الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في الكلام على قوله سبحانه {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل}
تأليف العلامة
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط
1 -
عنوان الرسالة: (بحت في الكلام على قوله سبحانه {يوم يأتي بعض ءايت ربك
…
}).
2 -
موضوع الرسالة والجواب والتذييل: تفسير.
3 -
أول السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدين. كتب الفقير إلى الله سبحانه يحيى بن مطهر غفر الله لهما إلى القاضي
…
4 -
آخر السؤال:
…
وعلى كل تقدير فلم ينقدح الصواب والأمر قي أن يكشف عنه الجواب- إن شاء الله تعالى-،
5 -
أول الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. أقول بعد حمد الله، والصلاة والسلام على رسوله وآله. إن وجه الإشكال قي هذه الآية،
6 -
آخر الجواب:
وكثر فوائده، قال: حرر في سلخ يوم الأربعاء لعله خامس شهر القعدة الحرام من شهور سنة / اثنين وثلاثين بعد اثني عشر مائة سنة هجرية. بملم السائل سامحه الله.
7 -
أول التذييل: الحمد لله: وقف الحقير على ما حرره سيدي العلامة العماد- يحيى بن مطهر- عافاه الله من السؤال، وما تضمنه من الفوائد
…
8 -
آخر التذييل: حرر ليلة الخميس لعله شهر ربيع الأول سنة / كتبه الحقير عل! ط بن أحد هاجر لطف الله به، وعفى عنه، وعن والديه، ورحم وقوفهم بين يديه.
9 -
نوع الخط: خط نسخي معتاد.
10 -
ناسخ السؤال والجواب: يجنى بن مطهر.
11 -
ناسخ التذييل: على بن أحمد هاجر.
12 -
عدد صفحات السؤال والجواب والتذييل: (10) صفحات.
13 -
عدد الأسطر في الصفحة: (22 - 26) سطرا.
14 -
عدد الكلمات في السطر: 11 - 13 كلمة.
15 -
الرسالة من المجلد الرابع من " الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني "
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه، وتابعيه إلى يوم الدين.
كتب الفقير إلى الله- سبحانه- يحي بن مطهر (1) - غفر الله لهما- إلى القاضي العلامة الحجة البدر الشوكاني- سلمه الله تعالى- سائلا. مما صورته:
عن قول الله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} (2) إن كان الإيمان المجرد نافعا قبل إتيان بعض الآيات لكونه واقعا في وقته، فما النكتة في ذكر الكسب في الآيات، وجعله مقابلا للأول؟ وإن كان الكسب المجرد نافعا فما النكتة في تقييده بالكون في إيمان؟ أو كان لا بد منهما مثل:{الذين ءامنوا وعملوا الصالحات} (3) فما النكتة في ذكر الإيمان المجرد الكائن من قبل؟ وكيف معنى أو عليه؟ وذكرت له أنه قد وقع الإطلاع على بعض شيء مما تكلم به على هذه الآية لم يكشف عن وجه الاستدلال القناع، فعاد
(1) يحي بن مطهر بن إسماعيل بن يحيى بن الحسين بن القاسم ولد في شهر جمادى الأولى سنة 1190 هـ وطلب العلم على جماعة من مشايخ صنعاء كالقاضي العلامة عبد الله بر مشحم وطبقته، وله جماعات كثيرة.
قال الشوكاني في ترجمته: "البدر الطالع " رقم (585). وهو حال تحرير هذه الترجمة يقرأ على في العضد وحواشيه وفي شرح التجريد للمؤيد بالله وفي شرحي على المنتقى ...... وهو الآن في عمل تراحم لأهل العصر، وقد رأيت بعضا منها فوجدت ذلك فائقا لما بابه، مع عبارات رصينة ومعاني جيدة، وقد سألني بسؤالات وأجبت عليها لرسائل هي في مجموعات الفتاوى، وله جدول مفيد جدا وأشعار فائقة ومعاني رائعة ومكاتباته إلي موجودة في مجموع الأشعار المكتوبة إلي ". توفي المترجم له سنة 1268 هـ. "
البدر الطالع " (رقم 585)، "نيل الوطر" (2/ 411 - 414).
(2)
[الأنعام: 158]
(3)
[البقرة: 25، 82]، [آل عمران: 57]، [النساء: 57، 173، 122)، وغيرها كثير في القرآن.
جوابه- كثر الله إفادته- بالإيماء إلى رقم ما تلخص من ذلك لتعلق عليه ما يستفاد به في المقام، ولم يسع إلا الإمساك.
