الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جواب سؤال يتعلق بما ورد فيما أظهر الخضر
تأليف العلامة محمد بن علي الشوطاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط
1 -
عنوان الرسالة: (جواب سؤال يتعلق بما ورد فيما أظهر الخضر).
2 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. أشكل على السائل ألهمه الله حقيقة الأمر إن شاء الله. وجه الاختلاف في إسناده الإرادة في قوله تعالى حكاية عن الخضر. . .
3 -
آخر الرسالة:. . . تقول لمن توبخه: لك أقول، وإياك أعنى والله أعلم. انتهى لفظ الجواب من خط شيخ الإسلام، وبقية علماء الأنام، محمد بن علي الشوكاني سلمه الله.
4 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
5 -
عدد صفحات الرسالة: 2 صفحة.
6 -
المسطرة: الصفحة الأولى: (23) سطرا.
الصفحة الثانية: (10) سطرا.
7 -
عدد الكلمات في السطر: 12 كلمة.
8 -
الرسالة من المجلد الرابع من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكل على السائل - ألهمه الله حقيقة الأمر إن شاء الله- وجه الاختلاف في إسناد (الإرادة) في قوله تعالى مع حكايته عن الخضر (1) عليه السلام حيث أسند له في بيان
(1) أ- الخضر: أخرج البخاري في صحيحه رقم (3402) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء". .
الفروة أرض بيضاء لا نبات فيها.
وحكى عن مجاهد أنه قيل له الخضر لأنه كان إذا صفى اخضر ما حوله.
ب- اسمه:
قال الحافظ في الفتح (6/ 433): وقد اختلف في اسمه قبل ذلك وفي اسم أبيه وفي نسبه وفي نبوته وفي تعميره
…
".
وقد أفرد ابن حجر لذلك مؤلفا ذكر فيه تفصيل ذلك كله وهو " الزهر النضر في نبأ الخضر".
قيل: هو ابن "ادم" من صلبه وهو قول مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد أخرجه الدارقطني في "الأفراد" وهو منقطع غريب.
وقيل إنه "ابن قابيل بن ادم" ذكره أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين وهذا معضل.
وقيل: أنه " بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
وهذا قال "ابن قتيبة" وحكاه النووي.
وقيل: إنه " إليسع" حكى عن "مقاتل" أيضًا وهو بعيد.
وقيل: إنه من ولد بعض من كان آمن ب "إبراهيم" وهاجر معه من أرص "بابل" حكاه "الطبري" في تاريخه ....
…
"
وقال النووي: كنيته أبو العباس وهذا متفق عليه. كما ذكره الحافظ في المصدر المذكور.
ولتعلم أن اسم الخضر لم يذكر في القران، وإنما ذكرت فيه قصته مع نبي الله موسى عليه السلام، وصرحت السنة باسمه، كما في حديث ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر القصة.
وقد أخرجه البخاري قي صحيحه رقم (74 و78، 2267، 2728، 3278 و3400 و3401 و4725، 4726، 4727، 6672، 7478) ج- الاختلاف في نبوة الخضر:
قال الحافظ في الفتح (6/ 433) " وحكى ابن عطية البغوي عن أكثر أهل العلم أنه نبي، ثم اختلفوا: هل هو رسول أم لا؟.
وقالت طائفة منهم القشيري هو ولي.
ثم قال الحافظ في الفتح (6/ 434): " قال القرطبي: هو نبي عند الجمهور والآية-[الكهف:66] {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} - تشهد بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلم ممن هو دونه، ولأن الحكم بالباطن لا يطلع عليه إلا الأنبياء".
قال الفخر الرازي في تفسيره (22/ 148) والأكثرون أن ذلك العبد كان نبيا واحتجوا عليه بوجوه: (الحجة الأولى): انه تعالى قال: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} [الكهف: 65] والرحمة هي النبوة بدليل قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] وقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86] والمراد هذه الرحمة النبوة.
(الحجة الثانية): قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} ، وهذا يقتضى أنه تعالى علمه بلا واسطة تعليم معلم ولا إرشاد مرشد وكل من علمه الله لا بواسطة البشر وجب أن يكون نبيا يعلم الأمور بالوحي من الله.
(الحجة الثالثة): إن موسى عليه السلام قال: {أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} ، والتي لا يتبع إلا نبي في التعليم.
(الحجة الرابعة): إن ذلك العبد أظهر الترفع على موسى حيث قال: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف: 68].
