المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقال النسفي: الكفر هو التكذيب والجحود وهما يكونان في القلب1. وهذا - أصول مسائل العقيدة عند السلف وعند المبتدعة - جـ ٢

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

الفصل: وقال النسفي: الكفر هو التكذيب والجحود وهما يكونان في القلب1. وهذا

وقال النسفي: الكفر هو التكذيب والجحود وهما يكونان في القلب1.

وهذا القول منهم مبني على قولهم في الإيمان، وقد سبق بيان بطلان قولهم في الإيمان. وأن الأدلة الشرعية دلت على أن الإيمان: قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وعلى ذلك إجماع السلف.

أما قولهم في التكفير فيكفي في نقضه الإجماع على أن من سبَّ الله ورسوله فهو كافر بهذا السب، وكذلك من استهزأ بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافر بذلك كما قال الله عز وجل:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة65، 66] ، فدل ذلك على أن الاستهزاء مجرداً وكذلك السب وهو أكبر منه كفر مخرج من الملة.

كما أن من أبغض شرع الله أو أعرض عنه وكذلك السحر كل هذا مما هو كفر بالله.

كما دلت الأدلة السابقة في نواقض الإيمان وإن لم تكن هذه الأفعال تكذيباً ولا يظهر منها ذلك. 2

1 التمهيد في أصول الدين للنسفي ص 100.

2 انظر: الإيمان الأوسط لشيخ الإسلام 99-102، نواقض الإيمان الاعتقادية 1/192

ص: 83

‌رابعا: الرافضة

الرافضة من الشيعة الذين يغلون في حب علي وآل بيته ويقدمونهم على سائر الصحابة ويعتقدون الإمامة في اثنى عشر إماما من أولاد علي ويطعنون الصحابة الكرام ويكفرونهم.

والرافضة كما هو معلوم فرقة من شر أهل البدع وأسفههم مقالا، فلا عقل لهم يعتمدون عليه ولا شرع،حيث يزعمون الإمامة لإثنى عشر رجلا من آل البيت لم يتول منهم الإمامة فعلا إلا علي رضي الله عنه، والحسن مدة ستة أشهر ثم تركها وتنازل عنها، يزعمون عصمة أولئك الأئمة وأنهم مشرعون ويوحى إليهم إلى غير ذلك من ترهاتهم وأكاذيبهم.

ص: 83

ويطعنون في القرآن ويردون السنة كلها ويبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته وسائر أئمة الدين، ولهم بدع ومقالات لا تكاد تلتقي مع المسلمين، وهم في توحيد الألوهية مشركون يعبدون القبور ويدعون أصحابها ويستغيثون بهم ويطوفون بقبورهم.1

وهم في الصفات والقدر مثل المعتزلة ينفون الصفات وينفون القدر.2

قولهم في التكفير:

الرافضة ابتدعوا بدعا كثيرة افتروها ثم جعلوها أصولا يوالون عليها ويعادون، ويشهدون وفقها بالإيمان أو يكفرون،ومن أخطر بدعهم ما يسمونه بالإمامة. وهي اعتقادهم بأن الأئمة هم علي ثم الحسن ثم الحسين إلى اثنى عشر إماما من ذرية الحسين.

وقد غلو في هؤلاء الأئمة غلوا شديدا فتجاوزوا بهم مقام النبوة فزعموا أنهم معصومون وأنهم يوحى إليهم، ويشرعون ويعلمون الغيب وما كان وما سيكون وأنهم أفضل من جميع الأنبياء ما عدا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وليس عندهم فرق بين النبي والإمام إلا من ناحية المسمى فقط، وبعضهم يقول: إن الإمام لم يسم نبيا مراعاة لموضوع ختم النبوة بل يجعلونهم هم الوسائط بينهم وبين الله فيطلبون منهم ما يطلبون من الله من تفريج الهموم وكشف الغموم ورفع الكربات ودفع البليات، وزعموا أن الإمامة وصية من الله ورسوله، بل هي منصب إلهي كالنبوة.

