المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بالله وملائكته وكتبه ورسله: وفي رواية أنه قال: كفر دون - أصول مسائل العقيدة عند السلف وعند المبتدعة - جـ ٢

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

الفصل: بالله وملائكته وكتبه ورسله: وفي رواية أنه قال: كفر دون

بالله وملائكته وكتبه ورسله: وفي رواية أنه قال: كفر دون كفر،ومثله ورد عن عطاء وطاووس وغيره1.

فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن هذه الألفاظ في كلام الشارع تأتي على معنين،وهذا ما عليه أهل السنة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان خلاف ما عليه أهل البدع من الخوارج ونحوهم.

فعليه من أتى بفعل كفري مما سبق ذكره فهو كافر خارج من الإسلام مستوجب لعقوبة الكفرة من اليهود والنصارى والوثنيين.

أما من كان ما آتاه من الذنوب والخطايا دون ذلك فليس فعله كفرا إلا أن يكون ترك الصلاة كما سبق ذكره، أو يكون مستحلا لما فعل.

1 تفسير ابن جرير 10/354 بتحقيق أحمد شاكر.

ص: 56

‌ضوابط التكفير

لخطورة التكفير وما يترتب عليه من الأمور الخطيرة في الدنيا والآخرة فقد جعل الشارع له ضوابط يجب مراعاتها، حفاظاً على أواصر الأخوة الدينية بين المسلمين، فلا يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً إلا وفق الضوابط المبيحة لذلك، وهي:

أولا: أن لا يكفر إلا من كفره الله ورسوله

إن الكفر والتكفير حكم شرعي مثل الإسلام والإيمان أحكام شرعية لا يجوز إطلاقها على أحد إلا من استحقها من خلال الشرع، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر ومن لم يكفره الله ورسوله فلا يكفر.

ومن كفر بعقله أو قياسه فهو مخطئ متجاوز للحدود الشرعية وهو كمن شهد لأحد بالصلاح والإيمان لمجرد أنه رآه يحسن الحساب أو الهندسة أو الطب، أو شهد لنصراني بالإسلام لأنه ذو خلق حسن ومعشر حسن.

كما أن أهل السنة لا يكفرون من كفرهم،لأن التكفير حكم شرعي وليس داخلا في العقوبة بالمثل وذلك كمن كذب عليك أو سرق مالك أو زنى بأحد

ص: 56

محارمك ليس لك أن تفعل ذلك به،لأن هذه الأعمال محرمة في حق كل أحد لحق الله تعالى، كذلك التكفير هو حق لله تعالى.ومما يدل على ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكفروا الخوارج مع أن الخوارج كانوا يكفرون عليا وعسكره، بل كانوا يرون أنهم ضلال انحرفوا عن الحق1.

ثانيا: التفريق بين التكفير المعين والتكفير المطلق

التكفير عند أهل السنة على نوعين معين ومطلق.

أما تكفير المعين: فهو وصف شخص ما لعمل قام به أو قول قاله بأنه كافر، وهذا لا يجوز إلا بشروط وانتفاء موانع وسنذكر ذلك.

أما التكفير المطلق: فهو إطلاق الكفر على الفعل أو القول أو الاعتقاد وعلى فاعل ذلك على سبيل الإطلاق، وهذا النوع قد ورد في الشرع إطلاقه فنطلق كما أطلقه الشارع فيقال مثلا: من اعتقد أن الله ليس فوق السماء كافر، أو آكل الربا ملعون، وشارب الخمر ملعون ونحو ذلك مما أطلقه الشارع.

ومن هذا الجنس ما يطلقه العلماء والأئمة من تكفير أصحاب البدع مثل القدرية والجهمية والرافضة ونحوهم فيتعلق الحكم بالعموم أو بالفعل، ولا يتعلق بالشخص المعين، إذ الشخص المعين لا يحكم بكفره إلا بشروط وانتفاء موانع.

الدليل على الفرق بين الحكم المطلق والمعين:

ما روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد فقال رجل من القوم:"اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تلعنوه، فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله".2

1 انظر منهاج السنة النبوية 5/92-93الرد على البكري ص256-258، مسألة التكفير 1/4437.

2 البخاري 8/ 284

ص: 57

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه مع إصراره على الشرب لكونه يحب الله ورسوله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة، لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها" ولكن لعن المطلق لا يستلزم لعن المعين الذي قام به ما يمنع من لحوق اللعنة به، وكذلك التكفير المطلق والوعيد المطلق، ولهذا كان الوعيد المطلق في الكتاب والسنة مشروطا بثبوت شروط وانتفاء موانع"1.

وقد ورد عن إبراهيم النخعي أنه قيل له: ما ترى في لعن الحجاج؟ فقال: "لا تسمع إلى قوله تعالى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}

وسئل الإمام أحمد قيل له: الرجل يذكر عنده الحجاج أو غيره فيلعنه، قال:"لا يعجبني، لو عبر فقال: ألا لعنة الله على الظالمين".

