المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحثفيحديث(إن الله خلق آدم على صورته) - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌بحثفيحديث(إن الله خلق آدم على صورته)

‌بحث

في

حديث

(إن الله خلق آدم على صورته)

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 425

وصف المخطوط (أ)

1 -

عنوان الرسالة: "بحث في حديث أن الله خلق آدم على صورته".

2 -

موضوع الرسالة: في العقيدة.

أول الرسالة: الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله، وبعد .. فإنه سألني الأخ القاضي العلامة الحسين بن يحيى السحولي، وكثر الله فوائده عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله خلق آدم على صورته "

4 -

آخر الرسالة:

والحمد لله على كل حال، والصلاة والسلام على نبيه وآله خير نبي آل حرره المجيب محمد بن على الشوكاني في شهر القعدة سنة 1207.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.

7 -

عدد الصفحات: 4 صفحات الأولى: 33 سطرا.

الثانية: 31 سطرا.

الثالثة: 27 سطرا.

الرابعة: 25 سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 17 كلمة تقريبا.

الرسالة من المجلد الثالث من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني".

ص: 427

وصف المخطوط (ب)

1 -

عنوان الرسالة: "سؤال عن حديث أن الله خلق آدم على صورته،

"

2 -

موضوع الرسالة: في العقيدة.

3 -

أول الرسالة: سؤال عن حديث إن الله خلق آدم على صورته، وعن ما روي عن قبض السماوات والأرض يوم القيامة بين السبابة والإبهام، فضحك صلى الله عليه وسلم وعن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم يوم يكشف عن ساق ".

4 -

آخر الرسالة: .... والحمد لله على كل حال، والصلاة والسلام على نبيه وآله خير نبي آل.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 8 صفحات:

الأولى: 6 سطرا.

الثانية- السابعة: 24 سطرا.

الثامنة: 3 أسطر.

7 -

عدد الكلمات في السطر: 12 - 14 كلمة.

8 -

حصلت على المخطوطة "ب" من الأخ الفاضل\ عادل حسين أمين\ الذي أحضرها من الهند أثناء دراسته هناك جزاه الله خيرا.

ص: 431

*بين يدي الرسالة رقم (7) *

. أهمية العلم بصفات الله وإثباتها له تعالى:

(1)

: أن الله سبحانه عرف نفسه إلى عباده بهذه الصفات، فالعلم بها، وإثباتها له على الوجه اللائق به مع تنزيهه عن كل نقيصة هو الطريق إلى معرفة الله تعالى؛ لأن معرفته جل وعلا بحقيقة كنهه غير ممكنة، وإنما يعرف بما أثبته لنفسه من صفات الكمال، وما نفاه عن نفسه من العيوب والنقائص.

(2)

: أن العلم بالصفات وإثباتها لله تعالى هو من توحيد الله عز وجل الذي يعتبر من أشرف العلوم، ويعادل ثلث القرآن.

وهو ما أشار إليه الحافظ في الفتح (9/ 61) في شرح حديث أبي سعيد الخدري في أن} قل هو الله أحد {تعدل ثلث القرآن -أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5013) و (5014) ورقم (5015). نقلا عن بعض العلماء:

"تضمنت هذه السورة توجيه الاعتقاد، وصدق المعرفة، وما يجب إثباته لله من الأحدية المنافية لمطلق الشركة، والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال المعنى ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والنظير، وهذه مجامع التوحيد الاعتقادي. ولذلك عادلت ثلث القرآن، لأن القرآن خبر وإنشاء، والإنشاء أمر ونهي وإباحة، والخبر خبر عن الخالق، وخبر عن خلقه، فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عن الله، وخلصت قارئها من الشرك الاعتقادي.

وانظر بدائع الفوائد لابن القيم (1/ 184).

. قواعد إثبات صفات الله تعالى:

(القاعدة الأولى): إثبات صفات الله تعالى توقيفي- فلا يجوز وصفه إلا بما دل عليه الكتاب، والسنة الصحيحة الثابتة أو أجمع عليه.

