المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسئلة وأجوبة عن قضايا التوحيد والشرك - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌أسئلة وأجوبة عن قضايا التوحيد والشرك

‌أسئلة وأجوبة عن قضايا التوحيد والشرك

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب

ص: 117

وصف المخطوط

1 -

عنوان الرسالة: أسئلة وأجوبة عن قضايا التوحيد والشرك (1).

2 -

موضوع الرسالة: في قضية الشرك والتوحيد، وخلق أفعال العباد، والخلاف في الفروع (2).

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الراشدين أجمعين .. أما بعد:

فهذه سؤالات لها أطراف وغصون وفروع وشجون

4 -

آخر الرسالة: صدر الجواب وهو غير منقول، فقابلوه بالعذر والقبول، وما كان فيه خطأ فأصلِحوه، وما كان فيه من قصور فتمموه، والسلام عليكم ورحمة الله.

5 -

نوع الخط: خط الأسئلة نسخي معتاد. وخط الأجوبة نسخي دقيق.

6 -

عدد الأوراق: (9) ورقات.

7 -

عدد السطور في الصفحة: 22 سطرا في الأسئلة و (14) سطرا في الأجوبة تقريبا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 10 كلمات في الأسئلة و (16) كلمة في الأجوبة تقريبا.

9 -

الناسخ: نسخ الأسئلة بخط محمد بن أحمد الحفظي وهو السائل.

(1) العنوان من وضعي لأنني لم أعثر لها على عنوان في صور العناوين.

(2)

وضعت هذه الرسالة في قسم "العقيدة" ولو كان فيها سؤال يتعلق بالفقه لأن أغلب الرسالة تتحدث عن العقيدة. وهكذا أصنع على مدار الكتاب وهو " الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني " حيث أضع الرسالة في القسم الذي يغلب عليها والله الهادي إلى الصواب.

ص: 119

ونسخ الأجوبة بخط عبد العزيز بن أحمد النجدي.

ملحوظة:

في أول صفحة من الجواب ما نصه: "هذا الجواب حرره عبد العزيز بن أحمد النجدي عند قدومه إلى صنعاء، وأجبت أنا عن السؤال كما سيأتي". والظاهر أن هذه العبارة بخط الإمام الشوكاني.

* في خط الجواب كلمات غير مقروءة، وكلمات مطموسة.

ص: 120

بسم الله الرحمن الرحيم

[نص الأسئلة]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الراشدين أجمعين

أما بعد:

فهذه سؤالات لها أطراف، وغصون، وفروع، وشجون في جملة من الفنون تزُفها ركائب القدرة في المقدرات بين الكاف والنون، وتحسنُها عجائب الفكرة في المقررات في الشروح والمتون إلى علامة اليمن الميمون، المجتهد الرباني محمد بن علي بن محمد الشوكاني أعانه من يقول للشيء كن فيكون، على الإثابة بالإجابة، والإصابة فيما هم فيه يختلفون ..

ص: 125

السؤال الأول

قد نطقت الآيات القرآنية، وشهدت الأخبار النبوية، وأجمعت الأمة المحمدية على وجوب توحيد الله- سبحانه وتعالى بالعبادة، وقال عز من قائل عليم:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (1){وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} (2)، وكذلك تواترت الأحاديث الواردات، وتتابعت الآيات البينات على تحريم الشرك بالله- سبحانه- في العبادات، سواء كان ذلك جليا أو خفيا {من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} (3)، وقال تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (4).

وفي هذا مباحث يتضح ها المعنى، ويستقيم عليها المبنى:

الأول: أن الدعوة لغير الله شرك، وفي التفاسير أن المراد بها العبادة في كثير منها، فالمراد بالعبادة التوحيد كما ذكره ابن عباس (5) رضي الله عنهما.

(1) الذاريات (56).

(2)

البينة (5).

(3)

المائدة (72).

(4)

النساء (48، 116).

(5)

قال ابن كثير في تفسيره (1/ 195): عن ابن عباس قال: قال الله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} للفريقين جميعا من الكفار المنافقين، أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ".

وقال ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 47 - 48): اختلف العلماء فيمن عني بهذا الخطاب على أربعة أقوال:

1 -

أنه عام في جميع الناس، وهو قول ابن عباس.

2 -

أنه خطاب لليهود دون غيرهم، قاله الحسن ومجاهد.

3 -

أنه خطاب للكفار من مشركي العرب وغيرهم، قاله السدي.

4 -

أنه خطاب للمنافقين واليهود، قاله مقاتل. والناس اسم للحيوان الآدمي؛ وسموا بذلك لتحركهم في مرادتهم. والنوس: الحركة. وقيل: سموا أناسا لما يعتريهم من النسيان.

والمراد هاهنا بالعبادة قولان:

أحدهما: التوحيد.

والثاني: الطاعة، رويا عن ابن عباس.

وانظر: " جامع البيان " للطبري

(1/ 125).

ص: 126

وفي الحديث أن ((الدعاء هو العبادة)) (1)، وهذا الفصل (2) للحصر، أو التخصيص للاهتمام. وعلى كل تقدير فهو دليل على هذا التقرير.

والدعاء له معنيان (3): أحدهما دعاء الطلب، بل قد سمى الله ذلك دينا في قوله تعالى:{فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين} (4).

(1) أخرجه أحمد (4/ 267،271، 276) والبخاري في الأدب المفرد رقم (714) والطيالسي كما في المنحة رقم (1252) وابن ماجه رقم (3828) والطبراني في الصغير (2/ 97) والحاكم (1/ 490 - 491) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وأبو نعيم في الحلية (8/ 120) والبغوي في شرح السنة (5/ 184 - 185 رقم 1384) والنسائي في الكبرى (9/ 30) كما في تحفة الأشراف، وابن حبان رقم (2396 - موارد) من طرق من حديث النعمان بن بشير وهو حديث صحيح.

(2)

انظر: معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 140).

(3)

قال ابن تيمية في " مجموع فتاوى "(1/ 69):- الدعاء في القرآن والسنة:

1 -

\ دعاء عبادة وهذا النوع ورد كثيرا في القرآن كقوله تعالى: {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} [الشعراء: 213].

2 -

\ دعاء مسألة: وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، ومن أدلته قوله تعالى:

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 40 - 41].

فمتى كان الدعاء مقرونا بالطلب مذكورا في صياغة الاستجابة فهو دعاء المسألة وإلا فهو دعاء العبادة.

وانظر: " مجموع فتاوى ابن تيمية "(10/ 237).

(4)

العنكبوت (65).

ص: 127

وصرف هذه العبادة لغير الله شرك وكفر بدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ

} إلى قوله: {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (1).

فهل هذا الكلام في سبل السلام إلى بلوغ المرام عند جميع الأعلام، أم فيه تفصيل واحتمال على قول بعض الرجال؟، وشأن الكفر المجمع عليه حل الدم والمال بلا إشكال، سواء قبل الدعوة أو بعدها على التفصيل في من بلغته، ومن لم تبلغه.

-[فهل](2) يعذر الجاهل لقولهم: إن العمل متوقف على العلم، وكذا الوجوب؟

وفي قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} (3). هل هذه الجملة حالية أو خبرية؟ (4).

(1) الأحقاف (5 - 6).

(2)

في الأصل (وفهل) والصواب ما أثبتناه.

(3)

البقرة (22).

(4)

" وأنتم تعلمون " مبتدأ وخبر في محل النصب على الحال من الضمير في (فلا تجعلوا) أي فلا تجعلوا لله أمثالا وأكفاء. وهذه حالكم وصفتكم ومفعول (تعلمون) فمحذوف أي تعلمون أنه واحد لا ضد له.

وقيل: تعلمون أنه المحسن إليكم المنعم عليكم.

(الواو): واو الحال. أنتم: مبتدأ، تعلمون: جملة فعلية في محل رفع الخبر.

انظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (1/ 245).

وقال في الدر المصون (1/ 196): (وأنتم تعلمون) جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال.

ومفعول العلم متروك لأن المعنى وأنتم من (أهل العلم أو حذف اختصارا أي: وأنتم تعلمون بطلان ذلك.

وقال الزمخشري في الكشاف (1/ 217): (وأنتم تعلمون) ومالكم وصفتكم أنكم من صحة تمييزكم بين الصحيح والفاسد، والمعرفة بدقائق الأمور وغوامض الأحوال، والإصابة في التدابير، والدهاء والفطنة، بمنزل لا تدفعون عنه، وهكذا العرب، خصوصا ساكنو الحرم من قريش وكنانة يصطلي بنارهم في استكمال المعرفة بالأمور وحسن الإحاطة بها، ومفعول:(تعلمون) متروك كأنه قيل: وأنتم من أهل العلم والمعرفة، والتوبيخ فيه آكد، أي أنتم العرافون المميزون ثم إن ما أنتم عليه في أمر ديانتكم من جعل الأصنام لله أندادا، وهو غاية الجهل ونهاية سخافة العقل، ويجوز أن يقدر: وأنتم تعلمون أن لا يماثل.