ومثله ورد عن الحسن البصري وابن سيرين كما ذكر الخلال2.

فهذه الأدلة والروايات تدل على أن التكفير المطلق لا يستلزم التكفير المعين.

ثالثا: تكفير المعين

المعين من الناس ممن ثبت إسلامه بيقين لا يزول عنه بالشك والظن، وإنما يكفر بعد أن تقوم عليه الحجة وتنتفي عنه الشبهة، لهذا حدد العلماء لإطلاق الكفر على المعين شروطا إذا وجدت فيه وانتفت الموانع المانعة من إطلاق الكفر فإنه يكفر ويحكم عليه به ويقام عليه به حد الكفر إذا لم يتب ويرجع.

وهذه الشروط والموانع قد استنبطها العلماء من الشرع وكلام السلف رحمهم الله.

أولا: الشروط

قد يقع المسلم في فعل كفري أو يقول قولا كفريا أو يعتقد اعتقادا كفريا إلا أننا لا نحكم بكفره إلا إذا تحققت فيه الشروط التالية:

1 مجموع الفتاوى 10/ 329 – 330.

2 انظر السنن للخلال 1/522-523.

ص: 58

1 -

أن يظهر من قوله أو فعله ما يدل على المعنى الكفري ويلتزمه.

إن الإسلام إذا ثبت بالنسبة لإنسان لا يجوز إخراجه منه بالظن والتهمة أو تحميل كلامه فوق ما يحتمل لأن ذلك كله مما لا يجوز به الحكم بالكفر على الشخص المعين، وهو في ذلك مثل الحدود الشرعية لا تثبت على الإنسان إلا بالاعتراف أو الشهود.

كما أن لازم المذهب ليس بمذهب فإذا قال إنسان قولا وكان يلزم منه الكفر كمن أنكر: أن الله فوق السماء أو نفى الصفات عن الله عز وجل، فإن لازم ذلك تكذيب الله ورسوله، بل لازم ذلك نفي وجوده تبارك وتعالى وهذا كفر بين، ولكن لا يحكم على الشخص بالكفر ما لم يبين له ذلك ويلتزمه،لأن الإنسان قد يقول المقالة وهو ذاهل عن لازمها بل لا يقصده بل ربما يكون يقصد نقيضه كمن أراد أن ينزه الله في زعمه عن المكان فيقول: هو في كل مكان،فإن لازم ذلك أنه لا ينزهه عن مكان طيب أو خبيث، وهذا كفر، لكن من قال هذه المقالة فإنه لا يقصد ذلك. واستدل لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة104] .

فإن المسلمين كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم "راعنا" يقصدون بذلك التفت إلينا وارعنا انتباهك، وكان اليهود يستغلون ذلك ويقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم وهم يقصدون بذلك سب النبي صلى الله عليه وسلم لأن معناها عندهم من الرعونة وهي الحمق والطيش، فنهى الله المسلمين عن هذه المقالة لما تضمنت من المعنى الفاسد الذي لا يقصدونه، حتى لا يتخذها اليهود وسيلة لسب النبي صلى الله عليه وسلم جهارا"1.

هذا في حالة أن يكون القول أو الفعل محتملا للكفر وغيره أما إذا كان القول أو الفعل غير محتمل إلا الكفر كمن سب الله ورسوله أو استهزأ بهما أو سجد لصنم، فهذه الأفعال لا تحتمل إلا الكفر فيحكم على المعين به كما قال الله عز وجل:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة65، 66] فجعل الله عز وجل سبب الكفر هو الاستهزاء بالله عز وجل ولم يعتبر العذر وهو

1 الرد على البكري ص 341 – 342، وانظر فتنة التكفير ص:111.

ص: 59

أنهم إنما كانوا يخوضون ويلعبون بل بين أنهم كفروا بذلك الفعل وأن العذر في هذا ليس عذرا مقبولا1.

2 -

قيام الحجة ووضوحها لمن قال أو عمل بالكفر.

الكفر لا يثبت على المعين ما لم تقم عليه الحجة التي إن خالفها كفر، يدل على ذلك قوله عز وجل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء115] . وقال عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة115] .

قال قوام السنة الأصبهاني على هذه الآية: "فكل من هداه الله عز وجل ودخل في عقد الإسلام، فإنه لا يخرج إلى الكفر إلا بعد البيان"2، وقال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء15] .

فهذه الآيات بعمومها تدل على أنه لا يكفر من المسلمين إلا من بلغته الحجة ووضحت له بحيث خالفها عنادا وتكبرا أو رفضا للحق وردا له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة"3.

وهذا مثل من أنكر ما ثبت بالإجماع أو التواتر أو أنكر صفة من صفات الله عز وجل، هذا لا يكفر حتى تقام عليه الحجة ويفهمها ثم يردها عنادا وتكبرا وردا للحق وعدم قبول له.

1 انظر الصارم المسلول على شاتم الرسول، ص516 – 517، ضوابط التكفير ص:213.

2 الحجة في بيان المحجة 2/511.

3 الرد على البكري، ص 259.

ص: 60