ص: 435

وقال الإمام أحمد بن حنبل " لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصف به رسول، لا يتجاوز القرآن والحديث ".

الفتوى الحموية الكبرى لابن تيمية (ص 61). وفتح الباري (13/ 357).

. ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:

(الأولى): التصريح بالصفة، كالعزة والقوة، والرحمة.

(الثاني): تضمن الاسم لها، مثل الغفور متضمن للمغفرة والسميع متضمن للسمع.

(الثالث): التصريح بفعل أو وصف دال عليها، كالاستواء على العرش والمجيء للفصل بين العباد والنزول إلى السماء. قال تعالى:} الرحمن على العرش استوى {(1)[الفجر: 22].

انظر: " الفتوى الحموية " لابن تيمية (ص 61).

" بدائع الفوائد "(1/ 183)، فتح الباري (13/ 357).

(القاعدة الثانية): ليس كل ما أضيف إلى الله يكون صفة له، بل الألفاظ المضافة إلى الله على مراتب:-.

فالإضافة على مراتب ثلاثة: " إضافة إيجاد وإضافة تشريف وإضافة صفة " فهذه قاعدة مهمة في التمييز بين ما أضيف إلى الله إضافة صفة، وما أضافه إليه إضافة خلق وإيجاد، أو تخصيص وتشريف، فكل ما أضيف إلى الله مما هو غير بائن عنه فهو صفة له غير مخلوقة. وكل شيء أضيف إلى الله مما هو بائن عنه فهو مخلوق، فليس كل ما أضيف إلى الله يستلزم أن يكون صفة له، وقد أشار إلى هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع فتاوى"(9/ 290 - 291).

(1)[طه: 5]. وقوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا} .}}}}}}

ص: 436

(القاعدة الثالثة): ذات الباري لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات وهذه منتزعة دلالتها من النصوص قال تعالى:} ليس كمثله شيء وهو السميع البصير {(1).

انظر: تفصيل ذلك في التدمرية (ص 44 - 45)، والحجة في بيان المحجة، لأبي القاسم الأصبهاني (1/ 175).

(القاعدة الرابعة): تنزيه الله تعالى عما لا يليق به.

قال الحافظ في الفتح (11/ 206 - 207) - تنزيه الله تعالى عما لا يليق بجلاله من كل نقص وتقديس صفاته من النقائص. قال: " فيلزم نفى الشريك والصاحبة والولد، وجميع الرذائل

لذلك جاء في القرآن بعبارات مختلفة نحو سبحان، سبح بلفظ الماضي ويسبح بلفظ المضارع.

(1)[الشورى:11].

ص: 437

بسم الله الرحمن الرحيم

[الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله، وبعد:

فإنه سألني الأخ القاضي العلامة الحسن بن يحيى السحولي- وكثر الله فوائده- عن معنى قوله-صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم على صورته"(1) وعن المروي أنه سأل النبي- صلى الله عليه وسلم بعض الأحبار عن قبض (2) السماوات يوم القيامة فقال: " بين السبابة والإبهام " فضحك- صلى الله عليه وسلم، وعن قوله (3) صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله:} يوم يكشف عن ساق {(4) أنه يكشف الله عن ساقه، وعن قوله- صلى الله عليه وسلم: " إن جهنم تقول يوم القيامة:} هل من مزيد {(5) فيضع الله قدمه فتقول: " قط قط"(6). قال- حفظه الله-: فهل تكون هذه الأخبار مجازا، أو إن ذلك حقيقة؟] (7).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6227) من حديث أبي هريرة.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4811) ومسلم في صحيحه رقم (2786) عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد: أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:} وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون {[الزمر: 67].

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7439) ورقم (4919) مختصرا ومطولا. ومسلم في صحيحه (3/ 25 - 34 - شرح النووي) كتاب الإيمان.

(4)

[القلم: 42].

(5)

[ق:30].

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4848) من حديث أنس رضي الله عنه.

