المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل التوكل على الله في الرزق المتضمن جلب المنفعة] - الفتاوى الكبرى لابن تيمية - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فُقَرَاء يَجْتَمِعُونَ يَذْكُرُونَ وَيَقْرَءُونَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنْدِيّ قَلَعَ بَيَاضَ لِحْيَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمْع الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ بِدْعَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُل قَالَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَبُوسُ الْأَرْضَ دَائِمًا هَلْ يَأْثَمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْوُجُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَعْنَى حَدِيثِ يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي]

- ‌[فَصَلِّ تَحْرِيمُ اللَّهِ الظُّلْمَ عَلَى الْعِبَادِ]

- ‌[فَصْلٌ إحْسَانُ اللَّه إلَى عِبَادِهِ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّن جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَغْفِرَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ]

- ‌[فَصْلٌ بِرُّ النَّاس وَفُجُورهُمْ لَا يَزِيدُ فِي مُلْكِ اللَّه وَلَا يُنْقِصُ]

- ‌[فَصْلٌ سُؤَال الْخَلَائِق جَمِيعهمْ لِلَّهِ فِي مَكَان وَزَمَان وَاحِد]

- ‌[فَصْلٌ عَدْل اللَّه وَإِحْسَانه فِي الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَوْضُ النَّاس فِي أُصُولِ الدِّينِ مِمَّا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَقُولُ النُّصُوصُ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قُبُور الْأَنْبِيَاءِ هَلْ هِيَ الَّتِي تَزُورُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمَاعَة يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَة يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ زِيَارَة الْقُدْسِ وَقَبْرِ الْخَلِيلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّبَاع الرَّسُولِ بِصَحِيحِ الْمَعْقُولِ]

- ‌[فَصْلٌ أَحَبّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَأَعْظَم الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ وَالِاغْتِسَالِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْتِزَامُ مَذْهَبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ حَدِيث نِيَّة الْمَرْءِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَّة فِي الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَاء الْكَثِير إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بِمُكْثِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُؤْرُ الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَتْ مِنْ دُونِ الْقُلَّتَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَغَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب إذَا وَقَعَ فِي بِئْر كَثِير الْمَاء وَمَاتَ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَرِيض طُبِخَ لَهُ دَوَاءٌ فَوَجَدَ فِيهِ زِبْلَ الْفَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فَرَّان يَحْمِي بِالزِّبْلِ وَيَخْبِزُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي فِي أَرْضِ الْحَمَّامِ مِنْ اغْتِسَالِ النَّاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْبُ إذَا وَلَغَ فِي اللَّبَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُنَاس فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمْ قَلِيلُ مَاءٍ فَوَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الزَّيْت إذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَمَاتَتْ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ يَجُوزُ التَّعَمُّدُ لِإِفْسَادِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَعَ عَلَى ثِيَابِهِ مَاءٌ مِنْ طَاقَةٍ مَا يَدْرِي مَا هُوَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَلْب طَلَعَ مِنْ مَاءٍ فَانْتَفَضَ عَلَى شَيْءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفَخَّار الَّذِي يُشْوَى بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَمْ نَجَسٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَظْم الْمَيْتَةِ وَقَرْنهَا وَظُفُرهَا وَرِيشهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي السِّوَاكِ وَتَسْرِيحِ اللِّحْيَةِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة هَلْ تُخْتَنُ أَمْ لَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ وَلَا مُطَهَّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخِتَان مَتَى يَكُونُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَمْ مِقْدَارُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ حَتَّى يَحْلِقَ عَانَتَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ جُنُبًا وَقَصَّ ظُفُرَهُ أَوْ شَارِبَهُ أَوْ مَشَّطَ رَأْسَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْح الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى عُنُقِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ لَمْسُ كُلّ ذَكَر يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَوَضَّأَ وَقَامَ يُصَلِّي فَأَحَسَّ بِالنُّقْطَةِ فِي صَلَاتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسّ يَد الصَّبِيّ الْأَمْرَدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ أَوْ ضَمَّهَا فَأَمْذَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَيْء يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَكْل لَحْمِ الْإِبِلِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَة أَوْ حَيْض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ تَضَعُ دَوَاءً لِتَمْنَع نُفُوذَ الْمَنِيِّ فِي مَجَارِي الْحَبَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آدَاب الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عُبُور الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَهِيجُ عَلَيْهِ بَدَنُهُ فَيَسْتَمْنِي بِيَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ بِهَا مَرَضٌ فِي عَيْنَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنُب فِي بَيْتٍ مُبَلَّطٍ مُغْلَق عَلَيْهِ لَا يَعْلَم مَتَى يَخْرَج مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَيُصَلِّي بِوُضُوءٍ مُحْتَقِنًا أَمْ يُحْدِثُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَامَ جُنُبًا فَاسْتَيْقَظَ قَرَّبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَخَشِيَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سَافَرَ مَعَ رُفْقَةٍ هُوَ إمَامُهُمْ فَاحْتَلَمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْل أَنْ تَغْتَسِلَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَمْر إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ مِنْ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِهِ قَيْحٌ لَا يَنْقَطِعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حَالِ النِّفَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَا تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنِيّ الْإِنْسَانِ وَغَيْره مِنْ الدَّوَابِّ الطَّاهِرَةِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ الَّتِي لَمْ تَحْرُمْ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَنِيِّ الْآدَمِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب إذَا وَلَغَ فِي اللَّبَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَحَمَلَ الْمُصْحَفَ بِأَكْمَامِهِ لِيَقْرَأَ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُدَّة الْحَيْض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُدَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُنُبُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إزَالَة النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَاس فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمْ مَاءٌ قَلِيلٌ فَوَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوَانِي النُّحَاسِ الْمُطَعَّمَة بِالْفِضَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَمْس النِّسَاءِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِنْطَار زَيْتٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَوَاف الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْحَجُّ بِدُونِ طَوَافِهَا وَهِيَ حَائِضٌ]