ص: 128

وهل الاحتمال يصح دليلا للعذر أم لا، لوضوح المحجة وبلوغ الحجة، وعدم فهم الحجة ليس بعذر؟

وكيف شأن المتقدمين على هذه الدعوة النجدية إلى توحيد الإلهية ممن يوجد في كلامه أو أفعاله ما هو شرك جلي، بل وقع بعض ذلك للمصنفين، اللهم إلا أن يقال: إن الدعاء [الذي](1) ينازع فيه أنه ليس من الشرك الأكبر، وأنه لا إنكار في المختلف فيه، فالاعتقادات العلميات خلاف الظنيات فالمراد من شيخ الأكابر بإسناد الدفاتر، بسط الكلام على الأول من السؤالات، والآخر مع النظر فيما يتفرع على كل جملة، والإفادة بما عليه الجلة في الجملة.

(1) زيادة يستلزمها السياق.

ص: 129

السؤال الثاني

عن الراجح لديكم في مسألة خلق الأفعال حسنها (1) وقبيحها، وخيرها وشرها، هل يكون ذلك لله تعالى اختراعا وإبداعا، ووقوعا وارتفاعا؟، لعموم الآيات في ذلك، وشمول الأحاديث فيما هنالك، خصوصا ما في صحيح مسلم (2) في ذلك مما يطول سرده، بل في جواب سؤال جبريل أعظم دليل.

(1) الحسن والقبح يطلق بثلاثة، اعتبارات:

1 -

\ بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته كقولنا: إنقاذ الغريق حسن واتهام البريء قبيح.

2 -

\ ما أشير إليه بقوله أو بمعنى (صفة كمال ونقص، كقولنا: العلم حسن والجهل قبيح).

وكل منهما عقلي أي أن العقل يستقل بإدراكهما من غير توقف على الشرع.

3 -

\ إطلاق الحسن والقبح بمعنى المدح والثواب وبمعنى (الذم والعقاب: شرعي. فلا حاكم إلا الله تعالى، والعقل لا يحسِّن ولا يقبِّح. ولا يوجب ولا يحرم.

وقال ابن حجر في الفتح (13/ 274) نقلا عن السمعاني: " إن العقل لا يوجب شيئا، ولا يحرم شيئا، ولاحظ له في شيء من ذلك، ولو لم يرد الشرع بحكم ما وجب على أحد شيء.

إن فعل غير المكلف ليس حسنا ولا قبيحا بمعنى أن الحسن ما أمر الله به، والقبيح ما نهى الله عنه. والصغير أو المجنون غير مكلف، كما أن فعله لا يوصف بحسن ولا قبح بمعنى أن ما لفاعله فعله مع كونه متمكنا منه، عالما بحاله، والقبيح عكسه. لأن غير المكلف ليس عالما بحاله. ولا متمكنا من فعله. فلا يوصف فعله بحسن ولا قبح. كما لا يوصف فعل الصغير أو المجنون بالحسن والقبح بمعنى الثواب والعقاب، لأن هؤلاء لا يكتب لهم ثواب، ولا ينزل بهم عقاب.

انظر: المسودة (ص 473، 477)، إرشاد الفحول (ص 7)، تيسير التحرير (2/ 152) والعواصم والقواصم (7/ 7 - 8).

(2)

أخرجه مسلم (1/ 36 - 38) رقم (1/ 8) من حديث عمر بن الخطاب وهو حديث جامع لأصول الدين وشرائعه ومراتبه وشعبه القولية والعملية، وهو حديث عظيم الشأن، جليل كبير جامع نافع، سمى النبي صلى الله عليه وسلم ما احتوى عليه (الدين) فقال:" هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " وهو حديث مشهور في كتب السنة عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأبو هريرة وأبو ذر، وعبد الله بن عباس، وأبو عامر الأشعري، وغيرهم رضي الله عنهم.

ص: 130

وفي صحيح البخاري (1) في تفسير سورة {والليل إذا يغشى} عن علي- رضي الله عنه حديث قد أحطتم به علما، أم يكون ذلك الفعل من العبد خلقا (2) وصنعة،، لا كسبا وصورة، لإضافته إليه في كثير من الآيات، ولجواز تخصيص تلك العموميات بغير القبيح السيئ، مع أن دلالة العموم ظنية،، وإن كانت كلية، ولقيام الحجة على المكلف باستقلاله، وعدم بطلان المحجة في [إلجائه](3) وأعماله.

وهاهنا نكتة يحصل للقاصر عندها البهتة، وهي: أن القائلين بالأول يقولون: إن خلافه فيه إثبات شركاء لله، يتصرفون بغير إذن الله، وأن الإنكار والخلاف (4) إنما هو

(1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (45، 49، 4946، 4947، 4948، 4949) من حديث علي قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ فقال: اعملوا فكل ميسر ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى

} إلى قوله {للعسرى} ".

قلت: وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (2647) وأبو داود رقم (4694) والترمذي رقم (3344) وابن ماجه رقم (78) وأحمد (1/ 82، 119، 132، 140).

(2)

وهو قول المعتزلة حيث يقول القاضي عبد الجبار: وهو يتكلم عن خلق الأفعال: "

والغرض به الكلام في أن أفعال العباد غير مخلوقة، وأنهم المحدثون لها".

ويقول في موضع آخر: " اتفق كل أهل العدل عن أن أفعال العباد من تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأن الله عز وجل أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأن من قال أن الله سبحانه وتعالى خالقها ومحدثها فقد عظم خطؤه وأحالوا حدوث فعل من فاعلين ".

انظر: شرح الأصول الخمسة ص 323.

وقولهم هذا مخالف لأهل السنة.

فقد قال ابن حزم في الفصل (3/ 41): وذهب أهل السنة كلهم .... إلى أن جميع أفعال العباد مخلوقة خلقها الله عز وجل في الفاعلين لها ".

(3)

كلمة غير واضحة في الأصل وما أثبتناه من رسالة " العذب النمير ".

(4)

ذلك أن المعتزلة ترى أن قبح الأشياء وحسنها والعقاب عليها والثواب ثابت عقلا، فهم يرون أن هناك تلازم بين إدراك قبحها، وبين العقاب عليها - شرح الأصول الخمسة ص 484.

فيقال لهم: إنه لا تلازم بين هذين الأمرين، فالأفعال في نفسها حسنة وقبيحة.

لكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي، وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحا موجبا للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل: فمثلا: الكذب والزنا: كلها قبيحة في ذاتها والعقاب عليها مشروط بالحكم الشرعي

وقد دل القرآن على أنه لا تلازم بين الأمرين، وأنه تعالى لا يعاقب إلا بإرسال الرسل، وأن الفعل نفسه حسن أو قبيح، قال تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} " [الإسراء:15].

ففي هذه الآية إشارة إلى أن العذاب لا يكون إلا بعد بعثة الرسل، وذلك دليل على أن العقاب لا يثبت إلا بالحكم الشرعي، وقال تعالى:{كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} [الملك:8 - 9].

وهي دليل على أن العقاب لا يثبت إلا بالشرع بدليل أن الخزنة لم يسألوهم عن مخالفتهم للعقل، بل للنذر، وبذلك دخلوا النار، وهذا مما يبطل قول المعتزلة أن العقاب على القبائح ثابت بالعقل قبل ورود الشرع.

وانظر: مدارج السالكين (1/ 231 - 235).

وقال ابن القيم قي مدارج السالكين (1/ 231 - 232): والحق الذي لا يجد التناقض إليه سبيلا

أن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة، كما أنها نافعة وضارة. ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحا موجبا للعقاب مع قبحه قي نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل، فالسجود للشيطان والكذب

والظلم والفواحش كلها قبيحة في ذاتها، والعقاب عليها مشروط بالشرع .. إلى أن قال وكثير من الفقهاء من الطوائف الأربع يقولون: قبحها ثابت بالعقل والعقاب متوقف على ورود الشرع ..

