المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحثفيوجوب محبة الرب سبحانه - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌بحثفيوجوب محبة الرب سبحانه

‌بحث

في

وجوب محبة الرب سبحانه

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققته وعلقت عليه وخرجت أحاديثه

محفوظة بنت علي شرف الدين

أم الحسن

ص: 407

وصف المخطوط

1 -

عنوان الرسالة: " بحث في وجوب محبة الله ".

2 -

موضوع الرسالة: في العقيدة.

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الأكرمين. اعلم أن محبة الله عز وجل هي من أعظم الفرائض المفترضة على العباد ..

4 -

آخر الرسالة:

إني لأعرف ناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء لمنزلتهم عند الله يوم القيامة الذين يحبون الله ويحببونه إلى خلقه، يأمرونهم بطاعة الله، فإذا أطاعوا الله أحبهم الله.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

الناسخ: المؤلف: محمد بن علي الشوكاني.

7 -

عدد الصفحات: (3) ثلاثة.

الأولى: 28 سطرا.

الثانية: 32 سطرا.

الثالثة: 28 سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 12 - 13 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الرابع من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 409

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الأكرمين. اعلم أن محبة الله عز وجل من أعظم الفرائض المفترضة على العباد كما يدل على ذلك آيات الكتاب المبين، وأحاديث سيد المرسلين، وإجماع المسلمين أجمعين، فمن ذلك قول الله عز وجل:} قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله {(1).

وقد علم أن اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرض واجب لا خلاف فيه، وكانت هذه المحبة لله -سبحانه- أدخل في الفرضية لتعليق الاتباع بها، وجعله متسببا عنها، مع ما في ذلك من التهييج للعباد على الاتباع بما هو مطلوب لكل فرد من أفرادهم، ومقصد من مقاصد عامهم وخاصهم، فإن دخول العبد في زمرة المحبين لله عز وجل هو الذي يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق إليه المتسابقون، فإذا سمع السامع أن هذا الاتباع (2) لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو صنع من يحب الله، وعمل من يتصف بذلك سعى إليه وبادر به، وبالغ في تحصيله بكل ممكن.

والحاصل أن في هذا النظم القرآني دلالة بينة على أن اتباع (3) رسول الله- صلى الله

(1)[آل عمران: 31]

(2)

قال ابن كثير في تفسيره (2/ 22): هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.

قال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية:} قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله {.

(3)

ويعتبر اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فرض واجب لا خلاف فيه:

قال تعالى:} لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا {[الأحزاب: 21].

وقال سبحانه وتعالى:} فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون {[الأعراف:158] وقال سبحانه وتعالى:} فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {[النساء: 65].

وقال تعالى:} فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر {[النساء:59].

قال صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم ". من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم رقم (1337).

قال صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ". أخرجه البخاري رقم (7280).

ص: 413

عليه وآله وسلم- متسبب عن محبة العبد لله، وفرع من فروعها، وأنه سبب لمحبة الله عز وجل للعبد، ومن أحب الله وأحبه الله فقد ظفر بالغاية القصوى، ووصل المقصد الأسنى الذي هو أعلى مطالب الطالبين، ونهاية رغبات الراغبين، وكل العبادات والأعمال الصالحات إنما هي للتوصل بها إلى هذه المحبة التي يكون بها حصول الفلاح والنجاح والفوز لكل محبوب، والنجاة من كل مكروه.

ومن الآيات القرآنية الدالة على فرضية محبة العبد لربه، قوله عز وجل:} قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين {(1).

فهذا الوعيد المذكور في آخر هذه الآية بقوله:} فتربصوا حتى يأتي الله بأمره {(2) مع قوله: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} (3) قد دل أبلغ دلالة على أن محبة

(1)[التوبة:24]

(2)

[التوبة:24]

(3)

[التوبة:24]

ص: 414

العبد لله عز وجل فرض من أعظم الفرائض الدينية، ولا سيما بعد ذكره لما هو غاية ما يحب في الدنيا من الأشخاص الذين هم الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشائر، فإن هؤلاء هم الذين تحصل المحبة لهم، وضم إلى ذلك الأموال والمساكن، وما هو أعظم أسباب الكسب وهو التجارة بصدقه على غالب المكاسب التي يتكسب العباد بها، ويحصلون الأرزاق منها.