- ‌[مَسْأَلَة مِنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ أَيُؤَخِّرُ الطُّهْر إلَى أَنْ يَتَضَحَّى النَّهَارُ]

- ‌[مَسْأَلَة دِبَاغ جُلُود الْحُمُرِ وَجِلْد مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْمَيْتَة]

- ‌[مَسْأَلَة مُرَابٍ خَلَّفَ مَالًا وَوَلَدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْجُبْنِ الْإِفْرِنْجِيِّ وَالْجُوخِ]

الفصل: ‌[فصل التوكل على الله في الرزق المتضمن جلب المنفعة]

بِالشَّرْطِ، فَلَمْ يَقُلْ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمْكُمْ، وَلَا قَالَ: فَيُعَلِّمْكُمْ، وَإِنَّمَا أَتَى بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَلَيْسَ مِنْ الْعَطْفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبُ الثَّانِي. وَقَدْ يُقَالُ: الْعَطْفُ قَدْ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاقْتِرَانِ وَالتَّلَازُمِ، كَمَا يُقَالُ زُرْنِي وَأَزُورُك، وَسَلِّمْ عَلَيْنَا وَنُسَلِّمْ عَلَيْك، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي اقْتِرَانَ الْفِعْلَيْنِ، وَالتَّعَاوُضُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِسَيِّدِهِ اعْتِقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ. أَوْ: اخْلَعْنِي وَلَك أَلْفٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا: بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ، أَوْ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ، فَإِنَّهُ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَلْفٍ، أَوْ: بِأَلْفٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَوْلٌ شَاذٌّ، وَيَقُولُ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ لِلْآخَرِ: أُعْطِيك هَذَا وَآخُذُ هَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ، فَيَقُولُ الْآخَرُ: نَعَمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا هُوَ السَّبَبَ لِلْآخَرِ دُونَ الْعَكْسِ. فَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] ، قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَكُلٌّ مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ، وَتَقْوَى الْعَبْدِ يُقَارِبُ الْآخَرَ وَيُلَازِمُهُ وَيَقْتَضِيهِ، فَمَتَى عَلَّمَهُ اللَّهُ الْعِلْمَ النَّافِعَ اقْتَرَنَ بِهِ التَّقْوَى بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَمَتَى اتَّقَاهُ زَادَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَهَلُمَّ جَرًّا.

[فَصْلٌ التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّن جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ]

فَصْلٌ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، وَكُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْته فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ» فَيَقْتَضِي أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا. وُجُوبُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّنِ جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ، كَالطَّعَامِ، وَدَفْعَ الْمَضَرَّةِ كَاللِّبَاسِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ غَيْرُ اللَّهِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ قُدْرَةً مُطْلَقَةً. وَإِنَّمَا الْقُدْرَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لِبَعْضِ الْعِبَادِ تَكُونُ عَلَى بَعْضِ أَسْبَابِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] . وَقَالَ: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] .

فَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْمَقْدُورُ لِلْعِبَادِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14]{يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15]{أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16]

ص: 106

وَقَوْلُهُ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] . وَقَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] . وَقَالَ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47] . فَذَمَّ مَنْ يَتْرُكُ الْمَأْمُورَ بِهِ اكْتِفَاءً بِمَا يَجْرِي بِهِ الْقَدَرُ.

وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّ السَّبَبَ الْمَأْمُورَ بِهِ، أَوْ الْمُبَاحَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي وُجُودِ السَّبَبِ، بَلْ الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ إلَى اللَّهِ ثَابِتَةٌ مَعَ فِعْلِ السَّبَبِ. إذْ لَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ وَحْدَهُ سَبَبٌ تَامٌّ لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ. وَلِهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ تَقْتَرِنَ الْحَوَادِثُ بِمَا قَدْ يُجْعَلُ سَبَبًا إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. فَمَنْ ظَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ بِالسَّبَبِ عَنْ التَّوَكُّلِ فَقَدْ تَرَكَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ التَّوَكُّلِ، وَأَخَلَّ بِوَاجِبِ التَّوْحِيدِ، وَلِهَذَا يُخْذَلُ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ إذَا اعْتَمَدُوا عَلَى الْأَسْبَابِ، فَمَنْ رَجَا نَصْرًا أَوْ رِزْقًا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ خَذَلَهُ اللَّهُ، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَا يَرْجُوَنَّ عَبْدٌ إلَّا رَبَّهُ، وَلَا يَخَافَنَّ إلَّا ذَنْبَهُ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [يونس: 107] . وَقَالَ: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38] . وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَنْ أَخَذَ يَدْخُلُ فِي التَّوَكُّلِ تَارِكًا لِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ فَهُوَ أَيْضًا

ص: 107

جَاهِلٌ ظَالِمٌ عَاصٍ لِلَّهِ يَتْرُكُ مَا أَمَرَهُ، فَإِنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123] . وَقَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] . وَقَالَ: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30] . وَقَالَ شُعَيْبٌ عليه السلام: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] .

وَقَالَ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10] . وَقَالَ: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4] . فَلَيْسَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا أُمِرَ بِهِ، وَتَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّوَكُّلِ بِأَعْظَمَ ذَنْبًا مِمَّنْ فَعَلَ تَوَكُّلًا أُمِرَ بِهِ وَتَرَكَ فِعْلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السَّبَبِ، إذْ كِلَاهُمَا مُخِلٌّ بِبَعْضِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهُمَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي جِنْسِ الذَّنْبِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَلْوَمَ. وَقَدْ يَكُونُ الْآخَرُ، مَعَ أَنَّ التَّوَكُّلَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ: حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، لَكِنْ عَلَيْك بِالْكَيْسِ، فَإِنْ غَلَبَك أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، فَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ لَكَانَ كَذَا

ص: 108

وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» . فَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ» . أَمْرٌ بِالتَّسَبُّبِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَأَمَرَ مَعَ ذَلِكَ بِالتَّوَكُّلِ وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ، فَمَنْ اكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا فَقَدْ عَصَى أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَنَهَى عَنْ الْعَجْزِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكَيْسِ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:«إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْك بِالْكَيْسِ» .

وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّامِيِّ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» . فَالْعَاجِزُ فِي الْحَدِيثِ مُقَابِلُ الْكَيِّسِ، وَمَنْ قَالَ: الْعَاجِزُ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْبَرِّ، فَقَدْ حَرَّفَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:«كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ» . وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، يَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَإِذَا قَدِمُوا سَأَلُوا النَّاسَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] . فَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّزَوُّدِ فَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَأَحْسَنَ مِنْهُ إلَى مَنْ يَكُونُ مُحْتَاجًا، كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، بِخِلَافِ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ مُلْتَفِتًا إلَى أَزْوَادِ الْحَجِيجِ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ هَذَا قَلْبُهُ غَيْرُ مُلْتَفِتٍ إلَى مُعِينٍ، فَهُوَ مُلْتَفِتٌ إلَى الْجُمْلَةِ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُتَزَوِّدُ غَيْرَ قَائِمٍ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَمُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِ، فَقَدْ يَكُونُ فِي تَرْكِهِ لِمَا أُمِرَ بِهِ، مِنْ جِنْسِ هَذَا التَّارِكِ لِلتَّزَوُّدِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

