المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة فيمن يعتقد أن الكواكب لها تأثير في الوجود] - الفتاوى الكبرى لابن تيمية - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فُقَرَاء يَجْتَمِعُونَ يَذْكُرُونَ وَيَقْرَءُونَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنْدِيّ قَلَعَ بَيَاضَ لِحْيَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمْع الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ بِدْعَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُل قَالَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَبُوسُ الْأَرْضَ دَائِمًا هَلْ يَأْثَمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْوُجُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَعْنَى حَدِيثِ يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي]

- ‌[فَصَلِّ تَحْرِيمُ اللَّهِ الظُّلْمَ عَلَى الْعِبَادِ]

- ‌[فَصْلٌ إحْسَانُ اللَّه إلَى عِبَادِهِ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّن جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَغْفِرَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ]

- ‌[فَصْلٌ بِرُّ النَّاس وَفُجُورهُمْ لَا يَزِيدُ فِي مُلْكِ اللَّه وَلَا يُنْقِصُ]

- ‌[فَصْلٌ سُؤَال الْخَلَائِق جَمِيعهمْ لِلَّهِ فِي مَكَان وَزَمَان وَاحِد]

- ‌[فَصْلٌ عَدْل اللَّه وَإِحْسَانه فِي الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَوْضُ النَّاس فِي أُصُولِ الدِّينِ مِمَّا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَقُولُ النُّصُوصُ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قُبُور الْأَنْبِيَاءِ هَلْ هِيَ الَّتِي تَزُورُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمَاعَة يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَة يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ زِيَارَة الْقُدْسِ وَقَبْرِ الْخَلِيلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّبَاع الرَّسُولِ بِصَحِيحِ الْمَعْقُولِ]

- ‌[فَصْلٌ أَحَبّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَأَعْظَم الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ وَالِاغْتِسَالِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْتِزَامُ مَذْهَبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ حَدِيث نِيَّة الْمَرْءِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَّة فِي الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَاء الْكَثِير إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بِمُكْثِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُؤْرُ الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَتْ مِنْ دُونِ الْقُلَّتَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَغَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب إذَا وَقَعَ فِي بِئْر كَثِير الْمَاء وَمَاتَ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَرِيض طُبِخَ لَهُ دَوَاءٌ فَوَجَدَ فِيهِ زِبْلَ الْفَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فَرَّان يَحْمِي بِالزِّبْلِ وَيَخْبِزُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي فِي أَرْضِ الْحَمَّامِ مِنْ اغْتِسَالِ النَّاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْبُ إذَا وَلَغَ فِي اللَّبَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُنَاس فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمْ قَلِيلُ مَاءٍ فَوَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الزَّيْت إذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَمَاتَتْ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ يَجُوزُ التَّعَمُّدُ لِإِفْسَادِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَعَ عَلَى ثِيَابِهِ مَاءٌ مِنْ طَاقَةٍ مَا يَدْرِي مَا هُوَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَلْب طَلَعَ مِنْ مَاءٍ فَانْتَفَضَ عَلَى شَيْءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفَخَّار الَّذِي يُشْوَى بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَمْ نَجَسٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَظْم الْمَيْتَةِ وَقَرْنهَا وَظُفُرهَا وَرِيشهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي السِّوَاكِ وَتَسْرِيحِ اللِّحْيَةِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة هَلْ تُخْتَنُ أَمْ لَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ وَلَا مُطَهَّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخِتَان مَتَى يَكُونُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَمْ مِقْدَارُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ حَتَّى يَحْلِقَ عَانَتَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ جُنُبًا وَقَصَّ ظُفُرَهُ أَوْ شَارِبَهُ أَوْ مَشَّطَ رَأْسَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْح الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى عُنُقِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ لَمْسُ كُلّ ذَكَر يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَوَضَّأَ وَقَامَ يُصَلِّي فَأَحَسَّ بِالنُّقْطَةِ فِي صَلَاتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسّ يَد الصَّبِيّ الْأَمْرَدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ أَوْ ضَمَّهَا فَأَمْذَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَيْء يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَكْل لَحْمِ الْإِبِلِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَة أَوْ حَيْض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ تَضَعُ دَوَاءً لِتَمْنَع نُفُوذَ الْمَنِيِّ فِي مَجَارِي الْحَبَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آدَاب الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عُبُور الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَهِيجُ عَلَيْهِ بَدَنُهُ فَيَسْتَمْنِي بِيَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ بِهَا مَرَضٌ فِي عَيْنَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنُب فِي بَيْتٍ مُبَلَّطٍ مُغْلَق عَلَيْهِ لَا يَعْلَم مَتَى يَخْرَج مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَيُصَلِّي بِوُضُوءٍ مُحْتَقِنًا أَمْ يُحْدِثُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَامَ جُنُبًا فَاسْتَيْقَظَ قَرَّبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَخَشِيَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سَافَرَ مَعَ رُفْقَةٍ هُوَ إمَامُهُمْ فَاحْتَلَمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْل أَنْ تَغْتَسِلَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَمْر إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ مِنْ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِهِ قَيْحٌ لَا يَنْقَطِعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حَالِ النِّفَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَا تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنِيّ الْإِنْسَانِ وَغَيْره مِنْ الدَّوَابِّ الطَّاهِرَةِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ الَّتِي لَمْ تَحْرُمْ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَنِيِّ الْآدَمِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب إذَا وَلَغَ فِي اللَّبَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَحَمَلَ الْمُصْحَفَ بِأَكْمَامِهِ لِيَقْرَأَ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُدَّة الْحَيْض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُدَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُنُبُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إزَالَة النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَاس فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمْ مَاءٌ قَلِيلٌ فَوَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوَانِي النُّحَاسِ الْمُطَعَّمَة بِالْفِضَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَمْس النِّسَاءِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِنْطَار زَيْتٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَوَاف الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْحَجُّ بِدُونِ طَوَافِهَا وَهِيَ حَائِضٌ]

- ‌[مَسْأَلَة مِنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ أَيُؤَخِّرُ الطُّهْر إلَى أَنْ يَتَضَحَّى النَّهَارُ]

- ‌[مَسْأَلَة دِبَاغ جُلُود الْحُمُرِ وَجِلْد مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْمَيْتَة]

- ‌[مَسْأَلَة مُرَابٍ خَلَّفَ مَالًا وَوَلَدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْجُبْنِ الْإِفْرِنْجِيِّ وَالْجُوخِ]

الفصل: ‌[مسألة فيمن يعتقد أن الكواكب لها تأثير في الوجود]

[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْوُجُودِ]

مَسْأَلَةٌ:

فِيمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْوُجُودِ أَوْ يَقُولُ إنَّ لَهُ نَجْمًا فِي السَّمَاءِ يَسْعَدُ بِسَعَادَتِهِ، وَيَشْقَى بِعَكْسِهِ، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5] .