ومعلوم أن الله لا يتوعد بالعذاب، ويشير إلى أن من لم يقم بما توعد عليه فهو من القوم الفاسقين المحرومين للهداية الربانية والعناية الإلهية، إلا على فرض لازم، وواجب متحتم.

ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستكثر من سؤال الله -سبحانه- حصول هذه المحبة له كما أخرجه أحمد (1)، والترمذي (2)، والحاكم (3) وصححه من حديث معاذ بن جبل، وفيه:"أسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك" فوقع منه السؤال صلى الله عليه وآله وسلم لحب الله، وحب ما هو وسيلة إليه، وحب من حصل له هذا الحب.

وأخرج نحوه البزار (4)، والطبراني (5)، والحاكم (6) من حديث ثوبان، وأخرجه أيضًا البزار (7) من حديث ابن عمر، وأخرجه أيضًا الترمذي (8). . . . . . . . . .

(1) في "المسند"(5/ 243).

(2)

في "السنن" رقم (3235) وقال: "حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح" اهـ.

(3)

في " المستدرك"(1/ 521). وهو حديث صحيح.

(4)

في مسنده (4/ 60 رقم 3197 - كشف). وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 181) وقال: رواه البزار وإسناده حسن.

(5)

في " الكبير"(20/ 109 - 110 رقم 216) من حديث معاذ بن جبل.

(6)

في "المستدرك "(1/ 527) وقال: حديث صحيح على شرط البخاري.

(7)

لم أعثر عليه؟!

(8)

في "السنن" رقم (3490) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ولكن في سنده عبد الله بن ربيعة بن يزيد الدمشقي. وقيل: ابن يزيد بن ربيعة، وهو مجهول من السادسة. انظر "التقريب" رقم (3309).

ص: 415

والحاكم (1) من حديث أبي الدرداء، وفي آخره بعد ذكر ما في حديث (2) معاذ ما لفظه:"اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومالي ومن الماء البارد" وحسنه الترمذي (3).

وأخرج الترمذي (4) أيضًا وحسنه من حديث عبد الله بن بريدة الخطمي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول -في دعائه-: "اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك". وفي الباب أحاديث وآثار بهذا المعنى عن جماعة من الصحابة.

ومن الأدلة المرشدة إلى افتراض محبة الله عز وجل ما ورد في الأحاديث الصحيحة من التحاب في الله، فإن التحاب في الله عز وجل هو من محبة الله -سبحانه-.

ومنها الحديث الصحيح (5): " إن المتحابين في الله على منابر من نور يوم القيامة ".

(1) في " في المستدرك "(2/ 433) وقال: صحيح الإسناد ورده الذهبي بقوله: قلت: بل عبد الله هذا قال أحمد: أحاديثه موضوعة. والخلاصة أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

تقدم تخريجه آنفا.

(3)

في السنن (5/ 522).

(4)

في "السنن "(5/ 523 رقم 3491) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قلت: وأخرجه الطبراني في "الدعاء"(3/ 1454 رقم 1403).

وهو حديث حسن.

(5)

أخرج الترمذي في "السنن" رقم (2390) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومالك في "الموطأ"(2/ 953 رقم 16)، وأحمد في "المسند"(5/ 233)، والطبراني في "الكبير"(20/ 80 رقم 150) والحاكم في "المستدرك"(4/ 168 - 169) والقضاعي "مسند الشهاب"(2/ 322 - 323 رقم 1449 - 1450) وابن حبان في صحيحه رقم (574) وهو حديث صحيح.

عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: المتاحبون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ". وأخرج الحاكم (4/ 169) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأحمد (5/ 229، 247)، والطبراني في "الكبير"(20/ 81 رقم 152، 153، 154) عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه، إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت، فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي.

قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه، فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني أحبك لله، فقال: ألله؟ فقلت: ألله؟ فقال: ألله؟ فقلت: ألله؟ فقال: ألله؟ فقلت: ألله، قال: فأحذ بحبوة ردائي، فجذبني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في " وهو حديث صحيح.

وأخرج ابن حبان في صحيحه رقم (576) وأحمد (5/ 239) والطبراني في "الكبير"(20/ 87 - 88 رقم 167 و168)، وأبو نعيم في "الحلية"(5، 121، 122، 131). من طرق عن أبي مسلم الخولاني، قال: قلت لمعاذ بن جبل: والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك، ولا قرابة بيني وبينك قال: فلأي شيء؟ قلت: لله، قال: فجذب حبوتي، ثم قال: أبشر إن كنت صادقا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء" ثم قال: فخرجت فأتيت عبادة بن الصامت، فحدثته بحديث معاذ، فقال عبادة بن الصامت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه تبارك وتعالى: "حقت محبتي على المتحابين في، وحقت محبتي على المتناصحين في، وحقت محبتي على المتزاورين في، وحقت محبتي على المتباذلين في، وهم على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون بمكانهم ".