وأما موسى فإنه أظهر التواضع حيث قال: {وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69]
وكل ذلك يدل على أن ذلك العالم كاد فوق موسى ومن لا يكون نبيا لا يكون فوق نبي.
(الحجة الخامسة): احتج الأصم على نبوته بقوله في أثناء القصة: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وهو يدل على النبوة.
(الحجة السادسة): ما روي أن موسى عليه السلام لما وصل إليه قال: السلام عليك، فقال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل. فقال موسى عليه السلام: من عرفك هذا؟ قال: الذي بعثك إلي. .
وقد رجح ابن حجر نبوة الخضر ونقل ذلك عن جمهور العلماء. الفتح (8/ 422).
والراجح: هو أن الحضر عليه السلام نجي من أنبياء الله وليس ولى فقط كما تزعم المتصوفة ومن سار على نهجهم وهذا يبطل دعوى الصوفية بأن الولي أعلم من النبي بناءا على قصة الخضر مع موسى حيث يدعون أن الأولياء يعلمون علم الحقيقة الذي لا يعلمه الأنبياء ويستدلون هذه القصة. .
قال ابن تيمية في مجموع فتاوى (11/ 420 - 426): "وأما احتجاجهم بقصة موسى والخضر فيحتجون على وجهين:
(أحدهما): أن يقولوا: إن الخضر كان مشاهدا الإرادة الربانية الشاملة والمشيئة الإلهية العامة وهى الحقيقة الكونية فلذلك سقط عنه الملام فيما خالف فيه الأمر والنهى وهو من عظيم الجهل والضلال بل من أعظم النفاق والكفر فإن مضمون هذا الكلام أن من آمن بالقدر وشهد أن الله رب كل شيء لم يكن عليه أمر ولا نهي وهذا كفر بجميع كتب الله ورسله وما جاءوا به من الأمر والنهي .. وهؤلاء هم القدرية الشركية الذين يحتجون بالقدر على دفع الأمر والنهى هم من شر القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة الذين روى فيهم " إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم لا لأن هؤلاء يقرون الأمر والنهي والثواب والعقاب لكن أنكروا عموم الإرادة والقدرة والخلق وربما أنكروا سابق العلم.
وأما القدرية الشركية فإنهم ينكرون الأمر والنهى والثواب والعقاب لكن وإن لم ينكروا عموم الإرادة والقدرة والخلق فإنهم ينكرون الأمر والنهي والوعد والوعيد ويكفرون بجميع الرسل والكتب فإن الله إنما أرسل الرسل مبشرين من أطاعهم بالثواب ومنذرين من عصاهم بالعقاب.
وأيضا فإذا موسى عليه السلام كان مؤمنا بالقدر عالما به بل أتباعه من بني إسرائيل كانوا أيضًا مؤمنين بالقدر لهل يظن من له أدلى عقل أن موسى طلب أن بتعلم من الخضر الإيمان بالقدر وأن ذلك يدفع الملام مع أن موسى أعلم بالقدر من الحضر بل عموم أصحاب موسى يعلمون ذلك.
وأيضا فلو كان هذا هو السر قي قصة الحضر لبين ذلك لموسى وقال: " إني كنت شاهدا للإرادة والقدر" وليس الأمر كذلك بل بين له أسبابا شرعية تبيح له ما فعل.
(الوجه الثاني): فإن من هؤلاء من يظن أن من الأولياء من يسوغ له الخروج عن الشريعة النبوية كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة موسى وأنه قد يكون للولي في المكاشفة والمخاطبة ما يستغني به عن متابعة الرسول في عموم أحواله أو بعضها وكثير منهم يفضل الولي في زعمه إما مطلقا وإما من بعض الوجوه على النبي زاعمين أن في قصة الخضر حجة لهم وكل هذه مقالات من أعظم الجهالات والضلالات بل من أعظم أنواع النفاق والإلحاد والكفر فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لجميع الناس عربهم وعجمهم وملوكهم وزهادهم وعلمائهم وعامتهم وأنها باقية إلى يوم القيامة بل لعامة الثقلين الجن والإنس وأنه ليس لأحد من الخلائق الخروج من متابعته وطاعته وملازمة ما يشرعه لأمته من الدين وما سنه لهم من فعل المأمورات وترك المحظورات بل لو كان المتقدمون قبله أحيانا لوجب عليهم متابعته وطاعته .... ومما ببين الغلط الذي وقع لهم في الاحتجاج بقصة موسى والخضر على مخالفة الشريعة أن موسى عليه السلام لم يكن مبعوثا إلى الخضر ولا أوجب الله على الخضر متابعته وطاعته بل قد ثبت في الصحيح أن الخضر قال له: "يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنه على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه" وذلك أن دعوة موسى كانت خاصة وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما فضله الله به على الأنبياء قال: " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" فدعوة محمد صلى الله عليه وسلم شاملة لجميع العباد وليس لأحد الخروج عن متابعته وطاعته ولا استغناء عن رسالته كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة موسى وطاعته مستغنيا عنه.
