المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الخمر إذا انقلبت خلا] - الفتاوى الكبرى لابن تيمية - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فُقَرَاء يَجْتَمِعُونَ يَذْكُرُونَ وَيَقْرَءُونَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنْدِيّ قَلَعَ بَيَاضَ لِحْيَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمْع الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ بِدْعَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُل قَالَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَبُوسُ الْأَرْضَ دَائِمًا هَلْ يَأْثَمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْوُجُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَعْنَى حَدِيثِ يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي]

- ‌[فَصَلِّ تَحْرِيمُ اللَّهِ الظُّلْمَ عَلَى الْعِبَادِ]

- ‌[فَصْلٌ إحْسَانُ اللَّه إلَى عِبَادِهِ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّن جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَغْفِرَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ]

- ‌[فَصْلٌ بِرُّ النَّاس وَفُجُورهُمْ لَا يَزِيدُ فِي مُلْكِ اللَّه وَلَا يُنْقِصُ]

- ‌[فَصْلٌ سُؤَال الْخَلَائِق جَمِيعهمْ لِلَّهِ فِي مَكَان وَزَمَان وَاحِد]

- ‌[فَصْلٌ عَدْل اللَّه وَإِحْسَانه فِي الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَوْضُ النَّاس فِي أُصُولِ الدِّينِ مِمَّا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَقُولُ النُّصُوصُ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قُبُور الْأَنْبِيَاءِ هَلْ هِيَ الَّتِي تَزُورُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمَاعَة يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَة يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ زِيَارَة الْقُدْسِ وَقَبْرِ الْخَلِيلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّبَاع الرَّسُولِ بِصَحِيحِ الْمَعْقُولِ]

- ‌[فَصْلٌ أَحَبّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَأَعْظَم الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ وَالِاغْتِسَالِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْتِزَامُ مَذْهَبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ حَدِيث نِيَّة الْمَرْءِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَّة فِي الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَاء الْكَثِير إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بِمُكْثِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُؤْرُ الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَتْ مِنْ دُونِ الْقُلَّتَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَغَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب إذَا وَقَعَ فِي بِئْر كَثِير الْمَاء وَمَاتَ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَرِيض طُبِخَ لَهُ دَوَاءٌ فَوَجَدَ فِيهِ زِبْلَ الْفَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فَرَّان يَحْمِي بِالزِّبْلِ وَيَخْبِزُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي فِي أَرْضِ الْحَمَّامِ مِنْ اغْتِسَالِ النَّاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْبُ إذَا وَلَغَ فِي اللَّبَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُنَاس فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمْ قَلِيلُ مَاءٍ فَوَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الزَّيْت إذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَمَاتَتْ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ يَجُوزُ التَّعَمُّدُ لِإِفْسَادِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَعَ عَلَى ثِيَابِهِ مَاءٌ مِنْ طَاقَةٍ مَا يَدْرِي مَا هُوَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَلْب طَلَعَ مِنْ مَاءٍ فَانْتَفَضَ عَلَى شَيْءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفَخَّار الَّذِي يُشْوَى بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَمْ نَجَسٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَظْم الْمَيْتَةِ وَقَرْنهَا وَظُفُرهَا وَرِيشهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي السِّوَاكِ وَتَسْرِيحِ اللِّحْيَةِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة هَلْ تُخْتَنُ أَمْ لَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ وَلَا مُطَهَّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخِتَان مَتَى يَكُونُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَمْ مِقْدَارُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ حَتَّى يَحْلِقَ عَانَتَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ جُنُبًا وَقَصَّ ظُفُرَهُ أَوْ شَارِبَهُ أَوْ مَشَّطَ رَأْسَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْح الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى عُنُقِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ لَمْسُ كُلّ ذَكَر يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَوَضَّأَ وَقَامَ يُصَلِّي فَأَحَسَّ بِالنُّقْطَةِ فِي صَلَاتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسّ يَد الصَّبِيّ الْأَمْرَدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ أَوْ ضَمَّهَا فَأَمْذَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَيْء يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَكْل لَحْمِ الْإِبِلِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَة أَوْ حَيْض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ تَضَعُ دَوَاءً لِتَمْنَع نُفُوذَ الْمَنِيِّ فِي مَجَارِي الْحَبَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آدَاب الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عُبُور الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَهِيجُ عَلَيْهِ بَدَنُهُ فَيَسْتَمْنِي بِيَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ بِهَا مَرَضٌ فِي عَيْنَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنُب فِي بَيْتٍ مُبَلَّطٍ مُغْلَق عَلَيْهِ لَا يَعْلَم مَتَى يَخْرَج مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَيُصَلِّي بِوُضُوءٍ مُحْتَقِنًا أَمْ يُحْدِثُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَامَ جُنُبًا فَاسْتَيْقَظَ قَرَّبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَخَشِيَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سَافَرَ مَعَ رُفْقَةٍ هُوَ إمَامُهُمْ فَاحْتَلَمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْل أَنْ تَغْتَسِلَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَمْر إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ مِنْ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِهِ قَيْحٌ لَا يَنْقَطِعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حَالِ النِّفَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَا تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنِيّ الْإِنْسَانِ وَغَيْره مِنْ الدَّوَابِّ الطَّاهِرَةِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ الَّتِي لَمْ تَحْرُمْ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَنِيِّ الْآدَمِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب إذَا وَلَغَ فِي اللَّبَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَحَمَلَ الْمُصْحَفَ بِأَكْمَامِهِ لِيَقْرَأَ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُدَّة الْحَيْض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُدَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُنُبُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إزَالَة النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَاس فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمْ مَاءٌ قَلِيلٌ فَوَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوَانِي النُّحَاسِ الْمُطَعَّمَة بِالْفِضَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَمْس النِّسَاءِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِنْطَار زَيْتٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَوَاف الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْحَجُّ بِدُونِ طَوَافِهَا وَهِيَ حَائِضٌ]