وَفِي هَذِهِ النُّصُوصِ بَيَانُ غَلَطِ طَوَائِفَ: فَطَائِفَةٌ تُضَعِّفُ أَمْرَ السَّبَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَتَعُدُّهُ نَقْصًا، وَقَدْحًا فِي التَّوْحِيدِ وَالتَّوَكُّلِ، وَأَنَّ تَرْكَهُ مِنْ كَمَالِ التَّوَكُّلِ وَالتَّوْحِيدِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مَلْبُوسٌ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِالْغَلَطِ اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي إخْلَادِ النَّفْسِ إلَى الْبَطَالَةِ، وَلِهَذَا تَجِدُ عَامَّةَ هَذَا الضَّرْبِ التَّارِكِينَ لِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ يَتَعَلَّقُونَ بِأَسْبَابٍ دُونَ

ص: 109

ذَلِكَ. فَإِمَّا أَنْ يُعَلِّقُوا قُلُوبَهُمْ بِالْخَلْقِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً، وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكُوا لِأَجْلِ مَا تَبَتَّلُوا لَهُ مِنْ الْغُلُوِّ فِي التَّوَكُّلِ وَاجِبَاتٍ أَوْ مُسْتَحَبَّاتٍ أَنْفَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَنْ يَصْرِفُ هِمَّتَهُ فِي تَوَكُّلِهِ إلَى شِفَاءِ مَرَضِهِ بِلَا دَوَاءٍ، أَوْ نَيْلِ رِزْقِهِ بِلَا سَعْيٍ، فَقَدْ يَحْصُلُ ذَلِكَ، لَكِنْ كَانَ مُبَاشَرَةُ الدَّوَاءِ الْخَفِيفِ وَالسَّعْيِ الْيَسِيرِ، وَصَرْفُ تِلْكَ الْهِمَّةِ، وَالتَّوَجُّهُ فِي عِلْمٍ صَالِحٍ أَنْفَعَ لَهُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَبَتُّلِهِ لِهَذَا الْأَمْرِ الْيَسِيرِ الَّذِي قَدْرُهُ دِرْهَمٌ، أَوْ نَحْوُهُ، وَفَوْقَ هَؤُلَاءِ مَنْ يَجْعَلُ التَّوَكُّلَ وَالدُّعَاءَ أَيْضًا نَقْصًا وَانْقِطَاعًا عَنْ الْخَاصَّةِ، ظَنًّا أَنَّ مُلَاحَظَةَ مَا فُرِّعَ مِنْهُ فِي الْقَدْرِ هُوَ حَالُ الْخَاصَّةِ.

وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ» . وَقَالَ: «فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ» . وَفِي الطَّبَرَانِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ:«لِيَسْأَلَ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ إذَا انْقَطَعَ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ» . وَهَذَا قَدْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ أَيْضًا اسْتِهْدَاءَ اللَّهِ وَعَمَلَهُ بِطَاعَتِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُمْ يُوجِبُ دَفْعَ الْمَأْمُورِ بِهِ مُطْلَقًا، بَلْ دَفْعُ الْمَخْلُوقِ وَالْمَأْمُورِ. وَإِنَّمَا غَلِطُوا مِنْ حَيْثُ ظَنُّوا سَبْقَ التَّقْدِيرِ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ بِالسَّبَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ، كَمَنْ يَتَزَنْدَقُ فَيَتْرُكُ الْأَعْمَالَ الْوَاجِبَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَدَرَ قَدْ سَبَقَ بِأَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَهْلِ الشَّقَاوَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ: أَنَّ الْقَدَرَ سَبَقَ بِالْأُمُورِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَمَنْ قَدَّرَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ كَانَ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ يَتَيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ قَدَّرَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ كَانَ مِمَّا قَدَّرَهُ أَنَّهُ يُيَسِّرُهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ، كَمَا قَدْ أَجَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَسُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ وَغَيْرِهِمْ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي خُزَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ . فَقَالَ: هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» . وَطَائِفَةٌ تَظُنُّ أَنَّ التَّوَكُّلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَقَامَاتِ الْخَاصَّةِ الْمُتَقَرِّبِينَ إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ،

ص: 110