بالجنة للمُوحِّدين: وإن زنى وإن سرق. قال في الرابعة: " على رُغْمِ أنفِ أبي ذرٍّ " رواه البخاري ومسلم، وفي " البخاري ":" دخل الجنة، ولم يدخل النار "(3). وكذلك قول أبي الدرداء في الحديث المتقدم، فلولا أنه صلى الله عليه وسلم قال: ذلك بعد تحريم الزنى والسرقة، ما قالوا له ذلك، ولا قال لهم:" على رغم أنف أبي ذرٍّ وأبي الدرداء "، ولأخبرهما (4) بتأويل ذلك.
وكذلك حديثُ معاذٍ المتفق عليه، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وهو رديفه: " إن حق الله على عباده أن يعبُدُوه ولا يُشركُوا به شيئاً، وحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يُعَذِّبَهُم "، فقلت: أفلا أُبَشِّرُ الناس؟ قال: " لا تبشِّرْهُم فيتَّكِلُوا ".
= فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه.
(1)
" متأخرة " ساقطة من (ش).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
أخرجه البخاري (1237) و (2388) و (3222) و (5827) و (6268) و (6443) و (7487)، ومسلم (94)، وأحمد 5/ 166، والترمذي (2644).
(4)
في (ش): " ولا أخبرهما "، وهو خطأ.
وفي روايةٍ عن أنسٍ أن نبي الله ومعاذ بن جبلٍ رديفه على الرَّحْل، قال:" يا معاذ "، قلت: لبيك وسعديك ثلاثاً، قال:" ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله إلَاّ حرَّمه الله على النار ". قال: يا رسول الله: أفلا أخبرُ الناس فيستبشرون؟ قال: " إذاً يتَّكِلُوا " فأخبر بها معاذٌ عند موته تأثُّماً.
أخرجه البخاري ومسلم (1). وهذه الرواية الأخيرة جعلها الحميدي من مسند أنس، فيكون حديثاًً ثانياً.
فإنه لما قال له: أفلا أُبَشِّرُ الناس؟ قال: " إذاً يتَّكلوا "، ولم يقل له: إنه ليس على ظاهره، ولا بشارة فيه على الحقيقة، وإنما هو بشرط التوبة، أو بشرط الاستقامة، ولو فهم معاذ أنه منسوخٌ لم يُخبر به عند موته تأثُّماً أيضاً.
وكذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره من لقيه يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه أن يُبَشِّرَهُ بالجنة، فقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، فإني أخشى أن يتَّكِلَ الناس عليها، فخلِّهِمْ يعملون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فخلِّهم " رواه مسلم (2).
وفي حديث عُبادة بن الصامت المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعهم ليلة العقبة " على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، وقرأ الآية الذي نزلت على النساء: {إذا جاءك المؤمنات} [الممتحنة: 11]، فمن وفّى منكم (3)، فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً، فعوقب به، فهو كفَّارَةٌ له، ومن أصاب من ذلك شيئاً (4)، فستره الله تبارك وتعالى عليه فهو إلى الله تبارك وتعالى: إن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبه ". رواه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل في " المسند " وغيرهم (5)، وهو أول حديثٍ
(1) تقدم تخريجه 3/ 350.
(2)
برقم (31)، وأخرجه البيهقي في " الاعتقاد " ص 36. وانظر 3/ 351.
(3)
في (ش): " منكن "، وهو خطأ.
(4)
" شيئاً " ساقطة من (ش).
(5)
أخرجه أحمد 5/ 314، والبخاري (18) و (3893) و (4894) و (6784)، ومسلم =
في (1) مسند عُبادة من " جامع المسانيد " وذكره بعده أن هذه البيعة كانت ليلة العقبة.
وفيه ما يدل على أن هذه المحرمات أو معظمها لم تزل محرَّمةً من حينئذٍ، ولا أتحقق الآن متأخِّراً من المعلومات الكبائر إلَاّ الخمر، ويدل على أن الحدود كانت مشروعةً فيها من (2) يومئذٍ، وسياق الأحاديث وقرائن الأحوال شاهدةٌ بذلك.
وقوله: قرأ الآية -يعني عُبادة- فإن نزول الآية متأخِّرٌ عن ليلة العقبة بمُدَّةٍ طويلة، والله أعلم.
وعن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبٍ عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث عُبادة هذا من طريق وهب بن عبد الله أبي جُحيفَةَ الصحابي، إلا أنه عليه السلام قال في حديثه:" ومن عفا الله تعالى عنه في الدنيا، فالله تعالى أحلمُ من أن يعود بعد عفوه " رواه الترمذي، وابن ماجه والحاكم (3)، وقال: صحيح، وقال: خرَّجه إسحاق بن راهويه في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم} [الشورى: 30]. وأخرجه في تفسيرها أحمد بن حنبل وأبو يعلى من طريق أخرى تشهد لطريق الترمذي وابن ماجة والحاكم.
ومن ذلك آيات الرحمة المطلقة، وأحاديثها وذكر سَعتِها (4)، فإنه لم يقل أحدٌ بنسخها، وكيف وفيها تسمِّيه، وتمدُّحه تبارك وتعالى بأنه الرحمن الرحيم،
= (1709)، والترمذي (1439)، والنسائي 7/ 148.
(1)
في (ش): " من ".
(2)
" من " ساقطة من (ش).
(3)
أخرجه الترمذي (2636)، وابن ماجه (2604)، والحاكم 2/ 445 و4/ 262، وقال الترمذي: حسن غريب، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي!