(7)

زيادة من [أ].}}}}}}

ص: 439

[سؤال عن حديث إن الله خلق آدم (1) على صورته، وعن ما روي عن (2) قبض السماوات والأرض يوم القيامة بين السبابة والإبهام، فضحك- رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم (3) -} يوم يكشف عن ساق {(4) أنه عن ساقه، وعن قوله- صلى الله عليه وسلم: إن جهنم تقول يوم القيامة:} هل من مزيد {(5) فيضع (6) الله قدمه فتقول: قط قط. هل هذا مجاز أو حقيقة؟ فقال رضي الله عنه](7).

أقول: قد اختلف الناس في هذه الأحاديث وأمثالها من أحاديث الصفات، وكذلك الآيات الواردة هذا المورد. فذهب قوم إلى أنه لا يتكلم في معناها بل يجب الإيمان بها، والاعتقاد بما يليق بجلال الله مع اعتقادنا الجازم بأن الله- جل جلاله ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن التجسيم ونحوه، وهذا مذهب السلف. حكاه النووي (8) عن معظمهم، و [واختاره](9) جماعة من محققي المتكلمين، وهو مذهب الصدر الأول من أئمة الآل، كما حكى ذلك عنهم غير واحد.

قال النووي (10): وغيره وهو أسلم، واحتجوا بوجوه:

الأول: [على](11) أن المتأول إما أن يقطع على أن للمتشابه تأويلا واحدا أولا.

(1) سبق ذكره (ص 439)

(2)

سبق ذكره (ص 439)

(3)

سبق ذكره (ص 439)

(4)

[القلم:42]

(5)

[ق:30]

(6)

سبق ذكره (ص 439)

(7)

زيادة من [ب]

(8)

انظر" فتح الباري"(13/ 458) و (13/ 383)

(9)

في [أ]: إخباره.

(10)

نظر " الفتوى الحموية "(ص70). ودرء تعارض العقل والنقل (1/ 201 - 205).

(11)

زيادة من [ب]}}}}}}

ص: 440

الأول: ممنوع لأنه لا طريق إلى العلم إلا بأن الأولين والآخرين من العلماء الراسخين لو اجتمعوا ما وجدوا سبيلا إلى تأويل ثان غير ما وقع لهذا المتأول وهو باطل، لأن غاية الأمر أنه طلب [فلم](1) يجد، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود في الواقع.

والثاني: يلزم منه أن المتأول لا يأمن أن يكون التأويل الذي جوزه مغايرا لما وقع له حقا والذي وقع له باطلا، فلا يحل له أن يخبر عن الله، أو عن رسوله بأنهما أرادا هذا التأويل بعينه دون غيره، لأن ذلك مما لا يؤمن كذبه، وهو قبيح عقلا وشرعا.

الوجه الثاني: أنه قد يظهر للمتأول معان كثير محتملة في الآية والحديث مع تجويز غيرها، وذلك يمنع من القطع بجميعها لأن من العلماء من يمنع من كون الجميع مرادا، والأقل يجوز ذلك.

الثالث: قوله تعالى:} ولا تقف ما ليس لك به علم {فإن هذه الآية توجب تحريم العمل بالظن والقول به، فلا يجوز إلا بدليل، ولم يأت دليل إلا في العمل بالظنيات العمليات دون القطعيات العلميات.

الرابع: إن موسى لما أشكل عليه فعل الخضر ولم يعرف وجهه وقف ولم يؤوله، وما وسعه وسعنا، لأن شرع من قبلنا حجة إذا حكاه الله لنا.

الخامس: إن الله لم يوجب ذلك علينا ولا رسوله-صلى الله عليه وسلم. فالمتأول إما من الراسخين أو من الخاسرين [1أ] بخلاف الساكت فإنه آمن بالإجماع. وأما قول المتكلمين أنه لا يجوز على الله، ولا على رسوله أن يخاطب الأمة بما [لا يفهم] (2). فالجواب عنه أن الخطاب نوعان:

أحدهما: ما فيه طلب عمل، أو نهي عن عمل، وهذا لا نزاع في أنه لا بد أن ينصب المخاطب إمارة تدل على مراده.