كلا علمه الله وليس لأحد ممن أدركه الإسلام أن يقول لمحمد: إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، ومن سوغ هذا أو اعتقد أن أحدا من الخلق الزهاد والعباد أو غيرهم له الخروج عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ومتابعته فهو كافر باتفاق المسلمين وقصة الخضر ليس فيها خروج عن الشريعة ولهذا لما بين الخضر لموسى الأسباب التي فعل لأجلها ما فعل وافقه موسى ولم يختلفا حينئذ ولو كان ما فعله الخضر مخالفا لشريعة موسى لما وافقه ".
انظر: فتح الباري (1/ 436)، مدارج السالكين (2/ 746). . تعميره:
1/ قال الحافظ في الفتح (6/ 434 - 435): " قال ابن الصلاح: هو حي عند جمهور العلماء والعامة معهم قي ذلك، وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين وتبعه النووي، وزاد أن ذلك متفق عليه بين الصوفية، وأهل الصلاح وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به أكثر من أن تحصر".
ضم ذكر الحافظ كثيرا من هذه الروايات وقد حكم عليها الحافظ بالضعف ولهم في ذلك أيضًا حكايات غريبة لا تثبت أمام التحقيق العلمي.
(منها) ما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نسيء لـ (الخضر) في أجله حتى يكذب "الدجال". -
وفي سنده داود بن الجراح وهو ضعيف عن مقاتل بن سليمان وهو متروك، عن الضحاك عن ابن عباس، والضحاك لم يدرك ابن عباس.
(ومنها) ذكر ابن اسحاق في "المبتدأ" قال: حدثنا أصحابنا أن "آدم" لما حضره الموت جمع بنيه وقال: إن الله تعالى منزل على "أهل الأرض" عذابا، فليكن جسدي معكم في المغارة، حتى تدفنوني بأرض "الشام" فلما وقع الطوفان قال "نوح" لبنيه: إن "آدم" دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى "يوم القيامة" لم يزل جسد "آدم" حتى كان "الخضر" هو الذي تولى دفنه وأنجر الله له ما وعده، فهو يحيا إلى ما شاء الله أن يحيا.
(ومنها): ما روي عن الحسن البصري قال: وكل "إلياس" بالفيافي، ووكل "الخضر" بالبحور، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى، وإنهما يجتمعان في موسم كل عام.
وانظر: بقية الروايات والحكايات الغريبة في " الزهر النضر في نبأ الخضر" ص 33 - 48.
وقال الحافظ قي الفتح (6/ 434 - 435) وأخرج النقاش أخبارا كثيرة تدل على بقائه- الخضر- لا تقوم بشيء منها حجة".
وقال الحافظ: والذي تميل إليه النفس، من حيث الأدلة القوية ما يعتقده "العوام" من استمرار حياته، لكن ربما عرضت شبهة من جهة كثرة الناقلين للأخبار الدالة على استمراره، فيقال: هب أن أسانيدها واهية، إذ كل طريق منها لا يسلم من سبب يقتضى تضعيفها، فماذا يصنع في المجموع؟ فإنه على هذه الصورة قد يلتحق بالتواتر المعنوي الذي مثلوا به بجود "حاتم " فمن هنا مع احتمال التأويل في أدلة القائلين بعدم بقائه. أ- كآية {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34]. ب- وحديث ابن عمر وجابر وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر حياته: " لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد".
قال ابن عمر: أراد بذلك انخرام قرنه.
أخرجه البخاري رقم (601) ومسلم رقم (217). ج- وحديث ابن عباس "ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه " أخرجه البخاري ولم يأت في خبر صحيح أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا قاتل معه وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" فلو كان الخضر موجودا لم يصح هذا النفي، وقال صلى الله عليه وسلم:"رحم الله موسى لوددنا لو كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما" فلو كان الخضر موجودا لما حسن هذا التمني ولأحضره بين يديه وأراه العجائب وكان لإيمان الكفرة لا سيما أهل الكتاب.
