الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالموجود المتوقع فكما أن العلم الأزلي يتعلق بالموجود الذي سيكون، فكذلك الطلب الأزلي يتعلق بالمكلف الذي سيكون.
الأحكام الشرعية
ص: فإن اقتضى الخطاب الفعل اقتضاء جازماً فإيجاب، أو غير جازم فندب، أو الترك جازماً فتحريم، أو غير جازم بنهي مخصوص فكراهة، أو بغير مخصوص فخلاف الأولى، أو التخيير فإباحة.
ش: هذا تقسيم للحكم، وجعل مورد القسمة الخطاب، لأنه بمعناه، وتقديره: أنه إما أن يقتضي الفعل أو الترك، وعلى كل من التقديرين/، فإما أن يكون جازماً أم لا، فإن اقتضى الفعل جزماً فالإيجاب، أو بدون جزم فالندب، أو الترك جزماً فالتحريم، أو بدون جزم، فإن كان بنهي مخصوص فالكراهة، أو غير مخصوص فخلاف الأولى، وإن خير بين الفعل والترك فهو الإباحة، والمشهور أن الأحكام خمسة: الإيجاب والندب والتحريم والكراهة والإباحة.
وتبع المصنف في زيادة السادس ـ وهو خلاف الأولى ـ إمام الحرمين، لكن عدل عن تعبيره بالنهي المقصود إلى المخصوص، وفيه نظر، لأن المقصود يحترز به عن الأمر بالشيء، فإنه نهي عن ضده، فهو منهي عنه إلا أنه غير مقصود، والمخصوص يحترز به عما استفيد من عموم، من غير تنصيص على المنهي عنه بخصوصه.
قال السبكي: والإمام أول من علمناه ذكره.
قلت: مع أنه لم ينشئه من عند نفسه، بل نقله عن غيره، فقال: إنه مما أحدثه المتأخرون.
ص: وإن ورد سبباً وشرطاً ومانعاً وصحيحاً وفاسداً فوضع.
ش: إذا لم يكن في الخطاب اقتضاء بل ورد سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو صحيحاً، أو فاسداً فليس خطاب تكليف، وإنما هو خطاب وضع، أي وضعه الله تعالى في شرائعه، لإضافة الحكم إليه، تعرف به الأحكام تيسيراً لنا، فإن الأحكام مغيبة عنا، والفرق بينه وبين خطاب التكليف من حيث الحقيقة: أن الحكم في الوضع هو قضاء الشرع على الوصف بكونه سبباً أو شرطاً أو مانعاً، وخطاب التكليف لطلب أداء ما تقرر بالأسباب والشروط والموانع، وكان ينبغي للمصنف أن يقول: فإن ورد سببياً أو شرطياً أو مانعياً، لأن السبب ليس نفس الحكم، بل جعل الشارح إياه.
وأجيب عنه بأن انتصابها بمصدر محذوف، أي: بجعل الوصف سببا
…
إلى آخره، ولا تردد في أن الثلاثة الأول من خطاب الوضع، وأما الصحة والفساد فهو الصحيح فيهما، لأنه حكم من الشارع بذلك، وقال ابن الحاجب: هما عقليان.
تنبيهان:
أحدهما: ظاهر عبارة المصنف أنه أفرد خطاب الوضع عن خطاب التكليف، وجعله قسيماً له، وكذلك فعل ابن الحاجب في قوله في تعريف الحكم بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، واختار الإمام:(4/ب/ د) فخر الدين إدخاله في خطاب التكليف، لأن معنى كون الشيء شرطاً حرمة المشروط بدون شرطه، وادعى بعضهم اقتضاء عبارة المصنف ذلك، وهو بعيد.
ثانيهما: مقتضى عبارة المصنف أن في الإباحة اقتضاء، لأن تقدير كلامه: إن اقتضى الخطاب التخيير، والمعروف أنه/ (5/ب/م) لا اقتضاء فيه، فإن الاقتضاء
الطلب، ولا طلب فيه وإنما فيه التخيير بين الفعل والترك.
ص: وقد عرفت حدودها.
