المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة دباغ جلود الحمر وجلد ما لا يؤكل لحمه والميتة] - الفتاوى الكبرى لابن تيمية - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فُقَرَاء يَجْتَمِعُونَ يَذْكُرُونَ وَيَقْرَءُونَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنْدِيّ قَلَعَ بَيَاضَ لِحْيَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمْع الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ بِدْعَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُل قَالَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَبُوسُ الْأَرْضَ دَائِمًا هَلْ يَأْثَمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْوُجُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَعْنَى حَدِيثِ يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي]

- ‌[فَصَلِّ تَحْرِيمُ اللَّهِ الظُّلْمَ عَلَى الْعِبَادِ]

- ‌[فَصْلٌ إحْسَانُ اللَّه إلَى عِبَادِهِ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّن جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَغْفِرَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ]

- ‌[فَصْلٌ بِرُّ النَّاس وَفُجُورهُمْ لَا يَزِيدُ فِي مُلْكِ اللَّه وَلَا يُنْقِصُ]

- ‌[فَصْلٌ سُؤَال الْخَلَائِق جَمِيعهمْ لِلَّهِ فِي مَكَان وَزَمَان وَاحِد]

- ‌[فَصْلٌ عَدْل اللَّه وَإِحْسَانه فِي الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَوْضُ النَّاس فِي أُصُولِ الدِّينِ مِمَّا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَقُولُ النُّصُوصُ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قُبُور الْأَنْبِيَاءِ هَلْ هِيَ الَّتِي تَزُورُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمَاعَة يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَة يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ زِيَارَة الْقُدْسِ وَقَبْرِ الْخَلِيلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّبَاع الرَّسُولِ بِصَحِيحِ الْمَعْقُولِ]

- ‌[فَصْلٌ أَحَبّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَأَعْظَم الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ وَالِاغْتِسَالِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْتِزَامُ مَذْهَبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ حَدِيث نِيَّة الْمَرْءِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَّة فِي الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَاء الْكَثِير إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بِمُكْثِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُؤْرُ الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَتْ مِنْ دُونِ الْقُلَّتَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَغَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب إذَا وَقَعَ فِي بِئْر كَثِير الْمَاء وَمَاتَ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَرِيض طُبِخَ لَهُ دَوَاءٌ فَوَجَدَ فِيهِ زِبْلَ الْفَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فَرَّان يَحْمِي بِالزِّبْلِ وَيَخْبِزُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي فِي أَرْضِ الْحَمَّامِ مِنْ اغْتِسَالِ النَّاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْبُ إذَا وَلَغَ فِي اللَّبَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُنَاس فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمْ قَلِيلُ مَاءٍ فَوَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الزَّيْت إذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَمَاتَتْ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ يَجُوزُ التَّعَمُّدُ لِإِفْسَادِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَعَ عَلَى ثِيَابِهِ مَاءٌ مِنْ طَاقَةٍ مَا يَدْرِي مَا هُوَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَلْب طَلَعَ مِنْ مَاءٍ فَانْتَفَضَ عَلَى شَيْءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفَخَّار الَّذِي يُشْوَى بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَمْ نَجَسٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَظْم الْمَيْتَةِ وَقَرْنهَا وَظُفُرهَا وَرِيشهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي السِّوَاكِ وَتَسْرِيحِ اللِّحْيَةِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة هَلْ تُخْتَنُ أَمْ لَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ وَلَا مُطَهَّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخِتَان مَتَى يَكُونُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَمْ مِقْدَارُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ حَتَّى يَحْلِقَ عَانَتَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ جُنُبًا وَقَصَّ ظُفُرَهُ أَوْ شَارِبَهُ أَوْ مَشَّطَ رَأْسَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْح الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى عُنُقِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ لَمْسُ كُلّ ذَكَر يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَوَضَّأَ وَقَامَ يُصَلِّي فَأَحَسَّ بِالنُّقْطَةِ فِي صَلَاتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسّ يَد الصَّبِيّ الْأَمْرَدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ أَوْ ضَمَّهَا فَأَمْذَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَيْء يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَكْل لَحْمِ الْإِبِلِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَة أَوْ حَيْض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ تَضَعُ دَوَاءً لِتَمْنَع نُفُوذَ الْمَنِيِّ فِي مَجَارِي الْحَبَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آدَاب الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عُبُور الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَهِيجُ عَلَيْهِ بَدَنُهُ فَيَسْتَمْنِي بِيَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ بِهَا مَرَضٌ فِي عَيْنَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْحَمَّامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنُب فِي بَيْتٍ مُبَلَّطٍ مُغْلَق عَلَيْهِ لَا يَعْلَم مَتَى يَخْرَج مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَيُصَلِّي بِوُضُوءٍ مُحْتَقِنًا أَمْ يُحْدِثُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَامَ جُنُبًا فَاسْتَيْقَظَ قَرَّبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَخَشِيَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سَافَرَ مَعَ رُفْقَةٍ هُوَ إمَامُهُمْ فَاحْتَلَمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْل أَنْ تَغْتَسِلَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَمْر إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ مِنْ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِهِ قَيْحٌ لَا يَنْقَطِعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حَالِ النِّفَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَا تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنِيّ الْإِنْسَانِ وَغَيْره مِنْ الدَّوَابِّ الطَّاهِرَةِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ الَّتِي لَمْ تَحْرُمْ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَنِيِّ الْآدَمِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَلْب إذَا وَلَغَ فِي اللَّبَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَحَمَلَ الْمُصْحَفَ بِأَكْمَامِهِ لِيَقْرَأَ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُدَّة الْحَيْض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُدَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُنُبُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إزَالَة النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَاس فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمْ مَاءٌ قَلِيلٌ فَوَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوَانِي النُّحَاسِ الْمُطَعَّمَة بِالْفِضَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَمْس النِّسَاءِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِنْطَار زَيْتٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَوَاف الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْحَجُّ بِدُونِ طَوَافِهَا وَهِيَ حَائِضٌ]