وقال الحافظ في " الزهر النضر في نبأ الخضر" ص 115: وأقوى الأدلة على عدم بقائه عدم مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانفراده بالتعمير من بين أهل الأعصار المتقدمة بغير دليل شرعي.
والذي لا يتوقف فيه الجزم بنبوته، ولو ثبت أنه ملك من الملائكة لارتفع الإشكال، كما تقدم والله أعلم".
وانظر فتح الباري (6/ 435 - 436)
خرق السفينة إلى نفسه منفردا فقال: " فأردت"(1).
وفي بيان قتل الغلام، إلى نفسه بصفة التعظيم والجماعة فقال:" فأردنا"(2). وفي بيان إقامة الجدار، إلى لفظ (رب) فقال: فأراد ربك" (3).
هذا. والمطلوب من شيخ الإسلام، المتحف بالشريف السلام- سلمه الله- إفادة السائل بالجواب. فالمقصد الفائدة، وطلب الثواب، ومن الله التوفيق، ومنه الوصول إلى غاية التحقيق. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
(1) قال تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79].
(2)
قال تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 81]
(3)
الحمد لله. الجواب
اعلم أنه قد وجد في الخضر عليه السلام المقتضي للمجيء بنون العظمة، لما تفضل الله به عليه من العطايا (1) العظيمة، والمواهب الجسيمة التي من جملتها العلم الذي فضله الله به حتى أخبر موسى عليه السلام لما سأله: هل في الأرض أعلم منه؟.
فقال: عبدنا خضر، كما هو ثابت في الصحيح (2). كان هذا وجها صبيحا، ومسوغا صحيحا للمجيء بنون العظمة تارة، وعدم المجيء بها أخرى. فقال:{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} (3).
وقال: " فأردنا " ملاحظا في أحد الموضعين لما يستحقه من التعظيم، تحدثا بنعم الله - سبحانه- عليه. وفي الموضع الآخر قاصدا للتواضع، وأنه فرد من أفراد البشر، غير ناظر إلى تلك المزايا التي اختصه الله- سبحانه- بها، مع كون ذلك هو الصيغة التي هي الأصل في تكلم الفرد.
ومع هذا. ففي تلوين العبارة نوع من الحسن أخر. وهو الافتنان في الكلام، فإنه أحسن تطرية لنشاط السامع، وأكثر إيقاظا كما قيل في نكتة الالتفات (4).
(1) قال تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65]
(2)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (74، 78) من حديث ابن عباس وأبي بن كعب" .... بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: أتعلم أحدا أعلم منك؟ قال موسى، لا فأوحى الله عز وجل إلى موسى بلى، عبدنا خضر .. "
(3)
قال الحافظ في الفتح (8/ 422): وفيه حسن الأدب مع الله وأن لا يضاف إليه ما يستهجن لفظه وان كان الكل بتقديره وخلقه لقول الخضر عن السفينة {فأردت أن أعيبها} وعن الجدار {فأراد ربك} ومثل قوله صلى الله عليه وسلم "والخير بيدك، والشر ليس إليك"
(4)
الالتفات، وهو نقل الكلام من أسلوب إلى أخر، أعني من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر منها بعد التعبير بالأول، وهذا هو المشهور وقال السكاكي: إما ذلك أو التعبير بأحدهما فيما حقه التعبير بغيره.
وله فوائد، منها: تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملل، لما جبلت عليه النفوس من حب التينقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد هذه فائدته العامة والاقتصاد والإيجاز في التعبير ويختص كل موضع بنكت ولطائف باختلاف محله.
والالتفات من الأساليب البلاغية ذات اللطائف النفيسة ويلقب الالتفات بشجاعة العربية
…
ومن أمثلته:
أ- قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
وهو حديث الله عز وجل عن نفسه بأسلوب الحديث عن الغائب.
ب- وقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:1 - 2) جاء الكلام أولا على طريقة التكلم، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ} ، ثم انتقل إلى أسلوب الحديث عن الغائب {فصك لربك} أولم يقل فصل لنا.
ومن شروط الالتفات:
1/ يشترط قي الالتفات أن يكون الضمير المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المتنقل عنه.
2/ شرطه أن يكون قي جملتين.
وللالتفات صبور ست ذكرها "الميداني" في البلاغة العربية (1/ 484).
وانظر: "معترك الأقران في إعجاز القران "(1/ 290 - 292)
ويمكن أن يقال: إن خرق السفينة، لما كان باعتبار تحصيل مسماه أمرا يسيرا، فإنه يحصل بنزع لوح من ألواحها، قال:{(فأردت أن أعيبها)} .