وهو حديث صحيح.

وأخرج أبو داود في "السنن" رقم (3527) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى".

قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم؟ قال:"هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها؛ فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا حزن الناس " وقرأ هذه الآية} ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون {[يونس: 62].

وإسناده منقطع، أبو زرعة لم يدرك عمر، وروايته عنه مرسلة. وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه (1/ 390 رقم 572) من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة، وأبو زرعة يروي عن أبي هريرة. فالحديث حسن. وقد صححه الألباني في صحيح أبي داود والله أعلم.

ص: 416

ومنها: حديث (1): " إن العبد لا يجد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله " وهو حديث صحيح.

وأخرج أحمد (2) والترمذي (3) من حديث معاذ بن أنس الجهني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أعطى لله، ومنع لله، وأبغض لله، وأحب لله فقد استكمل إيمانه" وواجب على العبد أن يطلب ما يكمل به إيمانه. وأخرجه أيضًا أبو داود (4) من حديث أبي أمامة.

وأخرج أحمد (5) من حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1) أخرجه أحمد (2/ 298، 520) والحاكم (1/ 3) والبزار في مسنده (1/ 50 رقم 63 - كشف) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحب لله" وقال هاشم: "من سره أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل".

قال الحاكم: صحيح لا يحفظ له علة، وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/ 90) وقال: رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات" .. وهو حديث حسن.

وأخرج البخاري (1/ 60 رقم 16) ومسلم في صحيحه (1/ 66 رقم 67/ 43) والترمذي (5/ 15 رقم 2624) والنسائي (8/ 96 رقم 4988) وابن ماجه رقم (4033) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار".

(2)

في "المسند"(3/ 438، 440).

(3)

في "السنن" رقم (2521) وقال: حديث حسن، وهو كما قال.

(4)

في "السنن" رقم (4681) وهو حديث حسن، انظر "الصحيحة" رقم (380).

(5)

في "المسند"(4/ 286) وفيه " أوسط" بدل "أوثق". وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 89 - 90) وقال: رواه أحمد وفيه ليث بن أبي سليم وضعفه الأكثر.

ص: 418

قال: " إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله ". وفي الباب أحاديث كثيرة، وآثار عن الصحابة واسعة.

وفي صحيح البخاري (1) وغيره أن رجلا كان يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد شرب الخمر، فقال رجل: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"، فجعل العلة المقتضية للمنع من سبه كونه يحب الله ورسوله، مع ارتكابه لذلك المحرم المجمع عليه، والمعصية الشديدة.

وأخرج الترمذي (2) من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " أحبوا الله لما يغدوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي" ومن أعظم ما ينبه على افتراض هذه [1ب] المحبة قوله عز وجل:} يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه

{الآية (3)

(1) رقم (6780) من حديث عمر بن الخطاب.

(2)

في "السنن" رقم (3789) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(3/ 150)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 211)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(4/ 160).

وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

وقال الألباني في "تخريج فقه السيرة للغزالي" ص20: "وهذا من تساهلهم جميعا لا سيما الذهبي، فقد أورد النوفلي هذا في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" وقال فيه: "فيه جهالة، ما حدث عنه سوى هشام بن يوسف"، ثم ساق له هذا الحديث فأنى له الصحة؟! وقد تفرد به هذا المجهول، ولم يوثقه أحد، ولذا قال فيه الحافظ ابن حجر في "التقريب" رقم (3372) إنه مقبول يعنى عند المتابعة، فأنى المتابع له؟! ولذلك فقد أصاب ابن الجوزي حين قال: "هو غير صحيح" كما نقله المناوي في "فيض القدير" وتعقبه بما لا طائل تحته" اهـ.

والخلاصة أن الحديث ضعيف والله أعلم.

(3)

[المائدة:54] وقد ذكر الله سبحانه وتعالى صفات أولئك القوم الذي سيأتي بهم قال تعالى:}

أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم {[المائدة:54].