- ‌[مَسْأَلَة مِنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ أَيُؤَخِّرُ الطُّهْر إلَى أَنْ يَتَضَحَّى النَّهَارُ]

- ‌[مَسْأَلَة دِبَاغ جُلُود الْحُمُرِ وَجِلْد مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْمَيْتَة]

- ‌[مَسْأَلَة مُرَابٍ خَلَّفَ مَالًا وَوَلَدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْجُبْنِ الْإِفْرِنْجِيِّ وَالْجُوخِ]

الفصل: ‌[مسألة دباغ جلود الحمر وجلد ما لا يؤكل لحمه والميتة]

الصُّورَةِ، وَإِنَّمَا كَلَامُ مَنْ قَالَ عَلَيْهَا دَمٌ، أَوْ تَرْجِعُ مُحْرِمَةً، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، كَلَامٌ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِمْ، وَكَانَ زَمَنَهُمْ يُمْكِنُهَا أَنْ تَحْتَبِسَ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ، وَكَانُوا يَأْمُرُونَ الْأُمَرَاءَ أَنْ يَحْتَدُّوا حَتَّى تَطْهُرَ الْحُيَّضُ وَيَظْعَنَّ. وَلِهَذَا أَلْزَمَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ الْمُكَارِيَ الَّذِي لَهَا أَنْ يَحْتَبِسَ مَعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ، ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا: لَا يَجِبُ عَلَى مُكَارِيهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ أَنْ يَحْتَبِسَ مَعَهَا

لِمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ

، فَعُلِمَ أَنَّ أَجْوِبَةَ الْأَئِمَّةِ بِكَوْنِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ شَرْطًا أَوْ وَاجِبًا، كَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَنْ تَطُوفَ طَاهِرًا لَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِرَاطِ أَوْ الْوُجُوبِ فِي الْحَالَيْنِ، فَيَكُونُ النِّزَاعُ مَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

آخِرُ مَا وُجِّهَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْجَلِيلَةِ الْجَمِيلَةِ الْغَزِيرَةِ الْفَائِدَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

[مَسْأَلَة مِنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ أَيُؤَخِّرُ الطُّهْر إلَى أَنْ يَتَضَحَّى النَّهَارُ]

81 -

66 مَسْأَلَةٌ:

وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: عَنْ رَجُلٍ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ فِي عَافِيَةٍ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَصْبِرَ بِالطُّهْرِ إلَى أَنْ يَتَضَحَّى النَّهَارُ، أَمْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّ. أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟

أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، بَلْ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاغْتِسَال بِمَاءٍ بَارِدٍ أَوْ حَارٍّ، أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ بِخَشْيَةِ الْبَرْدِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لَكِنْ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الِاغْتِسَالِ اغْتَسَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة دِبَاغ جُلُود الْحُمُرِ وَجِلْد مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْمَيْتَة]

82 -

67 مَسْأَلَةٌ:

فِي جُلُودِ الْحُمُرِ، وَجِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْمَيْتَةِ، هَلْ تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟

ص: 472

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمَّا طَهَارَةُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ، فِي الْجُمْلَةِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

الثَّانِي: لَا تَطْهُرُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَلِهَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمَدْبُوغِ فِي الْمَاءِ دُونَ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا، اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى هِيَ آخِرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، كَمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بِآخِرَةٍ.

وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الدِّبَاغِ شَيْءٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ ذِكْرَ الدِّبَاغِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَعَنَ هَؤُلَاءِ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ إذْ كَانُوا أَئِمَّةً لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ اجْتِهَادٌ، وَقَالُوا: رَوَى عُيَيْنَةُ الدِّبَاغَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالزُّهْرِيُّ كَانَ يُجَوِّزُ اسْتِعْمَالَ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِلَا دِبَاغٍ، وَذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ ذِكْرُ الدِّبَاغِ، وَتَكَلَّمُوا فِي ابْنِ وَعْلَةَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا: أَحَادِيثُ الدِّبَاغِ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ:«كُنْت رَخَّصْت فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» .

فَكِلَا هَاتَيْنِ الْحُجَّتَيْنِ مَأْثُورَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَفْسِهِ فِي جَوَابِهِ وَمُنَاظَرَتِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْمَشْهُورَةِ.