(1) في [ب](ولم)

(2)

في: [ب] لا تفهمه}}}}}}

ص: 441

النوع الثاني: ما ليس في فيه طلب من المكلفين، ولا نهي فلا دليل على أنه يجب أن يظهر فيه المراد لجميع المكلفين، فإنه قد تكون لله حكمة في ظهوره للبعض دون [1] البعض، وهذا جائز عقلا ونقلا [و](1) وفاقا، فإنه معلوم بالضرورة أن جميع المكلفين لا يعلمون التأويل. وإنما اختلف في الراسخين، ومتى جاز ذلك جاز أن يكون العارف بذلك هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله أن يطلعه عليه من الملائكة، ومن أحب أن يطلعه رسوله عليه من المسلمين، لأنه إنما يجب عليه إشاعة الأحكام الشرعية دون الأسرار الربانية. وقد صح أن الله خص الخضر بما لا يعلمه موسى، فكيف لا يصح أن يخص رسوله- صلى الله عليه وسلم بما لا نعرفه. وهذه الأدلة باعتبار مجموع المتشابه من الكتاب والسنة ويختص المنع من الكلام في متشابه الكتاب بقول الله تعالى:} وما يعلم تأويله إلا الله {(2)} والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا {(3) وقد أجمع القراء على الوقف هنا. وكاد أن يجمع على أن المتشابه لا يعلمه إلا الله السلف الصالح، والقول بعطف الراسخين على الله محتمل، فلا يجوز التمسك به. وقد قطع جماعة من المحققين بأن العطف فاسد لفظا ومعنى. بل المراد أن الراسخين ليس لهم إلا أن يقولوا آمنا به وقد أخرج جماعة من أئمة الحديث عن ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم قال:" من قال [1ب] في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار (4) وحسنه [الترمذي (5)] (6) وأخرجوا أيضًا عن جندب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: " من قال في القران برأيه فأصاب فقد أخطأ " (7).

(1) زيادة من [أ].

(2)

[آل عمران: 7].

(3)

زيادة من [ب].

(4)

أخرجه الترمذي في " السنن " رقم (2950) من حديث ابن عباس.

(5)

في " السنن "(5/ 199) وقال: هذا حديث حسن صحيح. بل هو حديث ضعيف.

(6)

زيادة من [أ].

(7)

أخرجه الترمذي في " السنن " رقم (2951) وقال: حسن صحيح. بل هو حديث ضعيف.

ص: 442

هذه بعض حجج القائلين بالوقف عند متشابهات القرآن والسنة. ولهم حجج كثيرة لا تفي بسطها إلا كراريس، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية.

القول الثاني: قول من قرر الظواهر واعتقدها، ولم يتأول ولا يتوقف، وهم طائفتان:

إحداها: لم تعرف علم الكلام، والخوض في العقليات على ما ينبغي كجماعة من المحدثين فقالوا: التجوز لا يحسن إلا مع معرفة المخاطبين للقرائن الدالة على التجوز.

وإلا خرج إلى جنس التعمية والإضلال. قالوا: والعرب كانوا لا يعرفون الأدلة الموجبة لتأويل هذه الأحاديث والآيات. وقد رد ذلك [عليهم](1) المتكلمون بأنها معارف عقلية لا تحتاج إلى تعليم من النبي- صلى الله عليه وسلم، ومن ترك النظر فيها فتقصيره هو الجاني عليه، [وأنتم](2) الجانون على أنفسكم هجر علم المعقول، ولو عرفتموه لم تذهبوا إلى هذا المذهب المستلزم لما لا يجوز على الله. والشارع إنما يجب عليه تعليم الشرعيات فقط.

والطائفة الثانية منهم خاضوا في العقليات، ولكنهم يذهبون إلى القدح في كثير منها كدليل الأكوان، وقد جود الرازي (3) الرد عليهم في كتبه (4).

القول الثالث: قول الشيعة كافة، والمعتزلة، ومعظم الأشعرية الجبرية والاختيارية إن ما ورد من المتشابهات في الصفات يؤول على ما يلائم الأدلة القاطعة [2 أ] والآيات المحكمة، ولهم على ذلك أدلة طويلة مبسوطة في مواطنها (5) لا يليق سردها

(1) زيادة من [أ].

