الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيان والمبين
ص: البيان، إخراج الشيء من خيز الإشكال إلى حيز التجلي وإنما يجب لمن أريد فهمه اتفاقا.
ش: هذا التعريف للبيان حكاه ابن السمعاني وغيره عن أبي بكر الصيرفي، وزاد عنه إمام الحرمين وابن الحاجب:(والوضوح) وأورد عليه القاضي أنه يخرج عنه البيان ابتداء وهو الظاهر من غير سبق إجمال، وأورد عليه إمام الحرمين، أن لفظ الحيز مجاز، ودخوله في التعريف ممتنع، وأجاب المصنف عن الأول بمنع تسمية الواضح ابتداء بيانا، وعن الثاني بأن المجاز الظاهر يجوز دخوله، وإلا لم يسلم لهم تعريف، فلذلك تبعه المصنف فيه واتفقوا على أنه/ (84أ/د) لا يجب بيان المجمل إلا لمن أريد منه الفهم إما للعمل كالصلاة/ أو للإفتاء كأحكام الحيض في حق الرجال، فالمراد فهمهم/ (102ب/م) لها ليفتوا بها النساء، وكأنه أريد بالواجب هنا ما لا بد منه، فإن الله تعالى لا يجب عليه شيء.
ص: والأصح أنه قد يكون بالفعل وأن المظنون يبين المعلوم وأن المتقدم، وإن جهلنا عينه من القول والفعل هو البيان وإن لم يتفق البيانان كما لو طاف بعد الحج طوافين، وأمر بواحد فالقول وفعله ندب أو واجب متقدما أو متأخرا وقال أبو الحسين المتقدم.
ش: فيه مسائل:
الأولى: يجوز البيان بالقول إما من الكتاب أو السنة اتفاقا، واختلف في البيان بالفعل والأصح جوازه، كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وحجه فإنهما مبينان لقوله تعالى:{وأقيموا الصلاة} {ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا} ومن منع قال: الفعل يطول فيتأخر به البيان مع إمكان تعجيله.
قال القاضي في (التقريب): فلو قال: القصد بما كلفتم بهذه الآية ما أفعله ثم فعل فعلا فلا خلاف أنه يكون بيانا.
الثانية: إذا كان المجمل معلوما فهل يجوز أن يكون المبين له مظنونا؟ فيه مذاهب:
الأول: الجواز، حكاه القاضي أبو بكر عن الجمهور واختاره هو والإمام فخر الدين.
الثاني: أن البيان يجب أن يكون أقوى دلالة من المبين، واختاره ابن الحاجب.
الثالث: أنه يجوز أن يكون مساويا، وبه قال الكرخي.
الرابع: إن عم وجوبه سائر المكلفين كالصلاة ونحوها وجب أن يكون بيانه معلوما متواترا، وإن لم تعم به البلوى، واختص العلماء بمعرفته كنصاب السرقة وأحكام المكاتب قبل في بيانه خبر الواحد، حكاه القاضي أبو بكر عن العراقيين.
الثالثة: إذا ورد بعد المجمل قول وفعل فلهما حالتان:
إحداهما: أن يتفقا في الحكم فالبيان هو المتقدم منهما.
والثاني: تأكيد له، فإن علم عينه فذاك وإلا فهو المبين مع الجهل به في الصحيح.
وقال الآمدي: الأشبه مع الجهل تقدير المرجوح سابقا فيكون هو المبين والثاني تأكيد له، لئلا يلزم من عكسه تأكيد الراجح بالمرجوح، وهو ممتنع.
الثانية: أن يختلفا في الحكم كما لو طاف عليه الصلاة والسلام بعد الحج طوافين وأمر بواحد، فالصحيح أن البيان بالقول، ويحمل فعله على أنه من خصائصه إما مندوب أو واجب، ولا فرق بين أن يتقدم القول أو الفعل.
وقال أبو الحسين البصري: البيان هو المتقدم منهما، قولا كان أو فعلا كما لو اتفقا./ (103/أ/م).
ص: مسألة:/ (84/ب/د) تأخير البيان عن وقت الفعل غير واقع، وإن جاز وإلى وقته واقع عند الجمهور سواء كان للمبين ظاهر أم لا، وثالثها: يمتنع في غير المجمل، وهو ما له ظاهر، ورابعها: يمتنع تأخير البيان الإجمالي فيما له ظاهر بخلاف المشترك والمتواطئ، وخامسها: في غير النسخ، وقيل: يجوز تأخير النسخ اتفاقا، وسادسها: لا يجوز تأخير بعض دون بعض، وعلى المنع المختار أنه يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم تأخير التبليغ إلى الحاجة وأنه يجوز أن لا يعلم الموجود بالمخصص ولا بأنه مخصص.