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] ، وَيَقُولُ إنَّهَا صَنْعَةُ إدْرِيسَ عليه السلام، وَيَقُولُونَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ نَجْمَهُ كَانَ بِالْعَقْرَبِ وَالْمِرِّيخِ، فَهَلْ هَذَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ وَمَتَى يَكُنْ مِنْ الدِّينِ، فَمَاذَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ؟ وَالْمُنْكِرُونَ عَلَى هَؤُلَاءِ يَكُونُونَ مِنْ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنْ الْمُنْكَرِ أَمْ لَا؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، النُّجُومُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، الْمُسَبِّحَةُ لَهُ، السَّاجِدَةُ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] . ثُمَّ قَالَ: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18] .

وَهَذَا التَّفْرِيقُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ السُّجُودَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهَا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ، إذْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ يَشْتَرِكُ فِيهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، فَجَمِيعُ النَّاسِ فِيهِمْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ وَهُوَ قَدْ فَرَّقَ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ مِنْ جِنْسِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ الْكَافِرِ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَ ذَلِكَ قَدْ جَعَلَ فِيهَا مَنَافِعَ لِعِبَادِهِ وَسَخَّرَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم: 33] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [الأعراف: 54] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] ، وَمِنْ مَنَافِعِهَا الظَّاهِرَةِ مَا يَجْعَلُهُ سُبْحَانَهُ

ص: 57

بِالشَّمْسِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِنْضَاجِ الثِّمَارِ، وَخَلْقِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ، وَكَذَلِكَ مَا يَجْعَلُهُ بِهَا مِنْ التَّرْطِيبِ وَالتَّيْبِيسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ، كَمَا جَعَلَ فِي النَّارِ الْإِشْرَاقَ وَالْإِحْرَاقَ، وَفِي الْمَاءِ التَّطْهِيرَ وَالسَّقْيَ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي يَذْكُرُهَا فِي كِتَابِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان: 49] .

وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، أَنَّهُ يَجْعَلُ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ بِبَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الفرقان: 49]، وَكَمَا قَالَ:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57] . وَكَمَا قَالَ: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164] .

فَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ عِنْدَهَا لَا بِهَا، فَعِبَارَتُهُ مُخَالِفَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ، كَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِالْفِعْلِ هُوَ شِرْكٌ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ. وَقَدْ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ مَنَافِعِ النُّجُومِ، أَنَّهُ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا زِينَةُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تُرْجَمُ بِالنُّجُومِ، وَإِنْ كَانَتْ النُّجُومُ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ غَيْرِ النُّجُومِ الثَّابِتَةِ فِي السَّمَاءِ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ لَا تَزُولُ عَنْ مَكَانِهَا بِخِلَافِ تِلْكَ، وَلِهَذِهِ حَقِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِتِلْكَ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ النَّجْمِ يَجْمَعُهَا، كَمَا يَجْمَعُ اسْمُ الدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ لِلْمِلْكِ وَالْآدَمِيِّ، وَالْبَهَائِمِ وَالذُّبَابِ، وَالْبَعُوضِ.

وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْعُلَمَاءُ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَأَمَرَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ.

وَقَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ» .

ص: 58

وَفِي رِوَايَةٍ: «آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ» . هَذَا قَالَهُ رَدًّا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ جُهَّالِ النَّاسِ: إنَّ الشَّمْسَ كُسِفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهَا كَسَفَتْ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ لَمَّا كُسِفَتْ أَنَّ كُسُوفَهَا كَانَ لِأَجْلِ مَوْتِهِ، وَأَنَّ مَوْتَهُ هُوَ السَّبَبُ لِكُسُوفِهَا، كَمَا قَدْ يَحْدُثُ عَنْ مَوْتِ بَعْضِ الْأَكَابِرِ مَصَائِبُ فِي النَّاسِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكُونُ كُسُوفُهُمَا عَنْ مَوْتِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا عَنْ حَيَاتِهِ، وَنَهَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ أَثَرٌ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ يُخَوِّفُ عِبَادَهُ. فَذَكَرَ أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ تَخْوِيفَ الْعِبَادِ، كَمَا يَكُونُ تَخْوِيفُهُمْ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ، كَالرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلَازِلِ، وَالْجَدْبِ، وَالْأَمْطَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ عَذَابًا، كَمَا عَذَّبَ اللَّهُ أُمَمًا بِالرِّيحِ وَالصَّيْحَةِ وَالطُّوفَانِ، وَقَالَ تَعَالَى:{فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40] .

وَقَدْ قَالَ: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] ، وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ عِبَادَهُ بِذَلِكَ، يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِعَذَابٍ يَنْزِلُ، كَالرِّيَاحِ الْعَاصِفَةِ الشَّدِيدَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا يُنْزِلُهُ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إنَّ لَهَا تَأْثِيرًا. مَا قَدْ عُلِمَ بِالْحِسِّ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَهَذَا حَقٌّ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ بِالْعِبَادَاتِ الَّتِي تَدْفَعُ عَنَّا مَا تُرْسَلُ بِهِ مِنْ الشَّرِّ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْخُسُوفِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْعِتْقِ، وَكَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَتَغَيَّرَ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ هُبُوبِهَا: «اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك مِنْ

ص: 59

خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» .

وَقَالَ: «إنَّ الرِّيحَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَإِنَّهَا تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَلَا تَسُبُّوهَا وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا، وَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» .