وقد أطال العلامة أبو السعود في تفسيره (1) الكلام عليها جدا، وذكر الفهامة الزمخشري في كشافه (2) كلاما متينا، إلا أنه جعل أو. بمعنى الواو، قال عليه المحقق السراج في الكشف ما لفظه: اعلم أن الآية من المتشابهات إلا على الراسخين والذي نقول- والعلم عند الله، ومنه التوفيق- أن ظاهر النظم كان يقتضي أن يحصل النفع عند وجود أحد الأمرين من الإيمان أو الكسب، لولا أن الثاني مقيد بقوله:{في إيمانها} كما إذا قلت لا ينفع أحدا مال ليس من حل، أو أ يصرف في واجب أو فعل اقتضى بظاهره النفع إذا وجد أحد الأمرين، أما إذا قلت: أو لم يصرف مع ذلك، أي مع كونه حلا وجب العدول عن ذلك الظاهر، لئلا يبقى ذكر القسم الثاني لغوا في التأويل بأن المراد أفما معا شرطان في النفع والعدول إلى هذه العبارة لتقيد المبالغة في أنهما سيان، وإنما يستحسن إذا كان الأول أعرق بالشرطية كالإيمان والكسب فيه في الآية، وهذا ما انتهى إليه نظر العلامة- رحمه الله ونحن معه إلا أنا نقول: إنا نعدل إلى التأويل الخاص إذا لم يكن محمله أقوى. وقد وجد في الآية بأن يكون من باب اللف التقديري أي: لا ينفع نفسا إيمانها [1ب] ولا كسبها في الإيمان لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فيه خيرا. والترجيح من وجهن:
أحدهما من خارج، وهو ما ثبت (3) أن " من قال: لا إله إلا الله خالص مخلصا دخل
(1)(3/ 147 - 149)
(2)
(2/ 415)
(3)
وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (15074) وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 311) من حديث زيد بن أرقم.
وأورده الهيثمى في "المجمع "(1/ 18) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط " و"الكبير" وفي إسناده محمد ابن عبد الرحمن بن غزوان، وهو (وضاع).
الجنة " على ما كان من العمل في ضمن آيات وأحاديث تفوت الحصر.
والثاني: أن الآية وردت تحسيرا للمخلفين وعدهم بالرسول في البداية عند إنزال الكتاب إلى التكذيب به، والصدف عنه.
وعلى شاكلة كلامه كلام بعض الشراح وشراحهم حتى رأيت كلام شيخنا البدر في فتح القدير (1)، وكل ذلك لم يكشف عن وجه الاستدلال، لا سيما على ما اختاره أبو السعود (2)، وقد قال بقوله، ورجح ما رجحه الكردي في قسط السبيل. مما لم تطمئن إليه النفس.
ولا غرو أن يستروح أحد إلى القول: ينفع مجرد الإيمان فيستريح عن واجبات، ويأتي ما شاء من مقبحات. ولا بد من زيادة قد بين أن المراد بالآيات هي التي تضطرهم إلى الإيمان، وبن البعض (3) في حديث بأنه طلوع الشمس من مغربها. وظاهر الآية من أولها
= وفي الباب من حديث أنسى وأبي هريرة. .
فأما حديث أنس فقد أخرجه البخاري رقم (128) ومسلم رقم (32) أن النبي-صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: " يا معاذ بن جبل! " قلت: لبيك يا رسول الله، وسعديك ثلاثا، قال:" ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه على النار ". .
وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه البخاري رقم (99) قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد ظننت يا أبا هريرة! أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من
قال لا إله إلا الله خالص من قلبه أو نفسه".
(1)
(2/ 187)
(2)
في تفسيره (3/ 147)
(3)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم رقم (2703) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه". .
وأخرج مسلم في صحيحه رقم (2759) عن أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها "
يقتضي أن النفع في تلك المواطن كلها، أعني: حال إتيان ملائكة الموت لقبض الأرواح، وعند إتيان الرب- سبحانه- أو آياته، وعند إتيان بعضها أي: الشمس مشروط بأحد أمرين: إما الإيمان من قبل، وإن لم يكسب فيه صاحبه خيرا قط، أو الكسب المجرد، إلا أنه ورد مقيدا بكونه واقعا في إيمان، وعلمه السؤال المذكور، لأنه إن كان الإيمان مأخوذا معه لم يتم المقابلة، وإن أخذ الكسب مجردا عنه لم يتم لعدم اعتباره منفردا ولا قال به أحد وإن أخذ الإيمان مجردا عن الأعمال فقد قال باعتباره جماعة، ودلت عليه أحاديث من قال: لا إله إلا الله، إلا أنه يشكل عليه آيات وأحاديث: قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} (2)، وقال تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (3) فاشترط في كون السعي مشكورا ثلاث شرائط: إرادة الدار الآخرة بأن يعقد ها همه، ويتجافى عن دار الغرور، والسعي فيما كلفه من الفعل والترك، والإيمان [2أ] الصحيح الثابت كما في الكشاف (4)، فدلت على أن الإيمان المجرد
(1)[هود: 15 - 16]
(2)
[الشورى: 20]
(3)
[الإسراء: 18 - 19]
(4)
(2/ 415 - 416)
لا ينفع كما هو رأي المعتزلة (1) والخوارج (2). ولهذا يرون حمل الناس على الإيمان لاعتقادهم أن مرتكب الكبيرة كافر، لأن الأعمال عندهم جزء من حقيقة الإيمان لا من كماله، فإذا عدم الجزء (3) عدم الكل. ولا واسطة بين الإيمان والكفر. وقابل ذلك قول المرجئة (4): لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والآيات قد تدل
(1) تقدم التعريف هما (ص 656)، و (ص 153، 856).
(2)
تقدم التعريف هما (ص 656)، و (ص 153، 856).
(3)
قالت المعتزلة: " الطاعات كلها من الإيمان، فإذا دهب بعضها ذهب بعض الإيمان، فذهب سائره، فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليعس معه شيء من الإيمان.
(4)
وقالت المرجئة الإيمان تصديق القلب واللسان لأنا إذا أدخلنا فيه الأعمال، صارت جزءا منه، فإذا ذهبت ذهب بعضه فيلزم إخراج ذي الكبيرة من الإيمان.