(2)

في [ب](فأنتم).

(3)

تقدمت ترجمته (ص 268).

(4)

انظر "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 37 - 50).

(5)

انظر "المعتزلة"(ص 84 - 86)، "المنقذ من الضلال" للغزالي (ص 107). و"الأسماء والصفات" لابن تيمية (2/ 493 - 502).

ص: 443

في هذا الجواب. وقد أولوا ما سأل عنه السائل -كثر الله فوائده- وأكثروا من وجوه التأويل في كتبهم.

أما حديث: "إن الله خلق آدم على صورته"(1) فله تأويلات عدة مبسوطة في شروح (2) الحديث وغيرها. منها أن الضمير في قوله صورته [2] راجع إلى آدم (3)، وهذا

(1) تقدم تخريجه في السؤال (ص439).

(2)

انظر"فتح الباري"(11/ 3).

(3)

وقيل: المراد الرد على الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان ولا أول لذلك، فبين أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة.

. وقيل: المراد الرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره.

. وقيل: للرد على القدرية الزاعمين أن الإنسان يخلق نفسه.

. وقيل: إن لهذا الحديث سببا حذف من هذه الرواية، وأن أوله قصة الذي ضرب عبده فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال له- الحديث رقم (2559) - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه".

وقد ذكر الحافظ أن مسلم ذكره في صحيحه -رقم (115/ 2612) - وزاد: فإن الله خلق آدم على صورته "وقال الحافظ في "الفتح" (5/ 183): واختلف في الضمير على من يعود؟.

. فالأكثر على أنه يعود على المضروب، لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه ولولا أن المراد التعليل بذلك يكن لهذه الجملة ارتباط، مما قبلها. وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى.

. قلت -الحافظ في "الفتح"(5/ 183): الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في "السنة"- رقم (517). -والطبراني- في "الكبير"(13/ 430) -من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات وأخرجها ابن أبي عاصم- في "السنة" رقم (521) من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول -أن الضمير في قوله: "على صورته" يعود على المضروب- قال: "من قاتل فليجتنب الوجه، فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن".

. قال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن".

ص: 444

هو الظاهر، لأن أقرب اللفظين هو المرجع في الغالب، ويتعين المصير إليه عن الاشتباه، ولا سيما إذا استلزم الإرجاع [الضمير](1) إلى البعيد لازما فاسدا. وهذا لا ينبغي أن يعد تأويلا بل هو الظاهر. والمراد أن الله جل جلاله أخبر عباده على لسان نبيه أنه خلق آدم على الصورة التي رأوه عليها بلا زيادة ولا نقصان، كما هو الغالب في الخلق، فإنهم يزيدون في أوائل العمر، وينقصون في أواخره.

وأما ما روي من أنه خلق آدم على صورة الرحمن (2)، فالمراد (3) أنه خلق آدم على

(1) زيادة من [ب].

(2)

أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (517) بإسناد ضعيف ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ.

ولكن الحافظ ابن حجر والإمام أحمد وإسحاق ابن راهويه صححوا هذه الرواية وضعفها ابن خزيمة والمازري والقرطبي والمحدث الألباني.

. أخرج ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (518) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبحوا الوجوه؛ فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته". وهو حديث صحيح.

. وأخرج ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (519) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ولا وجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته". وإسناده حسن.

(3)

على ما تقدم نقول: بيان أن إعادة الضمير في حديث "خلق الله آدم على صورته" على غير الله هو قول الجهمية كما قال الإمام أحمد وفي ذلك رد على جميع التأويلات التي ذكرها الحافظ من أقوال الذين جعلوا الضمير عائدا على آدم، أو على المضروب أو على المقول له فإن هذه الأقوال مخالفة لما ذهب إليه جمهور السلف من أن الضمير فيه عائد على الله عز وجل.

. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "نقض التأسيس"(3/ 202) - وما بعدها" لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في هذا الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك

إلى أن قال: "ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور، وابن خزيمة، وأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة".

ص: 445

صورة صورها الرحمن فيكون معناه صحيحا.