فَأَخْبَرَ أَنَّهَا تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ، وَأَمَرَ أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا. فَهَذِهِ السُّنَّةُ فِي أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَنْ يَفْعَلَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَسْبَابِ الْخَيْرِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا يَجْلِبُ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ، وَعِنْدَ أَسْبَابِ الشَّرِّ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ الشَّرَّ. فَأَمَّا مَا يَخْفَى مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَيْسَ الْعَبْدُ مَأْمُورًا بِأَنْ يَتَكَلَّفَ مَعْرِفَتَهُ، بَلْ إذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ، وَتَرَكَ مَا حُظِرَ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ الشَّرِّ، وَيَسَّرَ لَهُ أَسْبَابَ الْخَيْرِ:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيمَنْ يَتَعَاطَى السِّحْرَ لِجَلْبِ مَنَافِعِ الدُّنْيَا: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102]{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103] .

ص: 60

فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ اعْتَاضَ بِذَلِكَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا يَرْجُو بِزَعْمِهِ نَفْعَهُ فِي الدُّنْيَا، كَمَا يَرْجُونَ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ السِّحْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا مِثْلَ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ، ثُمَّ قَالَ:{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103] . فَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ تَعَالَى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 63]{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 64] .

وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 56]{وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: 57] .

فَأَخْبَرَ أَنَّ أَجْرَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ مِمَّا يُعْطَوْنَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْمُلْكِ وَالْمَالِ كَمَا أُعْطِيَ يُوسُفَ. وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِسُوءِ عَاقِبَةِ مَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى فِي غَيْرِ آيَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] . وَالْمُفْلِحُ الَّذِي يَنَالُ الْمَطْلُوبَ وَيَنْجُو مِنْ الْمَرْهُوبِ، فَالسَّاحِرُ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ.

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ النُّجُومِ فَقَدْ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ» .

وَالسِّحْرُ مُحَرَّمٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ أَنَّ النُّجُومَ الَّتِي مِنْ السِّحْرِ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: عِلْمِيٌّ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِحَرَكَاتِ النُّجُومِ عَلَى الْحَوَادِثِ مِنْ جِنْسِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ.

ص: 61

وَالثَّانِي: عَمَلِيٌّ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُونَ إنَّهُ الْقُوَى السَّمَاوِيَّةُ بِالْقُوَى الْمُنْفَعِلَةِ الْأَرْضِيَّةِ كَالطَّلَاسِمِ وَنَحْوِهَا، وَهَذَا مِنْ أَرْفَعِ أَنْوَاعِ السِّحْرِ، وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَضَرُّهُ أَعْظَمُ مِنْ نَفْعِهِ.

فَالثَّانِي، وَإِنْ تَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِمَةً لِلْمَعْرِفَةِ بِالْحَوَادِثِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ فَالْجَهْلُ فِي ذَلِكَ أَضْعَفُ، وَمَضَرَّةُ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ، وَلِهَذَا قَدْ عَلِمَ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ بِالتَّجْرِبَةِ وَالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا الْمُنَجِّمُونَ يَكُونُ الْكَذِبُ فِيهَا أَضْعَافَ الصِّدْقِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ الْكُهَّانِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّ مِنَّا قَوْمًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، فَقَالَ: إنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ فَيَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَسْمَعُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقِرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ» .

وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ إذَا قَضَى بِالْأَمْرِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانَ حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ، وَأَنَّ كُلَّ أَهْلِ سَمَاءٍ يُخْبِرُونَ أَهْلَ السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَهُنَاكَ مُسْتَرِقَةُ السَّمْعِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، فَرُبَّمَا سَمِعَ الْكَلِمَةَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ الشِّهَابُ، بَعْدَ أَنْ يُلْقِيَهَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«فَلَوْ أَتَوْا بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَكِنْ يَزِيدُونَ فِي الْكَلِمَةِ مِائَةَ كِذْبَةٍ» .

وَهَكَذَا الْمُنَجِّمُونَ، حَتَّى أَنِّي لَمَّا خَاطَبْتُهُمْ بِدِمَشْقَ وَحَضَرَ عِنْدِي رُؤَسَاؤُهُمْ، وَبَيَّنْتُ فَسَادَ صِنَاعَتِهِمْ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يَعْتَرِفُونَ بِصِحَّتِهَا، قَالَ لِي رَئِيسٌ مِنْهُمْ: وَاَللَّهِ إنَّا نَكْذِبُ مِائَةَ كِذْبَةٍ حَتَّى نَصْدُقَ فِي كَلِمَةٍ.

وَذَلِكَ أَنَّ مَبْنَى عِلْمِهِمْ عَلَى أَنَّ الْحَرَكَاتِ الْعُلْوِيَّةِ هِيَ السَّبَبُ فِي الْحَوَادِثِ،

ص: 62

وَالْعِلْمُ بِالسَّبَبِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا عُلِمَ السَّبَبُ التَّامُّ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ حُكْمُهُ، وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مَا يَعْلَمُونَ إنْ عَلِمُوا جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ، وَلَا يَعْلَمُونَ بَقِيَّةَ الْأَسْبَابِ، وَلَا الشُّرُوطَ وَلَا الْمَوَانِعَ، مِثْلُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّمْسَ فِي الصَّيْفِ تَعْلُو الرَّأْسَ حَتَّى يَشْتَدَّ الْحَرُّ، فَيُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ هَذَا مَثَلًا أَنَّهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْعِنَبَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ الْفُلَانِيَّةِ يَصِيرُ زَبِيبًا، عَلَى أَنَّ هُنَالِكَ عِنَبًا، وَأَنَّهُ يَنْضَجُ، وَيَنْشُرُهُ صَاحِبُهُ فِي الشَّمْسِ وَقْتَ الْحَرِّ فَيَتَزَبَّبُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَقَعُ كَثِيرًا، لَكِنْ أَخْذُ هَذَا مِنْ مُجَرَّدِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ جَهْلٌ عَظِيمٌ، إذْ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ عِنَبٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَقَدْ يُثْمِرُ ذَلِكَ الشَّجَرُ إنْ خُدِمَ وَقَدْ لَا يُثْمِرُ، وَقَدْ يُؤْكَلُ عِنَبًا وَقَدْ يُعْصَرُ، وَقَدْ يُسْرَقُ وَقَدْ يُزَبِّبُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ وَتَحْرِيمِهَا كَثِيرَةٌ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا» .