قال ابن القيم في "مدارج السالكين"(3/ 25). فقد ذكر لهم أربع علامات:

1 -

، 2): أذلة على المؤمنين قيل: أرقاء رحماء مشفقين عليهم عاطفين عليهم. قال عطاء: للمؤمنين كالولد لوالده، والعبد لسيده، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته} أشداء على الكفار رحماء بينهم {[الفتح: 29].

3 -

) الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد، واللسان والمال وذلك تحقيق دعوى المحبة.

4 -

) أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم. وهدا علامة صحة المحبة.

ص: 419

فتوعد المرتدين عن الدين بأنه سيأتي بقوم هذه صفتهم، فأفاد ذلك أن هذا الوصف أشرف الأوصاف، وأعلى ما تتسبب عنه الخيرات، ومن أعظم البواعث على محبة الله عز وجل أنه يحصل بها المحبة من الله عز وجل للعبد والمغفرة لذنوبه كما تقدم في قوله:} قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم {(1)، ومن أحبه الله عز وجل أعطاه ما لم يكن له في حساب، كما ورد في الحديث الثابت في صحيح البخاري (2) وغيره عن أبي هريرة عن

(1)[آل عمران:31]

(2)

رقم (6502).

قال ابن تيمية في "الفرقان ببن أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" ص 51: وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحب وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر ونهوا عما نهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى ومنعوا من يحب أن يمنع.

وقال الحافظ في "الفتح"(11/ 342 - 343): قال الفاكهاني: في هذا تهديد شديد، لأن من حاربه الله أهلكه، وهو من المجاز البليغ، لأن من كره من أحب الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه. وقال الطوفي: لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى، تولاه الله بالحفظ والنصرة.

ص: 420

النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يقول الله عز وجل: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألته لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته".

وقد روي هذا المعنى من حديث جماعة من الصحابة (1)، وأخرج ابن ماجه (2) من رواية موسى بن عبيدٍ عن سعيد المقبري، عن الأذرع السلمي قال: كان رجل يقرأ قراءة عالية، فمات بالمدينة فحملوا نعشه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"ارفقوا به رفق الله به، إنه كان يحب الله ورسوله" قال: وحضر حفرته فقال: "أوسعوا له وسع الله عليه" فقال بعض أصحابه: يا رسول الله لقد حزنت عليه، قال:"أجل، إنه كان يحب الله ورسوله ".

وفي الصحيحين (3) وغيرهما من حديث أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددت لها"؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، فقال: رسول الله

(1) انظرها في "مجمع الزوائد" للهيثمي (2/ 247 - 248).

(2)

في "السنن" رقم (1559).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 276 رقم 564): "ليس لأذرع السلمي هذا عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وليس له شيء في الخمسة الأصول، وإسناد حديثه ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي

". وهو حديث ضعيف.

(3)

البخاري في صحيحه رقم (6171) ومسلم في صحيحه رقم (164/ 2639).

ص: 421

-صلى الله عليه وآله وسلم: "فأنت مع من أحببت".

وفي رواية للبخاري (1) قلنا: ونحن كذلك، قال: نعم، ففرحنا يومئذ بذلك فرحا شديدا، وفي رواية لمسلم (2)، قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قوله: " أنت مع من أحببت".

وأخرج البزار (3) في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه

(1) في صحيحه رقم (6167).

(2)

في صحيحه رقم (163/ 2639).

(3)

في مسنده (1/ 85 رقم 140 - كشف).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 120) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" والبزار، وفيه عبد الله بن عبد القدوس، وثقه البخاري وابن حبان وضعفه ابن معين.

وقد ذكر ابن القيم في "مدارج السالكين"(3/ 20 - 21) الأسباب الجالبة للمحبة وهي عشرة:

أحدها: قراءة القرآن، بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.

الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.

الثالث: دوام ذكره على كل حال: باللسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبان الهوى، والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومبادئها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه، ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.

السابع: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

فمن هذه الأسباب العشرة: وصل المحبون إلى منازل المحبة، ودخلوا على الحبيب وملاك ذلك كله أمران: استعداد الروح لهذا الشأن، وانفتاح عين البصيرة.

ص: 422

وآله وسلم- قال: "إني لأعرف ناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنزلتهم عند الله يوم القيامة، الذين يحبون الله ويحبونه إلى خلقه يأمرونهم بطاعة الله فإذا أطاعوا الله أحبهم الله".

ص: 423