الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطاب لا حكم، لم يكن الحكم إلا لله تعالى، خلافاً للمعتزلة في دعواهم أن العقل يدرك الحكم بالحسن والقبح، فهو عندهم طريق إلى العلم بالحكم الشرعي، فهم لم يجعلوا لغير الله حكماً، بل قالوا: إنه يمكن إدراك حكمه بالعقل من غير ورود سمع، وعبارة المصنف توهم خلاف ذلك، و (ثم) هنا للمكان المجازي.
تعريف الحسن والقبح
ص: والحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته، وصفة الكمال والنقص عقلي، وبمعنى ترتب الذم عاجلاً، والعقاب آجلاً شرعي، خلافاً للمعتزلة.
ش: الحسن والقبح يطلق بثلاث اعتبارات:
أحدها: ما يلائم الطبع وينافره، كقولنا: إنقاذ الغريق حسن، واتهام البريء قبيح.
والثاني: صفة الكمال والنقص، كقولنا: العلم حسن، والجهل قبيح، وهو بهذين الاعتبارين عقلي بلا خلاف، أي: إن العقل يستقل بإدراكهما من غير توقف على الشرع.
والثالث: ما يوجب المدح أو الذم الشرعي عاجلاً، والثواب أو العقاب آجلاً، وهو موضع الخلاف.
فالمعتزلة قالوا: هو عقلي أيضاً، أي: يستقل العقل بإدراكه،
وقال أهل السنة: هو شرعي.
أي: لا يعرف إلا بالشرع.
تنبيه:
كان ينبغي أن يقول في الأول: عقليان، ولكنه حذف خبر أحد المبتدأين لدلالة الآخر أو التقدير: / (4ب/م) كلاهما عقلي، فحذف أحد جزأي الخبر.
وقوله: (خلافاً للمعتزلة) منصوب على المصدر أو الحال، أي: أقول ذلك خلافاً لهم، أي: مخالفاً لهم.
واقتصر المصنف على الذم والعقاب، مهملاً للمدح والثواب لتلازمهما نفياً وإثباتاً.
والمراد بترتب العقاب نص الشارع عليه، وذلك لا ينافي جواز العفو، فلو قال/: كونه متعلق العقاب، لكان أحسن.
ص: وشكر المنعم واجب بالشرع لا بالعقل.
ش: لا يستقل العقل بإيجاب شكر المنعم خلافاً: للمعتزلة. وأورد عليهم الشيخ أبو إسحاق في كتاب الحدود مناقضة، فإنهم قالوا: يجب على الله أن يثبت المطيعين، وأن ينعم على الخلق، وإذا وجب الثواب فلا معنى للشكر، لأن من قضى دينه لم يستحق الشكر، ففي الجمع بين هاتين المقالتين مناقضة، والمراد بشكر المنعم الإتيان بالمستحسنات العقلية، والانتهاء عن المستخبثات العقلية.
ص: ولا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده وحكمت المعتزلة العقل فإن لم يقض فثالثها لهم الوقف عن الحظر والإباحة.
ش: مذهب أئمتنا أنه لا حكم قبل ورود الشرع، وظاهر كلام المصنف انتفاء الحكم نفسه، وهو الذي حكاه القاضي أبو بكر في (مختصر التقريب) عن أهل الحق، وقاله الإمام في (البرهان) والغزالي، وقال النووي: إنه الصحيح عن أصحابنا.
وقيل: المراد عدم العلم بالحكم أي: إن لها حكماً قبل ورود الشرع، لكنا لا نعلمه، وقال البيضاوي، إنه مراد الأشعري بالوقف في هذه المسألة، لأن الحكم عنده قديم، فتفسير الوقف بعدم الحكم يلزم منه حدوث الحكم، وهو خلاف مذهبه، وقول المصنف:(بل الأمر موقوف إلى وروده) دفع به توهم ما قاله البيضاوي، وبين أن مرادهم بالوقف أن الأمر موقوف إلى ورود الشرع، وأن الحكم منتف قبل وروده، وذهبت المعتزلة إلى أن ما قضى فيه العقل بحسن أو قبح، اتبع فيه حكمه، وانقسم إلى الأحكام الخمسة، فما قضى
بحسنه إن لم يرجح فعله على تركه، فهو المباح، وإن ترجح فإن ألحق الذم على تركه فهو الواجب، وإلا فهو المندوب، وما قضى بقبحه إن قضي بالذم على فعله فالحرام، وإلا فالمكروه، وإن لم يقض فيه بشيء ففيه ثلاثة مذاهب: أحدها: الحظر، والثاني: الإباحة، والثالث: الوقف (5أ/م).