وَالْعَرَّافُ، قَدْ قِيلَ إنَّهُ اسْمٌ عَامٌّ لِلْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ وَالرَّمَّالِ وَنَحْوِهِمْ، مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِي تَقْدِمَةِ الْمَعْرِفَةِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ، وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِبَعْضِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، فَسَائِرُهَا يَدْخُلُ فِيهِ بِطَرِيقَةِ الْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ، كَمَا قِيلَ فِي اسْمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَنَحْوِهِمَا.

وَأَمَّا إنْكَارُ بَعْضِ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ حَرَكَاتِ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ فَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ، وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا غَيْرِهَا، بَلْ النُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلَى الْقَمَرِ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، تَعَوَّذِي بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا فَهَذَا الْغَاسِقُ إذَا وَقَبَ» . كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ، حَيْثُ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ.

وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ» ، أَيْ لَا

ص: 63

يَكُونُ الْكُسُوفُ مُعَلَّلًا بِالْمَوْتِ، فَهُوَ نَفْيُ الْعِلَّةِ الْفَاعِلَةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ «رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالُوا: كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ عَظِيمٌ، فَقَالَ: إنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ إذَا قَضَى بِالْأَمْرِ تُسَبِّحُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي مُسْتَرِقَةِ السَّمْعِ، فَنَفَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِهَا لِأَجْلِ أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ عَظِيمٌ، بَلْ لِأَجْلِ الشَّيَاطِينِ الْمُسْتَرِقِينَ السَّمْعَ. فَفِي كِلَا الْحَدِيثَيْنِ، أَنَّ مَوْتَ بَعْضِ النَّاسِ وَحَيَاتَهُمْ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَلَا لِلرَّمْيِ بِالنُّجُومِ وَإِنْ كَانَ مَوْتُ بَعْضِ النَّاسِ قَدْ يَقْتَضِي حُدُوثَ أَمْرٍ فِي السَّمَاوَاتِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ:«أَنَّ الْعَرْشَ عَرْشَ الرَّحْمَنِ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» .

وَأَمَّا كَوْنُ الْكُسُوفِ وَغَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِحَادِثٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ عَذَابٍ يَقْتَضِي مَوْتًا أَوْ غَيْرَهُ، فَهَذَا قَدْ أَثْبَتَهُ الْحَدِيثُ نَفْسُهُ. وَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُنَافِي لِكَوْنِ الْكُسُوفِ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ يَكُونُ فِيهِ، حَيْثُ لَا يَكُونُ كُسُوفُ الشَّمْسِ إلَّا فِي آخِرِ الشَّهْرِ لَيْلَةَ السِّرَارِ، وَلَا يَكُونُ خُسُوفُ الْقَمَرِ إلَّا فِي وَسَطِ الشَّهْرِ لَيَالِي الْإِبْدَارِ، وَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ أَوْ الْعَامَّةِ فَلِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحِسَابِ، وَلِهَذَا تُمْكِنُ الْمَعْرِفَةُ بِمَا مَضَى مِنْ الْكُسُوفِ وَمَا يُسْتَقْبَلُ، كَمَا تُمْكِنُ الْمَعْرِفَةُ بِمَا مَضَى مِنْ الْأَهِلَّةِ وَمَا يُسْتَقْبَلُ، إذْ كُلُّ ذَلِكَ بِحِسَابٍ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -:{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام: 96] . {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] . وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] . قَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] .

ص: 64

وَمِنْ هُنَا صَارَ بَعْضُ الْعَامَّةِ إذَا رَأَى الْمُنَجِّمَ قَدْ أَصَابَ فِي خَبَرِهِ عَنْ الْكُسُوفِ الْمُسْتَقْبَلِ يَظُنُّ أَنَّ خَبَرَهُ عَنْ الْحَوَادِثِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، فَإِنَّ هَذَا جَهْلٌ، إذْ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ إخْبَارِهِ بِأَنَّ الْهِلَالَ يَطْلُعُ، إمَّا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ، لَا يُخْرَمُ أَبَدًا، وَبِمَنْزِلَةِ خَبَرِهِ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ آخِرَ النَّهَارِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فَمَنْ عَرَفَ مَنْزِلَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَجَارِيهِمَا عَلِمَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِلْمًا قَلِيلَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا كَانَ الْكُسُوفُ لَهُ أَجَلٌ مُسَمًّى لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَجَلِهِ يَجْعَلُهُ اللَّهُ سَبَبًا لِمَا يَقْضِيهِ مِنْ عَذَابِ غَيْرِهِ لِمَنْ يُعَذِّبُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يُنَزِّلُ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ تَعْذِيبَ اللَّهِ لِمَنْ عَذَّبَهُ بِالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ، كَقَوْمِ عَادٍ، كَانَتْ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ، وَهُوَ آخِرُ الشِّتَاءِ، كَمَا قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَقُصَّاصُ الْأَنْبِيَاءِ.

وَكَانَ «النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَى مَخِيلَةً، وَهُوَ السَّحَابُ الَّذِي يُخَالُ فِيهِ الْمَطَرُ، أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا مَخِيلَةً اسْتَبْشَرُوا، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ وَمَا يُؤْمِنُنِي، قَدْ رَأَى قَوْمُ عَادٍ الْعَذَابَ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ، قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا» ، قَالَ اللَّهُ:{بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24] . وَكَذَلِكَ الْأَوْقَاتُ الَّتِي يُنْزِلُ اللَّهُ فِيهِ الرَّحْمَةَ، كَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْأُولَى مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَجَوْفِ اللَّيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، هِيَ أَوْقَاتٌ مَحْدُودَةٌ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ، وَيُنْزِلُ فِيهَا مِنْ الرَّحْمَةِ مَا لَا يُنْزِلُ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ جَاءَ بَعْضُ طُرُقِ أَحَادِيثِ الْكُسُوفِ، مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ إذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ» .