(4)
" وذكر سعتها " ساقطة من (ش).
خير الراحمين، أرحم الراحمين، وفي بعضها أنه ادَّخر ليوم القيامة تسعةً وتسعين جُزءاً، وقسم جزءاً واحداً (1) بين الخلائق فبه يتراحمون (2).
وفي " الصحيحين " من حديث عمر بن الخطاب أنه قُدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم بسبي، وإذا امرأةٌ من السبي تسعى، إذ وجدت صَبِيَّاً في السَّبْيِ، أخذته، فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم:" أَتَرَوْنَ هذه طارِحة ولدها في النار؟ " قلنا: لا، وهي قادرة (3) أن لا تطرحه، قال:" للهُ أرحم بعبادِهِ من هذه بولدها " خرَّجاه في " الأدب "، ومسلم في " التوبة " عن سعيد بن أبي مريم، عن أبي غسَّان محمدٍ بن مطرِّفٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم (4)، مولى عمر، عن عمر بن الخطاب (5)، وليس في أحدٍ من رُواتِهِ خلافٌ في توثيقٍ ولا غيره إلا ما لا يلتفت إليه في زيد بن أسلم من أجلِ (6) أنه كان يفسِّرُ برأيه، وهذا ليس بشىءٍ، فقد كانوا يسمُّون التفسير باللغة تفسيراً بالرأي.
وخرَّج أبو داود (7) نحوه من حديث عامر الرَّامي.
وقد ذكره ابن الأثير في رحمة الحيوانات من " جامعه "(8) في حرف الراء.
(1)" واحداً " ساقطة من (ف).
(2)
أخرج البخاري في " صحيحه "(6000)، وفي " الأدب المفرد "(100)، ومسلم (2752)، وابن ماجه (4293)، وابن حبان (6147) و (6148) من حديث أبي هريرة مرفوعاً:" جعل الله الرحمة في مئة جزءٍ، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ".
(3)
في (ش): " تقدر.
(4)
قوله: " عن أبيه أسلم " ساقط من (ش).
(5)
أخرجه البخاري (5999)، ومسلم (2754)، والبغوي (4181).
(6)
" أجل " ساقطة من (ف).
(7)
برقم (3089)، وأخرجه أيضاً ابن الأثير في " أسد الغابة " 3/ 121، والمزي في " تهذيب الكمال " 14/ 86، وهو حديث ضعيف.
(8)
" جامع الأصول " 4/ 529 - 530.
وعن أنسٍ نحوه. رواه أحمد والبزَّار وأبو يعلى، ورجالهم رجال الصحيح (1)، وفي " مجمع الزوائد "(2) بابٌ في هذا.
خرَّجاه عن أبي هريرة (3) ومسلم عن سلمان (4)، والحاكم عن جُنْدُب؟ (5).
زاد مسلم والحاكم (6)": كلُّ رحمةٍ طِبَاقُ السماوات والأرض " أي مطبقةٌ مغطِّيةٌ لها، مالئة لها.
وعن بعض العارفين أنه قال: من وهب لي الإسلام من رحمةٍ واحدةٍ، كيف لا أرجو أن يهب لي المغفرة من مئة رحمة كل منها.
وروى أحمد وابن ماجة حديث المئة رحمةٍ من حديث أبي سعيدٍ بسندٍ صحيح (7). ذكره ابن ماجه في الزُّهد، وابن الجوزي في الحديث الحادي والعشرين والمئتين.
ورواه الطبراني عن ابن عبَّاسٍ بسندٍ حسنٍ (8)، وعن عُبادة بن الصامت (9)
(1) أخرجه أحمد 3/ 104 و235، والبزار (3476)، وأبو يعلى (3747) - (3749).
(2)
10/ 383 باب ما جاء في رحمة الله تعالى.
(3)
تقدم تخريجه قريباً.
(4)
برقم (2753).
(5)
" المستدرك " 4/ 248، وصححه ووافقه الذهبي! وأخرجه أيضاً أحمد 4/ 312، والطبراني في " الكبير "(1667)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 10/ 213 - 214، وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجشمي، ولم يضعفه أحد، قلت: هو مجهول، لم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي، ولم يوثقه أحد.
(6)
عبارة: " زاد مسلم والحاكم " سقطت من (ف)، والحديث عند مسلم (2753)(21)، والحاكم 4/ 247 - 248.
(7)
أخرجه أحمد 3/ 55، وابن ماجه (4294)، وصححه البوصيري في " الزوائد ".
(8)
أخرجه الطبراني في " الكبير "(12047)، والبزار (3475). وانظر " المجمع " 10/ 214 و385.
(9)
قال الهيثمي: فيه إسحاق بن يحيى، لم يدرك عبادة، وبقية رجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن يحيى. انظر " المجمع " 10/ 214 و385.
والحسن البصري (1)، وخِلاسٍ، وابن سيرين، ومعاوية بن حَيدَة (2).
وعن أبي ذرٍ، سمعته صلى الله عليه وسلم يقول:" أُقسمُ على أربعٍ قسماً مبروراً، والخامسةُ لو أقسمتُ عليها لَبَرَرْتُ، لا يعملُ عبدٌ خطيئةً تبلُغُ ما بلغت يتُوب إلى الله إلا تاب الله عليه، ولا يُحِبُّ أحدٌ لقاء الله إلَاّ أحبَّ اللهُ لقاءه، ولا يتولَّى الله عبداً في الدنيا، فيوليه غيره يوم القيامة، والخامسة: لو أقسمتُ عليها لبَرَرْتُ: لا يسترُ الله عورةَ عبدٍ في الدنيا إلَاّ سَتَرَها يوم القيامة "(3).