انظر "مجموع فتاوى"(7/ 510)(12/ 471)"منهاج السنة"(5/ 204 - 205). .
يقول ابن تيمية في "مجموع فتاوى"(7/ 353) وطوائف أهل الأهواء من الخوارج والمعتزلة، والجهمية والمرجئة، كرامية، وغير كراميهم يقولون: إنه لا يجتمع في العبد إيمان ونفاق، ومنهم من يدعي الإجماع على دلك وقد ذكر أبو الحسن الأشعري في بعض كتبه الإجماع ومن هنا غلطوا فيه، وخالفوا فيه الكتاب والسنة، وآثار الصحابة والتابعين لهم بإحسان مع مخالفة صريح المعقول
…
".
إن الإيمان عند جمهور أهل السنة له شعب متعددة، كما أضر بذلك أعلم الخلق صلى الله عليه وسلم في حديث "شعب الإيمان" وكل شعبة منه تسمى إيمانا، فالصلاة وسائر أعمال الجوارح من الإيمان، والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل والرجاء من الإيمان وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عر الطريق وبينهما شعب متفاوتة تفاوتا عظيما.
انظر: كتاب الصلاة لابن القيم ص 53.
يقول ابن تيمية في "مجموع فتاوى"(12/ 472، 473)(4/ 517): " الإيمان: مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق، وكالحج وكالبدن والمسجد وغيرها من الأعيان والصفات، فمن أجزائه ما إدا دهب، نقص عر الأكمل، ومنه ما نقص عن الكمال وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات، ومنه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول ".
مثال الإيمان كالحج في اشتمالهما على أركان، وواجبات ومستحبات ففي الحج أركان متى تركت، لم يصح الحج كالوقوف بعرفة، ومشتمل على واجبات من فعل أو ترك، يأثم بتركها أو فعلها عمدا ويجب مع تركها الجبران بدم، كالإحرام من المواقيت المكانية ومشتمل على مستحبات من فعل
وترك يكمل الحج ها، فلا يأثم بتركها ولا يجب بدم، مثل رفع الصوت بالإهلال والإكثار منه.
ولقد تواترت النصوص الدالة على أن الإيمان يقبل التبعيض والتجزئة كقوله صلى الله عليه وسلم: " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من الإيمان ".
- أخرجه البخاري رقم (44) ومسلم قي حديثه رقم (325) -.
أما أئمة السنة والجماعة، فعلى إثبات التبعيض في الاسم والحكم فيكون مع الرجل بعض الإيمان.
لا كله، ويثبت له من حكم أهل الإيمان وثوابهم بحسب ما معه، كما يثبت له من العقاب بحسب ما عليه، وولاية الله بحسب إيمان العبد وتقواه، فيكون مع العبد من ولاية الله بحسب ما معه من الإيمان والتقوى، فإن أولياء الله هم المؤمنون المتقون ".
انظر: "مجموع فتاوى"(18/ 275). (11/ 173 - 175).
للطائفتين المتقدمتين، وإن كانت في الكفار، فعموم الموصول صاع للاستدلال به، وعليه فيتحصل أن الإيمان (1) قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالقلب.
(1) وهو تعريف أهل السنة وقد حكى غير واحد منهم الإجماع على ذلك كابن عبد البر في التمهيد (9/ 248) اتباعا للنصوص القرآنية:
(منها): ما يدل على أن الإيمان تصديق بالقلب.
قال تعالى: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} [الحجرات: 14].
قال تعالى: {كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة:22].
وقال تعالى: {يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسرعون في الكفر من الذين قالوا ءامنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} [المائدة: 41].
(منها): ما يدل على أن الإيمان إقرار باللسان.
قال تعالى: {قولوا ءامنا بالله ومتا أنزل إلينا} [البقرة:136].
قال تعالى: {وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم} [العنكبوت:46].
(ومنها): ما يدل على أن الإيمان عمل الجوارح: قال صلى الله عليه وسلم:" الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
أخرجه البخاري رقم (9) ومسلم رقم (35) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: " .... أتدرون ما الإيمان بالله وحده "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:" شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ". أحرجه البخاري في صحيحه رقم (53) ومسلم في صحيحه رقم (17).
تنوعت عبارات السلف الصالح في تعريف الإيمان، فتارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتباع السنة.
وكل هذا صحيح، فلس بين هذا العبارات اختلاف معنوي، كما بينه ابن تيمية في " مجموع فتاوى"- (7/ 170، 171، 505، 506) - فقال: إذا قالوا: قول وعمل فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان جميعا، وهذا هو المفهوم من لفظ القول والكلام، ونحو ذلك إذا أطلق فإن القول المطلق، والعمل المطلق في كلام السلف يتناول قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فقول اللسان بدون اعتقاد القلب هو قول المنافقين، وهذا لا يسمى قولا إلا بالتقييد. كقوله تعالى:{يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} [الفتح: 11]. وكذلك عمل الجوارح بدون أعمال القلوب هي من أعمال المنافقين، التي لا يتقبلها الله، فقول السلف يتضمن القول والعمل الباطن والظاهر.
ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونية، قال القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله باتباع السنة، وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، إنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الرد على "المرجئة" الذين جعلوه قولا فقط. فقالوا: بل هو قول وعمل، والذين جعلوه "أربعة أقسام " فسروا مرادهم. كما سئل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال: قول وعمل ونية وسنة، لأن الإيمان إذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق وإذا كان قولا وعملا ولية بلا سنة فهو بدعة ".