ش: أي أنواع القسم الأول، وهو خطاب التكليف، وذلك بأن يؤخذ مورد التقسيم بينها فيجعل جنساً، وما تميز به كل نوع فيجعل فصلاً، فيقال: الإيجاب اقتضاء الفعل اقتضاء جازماً، وهكذا في بقيتها، وكأنه أراد بالحد مطلق التعريف، حتى يدخل فيه الرسم الذي هو بالعرضيات، فقد لا يكون مورد التقسيم جنساً، كقولنا: الماشي إما أن يكون ناطقاً أم لا، فإن قولنا: الإنسان ماش ناطق ليس حداً له، والله أعلم.
ص: والفرض والواجب مترادفان خلافاً لأبي حنيفة وهو لفظي.
ش: الفرض والواجب لفظان مترادفان بمعنى واحد، وفرق أبو حنيفة بينهما فجعل الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل
ظني.
قال أصحابنا: ونقض الحنفية أصلهم في أشياء منها: جعلهم مسح ربع الرأس، والقعدة في آخر الصلاة فرضاً، مع أنهما لم يثبتا بدليل قطعي، والنزاع في ذلك لفظي، أي: مرجعه إلى الاصطلاح.
ص: والمندوب، والمستحب، والتطوع، والسنة مترادفة، خلافاً لبعض أصحابنا وهو لفظي.
ش: المخالف في ذلك من أصحابنا: القاضي حسين، والبغوي،
والخوارزمي، قالوا: السنة ما واظب عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والمستحب: ما فعله مرة أو مرتين، والتطوع: ما ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد.
ص: ولا يجب بالشروع خلافاً لأبي حنيفة، ووجوب إتمام الحج لأن نفله كفرضه، نية وكفارة، وغيرهما.
ش: لا يجب التطوع من صلاة وصيام وغيرهما بالشروع فيه، بل له قطعه، ولو بغير عذر.
وقال أبو حنيفة: يلزم بالشروع، وحكي عن مالك أيضاً.
وقد أورد علينا الحج فإنه يلزم من تطوعه بالشروع ويجب إتمامه، وفرق بينه وبين غيره باختصاص الحج بأن نفله كفرضه في النية والكفارة وغيرهما، أي: كالمضي في فاسده، وهذا المطوي في كلام المصنف هو الذي أجاب به الشافعي، ومعناه: أنه يجب المضي في فاسده، فكيف في صحيحه؟ ولا يختص الحج بخروجه عن هذه القاعدة، فالأضحية سنة وإذا ذبحت لزمت
بالشروع، كما ذكره الساجي في نصوص الشافعي.
وقال بعضهم: لا يحتاج إلى استثناء الحج، لأنه لا يكون من المستطيع تطوعاً قط، بل هو في حق من لم يحج فرض عين، وفي حق من حج فرض كفاية/.
ص: (5أ/د) والسبب/ (6أ/م) ما يضاف الحكم إليه للتعلق به من حيث إنه معرف للحكم أو غيره.
ش: أخذ في بيان أقسام خطاب الوضع، فمنها: الحكم على الوصف بكونه سبباً، وهو خاص بالحكم الذي عرفت علته، وعرفه بما ذكره، وبين بقوله:(للتعلق به) أن معنى كون السبب حكماً تعلق الحكم به، وبهذا يندفع إيراد من أورد أن الزنا حادث، فلا يؤثر في القديم.
وأشار بقوله: (من حيث إنه معرف) إلى أنه ليس المراد منه كونه موجباً لذلك لذاته، أو لصفة ذاتية، كما تقول المعتزلة، بل المراد عند الأكثرين أنه معرف للحكم، وعند الغزالي: أنه موجب لا لذاته ولا لصفة ذاتية، ولكن بجعل الشارع له موجباً، وهو مراد المصنف (بغيره).
وأراد صحة التعريف على المذهبين، ومراد الغزالي أن الموجب للحكم هو الشارع، وإنما نصب السبب للاستدلال به على الحكم لعسر معرفته، لا سيما بعد انقطاع الوحي كالعلامة، فشابه ما يحصل الحكم عنده لا به، فسمى به، فهو من حيث المعنى لا يخالف مذهب الأكثرين، والعلة أخص من السبب،
لأنه لا بد فيها من المناسبة، ولا يشترط ذلك في السبب.