قال ابن عبد البر: رواه أبو الزاهرية، عن كثير بن مُرَّة عنه. قال: وخرَّج قاسم بن أصبغ حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ما ستر الله على عبدٍ في الدنيا، إلا ستر عليه في الآخرة "(4).
وعن أبي قِلابَة، عن أبي إدريسٍ أنه قال: لا يهتِكُ الله سِتْرَ عبدٍ عَبَدَهُ مثقال ذرَّةٍ من خيرٍ.
فهذه أخبارٌ عن الواقع يوم القيامة لم يظهر فيها النسخ، ولله الحمد والمنة.
وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام وخيارُ الصحابة يروُون مثل هذه الأحاديث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير بيان نسخٍ لها، ولا تأويلٍ لظواهرها، وهو أعلم الناس بنسخها وتأويلها لو كان شيءٌ من ذلك ثابتاً صحيحاً، فكيف
(1) أخرجه أحمد 2/ 514، ورجاله رجال الصحيح، إلَاّ أنه مرسل.
(2)
أخرجه أحمد 2/ 514 من طريقهما عن أبي هريرة مرفوعاً.
(3)
أخرجه الطبراني في " الكبير " 19/ (1006). قال الهيثمي في " المجمع " 10/ 214 و385: فيه مخيس بن تميم، وهو مجهول، وبقية رجاله ثقات.
(4)
وأخرجه مسلم (2590) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يستر الله على عبد في الدنيا إلَاّ ستره يوم القيامة " وفي رواية: " لا يستر عبد عبداً إلَاّ ستره الله يوم القيامة ".
يُظَنُّ به وبأمثاله التَّخليطُ على أهل الإسلام بروايات الأحاديث (1) المنسوخات وتبشيرهم بها من غير تصريحٍ بالنسخ، ولا تأويلٍ ولا تلويحٍ؟ ولو كان شيءٌ من ذلك، لنقله الثقات عنهم الذين نقلوا هذه البشارات، بل لبَيَّنهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوضح البيان، خصوصاً وقد ظهر منه المنسوخ ظهوراً متواتراً، فكان يجبُ أن يُظهِرَ الناسخ كذلك كما هي صفته وصفة الرسل. وقال الله تعالى:{وما أرسلنا من رسولٍ إلَاّ بِلِسانِ قومه ليُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 40]، فتأمَّل ذلك، والله الهادي.
وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم مترقِّياً في مراتب القريب والإجابة والجاه والتَّبشير، فخُفِّفَتْ بجاهه الصلوات من خمسين إلى خمسٍ، ونُسِخَ وجوب قيام الليل، وكانت في المال حقوقٌ كثيرةٌ نُسِخَتْ بالزكاة، وكان الصوم من بعد العشاء الآخرة، ومن نام قبلها حرُم عليه الأكلُ والنكاحُ قبلها أيضاً، فنُسِخَ ذلك، ورُخِّصَ في الفِطْرِ للمسافر والمريض والحُبلى والمُرضِعِ على ما هو مفصَّلٌ في مواضعه، ونُسِخَ غسلُ البول من سبعٍ إلى ثلاثٍ، وعند الشافعي إلى واحدٍ، ونُسِخَ قتل الشارب في الرابعة، وحَبْسُ الزَّانيين حتَّى يموتا وأذاهما، وقتال الواحد العشرة، وتحريم القتال للعدوِّ في الأشهر الحُرُم، والوضوء مما مسَّتِ النار، ونسخ تحريم ادِّخارِ الأضاحي فوق ثلاثٍ، وفساد صوم المُصبح جُنُباً، وتحريم الحجامة على الصائم، والانتباذُ في الآنية المنهيِّ عنها، ووجوبُ الهجرة على مَنْ لم يُفتن، وغير ذلك.
وقال الواحدي في " أسباب النزول "(2) في قوله تعالى: {وإذا بَدَّلْنَا آيةً مكانَ آيةٍ} [النحل: 101]، نزلت حين قال المشركون: إن محمداً يسخرُ بأصحابه، يأمرُ اليوم بأمرٍ، وينهاهم عنه غداً، ويأتيهم بما هو أهون عليهم، فأنزل الله هذه الآية والتي بعدها. انتهى.
(1)" الأحاديث " ساقطة من (د) و (ف).
(2)
ص 189 - 190.
وهو يدلُّ على ما ذكرته، فلا معنى للقولِ بأن التشديد هو المتأخر، وهذا كله على تقدير التسليم الجدليِّ لتعارض الآيات والأحاديث في الوعد (1) والوعيد والبيان لسعة المحامل، وأن ذلك لو صح، لم يدل على كذب الرواة قطعاً، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب اليهود فيما رَوَوْهُ، وهم القوم البُهْتُ الكفرة الفَجَرَةُ، خوفاً من تكذيب حقٍّ لم يحطْ بعلمه، فكيف تكذيب أئمة الإسلام من خيرة الصحابة والتابعين الأعلام؟
وأما المختار عندي، فإنه عدم القول بالنسخ، لأنه لا يجوز العدول إليه إلا عند الضرورة، وتعذُّر الجمعِ بالتأويل الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ممكنٌ واضحٌ.