يقول محمد حسين الكاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها: "الشيعة زادوا ركنا سادسا وهو الاعتقاد بالإمامة يعني: يعتقدون أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة ويؤيده بالمعجزة

1 انظر كشف الأسرار للخميني ص: 49

2 حق اليقين في معرفة أصول الدين لعبد الله شبر الرافضي 1/58

ص: 84

التي هي كنص من الله عليه، فكذلك يختار للإمامة من يشاء،ويأمر نبيه بالنص عليه وأن ينصبه إماما للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان على النبي أن يقوم بها"1.

فجعلوا الإمامة أصلا من أصول الدين الذي لا يصح الإسلام إلا به بل يجعلونه أعظم أصول الدين وفي هذا يروون عن أبي جعفر الباقر أنه قال: بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية"2

وفي رواية أخرى للكليني عن جعفر الصادق أنه قال: "أثافي الإسلام ثلاثة الصلاة والزكاة والولاية ولا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتها".3 وعن زرارة عن أبي جعفر أنه قال: بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: قلت وأي دلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل.4

فهذه الافتراءات التي افتروها في موضوع الإمامة جعلت نظرتهم للناس من ناحية الإيمان والكفر مبنية على هذه المقالة المكذوبة، فلذا زعموا كفر كل من أنكر ذلك وخلوده في النار.

قال الشيخ المفيد من الرافضة: "اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار"5

1 أصل الشيعة وأصولها: ص: 58

2 الكافي 2/18 وهو من كتب الروافض.......وجله رواية من جعفر الصادق وأبيه الباقر وقليل منه عن علي والأقل هو المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جله من الموضوع ومما لا أصل له.

3 الكافي 2/18

4 الكافي 2/18

5 حق اليقين في معرفة أصول الدين، عبد الله شبر 2/276

ص: 85

وقال ابن بابويه الفخر: واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء ثم أنكر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم"1

بل زادوا بالتبرؤ من الإله الذي خليفة نبيه هو أبو بكر رضي الله عنه وفي هذا يقول نعمة الله الجزائري: لم نجتمع معهم على إله ولا نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه وخليفته من بعده أبو بكر ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا" 2.

ويروون عن الصادق قوله: من شك في كفر أعدائنا والظالمين فهو كافر. وقالوا: واعتقادنا في البراءة أنها من الأوثان الأربعة والإناث الأربع ومن جميع أشياعهم وأتباعهم وأنهم شر خلق الله ولا يتم الإقرار بالله وبرسوله والأئمة إلا بالبراءة من أعدائهم.3ومرادهم بالأوثان الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية4 رضي الله عنهم وأرضاهم والإناث الأربع هن عائشة وحفصة رضي الله عنهما وكذلك هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله عنه وأم الحكم أخته 5.

هذا موقف الرافضة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من لدن الصحابة إلى آخر رجل أو امرأة في هذه الأمة ممن لا يؤمن بخرافاتهم وأساطيرهم،فهم بين غلو وكذب وافتراء

1 نقلا عن أصولا مذهب الشيعة الإمامية 2/714

2 نقلا عن أصول مذهب الشيعة الإمامية 2/714

3 أصول الدين لعبد الله شبر 2/276

4 جاء في تفسير العياشي رواية: من أعداء الله أصلحك الله: قال الأوثان الأربعة – قال قلت من هم؟ قال أبو الفصيل ورمع ونعثل ومعاوية ومن دان دينه" وأبو فصيل هو أبو بكر رضي الله عنه لأن البكر والفصيل متقاربان في المعنى، ورمع عكس كلمة عمر، ونعثل مسبة يسبونها لعثمان رضي الله عنه. هكذا قال شيخهم المجلسي عليه من الله ما يستحق.

5 انظر أصول مذهب الشيعة 2/725،730.

ص: 86

في دين الله بادعاء الإمامة وما يتبعها من غلو وانحراف،وبين ظلم واعتداء وبغي بتكفير الأمة وساداتها والطعن فيهم ولعنهم وليس من سبب إلا أنهم لم يؤمنوا بأكاذيبهم وسخافاتهم.

الرد عليهم:

الرد على الروافض في هذا من شقين:

الشق الأول: في إبطال دعوى الإمامة وأنها من أصول الدين.