ص: 65

وَقَدْ طَعَنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو حَامِدٍ وَنَحْوُهُ، وَرَدُّوا ذَلِكَ لَا مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ قَلِيلُو الْمَعْرِفَةِ بِهِ، كَمَا كَانَ أَبُو حَامِدٍ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: أَنَا مُزْجَى الْبِضَاعَةِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِمْ اعْتَقَدُوا أَنَّ سَبَبَ الْكُسُوفِ إذَا كَانَ مَثَلًا كَوْنُ الْقَمَرِ إذَا حَاذَاهَا مَنَعَ نُورَهَا أَنْ يَصِلَ إلَى الْأَرْضِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَلَّلَ ذَلِكَ بِالتَّجَلِّي. وَالتَّجَلِّي الْمَذْكُورُ لَا يُنَافِي السَّبَبَ الْمَذْكُورَ، فَإِنَّ خُشُوعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِلَّهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ إذَا حَصَلَ لِنُورِهِ مَا يَحْصُلُ مِنْ انْقِطَاعٍ يُرْفَعُ تَأْثِيرُهُ عَنْ الْأَرْضِ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ سُلْطَانِهِ وَمَوْضِعِ انْتِشَارِهِ وَتَأْثِيرِهِ، فَإِنَّ الْمَلِكَ الْمُتَصَرِّفَ فِي مَكَان بَعِيدٍ لَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَذَلَّ لِذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5] . فَالْمُدَبِّرَاتُ هِيَ الْمَلَائِكَةُ، وَأَمَّا إقْسَامُ اللَّهِ بِالنُّجُومِ، كَمَا أَقْسَمَ بِهَا فِي قَوْلِهِ:{فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير: 15]{الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] . فَهُوَ كَإِقْسَامِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا أَقْسَمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْظِيمَ قَدْرِ الْمُقْسَمِ بِهِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْعِبْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلنَّاسِ، وَالْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْقُلُوبُ بِهِ، أَوْ يُظَنَّ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْعِدُ الْمُنْحِسُ، كَمَا لَا يُظَنُّ مِثْلُ ذَلِكَ فِي {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] .

وَفِي {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات: 1]{فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا} [الذاريات: 2]، وَفِي {وَالطُّورِ} [الطور: 1] {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 2] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَاعْتِقَادُ الْمُعْتَقِدِ أَنَّ نَجْمًا مِنْ النُّجُومِ السَّبْعَةِ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِسَعْدِهِ وَنَحْسِهِ، اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ هُوَ الْمُدَبِّرُ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَكَذَلِكَ إنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ دُعَاؤُهُ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ كَانَ كُفْرًا وَشِرْكًا مَحْضًا، وَغَايَةُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ أَنْ يَبْنِيَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ حِينَ وُلِدَ بِهَذَا الطَّالِعِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي أَحْوَالِ هَذَا الْمَوْلُودِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ مَا ذُكِرَ، بَلْ مَا عُلِمَ حَقِيقَةُ تَأْثِيرِهِ فِيهِ، مِثْلُ: حَالِ الْوَالِدَيْنِ، وَحَالُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ مَحْسُوسٌ فِي أَحْوَالِ الْمَوْلُودِ، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ هَذَا مُسْتَقِلًّا.

ص: 66

ثُمَّ إنَّ الْأَوَائِلَ هُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَجِّمِينَ الْمُشْرِكِينَ الصَّابِئِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، قَدْ قِيلَ إنَّهُمْ كَانُوا إذَا وُلِدَ لَهُمْ الْمَوْلُودُ أَخَذُوا طَالِعَ الْمَوْلُودِ، وَسَمَّوْا الْمَوْلُودَ بِاسْمٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَبِرَ سُئِلَ عَنْ اسْمِهِ أَخَذَ السَّائِلُ حَالَ الطَّالِعِ، فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الطَّرَقِيَّةُ يَسْأَلُونَ الرَّجُلَ عَنْ اسْمِهِ وَاسْمِ أُمِّهِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ ذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى أَحْوَالِهِ، وَهَذِهِ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، مُنَافِيَةٌ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ.

وَأَمَّا اخْتِيَارَاتُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الطَّالِعَ لِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، مِثْلُ: اخْتِيَارِهِمْ لِلسَّفَرِ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ فِي مِثْلِ شُرُوقِهِ وَهُوَ السَّرَطَانُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي هُبُوطِهِ وَهُوَ الْعَقْرَبُ، فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْمَذْمُومِ. وَلَمَّا أَرَادَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُسَافِرَ لِقِتَالِ الْخَوَارِجِ عَرَضَ لَهُ مُنَجِّمٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا تُسَافِرْ، فَإِنَّ الْقَمَرَ فِي الْعَقْرَبِ، فَإِنَّك إنْ سَافَرْت وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ هُزِمَ أَصْحَابُك، أَوْ كَمَا قَالَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ نُسَافِرُ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ وَتَكْذِيبًا لَك، فَسَافَرَ فَبُورِكَ لَهُ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ حَتَّى قَتَلَ عَامَّةَ الْخَوَارِجِ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا سُرَّ بِهِ، حَيْثُ كَانَ قِتَالُهُ لَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُسَافِرْ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ» . فَكَذِبٌ مُخْتَلَقٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: " إنَّهَا صَنْعَةُ إدْرِيسَ ". فَيُقَالُ أَوَّلًا: هَذَا قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ، وَلَا سَبِيلَ لِهَذَا الْقَائِلِ إلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي كُتُبِ هَؤُلَاءِ هُرْمُسُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ إدْرِيسُ، وَالْهِرْمِسُ عِنْدَهُمْ اسْمُ جِنْسٍ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ هُرْمُسُ الْهَرَامِسَةِ، هَذَا الْقَدْرُ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ عَنْ هِرْمِسِهِمْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ مَأْخُوذًا عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ.

وَيُقَالُ ثَانِيًا: إنَّ هَذَا إنْ كَانَ مَأْخُوذًا عَنْ إدْرِيسَ، فَإِنَّهُ كَانَ مُعْجِزَةً لَهُ وَعِلْمًا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ، فَيَكُونُ مِنْ الْعُلُومِ النَّبَوِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ مَا يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ بِالتَّجْرِبَةِ وَالْقِيَاسِ، لَا بِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ص: 67

وَيُقَالُ ثَالِثًا: إنْ كَانَ بَعْضُ هَذَا مَأْخُوذًا عَنْ نَبِيٍّ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ أَضْعَافَ مَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيِّ، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ الَّذِي فِي ذَلِكَ أَضْعَافُ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ الَّذِي عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِيمَا يَأْثَرُونَهُ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَدْ تَيَقَّنَّا قَطْعًا أَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ مَأْخُوذٌ عَنْ الْمُرْسَلِينَ وَأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ كَمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ.

وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ قَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا وَكَذَبُوا وَكَتَمُوا. فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالَ الْوَحْيِ الْمُحَقَّقِ، وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ يَقِينًا، مَعَ أَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْنَا عَهْدًا مِنْ إدْرِيسَ، وَمَعَ أَنَّ نَقَلَتَهَا أَعْظَمُ مِنْ نَقَلَةِ النُّجُومِ، وَأَبْعَدُ عَنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ، وَأَبْعَدُ عَنْ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ، فَمَا الظَّنُّ بِهَذَا الْقَدْرِ إنْ كَانَ فِيهِ مَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ إدْرِيسَ؟ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ وَالتَّحْرِيفِ أَعْظَمَ مِمَّا فِي عُلُومِ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» . فَإِذَا كُنَّا مَأْمُورِينَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ لَا نُصَدِّقَ إلَّا بِمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ الْحَقُّ، كَمَا لَا نُكَذِّبُ إلَّا بِمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ تَصْدِيقُ هَؤُلَاءِ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ إدْرِيسَ عليه السلام، وَهُمْ فِي ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ عِلْمِ الصِّدْقِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَيُقَالُ رَابِعًا: لَا رَيْبَ أَنَّ النُّجُومَ نَوْعَانِ: حِسَابٌ وَأَحْكَامٌ، فَأَمَّا الْحِسَابُ وَهُوَ

ص: 68

مَعْرِفَةُ أَقْدَارِ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ وَصِفَاتِهَا وَمَقَادِيرِ حَرَكَاتِهَا، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، فَهَذَا فِي الْأَصْلِ عِلْمٌ صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، كَمَعْرِفَةِ الْأَرْضِ وَصِفَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الدَّقِيقِ مِنْهُ كَثِيرُ التَّعَبِ، قَلِيلُ الْفَائِدَةِ، كَالْعَالِمِ مَثَلًا بِمَقَادِيرِ الدَّقَائِقِ وَالثَّوَانِي وَالثَّوَالِثِ فِي حَرَكَاتِ السَّبْعَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ الْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ، فَإِنْ كَانَ أَصْلُ هَذَا مَأْخُوذًا عَنْ إدْرِيسَ، فَهَذَا مُمْكِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ، كَمَا يَقُولُ نَاسٌ: إنَّ أَصْلَ الطِّبِّ مَأْخُوذٌ عَنْ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ.

وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ السِّحْرِ: فَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ سَاحِرًا، وَهُمْ يَذْكُرُونَ أَنْوَاعًا مِنْ السِّحْرِ، وَيَقُولُونَ هَذَا يَصْلُحُ لِعَمَلِ النَّوَامِيسِ أَيْ الشَّرَائِعِ وَالسُّنَنِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ دُعَاةُ الْكَوَاكِبِ وَعِبَادَةٌ لَهَا، وَأَنْوَاعٌ مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي يَعْلَمُ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَلَا عَلِمَهُ، وَإِضَافَةُ ذَلِكَ إلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كَإِضَافَةِ مَنْ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى سُلَيْمَانَ عليه السلام لَمَّا سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالطَّيْرَ، فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ السِّحْرِ، حَتَّى إنَّ طَوَائِفَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا يَجْعَلُونَهُ نَبِيًّا؛ بَلْ حَكِيمًا، فَنَزَّهَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة: 102] إلَى آخِرِ الْآيَةِ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا الِاسْتِدْلَال عَلَى الْحَوَادِثِ بِمَا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ مِنْ الْحَرَكَاتِ الْعُلْوِيَّةِ، أَوْ الِاخْتِيَارَاتِ لِلْأَعْمَالِ. هَذَا كُلُّهُ يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِهَذَا، إذْ فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْعُقَلَاءُ الَّذِينَ هُمْ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ بِكَثِيرٍ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا قَالَ إمَامُ هَؤُلَاءِ وَمُعَلِّمُهُمْ الثَّانِي أَبُو نَصْرٍ الْفَارَابِيُّ، قَالَ مَا مَضْمُونُهُ: إنَّك لَوْ قَلَبْت أَوْضَاعَ الْمُنَجِّمِينَ فَجَعَلْت مَكَانَ السَّعْدِ نَحْسًا، وَمَكَانَ النَّحْسِ سَعْدًا، أَوْ مَكَانَ الْحَارِّ بَارِدًا، وَمَكَانَ الْبَارِدِ حَارًّا، أَوْ مَكَانَ الْمُذَكَّرِ مُؤَنَّثًا، وَمَكَانَ الْمُؤَنَّثِ مُذَكَّرًا، وَحَكَمْت، لَكَانَ حُكْمُك مِنْ جِنْسِ أَحْكَامِهِمْ، يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى.

ص: 69

وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَهُمْ يُنَزِّهُونَ عَنْهُ، بُقْرَاطَ، وَأَفْلَاطُونَ، وَأَرِسْطُو، وَأَصْحَابَهُ الْفَلَاسِفَةَ الْمَشَّائِينَ الَّذِينَ يُوجَدُ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْبَاطِلِ وَالضَّلَالِ أَعْظَمُ مِمَّا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.