أمَّا آياتُ الخُلود المعلومة، ففي معلومةٌ بالاتفاق، والجمع بينها وبين هذه الأحاديث واضحٌ في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، كما يأتي في (2) الكلام على هذه الآية الشريفة. ولا أصح من تأويلٍ نصَّ عليه التنزيل، وسوف يأتي هذا وما يتعلق به المخالف من التشويش فيه والجواب إن شاء الله تعالى.
وإنما نذكر هنا ما أشكل على أهل الإنصاف والعلم التام بالحديث، والعناية التامة بالجمع بين ما اختلف من الكتاب والسنة، وذلك أنها صحت أحاديث الشفاعة في إخراج أهل الكبائر من النار تخصيصاً لكتاب الله تعالى، كما خصَّ صاحب الصغيرة عند الجميع في (3) قوله تعالى:{ومن يعصِ الله ورسوله} [النساء: 14]، أو كما خصَّ صاحب الدين عند المعتزلة بالحديث من قوله:{إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} [التوبة: 111] الآية، ومِنْ قوله:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم} [الصف: 10]،
(1) في (ف): " والوعد "، وهو خطأ.
(2)
" في " ساقطة من (ش).
(3)
في (ف): " من ".
وهي أصرحُ من الأُولى، لأن الإيمان مقيَّدٌ فيها (1) بالله ورسوله معدىً (2) إليه، فلم يحتمل تفسيره بأكمل الإيمان.
وأصرح منهما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُم} [محمد: 4 - 6]، وإنما الإشكال في الجمع بين أحاديث الشفاعة، وأحاديث العفو المُطْلَقِ التي فيها:" أن من مات يشهدُ أن لا اله إلَاّ الله، خالصاً من قلبه، حرَّمه الله على النار، أو لم تَمَسَّهُ النار "(3)، وهي كثيرةٌ، وبعضُها في فضائل الأعمال كحديث ابن مسعودٍ أنه صلى الله عليه وسلم قال:" حُرِّمَ على النار كلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قريبٍ من الناس " رواه أحمد بإسنادٍ صالحٍ (4) وهو الخامس والسبعون بعد المئة من مسنده. من " جامع ابن الجوزي "، وذلك أن أحاديث الشفاعة تقتضي خروجهم من النار بعد أن صاروا حُمماً وفحماً، وهذه تقتضي خلاف ذلك.
والجواب عن ذلك من وجوهٍ، وإن كان في بعضها بُعْدٌ، فالسمعُ دلَّ عليه كما دل على تأويل الضرب بالضِّغثِ، والذبح بالفداء، والخمسين الصلاة بخمسٍ، وأغربُ من الجميع اشتراطُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلَ الله لعنَهُ لبعض من آمن به رحمةً وزكاةً (5) وقد علم من حديث مُعاذٍ وغيره إخفاءُ كثير من الرَّحمة للمصلحة، بخلاف التأويل البعيد بالرأي.
الوجه الأول: ما ذكره أهل السُّنَّةِ، ممن نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية - أن الله تعالى قد علَّق الأمر في ذلك على مشيئته في قوله تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48].
(1)" فيها " ساقطة من (ش).
(2)
في (ش): " تعدى ".
(3)
تقدم تخريجه 3/ 350.
(4)
" المسند " 1/ 415. وهو حديث صحيح بشواهده، وأخرجه أيضاً هناد بن السري في " الزهد " (1263)، والترمذي (2488) وقال: حسن غريب، وصححه ابن حبان (469) و (470)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(5)
انظر ص 91 من هذا الجزء.
والواجبُ: الجمع بين أطراف كلام الله تعالى ورسوله، وتقييد المطلق بالشرط الذي لم يتَّصل به، بل لا بد من ذلك عند الجميع في مواضع كثيرةٍ.
ألا ترى أن الله تعالى لما استثنى الصغائر في قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم} [النساء: 31]، خصَّصنا بها عموماتٍ كثيرةً لم تتصل بها، مثل قوله تعالى:{ومن يَعْصِ الله} ، وأمثالها، بل خصَّصنا بها مما يظُنُّ من (1) لم يتأمل أنه يُعارِضها مثل قوله تعالى:{ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرّاً يَرَهْ} [الزلزلة: 8]، وهذا وعيدٌ صريحٌ على الصغائر. ولكن الجمع بين الآيات يدل على صرفه عن مُجتنبي الكبائر، لو (2) أنه مُوَجَّهٌ إلى من يجتنبُها، أو أنه للمؤمنين في الدنيا كما ورد مرفوعاً كما يأتى إن شاء الله تعالى، أو أن الرواية (3) هنا على ظاهرها كقوله:{يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284]، وهو الغرض كما يأتي إن شاء الله تعالى في ذكر الحساب.
ومع أن التأويل ينفي الخوف والرجاء، ولا بُدَّ من بقائهما على كل تقديرٍ وعلى كل مذهبٍ، حتى على مذهب المرجئة على بطلانه كما مر إيضاح ذلك عند ذِكر قَبُول ثقاتهم في الرواية في أول الكتاب، وهذا أحسنُ الأجوبة وأنسبها عند علماء الأصول الفقهية.
الوجه الثاني: أن أحاديث الشفاعة وردت في قومٍ ليس في قلوبهم من (4) الإيمان إلَاّ شيءٌ يسيرٌ، قدَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثقال الحبة من خردلٍ، أو نحو ذلك إلَاّ في حديثٍ لم يصح، خرّجه الحاكم في آخر كتاب الأهوال (5) عن أبي سعيدٍ، وفي سنده ابن إسحاق وليث بن أبي سليم مع إعلاله لمخالفة الحُفَّاظ، والذين بشَّرهم بالنجاة بلا إله إلَاّ الله هم مختصُّون في مُتون الأحاديث بشروطٍ تدل على كمال يقينهم وصدقهم في تصديقهم، فإنه شَرَطَ العلم بذلك في
(1) في (ف): " ممن ".
