الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج السلف في الصحابة رضوان الله عليهم
مدخل
…
منهج السلف في الصحابة رضوان الله عليهم
الصحابي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام 1
الصحابة رضوان الله عليهم: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصهاره ووزراؤه وأنصاره وأعوانه وهم أنصار دينه وحاملو لوائه ودعاة دينه ومبلغوه، وهم تلاميذه وأتباعه ولهم فيه القدوة الحسنة وله فيهم التربية الناجحة والنبتة الصالحة.
ومن اطلع على شيء من تاريخ المسلمين في صدر الإسلام أدرك ما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من صدق الإسلام والإخلاص وعميق الحب والولاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدينه والتفانى في بذل النفس والأهل والولد والمال في سبيل الله، قال ابن حجر:"واتفق أهل السنة على أن الصحابة كلهم عدول،ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة" 2
وعلى العموم فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد عدلهم الله عز وجل وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاجون مع تعديل الله وتعديل رسوله تزكية أحد ولا تعديله فهم الذين قال الله عز وجل فيهم {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر8، 9] وقال عز وجل مبينا رضاه عنهم {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح18]
1 الإصابة 1/7
2 الإصابة 1/10
وقد كانوا كما روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ألفا وأربعمائة أو ألفا وخمسمائة1
وقال عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة100] وقال عز وجل: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد10] .
قال ابن حزم عن هذه الآية الصحابة كلهم في الجنة وذلك أن الله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء101] ،فتبين أن الجميع في الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون في الآية السابقة.2
فهذه بعض ما ورد في القرآن الكريم من فضلهم والثناء عليهم وإثبات رضي الله تبارك وتعالى عنهم.
وقد ورد في السنة من ذلك أيضا شيء كثير،فمن ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" 3
1 الاستيعاب بهامش الإصابة 1/ 11
2 الإصابة 1/12
3 أخرجه البخاري 3673 ومسلم 2541
وعن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" 1 وأخرج الترمذي وغيره عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد أذاني ومن آذاني فقد أذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه".2
وقال عبد الله بن مسعود: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ. وقد رأى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جميعا أن يستخلفوا أبا بكر"3.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيضا: "من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وفضلهم فقد كانوا على الهدى المستقيم".4
فهذه بعض النصوص الدالة على فضلهم على العموم وهي مبينة أن أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم المقام الأعلى والشرف الأسمى بما تميزوا به من الهدى والتقى وما اختصوا به من بين سائر أفراد الأمة بصحبة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن أن الإسلام إنما قام بجهادهم وبذلهم وتفانيهم في دعوة الناس إلى الخير فلولا ذلك لما وصل الإسلام إلينا فلهم حق على كل مسلم جاء بعدهم أن يعرف لهم فضلهم ومكانهم.
1 أخرجه البخاري 2651 مسلم 2535
2 الترمذي 3862 أحمد 4/87 وحسنه الترمذي
3 أخرجه أحمد 1/379
4 أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ص368.
وهنا أمران يجب التنبه لهما:
الأول: أن مراتبهم في الفضل كمراتبهم في الخلافة فأعلاهم مكانة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين.
وهذا قول الجمهور وقد كان بعض أهل السنة يقدم عليا على عثمان رضي الله عنهما وهم أهل الكوفة،إلا أن أهل السنة بعدهم أجمعوا على أن ترتيب الصحابة في الفضل كترتيبهم في الخلافة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وقد كان ابن عمر رضي الله عنه يقول:"كنا نخير بين الناس في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان".1
وفي رواية عنه أنه قال: "كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان".2
أما أفضلية علي رضي الله عنه فيستدل لها بما ورد من الأحاديث التي دلت على فضله وأنه الذي تولى الخلافة بعد عثمان رضي الله عنه فيدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه سفينة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الخلافة في أمتي ثلاثون سنة" 3 وبخلافة علي ثم من بعده الحسن تكتمل الثلاثون سنة. ثم من بعد الخلفاء بقية العشرة المبشرون بالجنة 4 ثم بقية الصحابة رضوان الله عليهم جميعا ولا يعدل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد ولا يقاس بهم.
قيل لابن المبارك رحمه الله: "معاوية خير أو عمر بن عبد العزيز قال: تراب دخل في أنف معاوية رحمه الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز".
وسئل أبو أسامة حماد بن أسامة: "أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد".5
1 أخرجه البخاري 2/430 أبو داود برقم 4627
2 أخرجه أبو داود 4628 وابن أبي عاصم في السنة 2/552 وقال الألباني إسناده صحيح
3 أخرجه الآجري في الشريعة 2/431 حم 5/223 الترمذي 2227 وقال حديث حسن
4 شرح الطحاوية ص: 728
5 أخرجهما الآجري في الشريعة 3/520
الثاني: أننا لا نغلوا في حبهم كما يغلوا الروافض في دعوى حبهم لآل البيت ولا نعتقد عصمة الصحابة ولا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هم مثل غيرهم من البشر يخطئون ويذنبون إلا أننا نعتقد أن الله تبارك وتعالى يتجاوز عنهم بما سبق لهم من الفضل والعمل والطاعة لله والنصح لدين الله، وقد ذكرنا النصوص الدالة على رضى الله عز وجل عنهم وهو سبحانه لا يسخط عليهم بعد أن أعلن رضاه تعالى عنهم.1
ثالثا: الكف عما شجر بينهم فلا نذكر مساويهم ولا أخطاءهم وإنما ننشر محاسنهم وفضائلهم ونستغفر لهم كما قال الله عز وجل بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر10] قال ابن عباس رضي الله عنه: "لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل قد أمرنا بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون".2
فنستغفر لهم ونترضى عنهم جميعا ولا نذكرهم إلا بالجميل ولا ندخل بينهم فيما وقع منهم حكاما ومحكوما فقد روى ابن سعد في طبقاته أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله سئل عن قتال يوم الجمل ويوم صفين وقيل له لو قلت فيها برأيك: قال: دماء لم أغمس فيها يدي أغمس فيها لساني؟ "3
ونكف عن مساوئهم ولا نتنقص أحدا منهم البتة ومن تنقص أحدا منهم، فإنه متهم بالزندقة، قال عبد الملك الميموني سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: ما لهم
1 انظر إتحاف ذوي النجابة بما في القرآن والسنة من فضائل الصحابة، ص: 49
2 أخرجه اللالكائي في السنة 7/1250
3 طبقات ابن سعد 6/248 عبد الله بن الإمام أحمد في السنة رقم 1306 والحجة في باب المحجة 1/521