ص: 131

من جهة التحسين والتقبيح العقليين في الثواب والعقاب، ولا دخل له في هذا الباب، فأين المخصص من السنة أو الكتاب؟! والقائلين بالثاني يقولون: إن خلافه فيه الإجبار (1)،

(1) وهو قول الجبرية: الذين ينفون قدرة العبد ومشيته وأوضح فرقة تمثل هذا الاتجاه الجهمية الذين يردون كل شيء إلى الله، والعبد عندهم أشبه ما يكون بريشة قي مهب الريح. حتى توصل بذلك قوم إلى إسقاط الأمر والنهي، والوعد والوعيد وأنكر من أنكر منهم ما جعله الله تعالى من الأسباب حتى خرجوا عن الشرع، والعقل وقالوا أن الله يحدث الشبع والري عند وجود الأكل والشرب لا بهما وكذلك يحدث النبات عند نزول المطر لا به. وهذا خلاف ما جاء في الكتاب والسنة قال تعالى:{وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقته لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات} [الأعراف:57].

انظر: "بغية المرتاد " لابن تيمية ص 261 - 262. " فرق معاصرة " غالب بن علي عواجي (2/ 793 - 820).

ص: 132

وإبطال الشرائع، وإلزام الحجة على الشارع.

فإن تخلص الفريق الأول من هذا بالكسب، وهو العزم المصمم كما قاله بعض أهل التحقيق، أو صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل على قول بعضهم- وإن حكى ابن السبكي عن أبيه أن الناس غير مكلفين بمعرفة الكسب لصعوبته- عارضهم الفريق الثاني وقالوا: هل الكسب (1) خلق الله أم لا؟.

إن قلتم لله فهو المذهب الأول، أو للعبد وافقتم قولنا.

فليتفضل غني الزمان وإنسان الأعيان بالبيان، وقد ورد النهي عن الخوض في القدر (2)،

(1) سيأتي في جواب السؤال.

(2)

منها: ما أخرجه أحمد في " المسند "(2/ 108) والترمذي رقم (2152، 2153) وأبو داود رقم (4613) وابن ماجه رقم (4061) والحاكم (1/ 84).

من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سيكون في هذه الأمة مسخ ألا وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية " واللفظ لأحمد وهو حديث حسن.

ومنها: ما أخرجه أحمد (1/ 133) والحاكم في المستدرك (1/ 32 - 33) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وابن أبي عاصم في " السنة "(1/ 59 رقم 130) وابن ماجه رقم (81) وابن حبان في صحيحه (1/ 404 رقم 178) والبغوي في " شرح السنة " رقم (66). من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر".

وهو حديث صحيح.

ومنها: ما أخرجه ابن ماجه رقم (85) وأحمد (2/ 181، 185، 195). وعبد الرزاق رقم (20367) بسند حسن.

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال: " بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم ". قال عبد الله بن عمرو: " فما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غبطت نفسي بذلك المجلس (تخلفي عنه) ".

القدرية: هم نفاة القدر، ظهرت تلك الفرقة في البصرة وأول من تكلم في القدر رجل من أهل العراق كان نصرانيا ثم أسلم ثم تنصر وأخذ عنه معبد الجهمي ثم غيلان الدمشقي والقدرية أربعة أصناف:

1 -

\ القدرية النافية.

2 -

\ القدرية المشركية.

3 -

\ القدرية الإبليسية.

4 -

\ القدرية المجبرة.

انظر: مجموع فتاوى لابن تيمية (8/ 63 - 65) تاريخ المذاهب الإسلامية أبو زهرة ص 162 - 163.

ص: 133

والأمر بالإمساك عن ذلك، لكن كان الأمر قبل ذلك عند المبتدئ أنه واجب عليه، كما أن الكلام (1) مذموم، والشافعي- رحمه الله تعالى- حذر منه جدا (2).

(1) علم الكلام هو: علم العقائد القائم عن الأدلة العقلية فقط ويتضمن الرد والمحاجة عن تلك العقائد بتلك الأدلة.

وهو من المصائب التي ابتلي ها المسلمون ولا يزالون حتى هذه الساعة يكتوون بنارها، ويجنون الحنظل من ثمارها ويتجرعون العلقم منها تلك المصيبة الداهية- وهو علم الكلام.

ويسمى زورا وبهتانا ومخادعة، بعلم التوحيد، وبعلم أصول الدين.

انظر: " الرد على المنطقيين "(ص 374 - 375)" مقدمة ابن خلدون "(ص 821).

(2)

قال الشافعي رحمه الله: " لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه سوى الشرك، خير له من الكلام، ولقد أطلعت من أصحاب الكلام على شيء ما ظننت أن مسلما يقول ذلك " أخرجه ابن أبي حاتم في " آداب الشافعي "(ص 182) بسند صحيح وقال: " من أظهر العصبية والكلام، ودعا إليها، فهو مردود الشهادة ولأن يلقى العبد ربه عز وجل بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء ".

أخرجه إسماعيل بن الفضل في " الحجة "(ق 7\ ب) بسند صحيح.

وقال مالك بن أنس- رحمه الله: " أهل الأهواء بئس القوم لا يسلم عليهم واعتزالهم أحب إلي".

الانتقاء (ص 34).

، وقال أحمد بن حنبل للمعتصم أيام المحنة:" ولست صاحب مراء ولا كلام وإنما أنا صاحب آثار وأخبار ". "المحنة"(ص 54).

وقال البغوي في " شرح السنة "(1/ 216): " واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهى عن الجدال والخصومات في الصفات وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه ".

ص: 134

ونقل ابن عبد البر الإجماع أنه ليس من العلم، وأن أهله ليسوا من العلماء، وكان الإنسان يرى أنه أول الواجبات إلا من عصمه الله.

نعم- دمتم في جزيل النعم- حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة الذي رواه أبو داود (1)، وسكت عليه. عن معاوية بن أبي سفيان، هل يدل على هذا الافتراق قديما

(1) في السنن رقم (4597).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 128) واللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد "(1/ 103) والمروزي في السنة (ص 14، 15) وابن أبي عاصم في " السنة " رقم (65) وأحمد في المسند (4/ 102) بإسناد حسن.

قال الحاكم في المستدرك- عن هذا الإسناد- وإسنادي حديثي أبي هريرة السابقين له-: " هذه أسانيد تقام بها الحجة قي تصحيح هذا الحديث " ووافقه الذهبي.

وقال الألباني: " صحيح بما قبله وما بعده ".

وفي الباب من حديث أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وأنس.

وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه أحمد في المسند (2/ 332) وأبو داود في السنن رقم (4596) والترمذي في السنن رقم (2640) وقال: حسن صحيح.

وابن ماجه رقم (3991) وابن حبان في صحيحه رقم (1834 - موارد) والحاكم في المستدرك (1/ 128) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة " رقم (61، 67) بسند حسن.

وصحح الألباني الحديث لطرقه. انظر: الصحيحة رقم (203).

وأما حديث عبد الله بن عمرو فقد أخرجه الترمذي في السنن رقم (2641) وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه والحاكم (1/ 128 - 129) وهو حديث صحيح بشواهده السابقة واللاحقة.

وأما حديث أنس فقد أخرجه أحمد (3/ 120) ومن طريق أخرى عن أنس (3/ 145) وفيه ابن لهيعة لكن لا بأس به في الشواهد والمتابعات.

وذكر المحدث الألباني سبع طرق عن أنس كلها ضعيفة إلا واحدة عند ابن ماجه رقم (3993) انظر الصحيحة رقم (204).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بطرقه وشواهده والله أعلم.

ص: 135

وحديثا أم على زمان مخصوص؟

وقد ثبتت النجاة للصحابة- رضي الله عنه.

- فهل يدل [ذلك](1) على أنهم لم يختلفوا في الأصول أصلاً؟

- إن كان كذلك فليت شعري من وافقهم من الطائفتين؟ أم [كل منهما](2) وافق بعضا؟ فيكون اختلافهم حقا، وهذا يرده ظاهر الحديث.

- وهنا مسألة مستطردة من الغصون المتعددة عن الراوي هنا، الذي هو معاوية وحروبُهُ مع علي- رضي الله عنه وما جرى في تلك الوقائع. ما تقولون في ذلك؟

- وهل عدالة جميع الصحابة مسلمة؟

- وكذا إذا خرج أحد أصحاب السنن عن شخص، وروى عنه، كقول البخاري عن مروان، هل هو تعديل أم لا؟

- وهل مسألة الجرح والتعديل يصح فيها التقليد لبعد الزمان؟ أم تجب المعرفة على كل إنسان لكل إنسان، وإلا لم يجز الاحتجاج له؟ وهذا يثبت وجوب الاجتهاد

(1) زيادة يستلزمها السياق.

(2)

في الأصل: " كل منهم " والصواب ما أثبتناه.

ص: 136

عن كل [فرد](1) من العباد، وبعضهم يقول: هذا متعسر أو متعذر، ومنهم من يقول: إنه واجب متيسر، فما الراجح عندكم في هذا بخصوصه؟ وما دليله بمنصوصه؟ وجزاكم الله خيرا.