ص: والشرط يأتي.
ش: أي في التخصيصات.
ص: والمانع: الوصف الوجودي الظاهر المنضبط المعرف نقيض الحكم كالأبوة في القصاص.
ش: المذكور هنا مانع الحكم، فلا بد أن يزيد في تعريفه مع بقاء حكمة السبب، فإن الأبوة مانعة للحكم، أي الذي هو القصاص لحكمة، وهو كون الأب سبباً في إيجاده، فلا يكون الابن سبباً في إعدامه، وهذه الحكمة تقتضي
عدم القصاص الذي هو نقيض الحكم مع بقاء حكمة السبب وهي الحياة، والمراد بهذه الزيادة إخراج مانع السبب وهو ما يستلزم حكمة تحل بحكمة السبب، كالدين في الزكاة، إذا قلنا: إنه مانع من الوجوب، فإن حكمة السبب وهو الغنى مواساة الفقراء من فضل ماله، وليس مع الدين فضل يواسى به.
قال المصنف: وإنما لم أذكر هنا مانع السبب، لأن كلامنا هنا في الحكم ومتعلقاته، وليست الأسباب عندنا من الأحكام، خلافاً لابن الحاجب.
وقد تضمن كتاب القياس تعريف مانع السبب حيث قلنا فيه عند ذكر العلة: ومن شروط الإلحاق بها اشتمالها على حكمة تبعث على الامتثال، وتصلح شاهداً لإناطة الحكم، ومن ثم كان مانعها وصفا وجودياً يخل بحكمتها.
فإن قيل: هو إن لم يكن من/ (6/ب/م) الأحكام فهو من متعلقات الأحكام، فكان ينبغي ذكره.
قلنا: المعنى بمتعلقات الأحكام حاكم ومحكوم به وعليه، وشروط كل واحد منها، وليست الأسباب من ذلك، انتهى.
ويرد عليه أنه كان ينبغي لذلك أن لا يذكر السبب، وقد ذكره، والله أعلم.
ص: والصحة موافقة ذي (5 ب/ د) الوجهين الشرع وقيل في العبادة: إسقاط القضاء.
ش: المشهور تعريف الصحة سواء أكانت في عبادة أو معاملة بموافقة الشرع ـ أي أمر الشرع ـ وهو مذهب المتكلمين، لكن لا يوصف بالصحة وعدمها إلا الفعل ذو الوجهين، وهو الذي يمكن وقوعه تارة على موافقة الشرع، وتارة على غيرها، فما لا يقع إلا على وجه واحد كمعرفة الله تعالى لا يوصف بذلك.
وقال بعضهم: الصحة في العبادة إسقاط القضاء، وهو محكي عن الفقهاء، وتظهر فائدة الخلاف فيمن صلى محدثاً على ظن أنه متطهر ثم ظهر له حدثه فصلاته على رأي المتكلمين صحيحة، لأنها موافقة للأمر، وعلى رأي الفقهاء باطلة.
وقال السبكي: إن تسمية الفقهاء هذه الصلاة باطلة ليس لاعتبارهم سقوط القضاء في حد الصحة كما ظنه الأصوليون، بل لأن شرط الصلاة الطهارة في نفس الأمر، والصلاة بدون شرطها فاسدة، وغير مأمور بها.
ثم استدل على هذا بأن الفقهاء يقولون: كل من صحت صلاته صحة مغنية عن القضاء جاز الاقتداء به، فإنه يقتضي انقسام الصحة إلى ما يغني عن القضاء وإلى ما لا يغني، ثم استدل بغير هذا أيضاً، ثم قال: فالصواب أن يكون حد الصحة عند الفريقين موافقة الأمر، غير أن الفقهاء يقولون: ظان الطهارة مأمور مرفوع عنه الإثم بتركها.
والمتكلمون يقولون: ليس مأموراً، فلذلك تكون صلاته صحيحة عند المتكلمين لا الفقهاء. انتهى.
وقال القرافي وغيره: هذا الخلاف لفظي، لأنه إن لم يتبين له حدثه فلا قضاء، وإلا وجب اتفاقاً في الصورتين.