ومما يدل على تفاوت مراتب المحسنين وغيرهم قول الله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (1) وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} (2)
(1)[الجاثية: 21]
(2)
[غافر58]
، وقال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: يا أبا حازم ما لنا عند الله؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله، قال تعالى:{إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} (1)، قال: فأين رحمة الله؟ قال: {قريب من المحسنين} (2) لا من المحرومين. قال: فأين القربات؟ قال: إنما يتقبل الله من المتقين. قال: فأين قرابتنا من رسول الله؟ قال: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} (3) انتهى.
ودل على اعتبار الأعمال مثل قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (4) غير أنه جمع فيها الذين امنوا وعملوا الصالحات.
ومثل حديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق "(5).
وفي مروج الذهب .... .... .... .... .... .... .... .... .....
(1)[الانفطار: 13 - 14]
(2)
[الأعراف: 56]
(3)
[غافر: 18]
(4)
[الأنفال: 2 - 4]
(5)
أخرجه البخاري رقم (9) ومسلم رقم (35) من حديث أبي هريرة وقد تقدم.
للمسعودي (1) من ترجمة المغيرة ما لفظه: حدثني محمد بن الفرج. بمدينة بخارى في المحلة المعروفة ببير أبي عنان، قال: حدثني أبو دعامة قال: أتيت علي ابن محمد بن علي بن موسى عائدا في علته التي كانت وفاته ها في هذه السنة، فلما هممت بالانصراف قلل لي: يا أبا دعامة قد وجب حقك أفلا أحدثك حديثا تسر به؟ قال: قلت ما أحوجني إلى ذلك يا بن رسول الله، فذكر إسناده عن آبائه إلى علي- رضي الله عنهم قال رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم-:" يا علي اكتب " فقلت: وما أكتب؟ قال: " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، وإن شئتم ما جرى على اللسان، وحلت به المناكحة " انتهى.
وهذا وإن لم يثبت من طريقة معتبرة فقد دل عليه القران في الجملة، وورود السحنة الصحيحة ببيان إن شئتم والإيمان يعني ما ذكر لا ينافي ما ثبت في غيرها لا يخالفه. وأحاديث لا إله إلا الله يحمل على من امن ولم يتمكن من العمل، بل مات عقب قولها، فإنها تنفعه- إن شاء الله- مع مواطأت القلب على العمل بأحكام الشرع فعلا وتركا ما عاش، وأما نفعها يوما ما [2ب] فيصدق على غير ذلك، ولكن من يقدر على حر النار لحظة مع ما شاهد من عدم القدرة على حر القيظ.
وقد ورد في الحديث "إلا بحقها"(2) ومن صار إلى النار يوما ما بسبب الإخلال، ولم تنفعه قطعا كما أنها لم تنفعه في الدنيا، ومن الإخلال بحقها مقارفة بعض المعاصي مما ورد
(1)(4/ 194 - 195) تحت عنوان (ذكر حلافة المعتز بالله الزبير لما جعفر) وفقرة (على بن محمد الطالبي).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (34) من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يؤمنوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا وبما جئت به، بإذن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ".
فيه أن من فعله فهو في نار جهنم خالدا مخلدا، مما لا يمكن أن يفرق معه بين قائلها وبن من لم يقلها أصلا إلا أن يوجد لمثل تلك الأحاديث الشديدة محملا، نحو أن يقال: إن المراد بالخلود المكث الطويل ترجيحا للأحاديث المتواترة (1) في الخروج من النار، لأن تلك مخصصة، ويلزم مثلما يقال فيها فيما ورد في خلود الكفار وما قال به أحد فيما أعلم، وعليه فلا يبقى للأحاديث- نحرج من النار- فائدة، فالأولى حمل أحاديث لا إله إلا الله
(1) منها ما أخرجه البخاري رقم (7510) ومسلم رقم (193) من حديث أنصر الطويل في الشماعة. وفيه "وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله ".
(ومنها): ما أحرجه مسلم رقم (325/ 193) من حديث أنس بن مالك قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ".
قال الحافظ الحكمي في " معارج القبول "(2/ 528 - 529 بتحقيقى): ثم اعلم أن الأحاديث الدالة على أن الشهادتين سبب لدخول الجمة والنحاة من النار لا تناقض بيمها وبين أحاديث الوعيد التي فيها: من فعل ذنب كذا فالجنة عليه حرام، أو لا يدخل الجنة من فعل كذا، لإمكان الجمع بين النصوص بأنها جنان كثيرة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وبأن أهل الجنة أيضًا متفاوتون في دخول الجنة في السبق وارتفاع المنازل، فيكون فاعل هذا الذنب لا يدخل الجنة التي أعدت لمن لم يرتكبه، أو لا يدخلها في الوقت الذي يدخل فيه من لم يرتكب ذلك الذنب، وهذا واضح مفهوم للعارف بلغة العرب.