ولما كان القتل مما تتعاظمه النفوس، ويدخل فاعله الروعة العظيمة، نزل منزلة مالا يقدر عليه إلا جماعة. ويمكن أيضًا وجه ثالث، وهو أن يقال: لما كان خرق السفينة مما يمكن تداركه، بأن يرد اللوح الذي نزعه كان ذلك وجها للإفراد، لأنه يسير بالنسبة إلا ما يمكن تداركه، وهو القتل.
وأما قوله: ............................
{فَأَرَادَ رَبُّكَ} (1) فوجه نسبة الإرادة إلى الرب- سبحانه-، أن هذه الإرادة وقعت على قوله:{أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} ومعلوم أن ذلك لا يكون من فعل البشر، ولا بإرادته، لأن بقاءهما في الحياة حتى يبلغا الأشد لا يدخل تحت طاقة البشر، ولا تصح نسبته إلى غير الرب- عز وجل.
ولهذا يقول الخضر عليه السلام: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (2).
هذا ما خطر بالبال عند الوقوف على هذا السؤال. ولم أقف على كلام لأحد من أهل التفسير فيما يتعلق بذلك، ولا أمكن البحث لكتب التفسير.
وفي هذه القصة شيء آخر، يحسن السؤال عنه، وهو أنه قال بعد خرق السفينة:
(1) قال الرازي في تفسيره (21/ 162): قال: {فأردت أن أعيبها} وقال: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} وقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} كيف اختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاث وهي كلها في قصة واحدة وفعل واحد؟ والجواب: أنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه فقال أردت أن أعيبها ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيها على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى، لأن المتكفل. بمصالح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا الله سبحانه وتعالى.
وقال الزمخشري: ولقد تأملت من فصاحة هذه الآي والمخالفة بينها في الأسلوب عجبا. ألا تراه في الأولى أسند الفعل إلى ضميره خاصة بقوله: {فأردت أن أعيبها} ، وأسنده في الثانية إلى ضمير الجماعة والمعظم نفسه في قوله {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا} ، {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا} ، ولعل إسناد الأول إلى نفسه خاصة من باب الأدب مع الله تعالى، لأن المراد عيب، فتأدب ثم نسب الإعابة إلى نفسه، وأما إسناد الثاني إلى الضمير المذكور، فالظاهر أنه من باب قوله خواص الملك: أمرنا بكذا، أو دبرنا كذا، وإنما يعنون أمر الملك ودبر، ويدل على ذلك قوله في الثالثة:{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} فانظر كيف تغايرت هذه الأساليب ولم تأت على نمط واحد مكرر يمجها السمع وينبو عنها، ثم انفجرت هذه المحالفة على رعاية الأسرار المذكورة، فسبحان اللطف الخبير.
حاشية الكشاف (3/ 607) وانظر: "روح المعاني" للألوسى (15/ 16)
(2)
[الكهف: 82]
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (1). وقال بعد قتل الغلام: قال {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} (2) فزاد لفظ (لك) في الموضوع الآخر دون الموضوع الأول. ويجاب عنه. مما ذكرته في تفسيري (3) من أن سبب العتاب في الموضع الآخر، لما كان أظهر، وموجبه أقوى، كان ذلك وجها للزيادة. وقيل: زاد لفظ (لك) لقصد التأكيد كما تقول لمن توبخه: لك أقول، وإياك أعني. والله أعلم.
انتهى لفظ الجواب من خط شيخ الإسلام، وبقية علماء الأنام، محمد بن علي الشوكاني- سلمه الله-[1ب]
(1)[الكهف: 72]. قال الألوسى في "روح المعاني"(15/ 327): وهو متضمن للإنكار على عدم وقوع الصبر منه عليه السلام فأدركه عند ذلك الحلم
(2)
[الكهف: 75].
قال الألوسي في " روح المعاني"(16/ 2): زيادة (لك) لزيادة على رفض الوصية وقلة التثبت والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير حتى زاد في النكير في المرة الثانية.
وقال الرازي في تفسيره (21/ 155): {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} وهذا عين ما ذكره في المسألة الأولى إلا أنه زاد ههنا لفظة (لك) لأن هذه اللفظة تؤكد التوبيخ فعند هذا قال موسى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} ، مع العلم بشدة حرص على مصا حبته وهذا كلام نادم شديد الندامة.
(3)
في فتح القدير (3/ 307)