(1) في الأصل (فرد) مكررة.

ص: 137

السؤال الثالث

فيما يتعلق بالفروع من الاختلاف المتباين الأطراف:

- هل الشريعة الحكيمة قابلة لهذا التناقض؟ وأنها كالبحر يغترف كل من جهته من الماء الفائض؟ أم لا تقبل إلا قولا واحدا، وليس لورادها إلا موردا، ولا لروادها إلا رائدا لحديث " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر"(1)؟.

- فمن أين لنا العلم بالمصيب؟ وما علامته على التقريب؟؛ فإن أكثر الخلافات معتضدة بالدليل من المخالف.

- وإذا ثبت عذر المخطئ، فهل يعذر مقلده أم لا؟

- وهل حصل للصحابة- رضي الله عنهم في الأحكام خلاف متناقض في غير الاجتهاديات؟.

- وهل رجع أحدهم إذا علم الدليل؟

- وإذا رجع هل يكون مقلدا أو مقتديا؟

- وما حكم ما سلف من الأحكام قبل العلم بالدليل؟ وفي رجوع الصحابة إلى كتاب

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7352) ومسلم رقم (1716) وابن ماجه رقم (2314) وأبو داود رقم (3574) كلهم من حديث عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ".

وأخرج الترمذي في السنن رقم (1326) والنسائي (8/ 223 رقم 5381) من حديث أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد ".

وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وقد صحح الألباني الحديث في الإرواء رقم (2598).

ص: 138

عمرو بن حزم (1) في دية الأصابع، وترك ما قضى به عمر (2) رضي الله عنه بارقة من ذلك؟.

- وهنا خطر في البال سؤال لاح في الخيال: هل يجوز العمل بالخطوط (3) مطلقا؟

أم لا سانحة متيمِّنة، لا لميسرة ولا ميمنة؟.

(1) أخرجه أبو داود في المراسيل رقم (92) ورجاله ثقات، رجال الشيخين غير محمد بن عمارة- وهو ابن عمرو بن حزم الأنصاري الحزمي المدني- فإنه لم يخرجا له ولا لأحدهما، وهو صدوق، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في " الثقات " (5/ 380) وقال أبو حاتم: صالح، ابن إدريس: هو عبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي الكوفي.

وأخرجه النسائي في السنن (8/ 57 - 58 رقم 4853) مختصرا. وابن خزيمة رقم (2269) وابن الجارود في " المنتقى " رقم (784) وابن حبان في صحيحه رقم (793 - موارد)، والحاكم (1/ 395 - 397 - ) ومن طريقة البيهقي (8/ 73).

ولمعظم فقراته شواهد انظر: " نصب الراية "(1/ 196 - 197)(2/ 340 - 341) وتلخيص الحبير (4/ 17 - 18).

والخلاصة: أن الحديث صحيح.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 194 رقم 7050) عن سعيد بن المسيب " أن عمر قضى في الإبهام والتي تليها نصف الكف، وفي الوسطى بعشر فرائض والتي تليها بتسع فرائض وفي الخنصر بست فرائض".

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 93) بلفظ: " وقضى في الإبهام بخمس عشرة، وفي التي تليها بعشر وفي الوسطى بعشر وفي التي تلي الخنصر بتسع وفي الخنصر بست " وهذا اللفظ أخرجه الشافعي في الرسالة (ص 422 رقم 1160).

وعبد الرزاق في مصنفه رقم (17698) وزاد: " حتى وجدنا كتابا عند آل حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الأصابع كلها سواء فأخذ- عمر- به ".

وأخرجه عبد الرزاق أيضا برقم (17706) بلفظ: قضى عمر بن الخطاب في الأصابع بقضاء ثم أخبر بكتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لآل حزم في كل أصبع مما هناك عشر من الإبل ". فأخذ به وترك أمره الأول وذكر رجوع عمر رضي الله عنه إلى حديث عمرو بن حزم، الشافعي في الرسالة (ص 422 رقم 1162).

(3)

وللإمام الشوكاني رحمه الله رسالة بعنوان " بحث في العمل بالخط ومعاني الحروف العلمية النقطية " سيأتي تخريجها في كتابنا هذا الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 139

فيما ورد في الحديث " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين .... "(1) إلخ.

هل المراد سنتهم في اتباعهم لهديه وسنته، أم المراد فيما سنوه فيما لم يكن فيه نص (2)؟.

- فكيف إذا تعارضت عند الناظر كحديث (3): " كان الطلاق على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم .... إلخ.

(1) أخرجه أحمد (4/ 126 - 127) وأبو داود رقم (4607) والترمذي رقم (2676) وقال حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (43 و44) والدارمي (1/ 44 - 45) وابن حبان في صحيحه (1/ 104 رقم 5) والحاكم (1/ 95 - 97) وقال: هذا حديث صحيح ليس له علة ووافقه الذهبي وابن أبي عاصم في السنة (1/ 17، 19، 29، 30) والآجري في الشريعة (ص 46 - 47) من حديث العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال:" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا. فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ". وهو حديث صحيح.

(2)

مفاد الحديث السنة العملية، أي إذا عمل الصحابة عملا لم ينقل لنا فيه سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا موافقة ولا مخالفة فإنا نعد هذا كسنة للنبي صلى الله عليه وسلم ونفتدي بهم فيه وعلى هذا يكون " قولهم معتبر وعملهم مقتدى به " المراد بالقول القول التكليفي لا التعريفي، وذلك كما إذا رأينا الصحابي في الحج مثلا يكبر أو يلبي في مكان مخصوص، وليس المراد القول. بمعنى الرأي والاجتهاد وإلا فمجرد المدح بالعدالة والأمر باتباع سنتهم لا يفيدان ذلك في الاجتهاد والآراء.

وقد أوضح ابن قيم الجوزية هذا المقام وحرره تحريرا شافيا وأقام ستة وأربعين دليلا على وجوب الأخذ بآرائهم ومذاهبهم وأنها تكون كالسنة وكذلك الاقتداء بهم في أعمالهم.

أعلام الموقعين (4/ 128 - 153).

(3)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1472) وأبو داود رقم (2199 و2200) والنسائي (6/ 145) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؟.

ص: 140

ما المعتمد في ذلك؟ وما عذر عمر (1) رضي الله عنه فيما هنالك.

(1) وقد ذكر الصنعاني في سبل السلام (6/ 207 - 210) بتحقيقي. ط 1

الأول: أنه كان الحكم كذلك ثم نسخ في عصره صلى الله عليه وسلم فقد أخرج أبو داود- في السنن رقم (2195) بإسناد حسن- من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: " كان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك " اهـ إلا أنه لم يشتهر النسخ فبقي الحكم المنسوخ معمولا به إلى أن أنكره عمر (قلت) إن ثبتت رواية النسخ فذاك وإلا فإنه يضعف هذا قول عمر إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة إلخ فإنه واضح في أنه رأي محض لا سنة فيه وما في بعض ألفاظه عند مسلم- رقم (17/ 1472) - أنه قال ابن عباس لأبي الصهباء " لما تتابع الناس في الطلاق في عهد عمر فأجازه عليهم ".

الثاني: أن حديث ابن عباس هذا مضطرب قال القرطبي: في شرح مسلم وقع فيه مع الاختلاف على ابن عباس الاضطراب في لفظه فظاهر سياقه أن هذا الحكم منقول عن جميع أهل ذلك العصر والعادة تقتضي أن يظهر ذلك وينتشر ولا ينفرد به ابن عباس فهذا يقتضي التوقف عن العمل بظاهره إذا لم يقتض القطع ببطلانه أهـ.

(قلت) وهذا مجرد استبعاد فإنه كم من سنة وحادثة انفرد بها راو ولا يضر سيما مثل ابن عباس بحر الأمة ويؤيد ما قاله ابن عباس من أنها كانت الثلاث واحدة ما يأتي من حديت أبي ركانة- أخرجه أبو داود رقم (2196) وهو حديث حسن ولفظه: عن ابن عباس قال طلَّق أبو ركانة أم ركانة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " راجع امرأتك " فقال: إني طلقتها ثلاثا، قال:" قد علمت، راجعها "-.

الثالث: أن هذا الحديث ورد في صورة خاصة هي قول المطلق أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق وذلك أنه كان في عصر النبوة وما بعده وكان حال الناس محمولا على السلامة والصدق فيقبل قول من ادعى أن اللفظ الثاني تأكيد الأول لا تأسيس طلاق آخر ويصدق في دعواه فلما رأى عمر تغير أحوال الناس وغلبة الدعاوي الباطلة رأى من المصلحة أن يجري المتكلم على ظاهر كلامه ولا يصدق في دعوى ضميره وهذا الجواب ارتضاه القرطبي.