وكذلك لا تناقض بين الأحاديث التي فيها تحريم أهل هاتين الشهادتين على النار، وبين الأحاديث التي فيها إخراجهم منها بعد أن صاروا حمما لإمكان الجمع بأن تحريم من يدخلها بذنبه من أهل التوحيد بأن تحريمه عليها يكون بعد خروجه منها برحمة الله ثم بشفاعة الشافعين، ثم يغتسلون في فر الحياة ويدخلون الجنة فحينئذ قد حرموا عليها فلا تمسهم بعد ذلك. أو أن يكون المراد أنهم يحرمون مطلقا على النار التي أعدت للكافرين التي لا يحرج منها من دخلها، وهى ما عدا الطبقة العليا من النار التي يدخلها بعض عصاة أهل التوحيد ممن شاء الله تعالى عقابه وتطهيره على قدر ذنبه، ثم يخرجون فلا يبقى فيها أحد من أهل التوحيد.
على من لم يتمكن من ا! لعمل، أو على من قالها مع القيام بعظم حقها مع الاختلال ببعض صفر في الدنيا منها، فهو بذلك أقرب إلى القيام. بحقها كما ورد التقييد به في أحاديث صحيحة، وكان مجرد قولها نافعا لم يصر قائلها في حالة إلى النار.
وقد ورد حديث (1): " لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله، من قافا مخلصا ستوجب الجنة، ومن قالها كاذبا عصمت ماله ودمه وكان مصره إلى النار ".
ولما كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار. وبعضهم حمل الأحاديث على نفعها ويوما جمعا بين الأدلة وفيه ما تقدم. وأيضا فإنما يتم على رأي من يقول بالخروج من لنار كما وردت به الأحاديث (2) الصحاح.
أما على رأي أهل الاعتزال (3) المشددين في اعتبار الأعمال مع الإيمان على ما هو لأظهر هنا فلا يتم، ولقد جمعوا بين تشديدين: اشتراط الأعمال، والقول بخلود العصاة من أهل لا إله إلا الله مع الكفار، وكانوا بغير أحد المعا لم أحرى خصوصا مع غلبة التقصير على أكثر البشر، وبه تعلم مقدار القول بالخلود. نسأل الله السلامة من النار. وكلمات أكثر المفسرين غير كاشفة عن المقصود تركت نقلها أثناء مراجعة الاستناد لها، ونقلت كلام الكشاف (4) لما فيه من الإلماع مع التحقيق في كل الذي قيل. وما قاله من اللف التقديري نقله ابن هشام في المغني (5) عن ابن عطية (6)، وابن الحاجب (7) أن الآية من
(1) فلينظر من أخرجه؟!
(2)
تقدم ذلك آنفا.
(3)
انظر: " المعتزلة وأصولهم الخمسة "(ص 262 - 263).
(4)
(2/ 415 - 416).
(5)
مغني اللبيب " (2/ 628): ثم قال: والآية من اللف والنشر وإذا وبهذا التقدير تندفع شبهة المعتزلة كالزمخشري وغيره، إذ قالوا: سوى الله تعالى بين عدم الإيمان الذي لم يقترن بالعمل الصالح في عدم الانتفاع به، وهذا التأويل ذكره ابن عطية وابن الحاجب.
(6)
عزاه إليه في "مغني اللبيب "(2/ 628).
(7)
عزاه إليه في "مغني اللبيب "(2/ 628).
حذف المعطوف، أي لا ينفع نفسا إيمانها وكسبها إلخ.
وقد يقال: إن تقدير الكلام قبل ورود النفي: ينفع الإيمان نفسا كانت آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا، أي كانت فعلت أحد الأمرين [3أ] فهو في معنى الإيجاب الجزئي، لأنه في قوة كان أحد الأمرين مفعولا لها مثلما ورد النفط رفع الإيجاب الجزئي ورفع الإيجاب الجزئي سلب كلي معنى أن أو كسب معطوف على مدحور ثم والإيجاب الجزئي تحقق فيه الحكم بأحد الشيئين وفي سلبه يتحقق بانتفائهما، فيكون من قبيل:{ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا} (1)، أو تقرير الكلام أنه إما أن يعل من سلب الانفصال. بمعنى أن النفع قد اشترط بأحد الأمرين، وهما الإيمان المتقدم، والكسب قي الإيمان، وهناك انفصال في الإنبات فإذا دخله السلب رفع هذا الانفصال، وكان واردا على الأخذ الدائر بين الأمرين، فيلزم من نفي الأخذ الدائر ارتفاع كل واحد منهما، فيصير الشرط له ارتفاع النفع ارتفاع كل واحد منهما، وهو سلب كلي يصير التكلم معه في قوة ما إذا قيل: لا ينفع نفسا إيمانها إذا لم يحصل واحد من إيمان أو كسب في إيمان، وهذا كما قال المحقق الجلال في قول الله تعالى:{ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} (2) أو يجعل من انفصال السلب، فيقدر أن حرف الانفصال أعني أو وارد بعد اعتبار السلب في الطرفين، فيصير الشرط (3) في ارتفاع النفع وجود أحد السلبين، فيكون في قوة ما إذا قيل: لا تنفع نفسا إيمانها إذا حصل أحد عدمن: إما عدم الإيمان، أو عدم الكسب في إيمان.
وعلى هذا التقدير يلزم إذا ارتفع الكسب في إيمان مع وجود الإيمان أن يرتفع النفع، وليس المعنى عليه فتعين أن يكون من سلب الانفصال.
(1)[الإنسان: 24]
(2)
[البقرة: 236]
(3)
انظر: "روح المعاني"(8/ 66 - 68)، و"المغني " لابن هشام (1/ 66).