وَقَدْ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالدِّبَاغِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا.

ص: 473

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ» . وَعَنْ «سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ، فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، فَمَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» . قُلْت: وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ: «إنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ، وَمَعَنَا الْبَرْبَرُ وَالْمَجُوسُ نُؤْتَى بِالْكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ، وَنَحْنُ لَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَأْتُونَا بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الْوَدَكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: دِبَاغُهُ طَهُورُهُ» .

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ» ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ. فَقَالَ: دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.

وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَرَّ بِبَيْتٍ بِفِنَائِهِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَاسْتَقَى، فَقِيلَ إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: ذَكَاةُ الْأَدِيمِ دِبَاغُهُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ فَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ بِكَوْنِ حَامِلِهِ مَجْهُولًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ رَدُّ الْحَدِيثِ بِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ: «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 474

قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: مَا أَصْلَحَ إسْنَادَهُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِهَابَ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ، كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ النَّضْرُ ابْنُ شُمَيْلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدَّبْغِ فَإِنَّمَا هُوَ أَدِيمٌ، فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ.

فَقَالَ الْمَانِعُونَ: هَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي أَرْضِ جُهَيْنَةَ. «إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا، فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ» ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ " مِنْ رِوَايَةِ فَضَالَةَ بْنِ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ الْمِصْرِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ، لَكِنْ هُوَ شَدِيدٌ فِي التَّزْكِيَةِ، وَإِذَا كَانَ النَّهْيُ بَعْدَ الرُّخْصَةِ فَالرُّخْصَةُ إنَّمَا كَانَتْ فِي الْمَدْبُوغِ.

وَتَحْقِيقُ الْجَوَابِ: أَنْ يُقَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَدْبُوغِ. وَأَمَّا الرُّخْصَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا كَانَتْ لِلْمَدْبُوغِ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ: الزُّهْرِيُّ، وَغَيْرُهُ إلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ، تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ الْمُطْلَقِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، قَوْلُهُ:«إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» .

فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ ثُمَّ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْجِلْدَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَسَلَّمَ، مَاتَتْ فُلَانَةُ - تَعْنِي الشَّاةَ - فَقَالَ: فَلَوْلَا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا فَقَالَتْ: آخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا قَالَ {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] وَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ، إنْ تَدْبُغُوهُ تَنْتَفِعُوا بِهِ

ص: 475

فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا فَدَبَغَتْهُ، فَاِتَّخَذَتْ مِنْهُ قِرْبَةً حَتَّى تَخَرَّقَتْ عِنْدَهَا» .

فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْجِلْدَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الدِّبَاغُ لِإِبْقَاءِ الْجِلْدِ وَحِفْظِهِ، لَا لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْحِلِّ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ لِجُهَيْنَةَ فِي هَذَا. وَالنَّسْخُ عَنْ هَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ فِي سُورَتَيْنِ مَكِّيَّتَيْنِ: الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ، ثُمَّ فِي سُورَتَيْنِ مَدَنِيَّتَيْنِ: الْبَقَرَةِ وَالْمَائِدَةِ، وَالْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا كَمَا رُوِيَ «الْمَائِدَةُ آخِرُ الْقُرْآنِ نُزُولًا، فَأَحِلُّوا حَلَالَهَا وَحَرِّمُوا حَرَامَهَا» وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ التَّحْرِيمِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي غَيْرِهَا، وَحَرَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشْيَاءَ مِثْلَ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ.

وَإِذَا كَانَ التَّحْرِيمُ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي السُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي اسْتَنَدَتْ الرُّخْصَةَ الْمُطْلَقَةَ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ الِانْتِفَاعِ بِالْعَصَبِ وَالْإِهَابِ قَبْلَ الدِّبَاغِ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدِّبَاغِ فَلَمْ يُحَرَّمْ ذَلِكَ قَطُّ، بَلْ بَيَّنَ أَنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ وَذَكَاتُهُ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِدُونِ الدِّبَاغِ.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلِلنَّاسِ فِيمَا يُطَهِّرُهُ الدِّبَاغُ أَقْوَالٌ: قِيلَ: إنَّهُ يُطَهِّرُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْحَمِيرَ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَدَاوُد.

وَقِيلَ: يُطَهِّرُ كُلَّ شَيْءٍ سِوَى الْحَمِيرِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقِيلَ: يُطَهِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْكَلْبَ، وَالْحَمِيرَ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَطْهِيرِ الدِّبَاغِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ فِي مَذْهَبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، إنَّهُ إنَّمَا يُطَهِّرُ مَا يُبَاحُ بِالذَّكَاةِ، فَلَا يُطَهِّرُ جُلُودَ السِّبَاعِ.

وَمَأْخَذُ التَّرَدُّدِ أَنَّ الدِّبَاغَ: هَلْ هُوَ كَالْحَيَاةِ فَيُطَهِّرُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ، أَوْ هُوَ كَالذَّكَاةِ، فَيُطَهِّرُ مَا طَهُرَ بِالذَّكَاةِ، وَالثَّانِي أَرْجَحُ.

ص: 476