الشق الثاني: في إبطال تكفير منكرها.

أما الشق الأول فهو الرد على دعوى الإمامة أنها أصل من أصول الدين،فهو قول باطل من عدة أوجه:

أولا: أنه كيف يمكن أن يكون أصلا من أصول الإسلام ولم يرد في القرآن الكريم له ذكر كما لم يرد في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم له ذكر وقد عد عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أركان الإيمان والإسلام ولم يذكر من ضمنها الولاية أو الإمامة فيما يزعمون.

ثانيا: أن الإمامة كما يزعمون منصب إلهي مثل النبوة فكان يجب التنصيص عليها في القرآن الكريم كما ينص على الأنبياء عليهم السلام.

ثالثا: إن من نظر في أركان الإسلام يجدها عبادات محضة لله عز وجل، أما الإمامة التي يزعمون فهي منصب دنيوي وليس ديني وتعلقها بالدين من ناحية أنها تتضمن حماية الدين والدفاع عنه وإقامة الحدود والعدل بين الناس وهي في هذا مثل قائد الجند الذي يطبق على جنوده أوامر رؤسائه، فالإمامة وسيلة لإقامة الدين وليست من أصل الدين في شيء.

رابعا: أن الوصاية لعلي والإمامة له بالكيفية التي يدعيها الروافض أو ل من ادعاها في الإسلام عبد الله بن سبأ اليهودي حيث كان يشيع: إنه كان لكل نبي

ص: 87

وصي وإن عليا وصي محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء.1 فتلقفها عنه الحاقدون على الإسلام من أصحاب الملل فنشروها وأشاعوها بين المسلمين، وكل من عرف تاريخ علي رضي الله عنه وسيرته يتيقن أنه ما كان يعتقد أنه وصيا ولا إماما ولا شيعيا كما يدعيه الرافضة بل روي عنه رضي الله عنه أنه قام خطيبا على منبر الكوفة لما علم بقوم من أهل الكوفة يتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وينتقصونهما فقام خطيبا فأثنى على أبي بكر وعمر وذكر جميل خصالهما ثم قالِ: فمن أحبني فليحبهما ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا منه بريء ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت في هذا أشد العقوبة، ألا فمن أوتيت به يقول بعد هذا اليوم فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما".2

بل ثبت في البخاري أن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية قال: قلت لأبي يعنى عليا: أي الناس خير بعد رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت، قال: ما أنا إ لا رجل من المسلمين".3

فهذا قول علي رضي الله عنه في نفسه ومذهبه في الخلفاء قبله وفيه دلالة على كذب الروافض.

خامسا: أن الإمامة التي يزعمون هي دعوى وهمية خرافية حيث لم يتول الإمامة من أئمتهم سوى علي بعد ثلاثة خلفاء ثم الحسن بن علي لمدة ستة أشهر ثم تنازل

1 الشريعة للآجري 3/169

2 أخرجه بطوله ابن الجوزي في تلبيس إبليس 138-140 بسنده عن سويد بن غفلة وذكره شيخ الإسلام في منهاج السنة 1/308 وروى نحوه الإصبهاني عن علقمة، انظر الحجة في بيان المحجة 2/345

3 أخرجه البخاري في فضائل الصحابة 7/24، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً.

ص: 88

عنها أما من عداهم فلم يتول أحد منهم شيئا من أمور الدنيا فضلا عن الإمامة الكبرى، فتكون دعواهم في الإمامة من باب الكذب والتخرص فقط.

سادسا: أن عليا تولى باختيار المسلمين له،ليس بنص ولا بطلب منه وكذلك الحسن ولاه المسلمون الذين كانوا مع أبيه في العراق بعد مقتل علي رضي الله عنه ليس بنص ولا طلب منه، ثم تنازل عنها،فلو كان فيها نص لما احتاج الأمر إلى اختيار المسلمين ولا جاز للحسن التنازل عنها. وهذا من أقوى الأدلة عليهم لأنه لو كان إماما من قبل الله عز وجل لما جاز له التنازل كما لا يجوز لنبي أن يتنازل عن النبوة التي كلف بها.