وأما ضحكه (1) صلى الله عليه وسلم من قول اليهودي فقد تكلم منه شراح الحديث كلاما طويلا، من جملة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ضحك (2) لمقالته السخيفة، لأنه ما قدر الله حق قدره كما ثبت في حديث آخر: أن النبي (3) صلى الله عليه وسلم سمع يهوديا يقول: إن الله خلق كذا في يوم كذا، وكذا في يوم كذا، ثم استراح في يوم كذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

(1) تقدم تخريجه في السؤال (ص 439).

(2)

دلالة الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر اليهودي على ذكر الأصابع وصدقه فانتفى أن يكون تشبيها، كما جاء ذكر الأصابع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو- "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".

- أخرجه مسلم في صحيحه (17/ 2654) - فيكون وصف الله تعالى بالأصابع قد ثبت بالسنة التقريرية والقولية.

أما "ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ": قال الحافظ في "الفتح"(13/ 399): زعم الخطابي والقرطبي أن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان إنكارا أو تعحبا من جهل اليهودي وأن راوي الحديث زاد فيه "تصديقا له" ظنا منه أن الأمر كذلك وليس كذلك.

وهذا الزعم قد رد عليه الحافظ: أن ذلك الزعم فيه طعنا على ثقات الرواة، وردا للأخبار الثابتة وقال: ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الراوي بالظن، للزم منه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل وسكوته عن الإنكار وحاشا لله من ذلك.

ثم ذكر الحافظ كلام ابن خزيمة -في التوحيد (1/ 178): قال: وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادعى أن الضحك المذكور كان سبيل الإنكار، فقال:"قد أجل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الإنكار والغضب على الواصف ضحكا، بل لا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم كذا الوصف من يؤمن بنبوته ".

(3)

فلينظر من أخرجه؟!

ص: 446

} وما قدروا الله حق قدره {(1).

فالظاهر أن ضحكه صلى الله عليه وسلم ليس ضحك تقرير ورضا، بل ضحك [2 ب] تعجب لفظيع تلك المقالة، وإنكار لصدور مثل تلك الجهالة. ولو سلم [أنه صلى الله عليه وسلم ضحك](2) من كلام اليهودي لغير ذلك، وكان فيه ما يشعر بالتقرير، فما في ذلك ضير، لأن المراد به الكناية عن كمال اقتداره جل جلاله لا حقيقة الأصبع (3).

وقد صرح بمثل هذا جماعة من أئمة التفسير والبيان في قول الله تعالى:} بل يداه مبسوطتان {(4) فقالوا: هو من باب الكناية. وقال آخرون منهم: هو من باب التورية، وذلك مستوفى في علم البيان. والحديث (5) والآية واردان موردا واحدا. فالكلام في أحدهما كالكلام في الآخر.

(1)[الزمر:67].

(2)

في [ب] أن ضحكه صلى الله عليه وسلم.

(3)

تقدم التعليق على ذلك (ص 446).

ونقول: لا شك أن الحديث يدل على قدرة الله سبحانه وتعالى ولكنه إلى جانب إظهار القدرة، يثبت صفة الأصبع لله عز وجل إثباتا حقيقا لا مجال للتأويل -مع إيماننا أن الله ليس كمثله شيء-.

(4)

[المائدة:64]

(5)

قد تواترت في السنة مجيء "اليد" في حديث النبي صلى الله عليه وسلم كحديث: "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل". أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2759) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

وحديث: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك وسعديك والخير في يديك".

. أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7518) ومسلم في صحيحه رقم (2829) من حديث أبي سعيد الخدري.

والمفهوم من هذه النصوص وغيرها من النصوص: "أن لله تعالى يدين، مختصان ذاتيتان له، كما يليق بجلاله". "مجموع فتاوى" لابن تيمية (6/ 362 - 363).

"وأجمع أهل السنة والجماعة على إثبات اليدين لله تعالى، فيجب إثباتا بدون تحريف ولا تعطل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهما يدان حقيقيتان لله تعالى تليقان به".