فَإِذَا كَانُوا يُنَزِّهُونَ عَنْهُ هَؤُلَاءِ الصَّابِئِينَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ الَّذِينَ هُمْ أَقَلُّ مَرْتَبَةً وَأَبْعَدُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَكَيْفَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى نَبِيٍّ كَرِيمٍ؟ وَنَحْنُ نَعْلَمُ مِنْ أَحْوَالِ أُمَّتِنَا أَنَّهُ قَدْ أُضِيفَ إلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَلَيْسَ هُوَ بِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْأُمُورِ، مَا يَعْلَمُ كُلُّ عَالِمٍ بِحَالِ جَعْفَرٍ رضي الله عنه أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ، حَتَّى يُنْسَبَ إلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَرَكَاتِ السُّفْلِيَّةِ، كَاخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ، وَجَوَاذِبِ الْجَوِّ مِنْ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَالْهَالَةِ وَقَوْسِ اللَّهِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: قَوْسُ قُزَحٍ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، وَالْعُلَمَاءُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْجَدْوَلُ الَّذِي تَبْنِي عَلَيْهِ الضُّلَّالُ طَائِفَةٌ مِنْ الرَّافِضَةِ، وَهُوَ كَذِبٌ مُفْتَعَلٌ عَلَيْهِ افْتَعَلَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، أَحَدُ الْمَشْهُورِينَ بِالْكَذِبِ مَعَ رِيَاسَتِهِ وَعَظَمَتِهِ عِنْدَ أَتْبَاعِهِ، وَكَذَلِكَ أُضِيفَ إلَيْهِ كِتَابُ الْجَفْرِ، وَالْبِطَاقَةِ وَالْهَفْتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ، حَتَّى أُضِيفَ إلَيْهِ رَسَائِلُ إخْوَانِ الصَّفَا، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْجَهْلِ، فَإِنَّ هَذِهِ الرَّسَائِلَ إنَّمَا وُضِعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَهَذِهِ الرَّسَائِلُ وُضِعَتْ فِي دَوْلَةِ بَنِي بُوَيْهٍ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ فِي أَوَائِلِ دَوْلَةِ بَنِي عُبَيْدٍ الَّذِينَ بَنَوْا الْقَاهِرَةِ، وَضَعَهَا جَمَاعَةٌ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ جَمَعُوا بِهَا بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْفَلْسَفَةِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.

وَأَصْحَابُ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ الْعِلْمَ، كَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ بَرَاءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَكَاذِيبِ. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّا يَذْكُرُهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ " عَنْ جَعْفَرٍ مِنْ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِي كَذِبِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَحْكِيهَا عَنْهُ الرَّافِضَةُ، وَهِيَ مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي فِرَقِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُ كَذِبًا وَاخْتِلَافًا مِنْ الرَّافِضَةِ مِنْ حِينِ تَبِعُوا إلَى أَوَّلِ مَنْ ابْتَدَعَ الرَّفْضَ، وَكَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا يُقَالُ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبَأً، فَأَرَادَ بِذَلِكَ فَسَادَ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا فَعَلَ بولص صَاحِبُ الرَّسَائِلِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّصَارَى، حَيْثُ

ص: 70

ابْتَدَعَ لَهُمْ بِدَعًا أَفْسَدَ بِهَا دِينَهُمْ، وَكَانَ يَهُودِيًّا فَأَظْهَرَ النَّصْرَانِيَّةَ نِفَاقًا لِقَصْدِ إفْسَادِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ سَبَأٍ يَهُودِيًّا فَفَسَدَ ذَلِكَ وَسَعَى فِي الْفِتْنَةِ، لِقَصْدِ إفْسَادِ الْمِلَّةِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ، لَكِنْ حَصَلَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ تَحْرِيشٌ وَفِتْنَةٌ قُتِلَ فِيهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه، وَجَرَى مَا جَرَى مِنْ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَجْمَعْ اللَّهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ، بَلْ لَا تَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْحَقِّ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا، وَلَا مَنْ خَذَلَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، كَمَا تَشْهَدُ بِذَلِكَ النُّصُوصُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي الصِّحَاحِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَلَمَّا أَحْدَثَتْ الْبِدَعَ الشِّيعَةُ فِي خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه رَدَّهَا، وَكَانَتْ ثَلَاثَةَ طَوَائِفَ غَالِيَةٌ وَسَبَّابَةٌ وَمُفَضِّلَةٌ، فَأَمَّا الْغَالِيَةُ فَإِنَّهُ حَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ ذَات يَوْمٍ مِنْ بَابِ كِنْدَةَ فَسَجَدَ لَهُ أَقْوَامٌ، فَقَالَ مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أَنْتَ هُوَ اللَّهُ، فَاسْتَتَابَهُمْ ثَلَاثًا، فَلَمْ يَرْجِعُوا، فَأَمَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِأَخَادِيدَ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ فِيهَا النَّارَ، ثُمَّ قَذَفَهُمْ فِيهَا.

وَقَالَ:

لَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا

أَجَّجْتُ نَارِي وَدَعَوْت قَنْبَرًا

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عَلِيًّا أَتَى بِزَنَادِقَتِهِمْ فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْت لَمْ أُحَرِّقْهُمْ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ» ، وَلَضَرَبْت أَعْنَاقَهُمْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» .

وَأَمَّا السَّبَّابَةُ فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ سَبَأٍ يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، طَلَبَ قَتْلَهُ، فَهَرَبَ إلَى قُرَقْيِسَا وَكُلِّمَ فِيهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ يُدَارِي أُمَرَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا، وَلَمْ يَكُونُوا يُطِيعُونَهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ. وَأَمَّا الْمُفَضِّلَةُ، فَقَالَ لَا أُوتَى بِأَحَدٍ يُفَضِّلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إلَّا جَلَدْته حَدَّ الْمُفْتَرِي وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ ثَمَانِينَ وَجْهًا أَنَّهُ قَالَ:" خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ ".

ص: 71

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَوَمَا تَعْرِفُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، أَنَّ عَلِيًّا رَوَى هَذَا التَّفْضِيلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ قَدْ كُذِبَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ الَّتِي لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهَا إلَى أَقَلِّ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى أَضَافَتْ إلَيْهِ الْقَرَامِطَةُ، وَالْبَاطِنِيَّةُ، وَالْحَزْمِيَّةُ، وَالْمَزْدَكِيَّةُ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة، وَالنُّصَيْرِيَّةُ مَذَاهِبَهَا الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْسَدِ مَذَاهِبِ الْعَالَمِينَ، وَادَّعَوْا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الْمَوْرُوثَةِ عَنْهُ. وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا أَحْدَثَهُ الْمُنَافِقُونَ الزَّنَادِقَةُ الَّذِينَ قَصَدُوا إظْهَارَ مَا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَهُمْ يُبْطِنُونَ خِلَافَ ذَلِكَ، وَاسْتَتْبَعُوا الطَّوَائِفَ الْخَارِجَةَ عَنْ الشَّرَائِعِ، فَكَانَتْ لَهُمْ دُوَلٌ، وَجَرَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ فِتَنٌ، حَتَّى قَالَ ابْنُ سِينَا: إنَّمَا اشْتَغَلْت فِي عُلُومِ الْفَلَاسِفَةِ؛ لِأَنَّ أَبِي كَانَ مِنْ أَهْلِ دَعْوَةِ الْمِصْرِيِّينَ، يَعْنِي مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ الرَّافِضَةِ الْقَرَامِطَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَحِلُونَ هَذِهِ الْعُلُومَ الْفَلْسَفِيَّةَ، وَلِهَذَا تَجِدُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ مَعْرِفَةِ النُّبُوَّاتِ اتِّصَالًا وَانْضِمَامًا، يَجْمَعُهُمْ فِيهِ الْجَهْلُ الصَّمِيمُ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