ش: تأخير البيان عن وقت احتياج المكلف إليه وهو وقت الفعل، أطلق
أكثر أهل الأصول أنه ممتنع، وعللوه بأنه تكليف بما لا يطاق، ومقتضاه أنه يجري فيه الخلاف في تكليف ما لا يطاق، وبه صرح في (المحصول) فعلى هذا يكون الأرجح جوازه، وإن كان لم يقع، وكذلك عبر به المصنف، وعدل عن تعبير غيره بوقت الحاجة إلى وقت الفعل، فإن الأستاذ أبا إسحاق قال: هي عبارة تليق بمذهب المعتزلة القائلين بأن للمؤمنين حاجة إلى التكليف.
قلت: لا يلزم من هذه العبارة القول بمذهب المعتزلة هذا، فإنه لا يتوقف على الحاجة إلى التكليف، بل على حاجة المكلف إلى بيان ما كلف به.
تنبيه:
صرح القاضي أبو بكر بأن المراد تأخير البيان عن وقت جواز الشروع في الفعل، ومقتضاه/ أن تأخير بيان صلاة الظهر عن وقت الزوال تأخير البيان عن وقت الحاجة، وعلى هذا يشكل تعليلهم المنع بأنه تكليف بما لا يطاق، لأنه إذا بين له في نصف الوقت فقد أخر عن الزوال، ولم يلزم عليه تكليف ما لا يطاق، وأما تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الفعل ففيه مذاهب:
أصحها – وبه قال الجمهور: أنه جائز، وواقع، سواء أكان للمبين ظاهر كتأخير بيان التخصيص ومدة النسخ أو لا.
الثاني: أنه ممتنع وهو قول المعتزلة كما حكاه القاضي أبو بكر عنهم، وبه قال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا.
الثالث: أنه يمتنع في غير المجمل وهو ماله ظاهر للإلباس ويجوز فيما لا ظاهر له أنه لا يحصل فيه تجهيل، وبه قال/ (103/ب/م) الكرخي، وحكى الإبياري في (شرح البرهان) قولا بعكسه، وعلله بأن للعام فائدة في الجملة بخلاف المجمل.
الرابع: أنه يمتنع تأخير البيان الإجمالي فيما له ظاهر، مثل أن يقول:
هذا العموم مخصوص، وهذا المطلق مقيد، ويجوز تأخير البيان التفصيلي أما ما ليس له ظاهر يعمل به كالمشترك فيجوز تأخير بيانه/ (85/أ/د) مطلقا، وبه قال أبو الحسين البصري.
الخامس: أنه يمتنع في غير النسخ، ويجوز فيه وهو قول الجبائي، ومقتضاه أن النسخ من محل الخلاف، لكن قال بعضهم: إنه يجوز تأخير النسخ اتفاقا، وهو مقتضى كلام القاضي أبي بكر وإمام الحرمين والغزالي.
السادس: أنه يمتنع إبداء بعض، وتأخير بعض لئلا يعتقد المكلف بإظهار البعض أن لا إشكال بعده، بخلاف تأخير بيان الكل، فإنه جائز، وإذا فرعنا على امتناع تأخير البيان فهنا مسألتان:
إحداهما: المختار أنه يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم تأخير تبليغ الحكم إلى وقت الحاجة، فإن معرفته إنما هي لوجوب العمل، ولا عمل قبل الوقف، وقيل: تجب المبادرة، وكلام الإمام فخر الدين والآمدي وابن الحاجب يقتضي أن الخلاف في غير القرآن، أما القرآن فيجب تبليغه على الفور قطعا، واستشكل الفرق.
الثانية: يجوز أن لا يعلم المكلف الموجود بالمخصص – بكسر الصاد – بل يجوز إسماعه العام المخصوص بدون مخصصه، خلافا للجبائي فإنه منعه في المخصص السمعي دون العقلي وخرج (بالموجود) من ليس موجودا حالة ورود التخصيص فلا يشترك إسماعه بلا خلاف، لعدم إمكانه، هذا مقتضى عبارة المصنف وشرحه عليه شارحه لكن الذي تقتضيه عبارة ابن الحاجب أن المراد المخصص الموجود أي الذي ورد مع ورود العام المخصوص للاحتراز عن مخصص لم يرد، فيكون الوجود صفة للدليل المخصص لا المكلف، وعليه شرحوه، فكلام المصنف مخالف له في التقرير، وعلى كل حال، فأي فرق بين هذه المسألة وبين المذكورة قبلها وهي تأخير التبليغ يحتاج ذلك إلى تأمل.