الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَوَابُ: أَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي: فَمَا سَمِعْت بِهِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ فِي السُّنَنِ لَكِنْ لَفْظُهُ: «أَنَّهُ قَاءَ فَأَفْطَرَ فَتَوَضَّأَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِثَوْبَانَ فَقَالَ: صَدَقَ أَنَا أَصْبَبْت لَهُ وُضُوءَهُ» . وَلَفْظُ الْوُضُوءِ لَمْ يَجِئْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا وَالْمُرَادُ بِهِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ، وَلَمْ يَرِدْ لَفْظُ الْوُضُوءِ بِمَعْنَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْفَمِ إلَّا فِي لُغَةِ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ «سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مِنْ بَرَكَةِ الطَّعَامِ الْوُضُوءَ قَبْلَهُ فَقَالَ: مِنْ بَرَكَةِ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ، وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ أَكْل لَحْمِ الْإِبِلِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]
48 -
32 مَسْأَلَةٌ:
فِي أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا، وَهَلْ حَدِيثُهُ مَنْسُوخٌ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ. قَالَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: لَا» ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، حَدِيثُ الْبَرَاءِ، وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.
وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، وَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ» . وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ أَصَحُّ وَأَبْعَدُ عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ أَحَادِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ، وَأَحَادِيثِ الْقَهْقَهَةِ
، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ جَابِرٍ «كَانَ آخَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» ، لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، إذْ كِلَاهُمَا فِي مَسِّ النَّارِ سَوَاءٌ، فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ هَذَا، وَخَيَّرَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْآخَرِ، عُلِمَ بُطْلَانُ هَذَا التَّعْلِيلِ. وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَسَّ النَّارِ فَنَسْخُ التَّوَضُّؤِ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ، لَا يُوجِبُ نَسْخَ التَّوَضُّؤِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بَلْ يُقَالُ: كَانَتْ لُحُومُ الْإِبِلِ أَوَّلًا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا كَمَا يُتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْأَمْرُ الْعَامُّ الْمُشْتَرَكُ.
فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ لَحْمُ الْإِبِلِ، فَلَوْ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا، فَكَيْفَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ؟ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ " الْوَجْهُ الثَّانِي " وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ بَعْدَ نَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، وَقَدْ أَمَرَ فِيهِ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ بَعْدَ النَّسْخِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَفِي الصَّلَاةِ فِي الْمَعَاطِنِ أَيْضًا، وَهَذَا التَّفْرِيقُ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَصٌّ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، فَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلٌ، بَلْ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ يُوجِبُ الْعَمَلَ فِيهِ بِالْوُضُوءِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُضُوءَ مِنْهُ نِيًّا وَمَطْبُوخًا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَنْسُوخًا.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ أَتَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَصٌّ عَامٌّ بِقَوْلِهِ: «لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» ، لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ نَاسِخًا لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبْلَهُ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ، وَلَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَنْسَخُهُ، بَلْ إمَّا أَنْ يُقَالَ الْخَاصُّ هُوَ الْمُقَدَّمُ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ، بَلْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ الْخَاصِّ لَكَانَ الْخَاصُّ مُقَدَّمًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْخَاصَّ بَعْدَ الْعَامِّ، فَإِنْ كَانَ نَسْخٌ كَانَ الْخَاصُّ نَاسِخًا، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَاصَّ الْمُتَأَخِّرَ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ، فَعُلِمَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مِثْلِ هَذَا الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَوْ كَانَ هُنَا لَفْظٌ عَامٌّ، كَيْفَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ عَامٌّ يَنْسَخُ الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ.
وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّهُ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَذَلِكَ أَتَى بِالسَّوِيقِ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ لَمْ يَتَوَضَّأْ» ، وَهَذَا فِعْلٌ لَا عُمُومَ لَهُ، فَإِنَّ التَّوَضُّؤَ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ لَا يَجِبُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ، وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ دَلِيلُ ذَلِكَ، وَأَمَّا جَابِرٌ فَإِنَّمَا نَقَلَ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» ، وَهَذَا نَقْلٌ لِفِعْلِهِ لَا لِقَوْلِهِ. فَإِذَا شَاهَدُوهُ قَدْ أَكَلَ لَحْمَ غَنَمٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، صَحَّ أَنْ يُقَالَ: التَّرْكُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ، وَالتَّرْكُ الْعَامُّ لَا يُحَاطُ بِهِ إلَّا بِدَوَامِ مُعَاشَرَتِهِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ التَّرْكُ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ.
ثُمَّ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ لَا يُوجِبُ تَرْكَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَلَحْمُ الْإِبِلِ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ لِأَجْلِ مَسِّ النَّارِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ الْمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهِ وَيَتَنَاوَلُهُ نِيًّا وَمَطْبُوخًا، فَبَيْنَ الْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، هَذَا أَعَمُّ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ.
وَقَدْ يَتَّفِقُ الْوَجْهَانِ، فَيَكُونُ لِلْحُكْمِ عِلَّتَانِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ التَّوَضُّؤِ مِنْ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَبِّلُ
فَيُمْذِي، وَقَدْ يُقَبِّلُ فَلَا يُمْذِي، وَقَدْ يُمْذِي مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ مِنْ مَسِّ النِّسَاءِ لَمْ يُنْفَ الْوُضُوءُ مِنْ الْمَذْيِ. وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ، وَهَذَا بَيِّنٌ. وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ غَسْلُ الْيَدِ، أَوْ الْيَدِ وَالْفَمِ، فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الْوُضُوءَ فِي كَلَامِ رَسُولِنَا صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرِدْ بِهِ قَطُّ إلَّا وُضُوءُ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي لُغَةِ الْيَهُودِ، كَمَا رُوِيَ «أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ: مِنْ بَرَكَةِ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ. فَقَالَ: مِنْ بَرَكَةِ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ» .
فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ تُنُوزِعَ فِي صِحَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ صَحِيحًا فَقَدْ أَجَابَ سَلْمَانَ بِاللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَهُ بِهَا لُغَةَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ، وَأَمَّا اللُّغَةُ الَّتِي خَاطَبَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِهَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، فَلَمْ يَرِدْ فِيهَا الْوُضُوءُ إلَّا فِي الْوُضُوءِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ. الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ اللَّحْمَيْنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ، وَالْفَمِ مِنْ الْغَمْرِ مَشْرُوعٌ مُطْلَقًا، بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ «أَنَّهُ تَمَضْمَضَ مِنْ لَبَنٍ ثُمَّ شَرِبَهُ. وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا» . وَقَالَ: «مَنْ بَاتَ وَبِيَدِهِ غَمَرٌ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» .
فَإِذَا كَانَ قَدْ شَرَعَ ذَلِكَ مِنْ اللَّبَنِ وَالْغَمَرِ، فَكَيْفَ لَا يَشْرَعُهُ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ؟ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ، إنْ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ امْتَنَعَ حَمْلُهُ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْفَمِ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ امْتَنَعَ رَفْعُ الِاسْتِحْبَابِ عَنْ لَحْمِ الْغَنَمِ،