انظر "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي (3/ 412 وما بعدها)، "شرح لمعة الاعتقاد" لابن عثيمين (ص 48).

ص: 447

وأما حديث: "يكشف ربنا عن ساقه"(1) فمعناه مثل ما في القرآن من قوله تعالى:} يوم يكشف عن ساق {(2) إنما فيه التصريح بفاعل الكشف.

وقد صرح جماعة من (3) الأئمة أن الساق هنا عبارة عن شدة الأمر وبلوغه إلى الغاية

(1) تقدم تخريجه في السؤال (ص439).

(2)

[القلم:42].

(3)

قال ابن تيمية في "مجموع فتاوى "(6/ 394 - 395): إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف قي تفسيرها.

وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما رووه من الحديث، ووقفت عن ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته وبيان أن ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه إلا الله، وكذلك فيما يذكرونه أثرين وذاكرين عنهم شيء كثير.

وتمام هذا أني لم أجدهم تنازعوا في مثل قوله تعالى:} يوم يكشف عن ساق {فروي عن ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة وإن الله يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبي سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات، للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين.

واعلم أن ما روي عن ابن عباس وعن غيره من السلف من تفسيره قوله تعالى:} يوم يكشف عن ساق {بالشدة والكرب، ليس من جنس تأويلات المتكلمين المحدثة، لأن ابن عباس وغيره من السلف يثبتون صفة الساق لله تعالى بالحديث الصحيح الذي دل عليها، ففسروها بعيدة عن كونها دالة على صفة من صفات الله تعالى.

وقال ابن القيم في "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"(1/ 252 - 253): "والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين، والإصبع لم يأخذوا من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: "فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدا" ومن حمل الآية على ذلك قال: قوله تعالى:} يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود {مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة، جلت عظمتها، وتعالى شأنها، أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبه، قالوا: وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كشفت الشدة عن القوم، لا كشف عنها كما قال الله تعالى:} فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون {[الزخرف:50] وقال:} ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر {[المؤمنون: 75]. فالعذاب والشدة تشتد، ولا تزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة.

ويظهر لك من خلال كلام -ابن تيمية وابن القيم قوة موقف الذين عدوا الآية من آيات الصفات لأمرين:

1 -

): ظهور التطابق بين الآية والحديث.

2 -

): ضعف تفسير الآية بالشدة.

ويقوي هذا القول ما أخرجه الدارمي في "سننه"(2/ 420 - 421 رقم 2803) وابن منده في "كتاب الإيمان"(2/ 773 رقم 811) بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعًا نحو حديث أبي سعيد وفيه: "فيكشف لهم عن ساقه، فيقعون سجودا، وذلك قول الله تعالى:} يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون {، ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة ".

ص: 448

التي ليس فوقها، فهو مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة، وتشمير المخدرات عن سوقهن كما قال بعض العرب. ويروى لحاتم (1):

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

وقال ابن الرقيات (2):

(1) انظر ديوان حاتم الطائي (ص 49).

(2)

لعبيد بن قيس الرقيات.

ويتضح لك المعنى في البيت الذي قبله حيث يقول:

كيف نومي على الفراش ولما

تشمل الشام غارة شعواء؟

انظر ديوانه (ص 96).

ص: 449

تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي

عن حذام العقيلة العذراء

[3]

قال العلامة جار الله في كشافه (1): [فمعنى](2)} يوم يكشف عن ساق {: يوم يشتد الأمر ويتفاقم ولا كشف [ثم](3) ولا ساق كما يقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد [ثم](4) ولا غل، وإنما هو [3أ] مثل في البخل. وأما من شبه فلضيق عطنه، وقلة نظره في علم البيان.

والذي غره منه حديث ابن مسعود: "يكشف الرحمن عن ساقه"(5) ثم قال ومعناه: يشتد أمر الرحمن، وتتفاقم أهواله، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة. ثم كان من حق الساق أن يعرف على ما ذهب إليه المشبه؛ لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده، وهي ساق الرحمن -تعالى عن ذلك-. ثم روى القول بالتشبيه عن مقاتل وأطال الكلام وأطاب (6). ولكن الحديث الذي عزاه إلى ابن مسعود هو في كتب الحديث المعتمدة من حديث أبي سعيد الخدري.