- ‌[مَسْأَلَة مِنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ أَيُؤَخِّرُ الطُّهْر إلَى أَنْ يَتَضَحَّى النَّهَارُ]

- ‌[مَسْأَلَة دِبَاغ جُلُود الْحُمُرِ وَجِلْد مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْمَيْتَة]

- ‌[مَسْأَلَة مُرَابٍ خَلَّفَ مَالًا وَوَلَدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْجُبْنِ الْإِفْرِنْجِيِّ وَالْجُوخِ]

الفصل: ‌[مسألة الخمر إذا انقلبت خلا]

{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] .

وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . فَنِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي غَايَةُ التَّحْرِيمِ الْحَاصِلِ بِالثَّلَاثِ. فَإِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، يَعْنِي ثَانِيًا زَالَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ لَكِنْ صَارَتْ فِي عِصْمَةِ الثَّانِي، فَحُرِّمَتْ لِأَجْلِ حَقِّهِ، لَا لِأَجْلِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا جَازَ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ غَسَلْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَالتَّطْهِيرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ هُوَ الِاغْتِسَالُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُغْتَسِلُ، وَالْمُتَوَضِّئُ، وَالْمُسْتَنْجِي، لَكِنْ التَّطَهُّرُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَيْضِ كَالتَّطَهُّرِ الْمَعْرُوفِ بِالْجَنَابَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاغْتِسَالُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ: إذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ، أَوْ انْقَطَعَ الدَّمُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالصَّوَابُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ الْخَمْر إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا]

62 -

46 - مَسْأَلَةٌ:

فِي الْخَمْرَةِ إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِقَلْبِهَا، هَلْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا، أَوْ يَبِيعَهَا، أَوْ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا انْقَلَبَتْ، هَلْ يَأْكُلُ مِنْهَا أَوْ يَبِيعُهَا؟

الْجَوَابُ: أَمَّا التَّخْلِيلُ فَفِيهِ نِزَاعٌ، قِيلَ: يَجُوزُ تَخْلِيلُهَا كَمَا يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَكِنْ إذَا خُلِّلَتْ طَهُرَتْ كَمَا يُحْكَى عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بِنَقْلِهَا مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ، وَكَشْفِ الْغِطَاءِ عَنْهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يُلْقَى فِيهَا شَيْءٌ، كَمَا هُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، كَمَا يَقُولُهُ

ص: 307

مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَمْرٍ لِيَتَامَى، فَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمْ فُقَرَاءُ، فَقَالَ: سَيُغْنِيهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» . فَلَمَّا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا وَنَهَى عَنْ تَخْلِيلِهَا وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، فَيَجِبُ أَنْ تُرَاقَ الْخَمْرَةُ وَلَا تُخَلَّلُ، هَذَا مَعَ كَوْنِهِمْ كَانُوا يَتَامَى، وَمَعَ كَوْنِ تِلْكَ الْخَمْرَةِ كَانَتْ مُتَّخَذَةً قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَمْ يَكُونُوا عُصَاةً.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، فَأُمِرُوا بِذَلِكَ كَمَا أُمِرُوا بِكَسْرِ الْآنِيَةِ، وَشَقِّ الظُّرُوفِ لِيَمْتَنِعُوا عَنْهَا. قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ أَمَرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُنْسَخُ إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَمْ يَرِدْ بَعْدَ هَذَا نَصٌّ يَنْسَخُهُ.