سابعا: أن الروافض يزعمون الإمامة لاثنى عشر رجلا من آل البيت. ومن قرأ في كتب الروافض يراهم يختلفون عند موت كل واحد من أولئك إلى فرق كثيرة كل جماعة منهم تقول بإمامة من يهوون وهذا يدل على كذب ما يزعمونه من النص على أئمتهم.

ثامنا: إن الأدلة الدالة على استحقاق أبي بكر للخلافة بعد رسوله الله صلى الله عليه وسلم ظاهرة واضحة – وليس هذا مكان استقصائها – وإنما يكفي أن يذكر دليل واحد وهو استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر للإمامة في الصلاة في مرضه الذي مات فيه فبل موته عليه الصلاة والسلام، وهو كاف في الدلالة، لأن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولو كان عليا كما يزعم الروافض هو وصي رسوله الله صلى الله عليه وسلم لجعله إمام المسلمين في حياته فلما لم يجعله كذلك دل على كذب الروافض في دعواهم الإمامة وأن المستحق للخلافة هو أبو بكر رضي الله عنه.

تاسعا: إن كل ما يدعيه الروافض من الأدلة في استحقاق علي للإمامة إما أدلة عامة ليس لهم فيها دليل مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة55]

ص: 89

وإما أدلة فيها فضيلة لعلي رضي الله عنه وليس فيها دلالة على الخلافة وذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه" 1

فليس معناها إلا أنه من كنت محبوبه وواجب عليه نصرتي فعلي محبوبه وواجب عليه نصرته. وهو من جنس قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة71] لأن الولي في اللغة هو الناصر والمحب.

ومثلها حديث: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".2

فهذا فيه بيان أن يكون علي بمنزلة هارون لما استخلفه موسى على أهله وبني إسرائيل فعلي كذلك لأن هذا القول قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما استخلف عليا على المدينة في غزوة تبوك ولم يكن في المدينة إلا النساء والصبيان فخرج علي يبكي قال تخلفني على النساء والصبيان فطيب خاطره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فهذه فضيلة له وليس فيها دلالة على الإمامة المزعومة.

أما الرد عليهم في تكفير منكر الإمامة فمن عدة أوجه:

1 – أن الله كفر منكر نبوة أحد من الأنبياء ولم يرد دليل على كفر من أنكر الإمامة.

2 -

أن تكفير منكر الإمامة اعتداء وبغي،إذ ليس في القرآن ولا في السنة النص على إمامة علي رضي الله عنه فضلا عن أحد من أهل بيته وأبنائه فمن أنكرها فهو منكر لشيء لم يرد في الشرع له دليل صريح.

1 أخرجه الترمذي في كتاب المناقب 5/633 من حديث أبي الطفيل، وقال: حسن صحيح. وللحديث طرق أخرى كثيرة. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/330-344.

2 أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم 5/17، باب مناقب علي رضي الله عنه، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة 4/1870، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

ص: 90

3 -

أن تكفير منكر الإمامة فيه تكفير للأمة من أولها إلى آخرها سوى شرذمة قليلة من الروافض وهذا مؤد إلى إبطال الدين كله وما أدى إلى إبطال الدين فهو باطل.

4 – أن تكفير منكر الإمامة فيه تكفير للحسن بن علي الذي تنازل لمعاوية وتكفير الإمام وهو الحسن كتكفير نبي من الأنبياء عندهم فيكون تكفير منكر الإمامة باطل لأنه مؤد إلى تكفير الحسن.

5 -

أن تكفير منكر الإمامة فيه تكفير لمن أقر لمعاوية بالإمامة فيدخل فيه الحسن والحسين وسائر آل البيت ومن كان مع علي في العراق لأنهم اصطلحوا على إمامة معاوية وبايعوه فمن زعم كفر من أنكر الإمامة فقد كفر جميع هؤلاء ومنهم أئمة آل البيت وتكفيرهم كفر، فمن كفرهم فلا شك في كفره عند الروافض فهذا دليل ظاهر على بطلان دعوى الروافض في منكر الإمامة.