قال ابن التلمساني: والقائلون بالحظر لا يريدون أنه باعتبار صفة في المحل، بل حظر احتياطي، كما يجب اجتناب المنكوحة إذا اختلطت بأجنبية، والقائلون بالوقف أرادوا وقف حيرة، هكذا حرر الآمدي وابن الحاجب موضع الخلاف، وأطلقه في (المحصول) وقال القرافي: إطلاقه الخلاف ينافي قواعدهم، إذ الحظر يقتضي تحريم إنقاذ الغريق، والإباحة تقتضي إباحة القتل، أما ما لم يطلع العقل على مفسدته أو مصلحته فيمكن أن يجيء فيه الخلاف، ثم رأيت كلام أبي الحسين، في (المعتمد) حكى عنهم الخلاف من غير تقييد، وهو أعلم بمذهبهم فرجعت إلى طريقة الإمام.
ص: والصواب امتناع تكليف الغافل والملجأ وكذا المكره على الصحيح، ولو على القتل، وأثم القاتل لإيثاره نفسه.
ش: فيه مسائل:
الأولى: يمتنع تكليف الغافل كالنائم والساهي والمجنون والسكران، وللأشعري قول بجوازه بناء على جواز تكليف ما لا يطاق، وهو مقابل الصواب في عبارة المصنف، والمشهور منعه، وإن جوزنا ذاك، لأن في ذاك فائدة الابتلاء، ولا فائدة له هنا.
ونقل ابن برهان في (الأوسط) عن الفقهاء جوازه على معنى ترتب الفعل في الذمة، وقد يتوهم أن الشافعي يرى تكليف الغافل/ لنصه على تكليف السكران، وليس كذلك، فإنه إنما قال بتكليف السكران عقوبة له، لتسببه إلى ذلك بمحرم باختياره، واستثنى البيضاوي تبعاً لصاحب (الحاصل) بمعرفة الله تعالى فإنه مكلف بها مع الغفلة عن ذلك، إذ لو عرف تكليفه بها لعرف الله تعالى، فيكون الأمر بمعرفته تحصيلاً للحاصل، وهو محال، والحق أنها لا تستثنى، فإن الحاصل المعرفة الإجمالية، والمكلف به المعرفة التفصيلية.
الثانية: يمتنع تكليف الملجأ، وهو الذي صار كالمرتعش بالنسبة للرعشة، كالملقى من شاهق، وتعبير المصنف يفهم حكاية خلاف فيه، وكلام الآمدي يشير إليه بناء على جواز تكليف ما لا يطاق عقلاً.
الثالثة: في تكليف المكره قولان:
أحدهما وهو قول المعتزلة: المنع، أمر بالمكره عليه دون ما عداه من الأفعال، وهو مختار المصنف هنا.
الثاني: الجواز، وإن كان غير واقع، وهو قول الأشاعرة، وقد رجع إليه
المصنف آخراً، وطرد المصنف مع تكليفه في القتل، فالإكراه عليه يخرج المكره عن التكليف، ثم استشعر سؤالا، وهو أنه آثم بلا خلاف، ويجب عليه القصاص في الأصح، فكيف لا يكون مكلفاً؟ وأشار إلى الجواب عنه بأنه لم يأثم من جهة الإكراه بل من جهة أنه آثر نفسه على غيره، فإن معنى قول المكره: اقتل زيداً، وإلا قتلتك ـ التخيير بين نفسه ونفس زيد، فإذا قتل زيداً فقد آثر نفسه فأثم لاختياره، فهذا الفعل ذو جهتين: جهة الإكراه، ولا إثم فيها، وجهة الإيثار، ولا إكراه فيها.
وقال الشارح: ما اختاره في القاتل هو بظاهره مضاد للإجماع، ففي (التلخيص) لإمام الحرمين: (أجمع العلماء قاطبة على توجه النهي على المكره على القتل، وهذا عين التكليف في مثال الإكراه، وهو مما لا منجاة منه.
وقال الشيخ في (شرح اللمع): (انعقد الإجماع على أن المكره على القتل مأمور باختيار القتل، ودفع المكره عن نفسه، وأنه آثم بقتل من أكره على قتله، وذلك يدل على أنه مكلف حال الإكراه، وبه صرح الغزالي، وغيره انتهى.
ص: ويتعلق الأمر بالمعدوم تعلقاً معنوياً، خلافاً للمعتزلة.
ش: مذهب الأشاعرة: أن الأمر وكذا النهي يتعلق بالمعدوم تعلقاً معنوياً لا تنجيزياً فأمر الله ونهيه يتعلقان في الأزل بالمكلف لا على معنى تنجيز التعلق في حال عدمه، بل على معنى أنه إذا وجد بصفة التكليف صار مكلفاً بذلك الطلب القديم من غير تجدد طلب آخر، وهذا مبني على إثبات الكلام النفسي، فلذلك خالف فيه المعتزلة لإنكارهم الكلام النفسي، وقال الشيخ/ (4/أ/د) المقترح جد ابن دقيق العيد، لأمه: الأمر لم يتعلق بالمعدوم، بل