الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الحالة الاجتماعية
عاصر الشوكاني المذاهب والفرق والطوائف الدينية المختلفة، والتي كان له معها مواقفه الخاصة، فكان ناقدا لجوانب الخطأ في مقولاتها، ومزكيا لجوانب الحق والصواب من آرائها ومناهجها.
وفي ظل الحكم الإمامي الزيدي عاصر الشوكاني عصبية مذهبية وسلالية وجمودا على أقوال العلماء والأئمة، دونما بحث عن الدليل من قبل أرباب التعصب والمقلدين، فكانت للشوكاني أدواره الإيجابية في تشخيص ظاهرة التعصب، ومحاربتها بقلمه، وتدريسه، وفتاواه، وكان له رأيه السياسي في حل الفتنة العصبية التي أطلق عليها (فتنة العاصمة- صنعاء) عام 1823 م. فاستجاب إمام زمانه لمقترحاته التي طالبت بنفي رؤساء تلك الفتنة إلى سجون متعددة، بعيدة عن العاصمة.
ويعد الاجتهاد- وهو شرط من شروط الإمامة في المذهب الزيدي- ميزة استطاع الشوكاني في ظله أن يصل إلى درجة الاجتهاد المطلق، وبذلك تمكن من الانخلاع عن المذهبية، فانتقد المتعصبين في كل مذاهب المسلمين، وقام بالدعوة إلى التمسك بالإسلام جملة، وإلى عدم التعصب لأقوال العلماء أو الأئمة بل الالتزام بالكتاب والسنة، اللذين أمرنا الله باتباعهما (1).
وكان اليمنيون قبل دخول المذهب الزيدي متمذهبين بالمذهبين المالكي والشافعي، وقد انقرض المذهب المالكي، وبقي المذهب الشافعي سائدا في المناطق الوسطى والجنوبية والساحلية من اليمن، وكان الشوكاني من الأعلام الذين دعوا إلى اتباع السنة ومذهب السلف الصالح، بدون تعصب لمذهب ما من مذاهب المسلمين، وإنما هو الاقتفاء للحق والدليل فهما رائداه في كل ما يقرأ ويرجح من آراء.
(1) انظر كتاب "القول المفيد في حكم التقليد" بتحقيقنا. الطبعة الثانية
وشهد الشوكاني صراع الأئمة الزيديين ضد الطائفة الإسماعيلية (الباطنية- القرمطية)، وأفتى بكفرها.
وأما المعتزلة فقد كان عام 544 هـ أول عام دخل فيه تراثهم إلى اليمن على يد القاضي (جعفر بن أحمد بن عبد السلام- ت 573 هـ) شيخ الزيدية والمعتزلة، وقضية الاتفاق والاختلاف بين الزيدية والمعتزلة مسألة جدلية ويمكن تمثيلها بمتصل في طرفه الأول طائفة تمثل قمة الاتفاق، وفي الطرف المقابل طائفة أخرى تمثل قمة الاختلاف، وفي الوسط مواقف تتأرجح نحو هذا الطرف أو ذاك، وموقف الشوكاني من علم الكلام موقف له سمته الخاصة، فهو ينصح طالبه في كتابه:"أدب الطلب"(1) بدراسة هذا العلم لكي يستطيع دراسة تفسير " الكشاف " للزمخشري، ودراسة تراث المعتزلة والأشاعرة والفرق الأخرى، ويتمكن بذلك من الخروج من دائرة التقوقع على علوم المذهب ومخاصمة أهل الكلام دونما علم بمقولاتهم ومصطلحاتهم ومنطلقاتهم، ولكنه يصف تجربته الشخصية مع هذا العلم بالمرارة، وأنها تجربة جلبت له الحيرة، وأنه قد وجد أن مقولاته في نهاية الأمر مجموعة من الخزعبلات، وبناء على ذلك دعا طلابه إلى نهج السلف الصالح الذي يقوم على هجر المصطلحات الكلامية والتمسك بالكتاب والسنة.
وأما الصوفية فقد اشتهر أصحابها بالتواكل وهجر الأسباب واشتهر أتباعها بتقديس زعمائها، والخضوع لأقوالهم، والاهتمام الشديد بتشييد وتزيين قبورهم، والتعلق ببعض الخرافات التي علقت بمحبتهم، فكان للشوكاني معهم جولة طويلة، خاصة في كتبه الثلاثة:
(1)
: شرح الصدور في تحريم رفع القبور.
(2)
: والدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد.
(3)
: وقطر الولي على حديث الولي أو ولاية الله والطريق إليها.
(1)(ص128 - 130) بتحقيقنا
بالإضافة إلى رسالته: " الصوارم الحداد القاطعة لعلائق أرباب الاتحاد ".
وأما الرافضة فقد كشف الشوكاني النقاب عنهم، وفضح حقيقتهم فيما يتظهرون به من التشيع قائلا:
"ولا غرو فأصل هذا المظهر الرافضي مظهر إلحاد وزندقة، جعله من أراد كيدا للإسلام سترا له فأظهر التشيع والمحبة لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم استجذابا لقلوب الناس، لأن هذا أمر يرغب فيه كل مسلم، وقصدا للتعزير عليهم، ثم أظهر للناس أنه لا يتم القيام بحق القرابة إلا بترك حق الصحابة، ثم جاوز ذلك إلى إخراجهم- صانهم الله- عن سبيل المؤمنين "(1).
وهكذا بدت لنا الحالة الدينية في عصر الشوكاني رحمه الله مما دفعت به إلى حمل لواء الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم.
(1) أدب الطلب ومنتهى الأرب (95) بتحقيقنا