وأما حديث: "إن الله يضع قدمه في جهنم"(7). فقد اختلف فيه (8) المؤولون فمنهم

(1)(6/ 190 - 191).

(2)

زيادة من [أ].

(3)

في [ب] ثمة.

(4)

في [ب] ثمة.

(5)

تقدم تخريجه (ص 439) من حديث أبي سعيد لا من حديث ابن مسعود.

(6)

انظر كلام ابن القيم السابق.

(7)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4849) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: "يقال لجهنم: هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط".

وأخرج البخاري في صحيحه رقم (4850) من حديث أبي هريرة: "حتى يضع رجله فتقول: قط قط قط".

ففي هذين الحديثين وغيرهما بأن القدم والرجل كلاهما عبارة عن شيء واحد صفة ذاتية لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته.

(8)

ذكر الحافظ في "الفتح "(8/ 596) سبعة تأويلات: وخاض كثير من أهل العلم في تأويل ذلك فقال: 1)

أن المراد بالقدم إذلال النار.

2 -

) أن المراد بها الفرط السابق، أي يصنع الله فيها ما قدمه لها من أهل العذاب.

3 -

) أن المراد قدم المخلوقين، أو يكون هناك مخلوق اسمه قدم.

4 -

) أن المراد بالقدم الأخير، لأن القدم آخر الأعضاء، فيكون المعنى. حتى يضع الله في النار آخر أهلها فيها، ويكون الضمير للمزيد.

5 -

) أن المعنى: حتى يضع الرب فيها موضعا من الأمكنة التي عصي الله فيها فتمتلئ، لأن العرب تطلق القدم على الموضع.

6 -

) أن المراد بالقدم قدم صدق وهو محمد، والإشارة بذلك إلى شفاعته.

7 -

) أن المراد قدم إبليس، وهذا الذي قال فيه الحافظ: إنه من التأويل البعيد.

وكما يظهر لك من هذه التأويلات التي ذكرها الحافظ دون تعليق أنها حشو وليته لم يذكرها. فمثل هذه لا تذكر إلا لتبطل وتزيف لا لتقرر ويعتمد عليها.

وانظر "التعليق على فتح الباري" للدرويش (ص18).

قال الحافظ في الفتح (8/ 596) فطريق السلف في هذا وغيره مشهورة وهو أن تمر كما جاءت ولا يتعرض لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله سبحانه وتعالى.

ص: 450

من قال: [إن](1) المراد إذلال جهنم، وأنها إذا بالغت في الطغيان أذلها الله -تعالى- فعبر عنه بوضع قدمه كما يقال: وضعه تحت قدمه أي أذله.

والعرب تستعمل ألفاظ الأعضاء في ضرب الأمثال، ولا تريد أعيانها كقولهم: رغم أنفه وسقط في يده. وقيل: المراد بالقدم الفرط السابق أي ما قدمه لها من أهل العذاب.

وقيل: هو كناية عن أهل النار الذين قدمهم الله تعالى لها، وهم شرار خلقه. كما إن المؤمن قدمه الذين قدمهم إلى الجنة، ولكنه يشكل على ذلك ما وقع في رواية أنه يضع رجله. والجواب أنه تحريف كما قال بعض الحفاظ، وذلك أن الراوي ظن أن المراد بالقدم الرجل فعبر عنه بذلك. وقيل: المراد بالرجل الجماعة كما يقال: رجل من جراد.

(1) زيادة من [ب].

ص: 451

وفي هذا المقدار كفاية، وإن كان المقام [3 ب] يحتاج إلى بسط طويل، لا سيما إذا أردنا استيفاء التأويل، ولكن ما كفى وإن قل خير مما طال وأقل. والحمد لله على كل حال، والصلاة والسلام على نبيه وآله خير نبي آل. [حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني في شهر القعدة سنة 1207](1).

(1) زيادة من [أ].

ص: 452