قال النووي: هو أصح الأجوبة.

(قلت) ولا يخفى أنه تقرير لكون نهي عمر رأيا محضا ومع ذلك فالناس مختلفون في كل عصر فيهم الصادق والكاذب وما يعرف ما في ضمير الإنسان إلا من كلامه فيقبل قوله وإن كان مبطلا في نفس الأمر فيحكم بالظاهر والله يتولى السرائر مع أن ظاهر قول ابن عباس طلاق الثلاث واحدة انه كان ذلك بأي عبارة وقعت.

الرابع: أن معنى قوله كان الطلاق الثلاث واحدة أن الطلاق الذي كان يوقع في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر إنما كان يوقع في الغالب واحدة لا يوقع ثلاثا فمراده أن هذا الطلاق الذي يوقعون ثلاثا كان يوقع في ذلك العهد واحدة ويكون قوله فلو أمضيناه عليهم بمعنى لو أجريناه على حكم ما شرع من وقوع الثلاث وهذا الجواب يتنزل على قوله استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة تنزلا قريبا من غير تكلف ويكون معناه الإخبار عن اختلاف عادات الناس في إيقاع الطلاق لا في وقوعه فالحكم متقرر وقد رجح هذا التأويل ابن العربي ونسبه إلى أبي زرعة وكذا البيهقي في السنن الكبرى (7/ 338) أخرجه عنه قال معناه أن ما تطلقون أنتم ثلاثا كانوا يطلقون واحدة.

(قلت): وهذا يتم إن اتفق على أنه لم يقع في عصر النبوة إرسال ثلاث تطليقات دفعة واحدة وحديث أبى ركانة وغيره يدفعه وينبو عنه قول عمر فلو أمضيناه فإنه ظاهر في أنه لم يكن معنى ذلك العصر حتى رأى إمضاءه وهو دليل وقوعه في عصر النبوة لكنه لم يمض فليس فيه أنه كان وقوع الثلاث دفعة نادرا في ذلك العصر.

الخامس: أن قول ابن عباس كان طلاق الثلاث ليس له حكم الرفع فهو موقوف عليه وهذا الجواب ضعيف لما تقرر في أصول الحديث وأصول الفقه أن كنا نفعل- وكانوا يفعلون له حكم الرفع.

السادس: أنه أريد بقوله طلاق الثلاث واحدة هو لفظ البته إذا قال أنتِ طالق البتة- وكما سيأتي

في حديث ركانة- وهو حديث ضعيف- فكان إذا قال القائل ذلك قبل تفسيره بالواحدة وبالثلاث فلما كان في عصر عمر لم يقبل منه التفسير بالواحدة قيل وأشار إلى هذا البخاري فإنه أدخل في هذا الباب الآثار التي فيها البتة والأحاديث التي فيها التصريح بالثلاث كأنه يشير إلى عدم الفرق بينهما وأن البتة إذا أطلقت حملت على الثلاث إلا إذا أراد المطلق واحدة فيقبل، فروى بعض الرواة البتة بلفظ الثلاث يريد أن أصل حديث ابن عباس- رضي الله عنه كان طلاق البتة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر إلى آخره.

(قلت) ولا يخفى بُعْدُ هذا التأويل وتوهيم الراوي في التبديل ويبعده أن الطلاق بلفظ البتة قي غاية الندور فلا يحمل عليه ما وقع كيف وقول عمر قد استعجلوه في أمر كان لهم فيه أناة يدل أن ذلك واقع أيضا في عصر النبوة والأقرب أن هذا رأي من عمر رجع له كما منع من متعة الحج وغيرها وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وكونه خالف ما كان على عهده صلى الله عليه وسلم فهو نظير متعة الحج بلا ريب والتكلفات في الأجوبة ليوافق ما ثبت في عهد النبوة لا يليق فقد ثبت عن عمر اجتهادات يعسر تطبيقها على ذلك نعم إذا أمكن التطبيق على وجه صحيح فهو المراد.

ص: 141

.

....

....

ص: 142

جزاكم الله خيرا .. آمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

راقمُهُ السائل المستفيد محمد بن أحمد الحفظي (1) العجيلي- فتح الله عليه- آمين

(1) هو محمد بن أحمد الحفظي ذكره صاحب- نيل الوطر- من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر: الشيخ العلامة محمد بن أحمد بن عبد القادر الحفظي العجيلي العسيري الرجالي أخذ عن أبيه وعن السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل الزبيدي وغيرهما. برع في فنون عدة وكان سريع البادرة حسن المحاضرة مع تواضع ودماثة أخلاق ولد سنة 1178 هـ.

ولصاحب الترجمة مؤلفات في النحو وغيره مات بقرية رجال من عسير سنة 1237 هـ.

وله كتب لا تزال مخطوطة لم تنشر بعد منها:

- " تكملة الظل الممدود في الحوادث والوقائع في عهد آل سعود ".

- " النفحات العنبرية في الخطب المنبرية".

-" درجات الصاعدين إلى مقامات الموحدين ".

انظر: الأعلام للزركلي (6/ 18)، نيل الوطر (2/ 225).

ص: 143

بسم الله الرحمن الرحيم

[نص الأجوبة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحابته أجمعين {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} (1).

(1) البقرة: 32.

ص: 144

إجابة السؤال الأول

[دعاء غير الله شرك ولا يعذر الجاهل]

- أما السؤال الأول: فقد أجاب عنه السائل. بما شفى وكفى، وهو سؤال وجواب، وقد أقام الأدلة على ما أجاب به من الكتاب والسنة، فمن قال بغيره فلا يلتفت إليه، ولا يعول عليه.

- ومن وقع في الشرك جاهلا لم يعذر، لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد- صلى الله عليه وسلم فمن جهل فقد أُتي من قبل نفسه، بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة، وإلا ففيهما البيان الواضح كما قال سبحانه في القرآن:{تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة} (1)، وكذلك السنة قال أبو ذر- رضي الله عنه:" توفي محمد صلى الله عليه وسلم وما ترك طائرا يقلب جناحيه بين السماء والأرض إلا ذكر لنا منه علما"(2) أو كما قال- رضي الله عنه.

فمن جهل فبسبب (3) إعراضه، ولا يعذر أحد بالإعراض.

(1) النحل: 89.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 154، 162) بإسناد ضعيف لجهالة الراوي عن أبي ذر.

والطبراني في الكبير رقم (1647) وأورده الهيثمي في المجمع (8/ 263، 264) وقال: رواه أحمد والطبراني وزاد فقال صلى الله عليه وسلم: " ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد عن النار إلا وقد بين لكم ". ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة وفي إسناد أحمد من لم يسم.

(3)

قال ابن تيمية في " مجموع فتاوى "(12/ 493): " فإن الكتاب والسنة قد دل على أن الله لا يعذب أحدا إلا بعد إبلاغ الرسالة فمن لم تبلغه جملة لم يعذبه رأسا، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية ".

مثل قوله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165].

وقال ابن تيمية في مجموع فتاوى (23/ 345 - 346): " وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ولقال من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها.

وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق- لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن يلحقه الوعيد بفوات شرط، أو ثبوت مانع فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد يكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع.

وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام " أهـ.

مثال: ما أخرجه أحمد (4/ 381) وابن ماجه رقم (1853) من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال:

لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن أفعل ذلك لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ".

فقال الشوكاني في النيل (4/ 323): ولما هذا الحديث دليل: على أن من سجد جاهلا لغير الله لم يكفر.

مثال: الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3481) ومسلم رقم (2756) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله على ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا. فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض قال: اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يارب خشيتك، فغفر له ".

قال: ابن تيمية تعليقا على هذا الحديث في " مجموع فتاوى "(3/ 231):- فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُرى، بل اعتقد أنه لا يعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاتبه، فغفر له بذلك.

ص: 145

- وأما شأن المتقدمين على هذه الدعوة النجدية، فكما قال تعالى:{تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون} (1).

ولم نكلف معرفة اعتقادهم، فما وجدنا في كلامهم من الشرك فهو شرك، قال به من قال به، ولا نقول في قائله إنه مشرك، بل نحسن به الظن 000. (2) أو رجع عنه، ولا نرجع إلى التعسف والتأويل، والنظر إلى من قال ليس من الشرك الأكبر، بل هو من الأكبر كما أقام السائل الدليل عليه في 0000. (3) الأول. وقال في الإقناع: اتفق العلماء على أن من جعل بينه وبين الله وسائط (4) يدعوهم، ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعا، لأن هذا هو كفر عابدي الأصنام القائلين:{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} قال تعالى عنهم: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون} (5)، ثم شهد عليهم بالكذب والكفر فقال:{إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (6).