فيتبين من هذا كله كذب الروافض في دعاويهم التي ادعوها في الإمامة، وكذلك بغيهم وظلمهم في تكفيرهم المسلمين بتلك الدعاوى المكذوبة.

ص: 91

بيان بطلان قول الرافضة في الإمامة على التفصيل، والرد عليهم:

أ - دعوى الرافضة بأن الإمامة ركن من أركان الدين باطلة من عدة أوجه منها:

1 -

إن زعمهم أنها ركن من أركان الإسلام كذب منهم فلم يرد عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك، بل جميع رواياتهم في هذا إنما يروونها عن جعفر بن محمد بن علي الملقب بالصادق، وليس هو مشرع وليس لقوله اعتبار إلا في حالة موافقته لكلام الله عز وجل أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

2 -

إن رواياتهم عن جعفر الصادق مسلسلة بالمجاهيل،وهم يكذبون على آل البيت وينسبون إليهم ما لم يقولوه.

3 -

إن هذا القول مخالف لما ورد في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج".1

كما أنا إذا نظرنا في أركان الإسلام نجد أنها كلها عبادات محضة لله عز وجل إما عبادة بدنية كالصلاة والصيام أو عبادة مالية كالزكاة أو عبادة بدنية مالية كالحج، وليست الولاية من جنسها بل تتعلق بسياسة الأمة المسلمة وإدارة شؤونها وتنفيذ حدود الله عز وجل وأوامره التي تتعلق بولي الأمر، فهي وسيلة إلى الخير والعبادة وليست غاية مطلوبة بحد ذاتها مثل قائد الجيش أو مدير الإدارة، فالهدف من تنصيبه هو سياسة العمل الموكل إليه وإدارته وفق ما لديه من تعليمات.

4 -

إن كلامهم مضطرب وهكذا الباطل دائماً، فمرة جعلوا الأركان خمسة، ومرة ثلاثة، ومرة ستة، فهذا دليل الاضطراب والكذب.

5 -

زعمهم أن الإمامة أعظم أركان الإسلام، ثم زعمهم أنها منصب إلهي كالنبوة بمعنى أن الله هو الذي يختار الأئمة، فهذا من الباطل لأن فيه دلالة على أن

1 أخرجه البخاري في كتاب الإيمان 1/9 من عدة أوجه عن ابن عمر رضي الله عنهما، باب دعاؤكم إيمانكم، ومسلم في كتاب الإيمان 1/45، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.

ص: 92

الأنبياء غير كافين في تبليغ الدين وبيانه، فاحتاج الأمر عندهم إلى تنصيب الأئمة لإقامة الحجة على الناس، وذلك باطل يكذبهم ظاهر القرآن، فقد قال عز وجل:{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء165

فالأنبياء عليهم السلام مبلغون عن الله عز وجل ثم العلماء والدعاة يبلغون دعوة الأنبياء إلى الناس، فلا حاجة للأئمة المزعومين.

ب - أن الخليفة بعد رسوله الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب ثم الأئمة من آل البيت على ترتيبهم لديهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك.

هذه أهم دعاوى الروافض،وأهم ما يتميزون به وهو اعتقاد أن علياً هو وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويستدل الروافض لهذا بأدلة من القرآن والسنة منها:

1 -

قول الله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة55] .

وقالوا: إن المراد بـ {الَّذِينَ آمَنُوا} في الآية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أن الآية نزلت فيه حيث تصدق بخاتمه على مسكين وهو يصلي، وزعموا أن ذلك مروي في الصحاح الستة1.

واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة119] .

وزعموا أن المراد بـ "الصادقين" هنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه2.

ويستدلون من السنة بحديث غدير "خم" الذي ورد فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "من كنت مولاه فعلي مولاه".3

1 انظر حق اليقين في أصول الدين 1/262 لعبد الله شبر وهو من الرافضة.

2 انظر حق اليقين في أصول الدين 1/263.

3 سبق تخريجه ص90.

ص: 93

وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه قوله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء124] جمع من أهل بيته ثلاثين فأكلوا وشربوا ثم قال لهم: "من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون خليفتي، ويكون معي في الجنة" فقال علي: أنا.