وقال الشارح: ليس كذلك، بل الخلاف معنوي، فالمتكلمون لا
يوجبون القضاء، ووصفهم إياها بالصحة صريح في ذلك، فإن الصحة هي الغاية من العبادة، ولا يستنكر هذا، فللشافعي في القديم مثله، فيما إذا صلى بنجس لم يعلمه، أنه لا يجب القضاء، نظراً لموافقة الأمر حال التلبس، وكذا من صلى إلى جهة ثم تبين الخطأ، ففي القضاء قولان للشافعي، بل الخلاف/ (7أ/م) بينهم مفرع على أصل، وهو أن القضاء هل يجب بالأمر الأول أو بمتجدد؟ فعلى الأول بنى الفقهاء قولهم: أنها سقوط القضاء، وعلى الثاني رأى المتكلمون أنها موافقة الأمر، فلا يوجبون القضاء، ما لم يرد نص جديد به، انتهى.
ص: وبصحة العقد ترتب آثاره.
ش: قوله: (بصحة العقد) خبر مقدم، وقوله (ترتب آثاره) مبتدأ مؤخر، وقدم الخبر لأمر صناعي، وهو عود الضمير من المبتدأ وهو (الهاء) في آثاره، على بعض الخبر، وهو العقد، فهو كقوله تعالى:{أم على قلوب أقفالها} وآخر بياني، وهو الحصر، فإن تقديم المعمول يفيده عند جماعة، والمعنى أن ترتيب الآثار، وهي ما شرع ذلك العقد له كالتصرف في البيع والاستمتاع في النكاح واقع بصحة العقد لا بغيره/ (6/أ/د) وهذا أولى من تعريف صحة العقد بترتب الأثر، فإن ترتب الأثر ليس نفس الصحة، وإنما هو ناشئ عنه، مع أنه لو عبر بهذه العبارة:(وقيل: صحة العقد ينشأ عنها ترتب الأثر) لأورد عليه أنه قد يتخلف ترتب الأثر كالمبيع قبل القبض، أو في زمن الخيار، فكان تعبير المصنف بأن (بصحة العقد ترتب الأثر) أولى، أي أن ترتب الأثر إذا وجد فهو ناشئ عن الصحة، ولا يلزم منه أن الصحة يلازمها
ترتب الأثر، ومع ذلك فيرد عليه الخلع والكتابة الفاسدان، فإنه يترتب عليهما أثرهما من البينونة والعتق، مع أنهما غير صحيحين، ويجاب عنه بأن ترتب الأثر فيهما ليس من جهة العقد بل للتعليق، وهو صحيح لا خلل فيه، ونظير ذلك القراض والوكالة الفاسدان، يصح فيهما التصرف لوجود الإذن فيه وإن لم يصح العقد.
ص: والعبادة إجزاؤها ـ أي كفايتها ـ في سقوط التعبد وقيل إسقاط القضاء.
ش: قوله: (العبادة) مجرور عطفاً على صحة العقد، أي وبصحة
العبادة إجزاؤها كما قال: (وبصحة العقد ترتب آثاره) أي إن إجزاء العبادة ينشأ عن صحتها فيقال: صحت العبادة فأجزأت، ثم عرف الإجزاء بأنه الكفاية في سقوط التعبد، أي كون الفعل كافياً في سقوط التعبد، ولم يقيد الفعل بكونه من المتعبد، ليتناول حج النائب عن المعضوب، ولو عبر بإسقاط/ (7/ب/م) التعبد لكان أولى، ثم حكى قولاً آخر أن الإجزاء إسقاط القضاء، وحكاه في (المنتخب) عن الفقهاء.
ص: ويختص الإجزاء بالمطلوب وقيل بالواجب.
ش: الصحة أعم من الإجزاء، فإنه يوصف بها العبادات والمعاملات، وأما الإجزاء فالمشهور اختصاصه بالمطلوب، سواء أكان واجباً أو مندوباً، وقيل: يختص بالواجب، فلا يوصف به المندوب، ونصره القرافي والأصبهاني شارحاً (المحصول) واستبعده السبكي، وقال: كلام الفقهاء يقتضي أن المندوب يوصف بالإجزاء كالفرض، وقد ورد في الحديث:(أربع لا تجزئ في الأضاحي) واستدل به من قال بوجوب الأضحية، وأنكر عليه، انتهى.