هذا تقدير كلام الأشعري (1). وللمعتزلي (2) أن يناقشه فيمنع عدم صحة طريق انفصال السلب، ويلتزم صحة ارتفاع النفع عند ارتفاع الكسب في إيمان مع وجود إيمان. وما قيل من أنه ليس المعنى عليه في غير الدعوى لا برهان عليها. وعلى كل تقدير فلم ينقدح الصواب والأمر في أن يكشف عنه الجواب- إن شاء الله تعالى-.
(1) تقدمت ترجمته (151).
(2)
انظر كلام ابن تيمية في مناقشة ذلك وقد تقدمت.
بسم الله الرحمن الرحيم
أقول بعد حمد الله، والصلاة والسلام على رسوله واله:
إن وجه الإشكال في هذه الآية الكريمة هو أن عدم الإيمان السابق (1) يستلزم عدم كسب الخير فيه بلا شك ولا شبهة، إذ لا خير لمن لا إيمان له، فيكون، على هذا ذكره تكرارا عن كان حرف التخيير على بابه من دون تأويل، وأيضا عدم الإيمان [3ب] مستقل في إيجابه للخلود في النار، فيكون ذكر عدم الباب لغوا، وكذلك وجود الإيمان مع كسب خير فيه مستقل في إيجابه للخلوص عن النار، وعدم الخلود فيها، فيكون ذكر الأول أعني الإيمان مجرده لغوا، فهذا وجه الإشكال في الآية باعتبار حرف التخير المقتضى لكفاية أحد الأمرين على انفراده، وقد ذكروا في التخلص عن هذا الإشكال وجوها: أحدها: أنه يتحقق النفع بأيهما كان، ولا يخفاك أن هذا تدفعه الأدلة الواردة لعدم الانتفاع بالإيمان من دون عمل.
والوجه الثاني: أنه لا ينفع إلا تحقق الأمرين (2) جميعا: الإيمان وكسب الخير فيه، وهذا أيضًا يدفعه المعنى العربي والإعرابي، فإنه لو كان هو المراد لقال لم تكن أمنت من قبل وكسبت في إيمانها خيرا.
الوجه الثالث: أن ذكر الشق الثاني من شقي الترديد لقصد بيان النفع الزائد، ويجزي الأفضل والأكمل، وهذا إيضاحه خروج عما يوجبه معنى الترديد الذي يقتضيه حرفه الموضوع له (3). الوجه الرابع: أن إيراد الكلام مرددا على هذه الصفة (4) المقصود به التعريض بحال
(1) انظر: " روح المعاني "(8/ 66).
(2)
عزاه الألوسي في " روح المعاني " لأبي الكمال: وتعقمه الألوسي بقوله: فكلام هذا العلامة لا يخلو من نظر.
(3)
انظر: روح المعاني (8/ 66).
(4)
المصدر السابق. ونظم الدرر (7/ 332 - 333).
الكفار المفرطين في الأمرين جميعا، وهذا أيضًا خروج عن مقصود الآية بتأويل بعيد جدا لم يدل عليه دليل.
الوجه الخامس: إن الآية من باب اللف (1) التقديري، أي لا ينتفع نفسا إيمانها ولا كسبها في الإيمان لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ورد بأن مبنى الفف التقديري على أن يكون المقدر من متممات الكلام ومقتضيات المقام، فترك ذكره تعويلا على دلالة الملفوظ عليه واقتضائه إياه ما ليس هذا من ذاك.
الوجه السادس: أفما معا شرطان في النفع، وأن العدول إلى هذه العبارة لقصد المبالغة في شأن كل واحد منهما بأنه صاع للاستقلال بالنفع في الجملة. ولا يخفى أن هذا مجرد دعوى لا دليل عليها، وإخراج للترديد عن مفاده الذي تقتضيه اللغة.
الوجه السابع: أن ظاهر الآية المقتضي لمجرد نفع الإيمان (2) المجرد معارض بالأدلة/ الصحيحة الثابتة كما جاء في السنة أنه لا ينفع الإيمان إلا مع العمل، وهذا هو الوجه القوي، والتقدير السوي، والاستدلال الواضح الراجح لسلامته عن التكلفات والتعسفات في معنى الآية، وعن الائتمار لما فيها من الترديد الواضح بين شقي الإيمان المجرد، والإيمان مع العمل. ولا ينافي هذا ما ورد من الأدلة الدالة على نفع الإيمان المجرد، فإنها مقيدة بالأدلة الدالة على وجوب العمل. مما شرعه الله لعباده من أصول الشرائع وفروعها، فاشدد يديك على هذا، ولا تلتفت إلى ما وقع من التدقيقات الزائفة، والدعاوي الداحضة، فإن ذلك لا حامل عليه، ولا موجب له إلا المحاماة على المذاهب ونصوصها، وجعل نصوص الله- سبحانه- تابعة لها، وتأويل ما جاء أهلها حتى كأنها هي الشريعة المحكمة التي يرد إليها كتاب الله وسنة رسوله.
(1) ذكره صاحب " الدر المصون "(5/ 234 - 235) و" روح المعاني "(66/ 8).
(2)
انظر: " فضل لا إله إلا الله " للإمام يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي. ونواقض الإيمان القولية والعملية. الدكتور عبد العزيز لن محمد بن لحط العبد اللطف.