فَإِذَا كَانَ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْقَرِيبِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ قَدْ كُذِبَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَأُضِيفَ إلَيْهِمْ مِنْ مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ مَا يَعْلَمُ كُلُّ عَاقِلٍ بَرَاءَتَهُمْ مِنْهُ، وَنَفَقَ ذَلِكَ عَلَى طَوَائِفَ كَثِيرَةٍ مُنْتَسِبَةٍ إلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ، مَعَ وُجُودِ مَنْ يُبَيِّنُ كَذِبَ هَؤُلَاءِ وَيَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَيَذُبُّ عَنْ الْمِلَّةِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَاللِّسَانِ، فَكَيْفَ الظَّنُّ بِمَا يُضَافُ إلَى إدْرِيسَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أُمُورِ النُّجُومِ وَالْفَلْسَفَةِ مَعَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ، وَتَنَوُّعِ الْحَدَثَانِ، وَاخْتِلَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ، وَعَدَمِ مَنْ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ مِنْ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَاشْتِمَالِ ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ. وَكَذَلِكَ دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ نَجْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالْعَقْرَبِ وَالْمِرِّيخِ، وَأُمَّتِهِ

ص: 72

بِالزُّهَرَةِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ هُوَ مِنْ أَوْضَحِ الْهَذَيَانِ؛ لِمُبَايَنَةِ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ لِمَا يَدَّعُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ مِنْ أَوْضَحِ الْكَذِبِ قَوْلَهُمْ: إنَّ نَجْمَ الْمُسْلِمِينَ بِالزُّهَرَةِ، وَنَجْمَ النَّصَارَى بِالْمُشْتَرَيْ، مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقْتَضِي الْعِلْمَ وَالدِّينَ، وَالزُّهَرَةَ تَقْتَضِي اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ؛ وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ النَّصَارَى أَعْظَمُ الْمِلَلِ جَهْلًا وَضَلَالَةً، وَأَبْعَدُهَا عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، وَأَكْثَرُ اشْتِغَالًا بِالْمَلَاهِي وَتَعَبُّدًا بِهَا.

وَالْفَلَاسِفَةُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ مَا قَرَعَ الْعَالِمُ نَامُوسَ أَعْظَمَ مِنْ النَّامُوسِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ أَكْمَلُ عَقْلًا وَدِينًا وَعِلْمًا بِاتِّفَاقِ الْفَلَاسِفَةِ، حَتَّى فَلَاسِفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ لَا يَرْتَابُونَ فِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ عَقْلًا وَدِينًا، وَإِنَّمَا يَمْكُثُ أَحَدُهُمْ عَلَى دِينِهِ، إمَّا اتِّبَاعًا لِهَوَاهُ وَرِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ دُنْيَاهُ فِي زَعْمِهِ، وَإِمَّا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَيِّ مِلَّةٍ كَانَتْ، وَإِنَّ الْمِلَلَ شَبِيهَةٌ بِالْمَذَاهِبِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفَلَاسِفَةِ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ وَأَمْثَالِهِمْ يَقُولُونَ بِهَذَا، وَيَجْعَلُونَ الْمِلَلَ بِمَنْزِلَةِ الدُّوَلِ الصَّالِحَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ.

وَأَمَّا الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَنَاطِقَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَى الْحَنِيفِيَّةِ، وَهِيَ الْإِسْلَامُ الْعَامُّ: عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْإِيمَانُ بِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62] .

وَبِذَلِكَ أَخْبَرَنَا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأُمَمِهِمْ، قَالَ نُوحٌ:{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72] .

وَقَالَ فِي آلِ إبْرَاهِيمَ {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130]{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 131 - 132] . وَقَالَ: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84] .

وَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: 44]، وَقَالَتْ بِلْقِيسُ:{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44] .

وَقَالَ فِي الْحَوَارِيِّينَ: {أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111]، وَقَدْ قَالَ مُطْلَقًا:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] .

وَقَالَ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] . {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] .

ص: 73

فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ بِاتِّفَاقِ كُلِّ ذِي عَقْلٍ أَوْلَى أَهْلِ الْمِلَلِ بِالْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالْعَدْلِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا تُنَاسِبُ عِنْدَهُمْ آثَارَ الْمُشْتَرِي، وَالنَّصَارَى أَبْعَدُ عَنْ ذَلِكَ وَأَوْلَى بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَمَا يُنَاسِبُ عِنْدَهُمْ آثَارَ الزُّهْرَةِ، كَانَ مَا ذَكَرُوهُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ.

وَلِهَذَا لَا تَزَالُ أَحْكَامُهُمْ كَاذِبَةً مُتَهَافِتَةً، حَتَّى أَنَّ كَبِيرَ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ فَيْلَسُوفَ الْإِسْلَامِ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكِنْدِيُّ عَمِلَ تَسْيِيرًا لِهَذِهِ الْمِلَّةِ، زَعَمَ أَنَّهَا تَنْقَضِي عَامَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ مَنْ أَخْرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِخْرَاجِ مِنْ حُرُوفِ كَلَامٍ ظَهَرَ فِي الْكَشْفِ لِبَعْضِ مَنْ أَعَادَهُ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ بَقَاءَ هَذِهِ الْمِلَّةِ مِنْ حِسَابِ الْجُمَلِ الَّذِي لِلْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَهِيَ مَعَ حَذْفِ التَّكْرِيرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَحِسَابُهَا فِي الْجُمَلِ الْكَبِيرِ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ.

وَمِنْ هَذَا أَيْضًا مَا ذُكِرَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَنْزَلَ: {الم} [البقرة: 1] قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ:

ص: 74