ص: ويقابلها البطلان وهو الفساد خلافاً لأبي حنيفة.
ش: أي إن البطلان والفساد لفظان مترادفان، وهما يقابلان الصحة، وذلك شامل للعبادات، والمعاملات، وفرق أبو حنيفة بينهما، وتحرير مذهبه في ذلك أن العوضين إن كانا غير قابلين للبيع، كبيع الملاقيح، وهي ما في بطون الأمهات بالدم فهو باطل قطعاً، وإن كانا بأصلهما قابلين للبيع ولكن اشتمالا على وصف يقتضي عدم الصحة كالربا، فإن الدراهم بأصلها قابلة للبيع، وإنما جاء البطلان/ (6/ب/ د) من الزيادة في أحدهما ففاسد قطعاً، وإن كان المبيع غير قابل للبيع دون الثمن كبيع الملاقيح بالدراهم، أو بالعكس، كبيع ثوب مثلاً بدم، ففي كل منهما خلاف، والصحيح عندهم إلحاق الأول بالأول، والثاني بالثاني، وفائدة التفصيل عندهم أن الفاسد يفيد الملك إذا اتصل به القبض دون الباطل.
ص: والأداء فعل بعض ـ وقيل: كل ما دخل وقته قبل خروجه.
ش: عرف المصنف الأداء بأنه فعل بعض ما دخل وقته قبل خروجه، فقوله:(فعل) جنس، وقوله:(بعض) لم يقصد به إخراج الكل، بل التنبيه على دخوله بطريق الأولى، فإنه إذا كان فعل البعض أداء ففعل الكل أولى، لكن فيه إجمال، لأنه ليس كل بعض تصير العبادة بفعله أداء، وإنما خاص بركعة بناء على الأصح أن من صلى ركعة في الوقت وباقيها خارجه كان الجميع أداء، وهذا ماش على أحد احتمالين للسبكي قال: إنه المتبادر من كلامهم: أن الوقت خرج في حق هذا كغيره، وله احتمال آخر أن الوقت لم يخرج في حقه، بل اتسع له إلى فراغ صلاته، وحينئذ فلم يفعل البعض في الوقت، والبعض خارجه، بل الجميع في الوقت، واستشهد لهذا/ (8/أ/م) الاحتمال بمفهوم قول الشافعي في (المختصر): فإذا طلعت الشمس قبل أن يصلي منها ركعة فقد خرج وقتها.
وخرج بقوله: (ما دخل وقته) فعله قبل دخول وقته، وهو باطل إلا فيما جوزه الشرع، كزكاة الفطر، فهو تعجيل، والوقت يتناول الأصل والتابع، وهو وقت العصر والعشاء في جمع التأخير، فالصحيح أن المؤخرة أداء.
وقوله: (قبل خروجه) خرج به فعله بعد خروجه، وهو القضاء، ثم حكى في تعريفه قولاً آخر: أنه فعل كل ما دخل وقته قبل خروجه، وهذا على الوجه الذاهب إلى أن الجميع قضاء، وهذا الذي اعتبره في الأداء من فعل البعض لم يعتبره الأصوليون، والظاهر أنهم لا يسمون فعل البعض ولو كان ركعة أداء، وتبع المصنف في ذلك الفقهاء، وما كان ينبغي ذلك في بيان مصطلح أهل الأصول، ولا يلزم من قوله عليه الصلاة والسلام:((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) أن تكون أداء، وغايته أن الشارع
جعل حكمه كحكم المدرك على طريق الفضل والامتنان، والتوسيع، وإعطائه حكمه لا أنه مؤد حقيقة، كيف وتأخير الصلاة بحيث يخرج بعضها عن الوقت حرام؟ فكيف يساوي فعل هذا المرتكب للحرام فعل المصيب الموقع لجميع الصلاة في وقتها؟ ولعله عليه الصلاة والسلام إنما ذكر هذا الإدراك بالنسبة إلى إلزام الزائل عذره فعل تلك العبادة لا بالنسبة لجعله مؤدياً، ويدل لذلك أن هذا لم يطرده الفقهاء في الجمعة، بل قالوا/ (7/أ/ د) بامتناع الجمعة بخروج جزء منها عن الوقت، وإنما يكمل ظهراً، والله أعلم.