الثَّانِي: أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَمِلُوا بِهَذَا، كَمَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَأْكُلُوا خَلَّ خَمْرٍ إلَّا خَمْرًا بَدَأَ اللَّهُ بِفَسَادِهَا، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مُسْلِمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ خَلِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ. فَهَذَا عُمَرُ يَنْهَى عَنْ خَلِّ الْخَمْرِ الَّتِي قُصِدَ إفْسَادُهَا، وَيَأْذَنُ فِيمَا بَدَأَ اللَّهُ بِإِفْسَادِهَا، وَيُرَخِّصُ فِي اشْتِرَاءِ خَلِّ الْخَمْرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُفْسِدُونَ خَمْرَهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَخَلَّلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَفِي قَوْلِ عُمَرَ حُجَّةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الصَّحَابَةُ كَانُوا أَطْوَعَ النَّاسِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَمْرَ أَرَاقُوهَا، فَإِذَا كَانُوا مَعَ هَذَا قَدْ نُهُوا عَنْ تَخْلِيلِهَا وَأُمِرُوا بِإِرَاقَتِهَا فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ أَوْلَى مِنْهُمْ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ أَقَلُّ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُمْ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَلَّظَ عَلَى النَّاسِ الْعُقُوبَةَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، حَتَّى كَانَ يَنْفِي فِيهَا: لِأَنَّ أَهْلَ زَمَانِهِ كَانُوا أَقَلَّ اجْتِنَابًا لَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ يَكُونُ زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه؟

ص: 308

لَا رَيْبَ أَنَّ أَهْلَهُ أَقَلُّ اجْتِنَابًا لِلْمَحَارِمِ، فَكَيْفَ تُسَدُّ الذَّرِيعَةُ عَنْ أُولَئِكَ الْمُتَّقِينَ، وَتُفْتَحُ لِغَيْرِهِمْ، وَهُمْ أَقَلُّ تَقْوًى مِنْهُمْ.

وَأَمَّا مَا يُرْوَى: «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ» فَهَذَا الْكَلَامُ لَمْ يَقُلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ نَقَلَهُ عَنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَلَكِنْ هُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ خَلَّ الْخَمْرِ لَا يَكُونُ فِيهَا مَاءٌ، وَلَكِنْ الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي بَدَأَ اللَّهُ بِقَلْبِهِ. وَأَيْضًا فَكُلُّ خَمْرٍ يُعْمَلُ مِنْ الْعِنَبِ بِلَا مَاءٍ فَهُوَ مِثْلُ خَلِّ الْخَمْرِ. وَقَدْ وَصَفَ الْعُلَمَاءُ عَمَلَ الْخَلِّ أَنَّهُ يُوضَعُ أَوَّلًا فِي الْعِنَبِ شَيْءٌ يُحَمِّضُهُ حَتَّى لَا يَسْتَحِيلَ أَوَّلًا خَمْرًا، وَلِهَذَا تَنَازَعُوا فِي خَمْرَةِ الْخِلَالِ، هَلْ يَجِبُ إرَاقَتُهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُ إرَاقَتِهَا كَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ خَمْرَةٌ مُحْتَرَمَةٌ، وَلَوْ كَانَ لِشَيْءٍ مِنْ الْخَمْرِ حُرْمَةٌ لَكَانَتْ الْخَمْرُ لِلْيَتَامَى الَّتِي اُشْتُرِيَتْ لَهُمْ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاجْتِنَابِ الْخَمْرِ، فَلَا يَجُوزُ إفْسَادُهَا، وَلَا يَكُونُ فِي بَيْتِ مُسْلِمٍ خَمْرٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ فِي التَّخْلِيلِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ اعْتَقَدَ أَنَّ التَّخْلِيلَ إصْلَاحٌ لَهَا: كَدِبَاغِ الْجِلْدِ النَّجِسِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: اقْتِنَاؤُهَا لَا يَجُوزُ، لَا لِتَخْلِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ، لَكِنْ إذَا صَارَتْ خَلًّا فَكَيْفَ تَكُونُ نَجِسَةً. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إذَا أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ تَنَجَّسَ أَوَّلًا، ثُمَّ تَنَجَّسَتْ بِهِ ثَانِيًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُلْقَ فِيهَا شَيْءٌ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّنْجِيسَ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فَقَالُوا: قَصْدُ الْمُخَلِّلِ لِتَخْلِيلِهَا الْمُوجِبِ لِتَنْجِيسِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ اقْتِنَائِهَا وَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا، فَإِذَا قَصَدَ التَّخْلِيلَ كَانَ قَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَغَايَةُ مَا يَكُونُ تَخْلِيلُهَا كَتَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ، وَالْعَيْنُ إذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً لَمْ تَصِرْ مُحَلَّلَةً بِالْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِلنِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْحَيَوَانُ مُحَرَّمًا قَبْلَ التَّذْكِيَةِ، وَلَا يُبَاحُ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ، فَلَوْ ذَكَّاهُ تَذْكِيَةً مُحَرَّمَةً، مِثْلُ أَنْ يُذَكِّيَهُ فِي غَيْرِ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ أَوَّلًا يَقْصِدُ ذَكَاتَهُ، أَوْ يَأْمُرَ وَثَنِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا بِتَذْكِيَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ. وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ لَمْ يَصِرْ ذَكِيًّا، فَالْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ تَكُونُ طَاهِرَةً

ص: 309