(2)
في (ف): "أو".
(3)
في (د) و (ف): " الروية ".
(4)
" من " ساقطة من (ش).
(5)
" المستدرك " 4/ 585 - 586.
حديث عثمان، وسيأتي، والإخلاص في حديث معاذٍ، وابتغاء وجه الله في حديث عُتبان وقد مرَّ، وهذا يتلو الأول في القوة، وشهد لذلك حديث ابن عباسٍ في الذي حلف كاذباً، فغُفِرَ له بإخلاصه في لا إله إلَاّ الله (1).
على أن من كان كذلك، فلا يخلو من عملٍ صالحٍ مع ذلك، بل (2) هذا الوجه الثاني أصح وأبعد من التشغيب (3)، فإن المرجئة في الأول ادعت أن الشرط قوله تعالى:{ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
إنما ورد ليُخْرِجَ غير الشرك من كبائر المشركين، فإنه لو لم يشرُط ذلك الشرط، لوجب أن يغفر للمشركين ما دون الشرك من الكبائر.
قالوا: وأما أهلُ الإيمان الصحيح، فقد دلَّت أدلةٌ منفصلةٌ على أنهم من أهل الجنة، كقوله تعالى:{أُعِدَّتْ للذين آمنوا بالله ورُسُلِهِ} [الحديد: 21]، وعلى أن النار لا تمسُّهم، وأنها محرَّمةٌ عليهم، كما دلت عليه الأخبار.
ونِزاعُهم في هذا على طريق القطع صعبٌ جداً، فإنه لا حجة لنا عليهم إلا آيات الشفاعة، وليس فيها تصريحٌ قطُّ بأن الذين خرجوا من النار دخلوها بمجرد بعض الكبائر، بل فيها وصفهم بنقصان الإيمان، وفي غير أحاديث الشفاعة ذكر دخولهم بذنوبهم، كحديث أبي سعيدٍ في إماتة النار لهم، وحديث سمرة في الرؤيا النبوية، وتعديدُ الذنوب وأنواع العذاب عليها، وحديث أبي هريرة في تعذيب تارك الزكاة بماله يوم القيامة، وليس في هذا ذكر دخول النار، لكن في حديث الخُدريِّ، فيجوز أن يكون نقصان الإيمان أقوى أثراً في دخولهم، ويجوز أن يكون المؤثِّر كبائرهم مع ذلك النقصان، وأنه في الوجهين معاً، لو لم يكن ذلك النقصان في إيمانهم، لما دخلوا النار، ولكان إيمانهم
(1) أخرجه أحمد 1/ 253 و288 و322، وأبو داود (3275) و (3620)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار "(440) بتحقيقنا، وصححه الحاكم 4/ 95 - 96، ووافقه الذهبي.
(2)
" بل " ساقطة من (ش).
(3)
في (ف): " التشعب ".
القوي القاطع يُكَفَّرُ به عنهم، كما أشارت إليه تلك الأحاديث المبشِّرَة، ويتعذَّرُ وجود نصٍّ قاطع المعنى، متواتر المتن يمنع من هذين الاحتمالين، فيكون الوجه الثاني جيداً في الجمع بين الأحاديث إن شاء الله تعالى.
وربما كان نقصان الإيمان هو السبب في مُلابسة بعض الكبائر، وكمالُ الإيمان هو السَّببَ في اجتنابها، وكذلك (1) كان كمالُ الإيمان عندَ الجمهور لا يبقى عند (2) ملابسة الكبيرة، وبذلك فسَّرُوا حديث:" لا يزني الزاني وهو مؤمنٌ "(3)، أي كامل الإيمان، كما يأتي تحقيقُ أقوال الأئمة فيه.
الوجه الثالث: وما بعده للمرجئة، وذلك أنه قد ورد في الحديث متَّفق على صحته عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أنه من مات له ثلاثةٌ من الأولاد لم يبلغوا الحِنْثِ، أو اثنان، لم تمسَّه النار إلَاّ تَحِلَّةَ القَسَمِ "، وفي رواية:" لم يَلجِ النار إلا تَحِلَّةَ القَسَمِ "(4). وقد فُسِّرَ بأقل ما ينطلق عليه الاسم حين صح في كتاب الله تعالى أن من حلف على ضرب غيره، ونوى الضرب المعتاد أجزأه (5) أن يضرب بضِغْثٍ من نبات الأرض، لقوله تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَث} [ص: 44]، وهذا الحديث يدل على أن القدر الواجب (6) من وعيد
(1) في (ش): " وكذلك "، وفي (ف):" ولذا ".
(2)
في (ش): " على ".
(3)
أخرجه من حديث أبي هريره أحمد 2/ 243 و317 و376 و386 و479، والبخاري (2475) و (5578) و (6772) و (6810)، ومسلم (57)، وأبو داود (4689)، والترمذي (2625)، وابن ماجه (3936)، والنسائي 8/ 64 و65 و313، وابن حبان (186)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(4)
أخرجه من حديث أبي هريرة مالك في " الموطأ " 1/ 235، ومن طريقه البخاري (6656)، ومسلم (2632)، والترمذي (1060)، والنسائي 4/ 25، وابن حبان (2942).
(5)
" أجزأه " ساقطة من (ف).
(6)
" الواجب " ساقطة من (ش).