ومنها حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج لغزوة تبوك خلف علياً على النساء والصبيان فقال: يا رسول الله أتخلفني على النساء والصبيان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"1.

هذه أهم أدلتهم من السنة على ما زعموا، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على أن الخليفة بعده هو علي ولهم أدلة أخرى أكثرها غير صحيحة.

الرد عليهم وبيان بطلان استدلالهم:

الروافض يستدلون بأدلة عامة ويكذبون في بيان وجه الاستدلال بها.

- فأما الآية الأولى وهي قوله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة55] .

فالرد على استدلالهم بها ما يلي:

1 -

أن الآية عامة فمن ناحية لفظها ليس فيها تخصيص لأحد.

2 -

أن سبب نزول الآية ذكر فيه العلماء ثلاثة أقوال:

فقيل: إنها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتبرأ من يهود بني قينقاع فقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنون، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، فأنزل الله هذه الآية2.

والقول الثاني: أن الآية عامة في كل من أسلم، وهذا قول ابن عباس والسدي وأبو جعفر محمد الباقر3.

1 انظر: المرجع السابق 1/275.

2 روي ذلك ابن جرير في تفسيره عن إسحاق بن يسار 6/288.

3 تفسير ابن جرير 6/288.

ص: 94

القول الثالث: أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث تصدق بخاتمه على مسكين وهو راكع، وروي ذلك عن مجاهد وعتبة بن أبي حكيم وغيرهم، إلا أن هذه الروايات لا يصح منها شيء، قال ابن كثير عنها:"وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف إسنادها وجهالة رجالها"1.

فهذه الأقوال تبين أن الآية ليست خاصة بعلي رضي الله عنه، وأن الروايات الواردة في أنها نزلت في علي ضعيفة، وكذلك يتبين كذب الرافضة حين يدعون أن الروايات واردة لدى أهل السنة في الصحاح الستة حيث لم ترد في أي من الصحاح.

3 -

أن حمل الآية على الخلافة غير صحيح لأن التولي من معانيه النصرة والتأييد والمحبة فحملها على الخلافة يحتاج إلى دليل خاص وليس عندهم دليل خاص.

أما الآية الثانية وهي قوله عز وجل: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة119] .

فالرد على استدلالهم بها:

1 -

أن الآية عامة فلا تعين أحداً بلفظها، وإنما فيها الأمر بأن يكون المسلم مع الصادقين، والآية من ضمن الآيات التي نزلت في شأن كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك، فأمرهم الله عز وجل بعد التوبة عليهم أن يتقوا الله ويكونوا مع الصادقين.

2 -

أنه ورد عن العلماء ثلاثة أقوال في الآية:

أولها: أن المراد بالصادقين رسوله الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبهذا قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

وثانيها: أن المقصود بذلك أبو بكر وعمر وأصحابهما رضي الله عنهم، وبهذا قال الضحاك2.

1 تفسير ابن كثير 2/67.

2 انظر: تفسير ابن كثير 2/363.

ص: 95

وثالثها: أن المقصود بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبهذا قال ابن عباس رضي الله عنه1.

وليس في هذه الأقوال تعارض ولا تنافي لأن كل هؤلاء من الصادقين الذين أمر المسلم بأن يكون معهم ويلزم طرائقهم في الصدق والاستقامة.

- أما استدلالهم من السنة فالحديث الأول وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "من كنت مولاه فعلي مولاه" فالرد عليهم هو أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الموالاة، والموالاة تأتي على معان منها المحبة والنصرة وهذا هو المقصود هنا فيكون معناه من كنت محبوبه وواجب عليه نصرتي فعلي أيضاً يجب أن يكون محبوبه وواجب عليه نصرته، فهذا غاية ما يدل عليه الحديث، وهو من جنس ما ذكر الله عز وجل عن المؤمنين في قوله:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة 71] ، أي يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الحديث الصحيح "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"2. فلا يكون الحديث دليلاً للرافضة على النص على ولاية علي رضي الله عنه.