(1)[البقرة: 134].

(2)

كلمات سبع لم نستطع قراءتها فهي مطموسة.

(3)

كلمات سبع لم نستطع قراءتها فهي مطموسة.

(4)

قال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} ، [آل عمران:80].

قال ابن تيمية تعليقا على هذه الآية: " فبين سبحانه أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر، فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين ".

انظر: مجموع فتاوى (1/ 124) و (1/ 175 - 179).

(5)

[الزمر:3].

(6)

[الزمر:3].

ص: 147

إجابة السؤال الثاني

[مسألة خلق أفعال العباد]

السؤال الثاني:

- ما الراجح لديكم في مسألة خلق الأفعال، حسنها وقبيحها .... إلخ، فهذه مسألة قد تكلم العلماء، وكثر الخلاف فيها قديما وحديثا، وكثر الحجاج بين الطرفين، والواجب الرجوع إلى ما عليه الصالحون من سلف الأمة، قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية في الرد على الرافضة (1): " وأما قوله أنه عدل حكيم لا يظلم أحدا، ولا يفعل القبيح، وإلا [لزم](2) الجهل والحاجة- تعالى

(1) في " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية " وهو رد على ابن المطهر الرافضي.

الرافضة: يطلق على تلك الطائفة ذات الأفكار والآراء الاعتقادية الذين رفضوا خلافة الشيخين وأكثر الصحابة، وزعموا أن الخلافة في علي وذريته من بعده بنص من النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن أهم المسائل الاعتقادية والتي كان لها أثر هام في تباعدهم عن هدي الكتاب والسنة وطريقة أهل الحق.

ا\ قصر الخلافة في آل البيت، علي وذريته: الحسن، الحسين.

2 -

\ دعواهم عصمة الأئمة والأوصياء.

3 -

\ تدينهم بالتقية.

4 -

\ دعواهم في المهدي: أنه علي بن حسن العسكري، وأنه حي.

5 -

\ دعواهم بالرجعة.

6 -

\ موقفهم من القرآن.

7 -

\ موقفهم من الصحابة.

8 -

\ القول بالبداء على الله تعالى.

وتوجد لهم آراء أخرى منحرفة.

انظر: " فرق معاصرة تنسب إلى الإسلام " غالب بن على عواجي (1/ 163 - 167).

ونجد الشيخ ابن تيمية يرد عليهم في كتابه " منهاج السنة".

(2)

في المخطوط يلزم وما أثبتناه من منهاج السنة (2/ 294).

ص: 148

الله (1) عنهما-، فيقال له: هذا متفق عليه بين المسلمين من حيث الجملة أن الله لا يفعل قبيحا، ولا يظلم أحدا، ولكن النزاع في تفسير ذلك، فهو إذا كان خالقا لأفعال العباد، هل يقال إنه ما هو قبيح [منه](2) وظلم، أم لا؟ فأهل السنة المثبتون للقدر يقولون: ليس [هو بذلك](3) ظالما ولا فاعلا قبيحا، والقدرية يقولون: لو كان خالقا لأفعال العباد كان ظالما فاعلا ما هو قبيح [منه](4)، وأما كون الفعل قبيحا من فاعله لا يقتضي أن يكون [كذلك لخالقه](5)، لأن الخالق خلقه في غيره، لم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل، لا من خلقه في غيره، كما أنه إذا خلق لغيره لونا، وريحا، وحركة، وقدرة، وعلما كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون، والريح، والحركة، والقدرة، والعلم، فهو المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر بتلك القدرة، فكذلك إذا خلق في غيره كلاما، أو صلاة، أو صياما، أو طوافا، كان ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام، وهو المصلي، وهو الصائم، وهو الطائف، ولكن من قال إن الفعل هو المفعول يقول: إن أفعال العباد هي فعل الله، فإن قال: وهو أيضا فعل لهم لزم أن يكون الفعل الواحد لفاعلين (6)، كما يحكى عن أبي إسحاق الاسفراييني- (7)، وإن لم يقل هو فعل لهم لزمه أن تكون أفعال العباد فعلا لله لا لعباده كما يقوله الأشعري (8)، ومن وافقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم

(1) زيادة من منهاج السنة (2/ 294).

(2)

زيادة من منهاج السنة (2/ 294).

(3)

زيادة من منهاج السنة (2/ 294).

(4)

كذا في المخطوط وصوابه [قبيحا من خالقه] كما في منهاج السنة (2/ 294).

(5)

كذا في المخطوط وصوابه [قبيحا من خالقه] كما في منهاج السنة (2/ 294).

(6)

معنى أن أفعال العباد تكون بفاعلين: أي أن أفعال العباد ليست بفعل لله وحده، كما يقول به جهم والأشعري وغيرهما، ولا بفعل للعبد وحده كما يقول المعتزلة ومن يحذو حذوهم، بل هي فعل لله تعالى وللعبد معا فكأنهم هربوا عن الجبر وعن كون العبد خالقا لأفعاله، إلا أنهم وقعوا في هجنة أخرى.

(7)

أبو إسحاق الإسفراييني هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، فقيه شافعي أصولي متكلم توفي سنة 418 هـ.

طبقات الشافعية (3/ 111 - 114) شذرات الذهب (3/ 209 - 210) الأعلام للزركلي (1/ 59).

(8)

سيأتي قريبا (ص 151).

ص: 149

الذين يقولون: إن الخلق هو المخلوق، وإن أفعال العباد خلق الله، فتكون هي فعل الله، وهي مفعول الله، فكما أنها خلقُهُ فهي مخلوقة، وهؤلاء لا يقولون إن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة، ولكنهم مكتسبون لها، وإذا طولبوا بالفرق بين الكسب (1) والفعل لم يذكروا فرقا معقولا، ولهذا كان يقال عجائب الكلام [ثلاثة] (2): أحوال أبي هاشم (3)، وطفرة النظام (4)،

(1) الكسب: وهو قول الأشاعرة.

وقد ذكره ابن تيمية في مجموع فتاوى (8/ 388): أن أفعال العباد خلق لله عز وجل وكسب للعبد.

وقال في منهاج السنة (1/ 458 - 459):-"

فجعل أفعال العباد فعلا لله، ولم يقل: هي فعلهم - في المشهور عنه- الأشعري. إلا على وجه المجاز بل قال: هي كسبهم، فسر الكسب بأنه ما يحصل في محل القدرة المحدثة مقرونا بها ".

وأكثر الناس طعنوا في هذا الكلام وقالوا: عجائب الكلام ثلاثة: طفرة النظام، وأحوال أبي هاشم وكسب الأشعري وأنشد في ذلك:

مما يقال ولا حقيقة تحته

معقولة تدنو إلى الأفهام

الكسب عند الأشعري والحال عنـ

ـد البهشمي وطفرة النظام

(2)

زيادة من منهاج السنة (2/ 297).

(3)

عبد السلام بن محمد الجبائي وهو ابن أبي على الجبائي من رؤوس المعتزلة وتنسب إلى أبي هاشم الطائفة البهشمية من المعتزلة توفي سنة 321 هـ وهو من معتزلة البصرة. وأكثر المعتزلة اليوم على مذهبه لأن ابن عباد كان يدعو إلى مذهبه ولهم ضلالات وجهالات كثيرة.

منها قوله بالأحوال: أن العالم له حال يفارق به من ليس بعالم وللقادر حال به يفارق حال العالم ثم كان يقول: إن الحال ليست بموجودة ولا معدومة ولا مجهولة ....

.. ".

وكذلك أن الباري عز وجل هو عالم لذاته. بمعنى أنه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتا موجودا. وإنما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها فأثبت أحوالا هي صفات لا موجودة ولا معدومة، ولا معلومة ولا مجهولة أي على حيالها لا تعرف كذلك بل مع الذات.

الملل والنحل (1/ 92) والتبصير في الدين ص 87.

(4)

النظام: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هائي النظام وهو ابن أخت أبي الهذيل العلاف وعنه أخذ الاعتزال وهو شيخ أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.

توفي سنة 221 هـ وقالت المعتزلة إنما سمي نظاما لأنه كان حسن الكلام في النظم والشعر وليس كذلك وإنما سمي- النظام- لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها وكان في حداثة سنه يصحب الوثنية والسمنية الذين يقولون بتكافئ الأدلة وفي كهولته كان يصحب الملاحدة من الفلاسفة.

الطفرة: لغة: الوثبة مختار الصحاح (ص 394).

وقوله- النظام- بالطفرة ذلك بانقسام كل جزء لا إلى نهاية أي أن أجزاء الجزء لا تتناهى.