المسلمين بالعذاب (1) ليس هو الخلود، وإنما هو الورود كما في قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71].
ومن قال بعمومه، تمسَّكَ بحديث جابر مرفوعاً على أنها " تكون على البَرِّ برداً وسلاماً "، وهو الحديث (245) من مسنده في " جامع ابن الجوزي "(2).
قال هؤلاء المقدَّم ذكرهم: قد يمكن في (3) هذا القدر أن يكون على وجهٍ لا يكون فيه عذابٌ، وذلك بأن يكون المعنى أن الله تعالى حرَّم عذاب النار على هؤلاء ومسَّها على وجه العذاب والغضب، ولكنه قد صح بل تواتر أن:" الحُمَّى من فيح جَهَنَّمَ ". ولقد روى البخاري هذا المعنى عن سبعةٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في موضعٍ واحدٍ على عزَّة شرطه، وذلك في باب صفة النار، وأنها مخلوقةٌ، فإنه رواه هناك عن زيد بن وهب عن أبي ذرٍّ (4)، وعن أبي هريرة (5) لكن ببعضه وفي الصلاة (6) بتمامه عن ابن المديني، عن [سفيان، عن] الزهري، [عن
(1) في (ش): " بالعدل "، وهو خطأ.
(2)
أخرجه أحمد 3/ 329، وعبد بن حميد (1106)، وصححه الحاكم 5/ 487، ووافقه الذهبي.
وأورده ابن كثير في " تفسيره " 3/ 138 - 139 من رواية الإمام أحمد، وقال: غريب لم يخرجوه.
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 5/ 535، وزاد نسبته للبيهقي في " البعث " والحكيم الترمذي وابن أبي حاتم وابن المنذر، وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 55 و10/ 360: رواه أحمد ورجاله ثقات.
(3)
" في " ساقطة من (ش).
(4)
برقم (3258)، وأخرجه أيضاً برقم (535) و (539)، ومسلم (616)، وأبو داود (401)، والترمذي (158).
(5)
برقم (3260).
(6)
برقم (536)، وأخرجه مسلم (645)، ومالك 1/ 15، وأبو داود (402)، والترمذي (157)، والنسائي 1/ 248 - 249.
سعيد بن المسيب]، عن أبي هريرة، وعن همام، عن أبي جمرة الضُّبَعِيِّ، عن ابن عباسٍ (1)، وعن زهيرٍ، عن هشامٍ، عن عروة، عن عائشة (2)، وعن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر (3)، ورواه النسائي من حديث أبي موسى (4)، ورواه مالك من حديث عطاء (5) بن يسار في " الموطأ "(6)، وحديث أبي هريرة قال ابن الأثير في " جامعه " (7): رواه الجماعة ولم يخرج منه البخاري في صفة النار إلا بعضه، ورواه بتمامه في كتاب الصلاة كالنسائي، وحديث أبي ذر رواه مسلم أيضاً وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
فإذا ثبت أن الحُمَّى من النار، أمكن بالتأويل النَّظري أن تكون حظ كلِّ مؤمنٍ من النار، كيف وقد جاء من حديث أبي هريرة وفي حديث أبي أمامة، كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أن الحمى حظ كل مؤمن من النار ".
أما حديث أبي هريرة فرواه أحمد، وابن ماجه في كتاب الطب من " سننه "، ورجالها ثقاتٌ، فإنه من حديث أبي أسامة قال: أخبرني عبد الرحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن إسماعيل بن عبد الله، عن أبي صالحٍ الأشعري، عن أبي هريرة (8).
(1) برقم (3261)، وأخرجه أيضاً أحمد 1/ 291، وابن أبي شيبة 8/ 81، وصححه الحاكم 4/ 403، وابن حبان (6068)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(2)
برقم (3263)، وأخرجه مالك 2/ 945، ومسلم (2210)، والترمذي (2075).
(3)
برقم (3264)، وأخرجه أيضاً برقم (534) و (5723)، ومالك 2/ 945، ومسلم (2209)، وابن ماجه (3472)، وأحمد 2/ 21، وابن حبان (6066) و (6067).
وأخرجه البخاري أيضاً (3262) و (5726) من حديث رافع بن خديج.
(4)
النسائي 1/ 249، وفي سنده يزيد بن أوس، لم يرو عنه غير إبراهيم النخعي، ولم يوثقه غير ابن حبان.
(5)
في (ش): " ابن عطاء "، وهو خطأ.
(6)
1/ 15، وهو مرسل.
(7)
" جامع الأصول " 5/ 235 - 236.
(8)
أخرجه أحمد 2/ 440، وابن ماجه (3470)، وصححه الحاكم 1/ 345، ووافقه الذهبي.
وأما حديث أبي أمامة، فقال المزي في " أطرافه "(1) رواه أبو غسان محمد بن مطرِّفٍ المدنيُّ، عن أبي الحصين (2) الفلسطيني، عن أبي صالحٍ الأشعري، عن أبي أُمامَة الباهلي بمعناه. ذكره عقيب حديث أبي هريرة.
وقال أحمد في " المسند "(3): حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن مطرِّفٍ، عن أبي الحُصين، عن أبي صالحٍ، عن أبي أُمامة بالحديث، ولم يُذكَرْ أحدٌ منهم بضعفٍ، إلَاّ أن الذهبي ذكر في " الميزان "(4) أن محمد بن مطرِّفٍ تفرَّد عن أبي الحصين، ومحمد بن مطرِّفٍ إمامٌ كبيرٌ، روى عنه الجماعة، واحتجَّ به الأئمة، لا ينكر له التَّفرُّدُ براوٍ، ولا بروايةٍ، وأبو صالح الراوي عن أبي أمامة الأشعري، ويقال: الأنصاري، والراوي عن أبي هريرة: الأشعري الشاميُّ الأزدي، ذكرهما المِزِّيُّ في " تهذيبه "، فصحَّ الحديث.