ومن العجب أن محققي المفسرين وكبارهم مع ما في هذه الآية من الإشكال المقتضى كلاب لتوسيع دائرة المقال اكتفوا في الكلام عليها بالنذر الحقير، والبحث الحسير، حتى إن الرازي (1) مع تطويله للمباحث في غالب تفسيره اقتصر في تفسيره على قوله: والمعنى أن أشراط الساعة إذا ظهرت ذهب أوان التكاليف عندها، فلم ينفع الإيمان نفسا آمنت قبل ذلك، وما كسبت في إيمانها خيرا قبل ذلك. انتهى بحروفه، فانظر هذا الذي اقتصر عليه، واجعله موعظة لك، فإنه إنما يكون تفسيرا للآية لو كانت هكذا: لم تكن آمنت من قبل وكسبت في إيمانها خيرا من دون حرف التخيير. وهكذا الزمخشري قبله، فلقتصر في تفسير الآية على مالا يسمن ولا يغني من جوع.
وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. والله ولي التوفيق نقل من خط المجيب القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني- حفظه الله تعالى، وكثر فوائده- قال:
حرر في سلخ يوم الأربعاء لعله خامس شهر القعدة الحرام من شهور سنة 1232 اثنين وثلاثين بعد اثني عشر مائة سنة هجرية بقلم السائل سامحه الله/ [4ب]
(1) في تفسيره (14/ 7)
الحمد لله:
وقف الحقير على ما حرره سيدي العلامة العماد مجيء طهر (1) - عافاه الله- من السؤال وما تضمنه من الفوائد، وعلى ما أجاب به شيخنا ومولانا العلامة بدر الإسلام محمد بن علي الشوكاني- حفظه الله-، وما تضمنه جوابه من الفوائد. وجميع الوجوه التي وجهت ها الآية الكريمة لا تخلو من التكلفات، وأقرها وأقلها تكلفا ما استقواه المجيب - عافاه الله- مع كونه لا يخلو عن تكلف، ولاح للحقير حليف التقصير وجه أراه خاليا عن التكليف، سالما عن الإشكالات الواردة على غيره فيما أراه، وللناظر نظرة، وفوق كل ذي علم عليم.
وهو: أن النفس المذكورة في قوله تعالى: {يوم يأتي بعض ءايت ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت فئ إيمانها خيرا} (2) تعمل نوعين: وهي النفس التي لم يقع منها إيمان قط، والنفس التي آمنت من قبل مجيء بعض آيات الله، ولم تعمل خيرا قط، لأنها نكرة في سياق النفي (3). فأما النفس التي آمنت من قبل مجيء الآية، وعملت خيرا فإنه لم يكن الكلام مسوقا لها قطعا.
وإذا تقرر أنها تعم النوعين، وهي النفس التي لم تؤمن قبل مجيء الآية، والنفس التي آمنت من قبل، ولم تعمل خيرا من قبل مجيء الآية فالترديد الواقع بأو في الآية الكريمة لبيان حال النفسين.
الأول: لبيان حال الكافرة التي لم تؤمن من قبل مجيء الآيات، فالإيمان عند إتيان الآية لا ينفعها قطعا.
(1) تقدمت ترجمته (ص 1201).
(2)
[الأنعام: 158]
(3)
انظر: " الدر المصون "(7/ 333) و" روح المعاني "(8/ 65) و" الكوكب المنير "(3/ 136).
والثاني: وهو قوله: {أو كسبت في إيمانها خيرا} (1) لبيان حال النفس التي قد آمنت قبل مجيء الآية، ولم تعمل خيرا من قبل ذلك، فلا بد من ذلك الترديد لبيان حال النفسين، ولا يغني أحدهما عن الآخر قطعا، وهذا هو المطابق [5أ] لما ورد من الأحاديث الدالة على أن بعض الآيات المذكورة في الآية الكريمة هي طلوع الشمس (2) من مغربها، وأن عندها يغلق باب التوبة، فالنفس التي لم تؤمن من قبل مجيئها لم ينفعها إيمانها قطعا، لأن الإيمان توبة عن الشرك، وهي غير مقبولة، لأنه قد غلق بابها، والنفس التي قد كانت آمنت من قبل لمجيئها ولم تكسب في إيمانها خيرا لم ينفعها إيمانها أيضا، لعدم إمكان تدارك التفريط الحاصل منها بالتوبة، لأنه قد غلق بابها، على أن إيمانها الواقع من قبل مجيء الآية مع عدم كسب خير فيه أصلا كالإيمان عند من يقول: الإيمان قول وعمل، وعليه الجماهير من العلماء. وكذلك عند من جعل الأعمال شرطا في الإيمان، فهذا ما دلت عليه الآية الكريمة من غير تكلف، ولا تعسف، ولا تأويل، ولا إخراج للكلام عن ظاهره، ولا اعتبار تقدير لفص في الكلام مع الخلوص عما ذكر في الآية من الإشكالات على كلمة "أو".
فإن قلت: فقد ورد في الأحاديث ما يقضي بنفع الإيمان المجرد يوما ما، والآية الكريمة دلت على عدم نفعه مطلقا.
قلت: قوله تعالى في الآية الكريمة: {لا ينفع نفسا إيمانها} (3) يحتمل أن يراد به الإيمان الواقع عند مجيء بعض الآيات في حق النفس التي قد كانت آمنت من قبل ولم
(1)[الأنعام: 158]
(2)
(ومنها): ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (39/ 2901) عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر. فقال: " ما تذاكرون؟ " قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات " فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب. وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم.