وكلمه أبو الهذيل في هذه المسألة فقال: لو كان كل جزء من الجسم لا نهاية له لكانت النملة إذا دبت على البقلة لا تنتهي إلى طرفها، فقال: إنها تطفر بعضا، وتقطع بعضا، وهذا كلام منه لا يقبله عقول العقلاء لأن مالا يتناهى كيف يمكن قطعه بالطفرة. فصار قوله هذا مثلا سائرا يضرب لكل من تكلم بكلام لا تحقيق له ولا يتقرر في العقل معناه.

التبصير في الدين (ص 71) الملل والنحل (67 - 70).

ص: 150

وكسب الأشعري (1).

وهذا الذي ينكره جمهور العقلاء، ويقولون: إنه مكابرة للحس، ومخالفة للشرع والعقل.

(1) الأشعري: هو أبو الحسن على بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري اليماني البصري المتوفى سنة 324 هـ وكانت له ثلاثة أطوار:

أولها: انتماؤه إلى المعتزلة، يقول بقولهم، ويأخذ بأصولهم، حتى صار إماما لهم.

ثانيها: خروجه عليهم، ومعارضته لهم بأساليب متوسطة بين أساليبهم ومذهب السلف، وقد سلك في هذا الطور طريقة عبد الله بن سعيد بن كلَّاب.

ثالثها: انتقاله إلى مذهب السلف، وتأليفه في ذلك كتابه " الإبانة في أصول الديانة " وأمثاله، وقد أراد أن يلقى الله على ذلك.

وبناء على هذا فإن اللقب (الأشاعرة) ينصرف عند الإطلاق إلى أولئك الذين اتبعوه في الطور الثاني، أما قبل ذلك فهو معتزلي، وبعد توبته مر عقيدة الاعتزال وملازمته لابن كلاب فترة من الزمن رجع في آخر أيامه إلى مذهب السلف.

والأشاعرة: هم في الجملة لا يثبتون من صفات الباري عز وجل إلا سبعا. لأن العقل دل على إثباتا، ويؤولون بقية الصفات بتأويلات عقلية" اهـ.

انظر: " منهاج الاعتدال " للذهبي (ص 44)، " البرهان " للسكسكي (ص 37 - 38).

ص: 151

وأما [جمهور](1) أهل السنة فيقولون: إن فعل العبد له حقيقة، ولكنه مخلوق لله تعالى، ومفعول لله لا يقولون هو نفس فعل الله، ويفرقون بين الخلق والمخلوق، والفعل والمفعول. انتهى كلامه (2).

وأهل القول الثاني من السؤال لا يلزم ما يقولون في خلاف قولهم أنه إجبار وإبطال للشرائع، وإلزام الحجة على الشارع بل -سبحانه- {يخلق ما يشاء ويختار} (3)، و {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون} (4)، وكل ما فعله فهو فضل أو عدل، فلا يعترض على فضله وعدله، ومن جعل العقل ميزانا للشرائع فقد ضل وأضل، والله يلهمنا رشدنا ويقينا شرور أنفسنا.

[ما المراد من حديث افتراق الأمة]

- وأما حديث افتراق الأمة على ثلاث (5) وسبعين فرقة، فالمراد به -والله أعلم- الاختلاف في أصول الدين، وليس مخصوصا في وقت من الأوقات.

- والصحابة لم يختلفوا في الأصول إلا ما كان من اختلافهم (6) في أهل الردة، ثم رجعوا

(1) زيادة من منهاج السنة (2/ 298).

(2)

كلام ابن تيمية من " منهاج السنة "(2/ 298).

(3)

[القصص:68].

(4)

[الأنبياء: 23].

(5)

تقدم تخريجه (ص 135 - 136) من هذا القسم- العقيدة-.

(6)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1399، 1400، 1456، 1457، 6924، 6925، 7284، 7285) ومسلم في صحيحه رقم (0 2) وأبو داود رقم (1556) والترمذي رقم (2606 و2607) والنسائي (5/ 14) و (6/ 5) و (7/ 77) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق ".

ص: 152

إلى قول أبي بكر- رضي الله عنه، وأجمعوا عليه، ولم يقع بينهم الاختلاف إلا في الفروع.

- وأما [ما ذكره](1) السائل [من الحروب بين](2) علي رضي الله عنه [ومعاوية لم تكن من](3) التفرق في الدين المشار إليه في الحديث، وإنما اختلفوا على الدنيا والملك خصوصا معاوية- رضي الله عنهم أجمعين- وقد ثبت أنهم كلهم على الحق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الخوارج (4) فقال:" تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق"(5) فتبين هذا أنهم على الحق، وإن كان أصحاب علي أقرب إليه من أصحاب معاوية.

(1) زيادة يستلزمها السياق. وهي مطموسة في المخطوط.

(2)

زيادة يستلزمها السياق. وهي مطموسة في المخطوط.

(3)

زيادة يستلزمها السياق. وهي مطموسة في المخطوط.

(4)

الخوارج: في اللغة جمع خارج وخارجي اسم مشتق من الخروج وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهم اللغوية في مادة " خرج " على هذه الطائفة من الناس معللين ذلك بخروجهم عن الدين أو على الإمام علي أو لخروجهم على الناس.

تهذيب اللغة (7/ 50) تاج العروس (2/ 30).

والخوارج جمع خارجة وهم الذين نزعوا أيديهم عن طاعة ذي السلطان من أئمة المسلمين، بدعوى ضلاله وعدم انتصاره للحق ولهم في ذلك مذاهب ابتدعوها وآراء فاسدة اتبعوها.

والخوارج لا يقلون عن عشرين فرقة منها: الأزارقة، النجدات، والصفرية الخازمية، والشعبية، والمعلومية والمجهولية، الحمزية، والشمرافية، والإبراهيمية، الواقفة والإباضية.

ويقال لهم: الشراة والحرورية، والنواصب، المارقة.

وأول من خرج على أمير المؤمنين على بن أبي طالب جماعة ممن كان معه في حرب صفين، وأشدهم خروجا عليه، ومروقا من الدين: الأشعث بن قيس الكندي ومسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي.

الملل والنحل (1/ 131 - 135).

(5)

أخرجه مسلم رقم (1065) وأبو داود رقم (4667) وأحمد (3/ 5، 25، 32) من حديث أبى سعيد الخدري وهو حديث صحيح.

ص: 153

[الصحابة- رضي الله عنهم كلهم عدول]

- وأما عدالتهم- رضي الله عنهم فمسلمة عند جميع أهل السنة (1) الذين رأينا كلامهم، ولا نعلم أحدا من الصحابة طعن فيه من قبل عدالته، وأما الرافضة، والخوارج، وأهل البدع فلا عبرة بكلامهم، ولا يعد خلافهم خلافا، وإنما هو شذوذ وميل عن الصراط المستقيم.

- وأما تخريج البخاري ومسلم عن الشخص فهو تعديل إن لم يكن ثم مقصد آخر، مثل كون الحديث قد صح عندهم من طريق آخر.

فيخرجونه من طريق ذلك الشخص، لأجل قرب الإسناد، أو مقصد آخر، وكذلك أهل السنن الذين ينبهون على الضعيف إذا أخرجوا عن شخص، وسكتوا عليه، فهو تعديل (2) إذا لم يكن ثَمَّ غرض، فمن له خبرة بالحديث يعلم ذلك، [أما](3) الجاهل فلا يشهد بمجرد التخريج على عدالة الشخص، وأما تخريج البخارى عن

(1) سيأتي الكلام على عدالة جميع الصحابة في رسالة الإمام الشوكاني بعنوان: " سؤال عن عدالة الصحابة هل هي مسلمة أم لا؟ ". كما تم الكلام عليها أيضا في رسالة الإمام الشوكاني بعنوان: " إرشاد الغبي " رقم (19).

(2)

قال الحافظ ابن حجر في هدي الساري " مقدمة فتح الباري " ص 384: " .. ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولا سيما ما إنضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إذا خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم.

وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنا فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقا أو في ضبطه لخبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيح أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه.

(3)

زيادة يستلزمها السياق.

ص: 154

مروان (1) فإن معه المسور بن مخرمة.

(1)(منها) مقرونا مع المسور بن مخرمة. انظر الأحاديث رقم (2307، 2308) من حديث مروان بين الحكم والمسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال ..... ".

وانظر الأحاديث رقم (1711، 2712، 2731، 2732).

(ومنهما): ما روى البخاري في صحيحه عن مروان غير مقرون بغيره وذلك كما في حديت رقم (4592) عن ابن شهاب قال: حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد فأقبلت حتى جلست على جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله} فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي فقال: يا رسول الله والله لو أستطع الجهاد لجاهدت -وكان أعمى- فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله:{غير أولي الضرر} .

مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي. أبو عبد الملك ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل: بأربع. مات سنة 65 هـ وكانت ولايته على دمشق تسعة أشهر.

قال البخاري: لم ير النبى صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 444 رقم 2399): ولد يوم الخندق، وعى مالك أنه ولد يوم أحد. وقال الحافظ ابن حجر:((وعاب الإسماعيلي على البخاري تخريج حديثه، وَعَدَّ من موبقاته أنه رمى طلحة أحد العشرة يوم الجمل وهما جميعا مع عائشة، فقُتل، ثم وثب على الخلافة بالسيف واعتذرت عنه في مقدمة "شرح البخاري ")) (ص 443).

فقلت: " مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عم عثمان بن عفان يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه، وقال عروة بن الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث، وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا على صدقه. وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى، فأما قتل طلحة فكان متأولا فيه كما قرره الإسماعيلي وغيره. وأما ما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وهؤلاء أخرج لهم البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرا عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير ما بدا والله أعلم.

وقد اعتمد مالك على حديثه، ورأيه والباقون سوى مسلم.

وانظر تهذيب التهذيب (4/ 50).

ص: 155

[التقليد في الجرح والتعديل جائز]

- وأما مسألة [هل](1) يجوز التقليد للتعديل؟، فيجوز التقليد فيه، لأنه لا سبيل إلى معرفة الشخص [عن طريق](2) أهل الجرح والتعديل، فلا بد من التقليد على [. . . .](3) أخذ بمجرد لفظ الجرح أو التعديل، أو عرف حال الشخص بنقل هذا الجارح والمعدل.

(1) زيادة يستلزمها السياق.

(2)

طمس في الأصل. بمقدار كلمتين في الموضعين. أما في الموضع الأول لعلها (عن طريق).

(3)

طمس في الأصل. بمقدار كلمتين في الموضعين. أما في الموضع الأول لعلها (عن طريق).

ص: 156

إجابة السؤال الثالث

[حكم الاختلاف في الفروع]

السؤال الثالث:

فيما يتعلق بالفروع من الاختلاف المتباين الأطراف: هل الشريعة الحكيمة قابلة لهذا التناقض، وأنها كالبحر يغترف كل من جهته من الماء الفائض. . .؟. إلى آخره، فالجواب:-

- أن الشريعة منزهة عن التناقض، فالمصيب واحد في المختلفين.

- وإن أدلى كل بدليل فلابد في الدليلين من موافقة تخفى على [. . . .](1)، فإن لم يكن ثم موافقة فأحدهما ناسخ للآخر، فإن بان ما يوجب الترجيح وجب العمل بالترجيح، وإن لم يكن تعين الاجتهاد مع اعتقاد أن الحق واحد.

- وإذا اجتهد فأخطأ فهو معذور، ولا يجوز لأحد أن يقره على خطئه، ولا يعذر أحد بتقليده كائنا من كان.

- وأما الاختلاف بين الصحابة في غير الاجتهادات فلا نعلم [. . . .](2) - والله أعلم-.

- وقوله: هل رجع أحد؟ نعم، إن علم الدليل؛ فقد رجع عمر وغيره من الصحابة إلى قول أبي بكر في أهل (3) الردة، ورجع ابن عباس عن المتعة (4).

(1) كلمة مطموسة في الأصل.

(2)

كلمة مطموسة في الأصل.

(3)

تقدم تخريجه (ص 152).

(4)

روى البخاري في صحيحه رقم (5116) عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء فرفض، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس: نعم.

وقال المحدث الألباني في "الإرواء"(6/ 319): وجملة القول أن ابن عباس رضي الله عنه روي عنه في المتعة ثلاثة أقوال:

الأول: الإباحة مطلقا.

الثاني: الإباحة عند الضرورة.

الثالث: التحريم مطلقا، وهذا مما لم يثبت عنه صراحة بخلاف القولين الأولين فهما ثابتان عنه والله أعلم. ا هـ

ص: 157

- وقوله: إذا رجع هل يكون مقلدا أو مقتديا؟ فإن كان رجع إلى الدليل فهو مقتد، وإن رجع إلى رأي فهو مقلد.

- وأما سؤاله عن جواز العمل بالخطوط [. . . . . . . . . . .](1) بكتاب القاضي إلى القاضي إذا أشهد عليه شاهدين عدلين، وقرأه عليهم، والعمل عندنا على قبوله، سواء كان كتاب قضاء أو كتاب شهادة (2).

- والسؤال عما ورد في الحديث " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين "(3) فالمراد - والله أعلم- سنتهم فيما سنوه إذا لم يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما سنتهم في أتباعهم سنته صلى الله عليه وسلم فهو من سنته صلى الله عليه وسلم.

[حكم الطلاق بلفظ الثلاث]

- وأما ما خالف فيه (4) عمر رضي الله عنه في مسألة الطلاق، فإنه لم يثبت (5) بلفظ مقيد

(1) هنا كلمات مطموسة في الأصل.

(2)

وقد بوب البخاري في صحيحه (13/ 140 مع الفتح) باب رقم (15) الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك وما يضيف عليه وكتاب الحاكم إلى عماله، والقاضي إلى القاضي.

وقال ابن حجر في فتح الباري: مراده هل تصح الشهادة على الخط أي بأنه خط فلان، وقيد بالمختوم لأنه أقرب إلى عدم التزوير على الخط وقوله: وما يجوز من ذلك وما يضيف عليه، يريد أن القول بذلك لا يكون على التعميم إثباتا ونفيا، بل لا يمنع ذلك مطلقا فتضيع الحقوق، ولا يعمل بذلك مطلقا فلا يؤمن فيه التزوير فيكون جائزا بشروط.

وقوله: (كتاب الحاكم إلى عامله والقاضي إلى القاضي) يشير إلى الرد على من أجاز الشهادة على الخط ولم يجزها في "كتاب القاضي" و"كتاب الحاكم. . . . .".

(3)

تقدم تخريجه والتعليق عليه.

(4)

تقدم تخريجه والتعليق عليه.

(5)

بل ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: طلق أبو ركانة أم ركانة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "راجع امرأتك" فقال: إني طلقتها ثلاثا. قال: " قد علمت، راجعها ".

أخرجه أبو داود في السنن رقم (2196) وهو حديث حسن.

ص: 158

أن أحدا طلق امرأتة ثلاثا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقضى فيها واحدة. وقد اتفق الجمهور على فتيا عمر رضي الله عنه، فمن أفتى بضدها لم ينكر عليه، ولم ينقض حكمه، بل هو مذهب كثير من أهل العلم، منهم ابن تيمية (1)، وابن القيم (2).

وقد أفرد فيه ابن تيمية تأليفا (3) - والله أعلم-.

حماكم الله وتولاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، صدر الجواب وهو غير منقول، فقابلوه بالعذر والقبول، وما كان فيه من خطأ فأصلحوه، وما كان فيه من قصور فتمموه، والسلام عليكم ورحمة الله.

(1) قال ابن تيمية في كتاب الطلاق ضمن مجموع فتاوى (33/ 98):- فهذا للعلماء من السلف والخلف فيه ثلاثة أقوال سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها ومن السلف من فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها وفيه قول رابع محدث مبتدع.

(الأول): أنه طلاق مباح لازم وهو قول الشافعي وأحمد في الرواية القديمة.

(الثاني): أنه طلاق محرم لازم وهو قول مالك، وأبي حنيفة وأحمد في الرواية المتأخرة عنه اختارها أكثر أصحابه وهذا القول منقول عن كثير من السلف من الصحابة والتابعين.

(الثالث): أنه محرم ولا يلزم منه إلا طلقة واحدة وهذا القول منقول عن طائفة من السلف والخلف

من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف ويروى عن ابن عباس وعلي وابن مسعود القولان وهو قول كثير من التابعين.

(الرابع): قاله بعض المعتزلة والشيعة. فلا يعرف عن أحد من السلف وهو أنه لا يلزمه شيء.

ثم قال ابن تيمية: والقول " الثالث " هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة: فإن كل طلاق شرعه الله في القرآن في المدخول بها إنما هو الطلاق الرجعى، لم يشرع الله لأحد أن يطلق الثلاث جميعا. . . . ".

(2)

انظر زاد المعاد (5/ 226 - 236).

(3)

- بيان الطلاق المباح والحرام.

- في الحلف بالطلاق وتنجيزه ثلاثا.

- الحلف بالطلاق من الأيمان حقيقة.

انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية (ص 319).

ص: 159