وقوله: (بعض وكل) غير منونين للإضافة، فإن أحدهما مضاف إلى قوله:(ما) والآخر إلى نظيره تقديراً، وفعل ذلك المصنف اختصاراً، وهو كقوله:(قطع الله يد ورجل من قالها) وجواز مثله خاص بالمصطحبين، كاليد والرجل، والبعض والكل، ولو اجتنب المصنف مثل هذا في التعريفات لكان أولى، فإنها موضوعة للإيضاح والبيان، وهذا ينافيه.
ص: والمؤدى ما فعل.
ش: أي ما فعل بعضه، وقيل: كله، بعد دخول وقته، وقبل خروجه، وإنما عرف المؤدى مع أنه مفهوم من تعريف الأداء لينبه على التنكيت على ابن الحاجب في تعريفه الأداء، بأنه ما فعل
…
إلى آخره، فأشار إلى أنه إنما ينبغي أن يصدر بهذا تعريف المؤدى لا الأداء، ولا يجوز جعل (ما) في عبارة ابن الحاجب مصدرية، لإعادته الضمير عليها في قوله:(في وقته) ولأن الضمير إنما يعود على الأسماء، والمصدرية حرف./ (8ب/م).
ص: والوقت: الزمان المقدر له شرعاً مطلقاً.
ش: هذا تعريف للوقت المذكور في تعريف الأداء، فقوله:(الزمان) جنس، وقوله:(المقدر له شرعاً) أي للفعل، خرج به زمان الفعل المأمور
به من غير تعرض للزمان، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الشرع لم يقدر له زماناً، وإن كان الأمر يدل على الزمان بالالتزام، ومن ضرورة الفعل وقوعه في زمان، ولكن ليس مقصوداً للشارع، وقوله:(مطلقاً) أي سواء أكان مضيقاً كصوم رمضان، أو موسعاً كالصلوات الخمس.
قال الشارح: وقد توقت العبادة بوقت لا نهاية له، كطواف الإفاضة.
قلت: هذا مردود، فإن طواف الإفاضة لم يحد له الشرع وقتاً معيناً حتى يقال: إنه موقت، والله أعلم.
ولم يتعرض المصنفون لتعريف الوقت، وإن كانت عبارة ابن الحاجب في حد الأداء تستلزم ذلك.
وأخذ المصنف ذلك من كلام والده حيث قال: الأحسن عندي في تفسيره أنه الزمان المنصوص عليه للفعل من جهة الشرع.
وسبقه إلى ذلك الشيخ عز الدين، فقال في أماليه: الوقت على قسمين: مستفاد من الصيغة الدالة على المأمور، ووقت يحده الشارع للعبادة، والمراد بالوقت في حد الأداء هو الثاني، دون الأول، ويترتب على ذلك أنا إذا قلنا بالفور في الأمر، فأخر المأمور به، لا يكون قضاء، لأنها إنما خرجت عن الوقت الذي دل عليه اللفظ لا الوقت الذي قدره الشرع.
ص: والقضاء فعل كل ـ وقيل بعض ـ ما خرج وقت أدائه استدراكاً لما سبق له مقتض للفعل مطلقا.
ش: عرف المصنف القضاء بأنه فعل كل ما خرج وقت أدائه إلى آخره.
فالفعل جنس، وقولنا:(كل) خرج به البعض، فإنه/ (7ب/د) متى فعل البعض في الوقت كان الجميع أداء، وهذا معترض كما تقدم في تعريف الأداء، فإن
ذلك مخصوص في بعض، وهو ركعة.