(3)
[الأنعام: 158]
تعمل خيرا قط، كما هو المراد أيضًا في حق النفس الكافرة، وهو الظاهر لقوله تعالى:{يوم يأتي بغض ءايت ربك لا ينفع نفسا إيمانها} (1). ولا شك أن ذلك الإيمان الواقع عند مجيء الآية غير نافع قطعا، لأنه واقع في وقت لم تقبل فيه توبة، وإنما النافع لها يوما ما هو الإيمان المتقدم، وهذا واضح عند من جعل الإيمان يزيد (2) وينقص، وكذلك عند من جعل الأعمال منه وهو المختار. قال تعالى:{وما كان له} [5ب](3) .. ....
…
عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك {(4) فأفادت هذه الآية أن طاعة الشيطان دليل على عدم الإيمان بالآخرة، وأن من أطاعه فهو في شأ من الآخرة، فطاعة الشيطان دليل على حصول الشك وعدم الإيمان، ولذا جاء عن رسول الله- صلى الله عليه واله وسلم-:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن "(5). ولعل وضع الظاهر موضع المضمر في
(1)[الأنعام: 158]
(2)
جماهير أهل السنة على أن الإيمان يزيد بالعمل الصالح والعلم النافع وزيادة المؤمن به وتظاهر الأدلة والنظر والتدبر والتفكير في مخلوقات الله، كما أنه ينقص بالمعاصي ونقص الطاعات وغيرها مما ذكر أنه يزبد بزيادته والأدلة على دلك من الكتاب والسنة كثيرة (منها): قوله تعالى: {وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2]، وقوله تعالى:{ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الفتح:4].
قال! س: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن ا يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان "
أخرجه مسلم لما صحيحه رقم (78/ 49) من حديث أبي سعيد.
وانظر: مجموع فتاوى (3/ 355)(5/ 351)، شرح العقيدة الطحاوية (ص 320 - 323).
(3)
[في المخطوط _أي الشيطان_]
(4)
[سبأ: 21]
(5)
أخرجه البخاري رقم (2475) ومسلم في صحيحه رقم (57) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. . قال ابن تيمية في " الإيمان "(ص 290 - 291): ومعلوم أن الراني إنما يزني لحب في نفسه لذلك الفعل، فلو قام بقلبه خشية الله التي تقهر الشهوة أو حب الله الذي يغلبها لم يزن ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام:} كذالك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين & [يوسف: 24] فمن كان مخلصا لله حق الإخلاص لم يزن، وإنما يزني لخلوه من ذلك، وهذا هو الإيمان الذي ينزع منه، لم ينزع منه نفس التصديق ولهذا قيل: هو مسلم وليس منافقا، لكن ليس كل من صدق قام بقلبه من الأحوال الإيمانية الواجبة مثل كمال محبة الله ورسوله ومثل خشية الله والإخلاص له في الأعمال والموكل عليه
…
". وقد ثبت أنه لا بكون الرجل مؤمنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وإنما المؤمن من لم يرتب، وجاهد. بماله ونفسه في سبيل الله، فمن لم تقم بقلبه الأحوال الواجبة في الإيمان، فهو الذي نفى عنه الرسول الإيمان وإن كان معه التصديق، والتصديق من الإيمان، ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله وحشية الله، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانا البتة. .
وقيل: أي المراد نفى كمال الإيمان لا نفى اصل الإيمان، وهو من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفى كماله، وهو كثير في لغة العرب، وعلى هذا التأويل أكثر أهل العلم، جمعا بين هذا الحديث ونحوه من الأحاديث التي ظاهرها نفى الإيمان عن العصاة، ولن الأحاديث التي ظاهرها الصحة التي تثبت دخول الجنة للموحد وإن ارتكب المعاصي، فيدخلها رأسا إذا تاب أو غفر الله له، أو يدخلها بعد مجازاته ولا يخلد الموحد العاصي والنار على مذهب أهل السنة والجماعة، ولا يكفر.
بمعصيته
قوله تعالى: {أو كسبت في إيمانها خيرا} حيث لم يقل فيه خيرا يوميء إلى أن المراد بالإيمان الذي لا ينفع هو الحاصل عند مجيء بعض الآيات، ويحتمل أن يراد به الإيمان الواقع من قبل مجيء الآية الذي لم يصحبه خير قط، ونفي النفع عنه باعتبار كونه غير مخلص عن دخول النار- نعوذ بالله منها- وما يقدمها من الأهوال العظام عند الموت، وفي القبر، وفي الحشر. على أن الآية واردة بلفظ الفعل في قوله تعالى:{لا ينفع} وهو لا يفيد عموم الأحوال والأزمان، فقد صدق عدم النفع بالإهانة والطرد ودخول
النار واللبث فيها أحقابا، وحلول العطب وغير ذلك من المصائب والمعاطب- نعوذ بالله تعالى منها، ونسأله التوفيق لما ينجي من عطبه، ويزلف لديه-.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار آمين آمين. وصلى الله على سيدنا محمد، واله وصحبه وسلم.
حرر ليلة الخميس لعله شهر ربيع الأول سنة 1234. كتب الحقير علي بن أحمد هاجر، لطف الله به وعفى عنه وعن والديه ورحم وقوفهم ببن يديه.