وأحاديث الثواب (5) في الآلام تشهدُ بذلك، وإلى هذا الحديث ذهب مجاهد بن جبرٍ التابعي الجليل المفسِّر، رواه عنه ابن عبد البَرِّ في " التمهيد " في تأويل الوُرود وقول مجاهد بذلك في عصر التابعين الأول يُقَوِّي صحة الحديث، وهو أقوى (6) في تأويل تَحِلَّةِ القسم المستثنى من المسِّ، لأنه لا يسمَّى مسَّاً ولو مجازاً وإن تقدَّم.
(1) 11/ 84.
(2)
تحرف في (ف) إلى: " الحسين ".
(3)
5/ 252 و264. وأخرجه أيضاً الطبراني في " الكبير " (7468)، وأبو الحصين الفلسطيني هو مجهول. قال الهيثمي في " المجمع " 2/ 305: لم أر له راوياً غير محمد بن مطرف. وقال الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب " 4/ 300 رواه أحمد بإسناد لا بأس به.
قلت: يشهد له حديث أبي هريرة المتقدم، وحديث آخر عن عائشة عن البزار (765)، وحسنه الحافظان المنذري في " الترغيب والترهيب " 4/ 300، وابن حجر في " الفتح " 10/ 175.
(4)
4/ 516.
(5)
في (ف): " وحديث ".
(6)
في (ش): " قوي ".
وأما الواردُ في حديث الشفاعة في احتراق أبدانهم فيحتمل (1) أن يتخرَّج تأويله على ما صح من حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أمَّا أهلُ النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها، ولا يَحْيَوْنَ، ولكن أُناسٌ تُصيبهمُ النار بذنوبهم، فتميتهم إماتةً، حتى إذا صاروا فَحْمَاً أذن بالشفاعة (2) جيء بهم ضبائر ضَبائرَ -أي جماعاتٍ- فَبُثُّوا على أنهار الجنة، فينبُتون نبات الحِبَّةِ تكونُ في حَمِيلِ " السيل "، والحِبة -بكسر الحاء- بزُور البقل. رواه مسلم في باب الشفاعة في كتاب الإيمان وهو في بعض نسخ " البخاري "، وهو الحديثُ الرابع عشر من مسند أبي سعيد من " جامع المسانيد "، ورواه أحمد بن حنبل في " مسنده " (3) ومعناه متفقٌ عليه عند أهل كُتبِ الحديث، فإنهم اتفقوا على أن أهل النار من الموحِّدين يحترِقُون إلَاّ مواضع السُّجود من المُصلِّين، ثم يُلْقَوْنَ على أنهار الجنة وقد صاروا فحماً، وهذا يدل على موتِهم في النار، فإن أهل الخلود في النار كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها، ليذوقوا العذاب كما قال الله تعالى.
وروى الهيثمي (4) ما يدلُّ على ذلك من غير طريق أبي سعيد، فقال: عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أدنى (5) أهل الجَنَّة حظّاً أو نصيباً قومٌ يُخرجُهُمُ اللهُ من النار، فيرتاح لهم الرب تبارك وتعالى أنهم كانوا لا يُشرِكون بالله شيئاً، فيُنْبَذُونَ بالعراء، فيَنْبُتُونَ كما ينبُتُ البقل، حتى إذا دخلت الأرواحُ في أجسادهم، قالوا: ربنا كالذي أخرجتنا من النار، ورَجَعْتَ الأرواح إلى أجسادنا، فاصرِفْ وجوهنا عن النار. قال: فيصرف وجوههم عن النار ". رواه البزار (6) ورجاله ثقات.
(1) في (ف): " فيمكن ".
(2)
في (ش): " في الشفاعة ".
(3)
أخرجه أحمد 3/ 5 و11 و78 و79، ومسلم (185)، وابن ماجه (4309)، وابن حبان (184)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(4)
في " مجمع الزوائد " 10/ 400 - 401.
(5)
في (ف): " أول ".
(6)
برقم (3554).
ذكره في أبواب الجنة في باب أدنى أهل الجنة منزلة.
ويعضُدُ هذا مفهوم قوله تعالى بعد تحريم الربا: {واتقوا النارَ التي أُعِدَّتْ للكافرين} [آل عمران: 131]، فلا بد من فرقٍ بينهم.
فإذا تقرَّر هذا بالنصوص (1) الصِّحاح لم يزل أئمة الإسلام يتداولونها من غير نكيرٍ، لم يتعذر الجمع بين الأحاديث بهذا:
إما على جهة الخصوص بتلك البشارات بأن المراد (2) سلامتهم من عذابها الهائل المتصور (3) مع بقاء الحياة، لا الموت، عند أول مُلاقاتها التي جرت عاداتُ الصابرين في الدنيا بتحمل مثل (4) مشقَّته، كضمَّة اللَّحد في قدرة الله تعالى من تهوينه على من يشاء ما لا يعلمُهُ سواه، ويعتضد بحديث:" لم تمسه النار إلَاّ تَحِلَّةَ القسم " متفق على صحته من حديث أبي هريرة (5)، ويشهدُ له حديث الواقديِّ محمد بن عمر -العلامة البحر- على ضعفه بسنده عن (6) أبي بكرٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما حرُّ جهنم على أمتي كحرِّ الحَمَّام " ذكره الذهبي في ترجمته في " الميزان "(7)، ورواه الهيثمي في " مجمع الزوائد "(8) من طريق الواقدي وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط ".
