المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول:الحالة السياسية: - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌المبحث الأول:الحالة السياسية:

‌المبحث الأول:

الحالة السياسية:

كانت الدولة الإسلامية الكبرى تعاني من ضعف شديد، بلغت الصراعات المذهبية فيها درجة أشعلت الحرب بين الدولتين: العثمانية السنية، والدولة الصفوية الشيعية. وكان المغرب العربي يعاني من صراعات عرقية وقبلية سهلت اجتياح الحملات الإسبانية والبرتغالية لأجزاء من تلك البلاد.

ولعبت الأسرية والقبلية والقوة الدور الحاسم في تولي الحكم والسلطة، ومن ثم تحديد طبيعة النظام الحاكم، وهو أمر مخالف لمبدأ الشورى الإسلامي.

وقد أدى وجود الدويلات الإسلامية المستقلة إلى ضعف دولة الخلافة العثمانية، مما أضعف شوكتها أمام أعدائها -أعداء الإسلام-.

وفي ظروف التفكك والضعف هذه، برزت إلى الوجود قوات الغزو الصليبي العسكري- الاقتصادي بشقيه: الروسي والأوروبي، مستهدفة اقتسام بلاد المسلمين، بعد الإجهاز على دولة الخلافة الإسلامية- العثمانية التي أطلق عليها يومئذ: الرجل المريض.

وكانت الظروف مهيأة أمام الغزو الصليبي، فثغور المسلمين غير محصنة، وخاصة في سواحل البحر الأحمر، وبشكل أخص في بوابتيه الشمالية والجنوبية، والخليج العربي والبحر العربي (المحيط الهندي)، بالإضافة إلى تراخي المسلمين عن الجهاد.

وخالفت الدول الإسلامية مبدأ أساسيا في القرآن الكريم، وهو مبدأ (الولاء) ويعني المناصرة، فكانت الدولة العثمانية توالي الإنجليز ضد الفرنسيين، وكان (محمد علي باشا) يوالي الفرنسيين ضد (الإنجليز)، وحلت العقوبة الإلهية بكل من القوتين المسلمتين، قوة العثمانيين، وقوة (محمد علي باشا)، حيث تآمرت كل من (فرنسا) و (إنجلترا) مع أربع دول أخرى على كل منهما، ومهما قيل من تحليل حول أصداء الحملة الفرنسية، فقد كانت صدمة عسكرية -صليبية- لمصر وللعالم الإسلامي، حيث اكتشف المسلمون

ص: 11

أنهم لم يواكبوا التطور العلمى - التقني الذي سارت في ركابه الدول الأوروبية مما أوجد فجوة كبيرة بين الطرفين ساعدت على هزائم المسلمين أمام الغزو الأوروبي المتعاضد حينا والمتنافس حينا آخر، ولو لم تكن القوى الإسلامية - مهما بلغت من التفكك - قد بعثرت ما لديها من أسباب القوة في صراعاتها العديدة لاستطاعت مواكبة الركب الأوروبي، وإليك بعض الأشكال المختلفة لتلك الصراعات: صراعا عثمانيا- صوفيا، وصراعا عثمانيا- وهابيا، وصراعا عثمانيا- مصريا، وصراعا سعوديا- مصريا، وصراعا إنجليزيا- مصريا، وصراعا عثمانيا- فرنسيا، وصراعا يمنيا- سعوديا، والصراع الأخير كان صراع مهادنة وحذر وتربص.