وخرج بقوله: (ما خرج وقت أدائه) الأداء، وقوله:(استدراكاً لما سبق له مقتض للفعل) احتراز عما فعل بعد وقت الأداء، لا بقصد الاستدراك، فإنه لا يسمى قضاء، ودخل في قوله:(مقتض للفعل) أي طالب له ـ الواجب والمندوب، فكلاهما مطلوب شرعاً، وكلاهما يوصف بالقضاء، وهذا أحسن من تعبير ابن الحاجب والبيضاوي بالوجوب، والحق أنه لا يحتاج إلى هذه الزيادة، فإنه متى لم يسبق مقتض للفعل لا يكون المفعول/ (9/أ/م) بعد خروج وقت الأداء تلك العبادة بل غيرها.
وقوله: (مطلقاً) أي سواء أكان أداؤه واجباً كالصلاة المتروكة عمداً، أو لم يجب وأمكن كصوم المسافر، أو امتنع عقلاً كصلاة النائم أو شرعاً كصلاة الحائض.
ثم حكى المصنف في تعريف القضاء قولاً آخر: إنه فعل بعض ما خرج وقت أدائه إلى آخره، لأجل القول الآخر.
وقوله: (كل وبعض) غير منونين للإضافة الملفوظة والمنوية كما تقدم في نظيره.
ص: والمقضي المفعول.
ش: عبر هنا بالمفعول، لأنه أحسن وعبر هناك بما فعل إشارة للاستدراك على ابن الحاجب كما تقدم، فلا حاجة إلى تكريره.
ص: والإعادة فعله في وقت الأداء قيل: لخلل وقيل: لعذر، فالصلاة المكررة معادة.
ش: الإعادة نوع من الأداء، وهي فعله، أي فعل الأداء المعاد في وقت الأداء، ويفهم من هذا التعبير أن المراد فعله ثانياً.
وخرج بقوله: (في وقت الأداء) القضاء، ثم حكى خلافاً في أنه هل يعتبر
في الإعادة أن يكون فعل الثانية لخلل واقع في الأولى، وهو أن يختل فيها ركن أو شرط أو لعذر، وإن لم تكن مختلة، والمراد به أن تكون الثانية أكمل من الأولى، وإن كانت الأولى صحيحة، وبنى عليهما الصلاة المكررة فهي على الثاني معادة، وعلى الأول ليست معادة، إذ لا خلل في الأولى، وجزم البيضاوي بالأول، ورجحه ابن الحاجب.
وقال السبكي: إن كلام الأصوليين يقتضي الأول، والأقرب إلى إطلاقات الفقهاء الثاني، واللغة تساعد على ذلك، فليكن هو المعتمد، انتهى.
ولم يرجح المصنف واحداً من القولين: لأنه زيفهما في (شرح المختصر) بما إذا تساوت الجماعتان من كل وجه، ثم اختار أنها ما فعل في وقت الأداء ثانياً مطلقًا، أي أعم من أن يكون لخلل أو عذر أو غيرهما.
قال الشارح: وهو ممنوع، لأنه لا يدرى القبول في أيتهما، فالاحتياط الإعادة، كما لو ترجحت الثانية، وقد أشار إليه احتمالاً.
قلت: فيكون العذر لازماً للإعادة، لو لم يكن إلا احتمال عدم القبول، والله أعلم.
وما ذكرناه من أن الإعادة قسم/ (8/أ/د) من الأداء، وهو ما صرح به الآمدي/ (9/ب/م) وغيره.
وقال السبكي: إنه مقتضى إطلاق الفقهاء، ومقتضى كلام الأصوليين، القاضي أبي بكر في (التقريب)، و (الإرشاد) والغزالي في (المستصفى) والإمام في (المحصول)، ولكن الإمام لما أطلق ذلك ثم قال: إنه إن فعل ثانياً بعد خلل سمي إعادة، ظن صاحبا (الحاصل) و (التحصيل) أن
هذا مخصص للإطلاق المتقدم فقيداه، وتبعهما البيضاوي، فجعلوا الإعادة قسيمة للأداء، واعتبروا في حق الأداء ألا يسبق بأداء مختل.
قال: وليس لهم مساعدة من إطلاق الفقهاء، ولا من كلام الأصوليين، فالصواب: أن الأداء اسم لما وقع في الوقت مطلقاً مسبوقاً كان أو سابقاً، أو منفرداً، انتهى.