ومع تضعيف الأكثرين للواقدي حتى قال الذهبي: إنه استقر الإجماع على وهنه، فقد حكى الذهبي توثيقه عن جماعة: ابن إسحاق، ومصعبٌ، ومعن القزاز، ويزيد بن هارون، وأبو عبيد، وإبراهيم الحربي.
(1) في (ش). " في النصوص ".
(2)
في (ف): " بالمراد ".
(3)
في (ش). " المنصوص ".
(4)
" مثل " ساقطة من (ش).
(5)
تقدم تخريجه في هذا الجزء.
(6)
في (ف): " إلى ".
(7)
3/ 664.
(8)
10/ 360، وقال: فيه محمد بن عمر الواقدي، وهو ضعيف جداً. قلت: وفيه أيضاً محمد بن عبد الرحمن بن مجبر بن رَيْسَان اتهمه ابن عدي، وكذبه الخطيب، وباقي رجال السند بين مجهول ومتروك.
وروى أحمدُ عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الشفاعة:" أن الخلق يُلجَمُونَ بالعرق في يوم القيامة، فأما المؤمن، فهو عليه كالزُّكمَةِ، وأما الكافر، فيغشاه الموت " الحديث، قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
ذكره في الشفاعة من " مجمعه "(1).
فهذا يشهد لمعناه في الفرق بين المؤمن والكافر في التخفيف جملةً، كما يشهد لذلك في الجملة الأحاديث الواردة في تخفيف يوم القيامة على المُؤمن.
خرَّجها الهيثمي (2) عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو بسندين ضعيفين، وعن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو أيضاً بسندين جيِّدين (3).
ويشهد لهما من القرآن الكريم قوله تعالى: {وكان يوماً على الكافرين عسيراً} [الفرقان: 26]، وقوله تعالى:{على الكافرين غير يسيرٍ} [المدثر: 10]، وقوله تعالى:{وَيَقول الكافِرون هذا يومٌ عسيرٌ} [القمر: 8].
وسيأتي بيانُ من يستحق اسم المؤمن، والأدلة عليه، ومن ذلك أحاديثُ امتحان الميِّت في قبره بسؤال الملكين، فإنها صريحةٌ في الاقتصار على الشهادتين، فمن جاء بهما، بُشِّرَ بالجنة، وأُرِيَ (4) منزله فيها، مع صحتها وكثرتها
(1) 10/ 373. والحديث أخرجه أحمد 3/ 178، وابن خزيمة في " التوحيد " ص 254 - 255، وهو حديث حسن.
(2)
في " مجمع الزوائد ". 10/ 337.
(3)
حديث أبي سعيد أخرجه أحمد 3/ 75، وأبو يعلى (1390)، وابن حبان (7334)، وهو ضعيف كما قال الهيثمي.
وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه الطبراني، وفيه هشام بن بلال. قال الهيثمي: لم أعرفه.
وحديث أبي هريرة أخرجه أبو يعلى. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن عبد الله بن خالد، وهو ثقة.
وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه الطبراني، وصححه ابن حبان (7419).
(4)
في (ش): " ورأى ".
كما ذُكِرَ في موضعه من هذا الكتاب، ومنه " أحاديث " الحُمَّى حظُّ كلِّ مؤمن من النار كما قدمته الآن وأمثاله. ويشهد للجميع " لا تمسُّه النار إلَاّ تَحِلَّة القسم " كما تقدم الآن.
وأما على أن الموت يحصُل بسبب رؤيتها (1) ومُقاربتها فجأة، كما تقع الغشية من أقل من ذلك، ثم يكون مسُّها والوقوع فيها والاحتراق من غير شعورٍ بألمها، ويدلُّ عليه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يجتمعان في النار اجتماعاً يضُرُّ أحدهما الآخر، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: مؤمنٌ قتل كافراً ثم سَدَّدَ ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي واللفظ لمسلم (2).
فقوله: " اجتماعاً يضرُّ " واضحٌ في هذا المعنى، والله أعلم.
ذكره ابن الأثير في النوع الخامس من فضائل الجهاد والمجاهدين (3) رواه مسلم في الجهاد من حديث أبي إسحاق الفَزَارِيِّ، عن سُهيلِ بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة. وهو في " جامع المسانيد " الحديث الرابع والثلاثون بعد الستمئة.
ويعتضدُ بحديث: " الحُمَّى حظُّ كلِّ مؤمنٍ من النار "، كما احتجَّ به مجاهدٌ على ما تقدَّم من تشبيهه بقوله تعالى:{إلا المَوْتَةَ الأولى} [الدخان: 56] من بعض الوجوه، وذلك في الحقيقة إجارَةٌ مِنْ عذابها ومسِّها، فإنَّما الإنسانُ بروحه، ويكون المعنى (4): حُرِّمَتْ عليهم وهم أحياءٌ يتألَّمون بها، وحرم عليهم مسُّها كذلك.
(1) في (ف): " تحصل برؤيتها ".
(2)
أخرجه مسلم (1891)، وأبو داود (2495)، والنسائي 6/ 12 - 13.
(3)
" جامع الأصول " 9/ 487.
(4)
في (ف): " والمعنى ".