وكانت هناك أربع قوى يمكن أن تمثل أمل التقدم والتطور لبلاد المسلمين، ويمكن أن تنتصر لو اجتمعت على الزحف الأوروبي الواسع النطاق، وهذه القوى هي: قوة (محمد بن عبد الوهاب) وأتباعه التي تركزت حول التغيير العقدي كأساس للتغيير الشامل والتقدم في كل جوانب الحياة بعد ذلك، ويمكن أن يطلق عليها:(ثورة العقيدة)، وكانت هناك قوة الحركة الإصلاحية المعاصرة للحركة الوهابية وهى حركة (محمد بن علي الشوكاني) التي تركزت في دفع المسلمين نحو التحرر من التقليد والجمود، وتحريك عجلة الاجتهاد بعيدا عن العصبيات المذهبية والسلالية فهي:(ثورة العقل) وكانت هناك حركة فتية تولى قيادها (محمد علي باشا) تركزت حول الاستفادة الجادة والسريعة من التطور العلمي- التقني الذي وصل إليه الأوروبيون، فكانت حركة (ثورة العلم والتكنولوجيا)، وكانت القوة الرابعة هي: قوة العثمانيين العسكرية التي صمدت إلى حين أمام الغزو الأوروبي- الصليبي، لولا معاناتها من الحروب الداخلية، ومن تآمر الحركة الماسونية المتمثلة يومئذ بجمعية (الاتحاد والترقي) التركية- العلمانية الاتجاه، بالإضافة إلى تآمر كل من: روسيا وإنجلترا وفرنسا واليونان والنمسا عليها وعلى (محمد علي باشا)، في نهاية مطاف (الولاء) والصداقة الكاذبة، ولو قدر لهذه القوى الأربع أن تجتمع في معسكر واحد مكللة بالإيمان لاستطاعت امتلاك المسيرة الحضارية المعاصرة،

ص: 12

بعيدا عن أمراضها المادية والخلقية ولتمكنت مشيئة الله من إنماء حياة المسلمين والإنسانية في كل أرجاء العالم.

ولم تخل اليمن من أمراض القوى الإسلامية الكبرى، فقد وجدت صراعات داخلية في ظل نظام الحكم الزيدي الإمامي هي: صراعات أسرية على الإمامة، وصراعات فيما بين القبائل ذات الشوكة من ناحية، وفيما بينها وبين دولة الإمامة من ناحية أخرى، وصراعات بين دولة الأئمة وبين قوة الحركة الإسماعيلية الباطنية- القرمطية، المتمركزة في منطقتي (حراز) و (نجران).

وكان حكم الإمامة يتسم تارة بالعدل وتارة أخرى بالجور، وأحيانا بالقوة وأحيانا بالضعف، ولأخلاقيات وزراء الإمام ودعاة الإمامة وطبيعة سلوك الإمام تأثير كبير بالإيجاب أو السلب على طبيعة النظام الحاكم.

وكانت سيادة اليمن غير كاملة على كل أجزائها، فهناك الصراع ضد سلطة أشراف أبي عريش والمخلاف السليماني، وهناك سلطنات مستقلة كسلطنه (لحج) في الجنوب، وهناك سلطنة الأتراك في (زبيد)، وقد احتل الإنجليز عدن عام 1255هـ (بعد موت الشوكاني بخمس سنوات)، واحتل أنصار الدعوة الوهابية (السلفية) بلاد أبي عريش والمخلاف السليماني، وتمكنوا من الاستيلاء على الحديدة (أيام الإمام المتوكل على الله أحمد) وكانت دولة الأئمة تهادن حركة (محمد بن عبد الوهاب)، فتبادل أنصارها المكاتبات والرسل، وقاموا بتطبيق ما قام به سيدنا (علي رضي الله عنه من تحطيم للقباب وتسوية للقبور بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سلوك أثلج صدور علماء الحركة الوهابية (السلفية) وقد قام الشوكاني بدور بارز في تلك المكاتبات والمقابلات لأولئك العلماء (الرسل) وكان له دور بارز أيضا في إقامة العلاقات الدبلوماسية الناجحة مع أشراف مكة والحجاز، وأشراف أبي عريش والمخلاف السليماني، وقوات (محمد علي باشا) عبر مكاتباته التي يسندها الأئمة إليه، وغير الرسل التي يوكل الأئمة له صلاحية اختيارهم.

ص: 13

وقد أبدى النظام الإمامي استعدادا طيبا لمشاركة المسلمين في صد الغزو الصليبي -الاقتصادي- العسكري، كاستعداده لمجابهة الحملة الفرنسية، وحملات البرتغاليين، ورفض إقامة قاعدة إنجليزية في باب المندب، وتولي الشوكاني بمكاتباته إعلان المواقف السياسية المتصلة بهذا الاستعداد، وكان لهذه الأوضاع آثارها الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والفكرية (1)

(1) انظر كتاب "الإمام الشوكاني. حياته وفكره" للدكتور: عبد الغني قاسم غالب الشرجبي (ص39 - 76). و (ص137 - 140).

وانظر "الإمام الشوكاني مفسرا" للدكتور محمد حسن بن أحمد الغماري (ص31 - 39)

ص: 14