وذكر البيهقي في كتابه "الاعتقاد" أن الحديث له سبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث علياً إلى اليمن كثرت الشكاة منه وأظهروا بغضه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه ويحثهم على محبته وموالاته وترك معاداته3.

والرافضة هنا يزيدون من عند أنفسهم أشياء حتى يوهموا الناس المعنى الذي يقصدون، فيذكر "عبد الله شبر" الرافضي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه في حجة الوداع {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة67] الآية، قام في غدير "خم" 4 ثم بعد أن ذكر ما ذكر في علي رضي الله عنه نزل عليه قوله تعالى: {الْيَوْمَ

1 الدر المنثور للسيوطي 4/316.

2 انظر: تفسير ابن كثير 2/336.

3 الاعتقاد للبيهقي ص 181. البداية والنهاية لابن كثير 7/317.

4 غدير خم: موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين، وقد مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق عودته من حجة الوداع. انظر: النهاية لابن الأثير 2/81.

ص: 96

أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة3] الآية، ثم زعم الرافضي أن حديث الموالاة مروي في البخاري1.

وهذا من افتراءات الروافض.

أما الآية الأولى قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} فلم يذكر أحد من العلماء أنها نزلت في الحج.

أما الآية الثانية وهي {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فبالاتفاق أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة كما روى ذلك البخاري ومسلم،وليس في غدير خم كما زعم الرافضي، فإن غدير خم مر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد عودته من الحج وهو في طريقه إلى المدينة.

ومن كذب الرافضي أنه ادعى أن الحديث في البخاري وهو غير صحيح وإنما هو مروي عند الترمذي والإمام أحمد ولم يروه البخاري ولا مسلم.

- أما الحديث الثاني فقد رواه الإمام أحمد بسنده عن شريك بن عبد الله عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي قال: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته ثلاثين

فأكلوا وشربوا قال: فقال لهم من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة وخليفتي في أهلي؟ فقال رجل لم يسمه شريك: أنت كنت بحراً من يقوم بهذا قال: ثم قال الآخر قال: فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي: أنا2.

هكذا روى الحديث الإمام أحمد في المسند وهو حديث ضعيف، فإن عباد

ابن عبد الله الأسدي قال عنه في التقريب: ضعيف.

وقال عن المنهال بن عمرو: صدوق ربما وهم.

أما الأعمش فهو مدلس وفد عنعن الحديث.

وشريك بن عبد الله صدوق يخطيء كثيراً وتغير حفظه منذ ولي القضاء.

1 انظر: حق اليقين في معرفة أصول الدين 1/274.

2 المسند 1/111.

ص: 97

فالحديث بهذا الإسناد ضعيف.

كما أن الحديث ليس فيه دليل على الخلافة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لما أمر بالجهر بالدعوة فكان يريد رجلاً من أهل بيته يضمن عنه أداء الحقوق إلى الناس ويرعى شؤون أهله لاحتمال أن يقتله المشركون إذا جهر بالدعوة فأراد عليه الصلاة والسلام أن يطمأن على إيصال الأمانات إلى أصحابها لأن قريشاً كانوا يأتمنونه على أموالهم1.

والرافضة حرفوا في الحديث حيث قالوا: "خليفتي" يوهمون الناس أن المقصود الخلافة ونص الرواية "خليفتي في أهلي" ومعناه يخلفني في أهلي يرعى شؤونهم.

كما أن في الحديث ما يشير إلى بطلانه وهو أن علياً كان عمره وقت الجهر بالدعوة ثلاث عشرة سنة لأنه كان حين أسلم له عشر سنوات والدعوة السرية ثلاث سنوات فيكون عمره ثلاث عشرة سنة وقت ذلك، فهل يعقل أن يتصدى لهذا الأمر غلام دون البلوغ ويعزف عنه كبار بني هاشم وبني عبد المطلب وفيهم مثل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه؟

أما الحديث الثالث وهو "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".

فالرد عليهم في استدلالهم به هو أن يقال:

ليس في الحديث دلالة على الخلافة لأن الحديث إنما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم تطييباً لخاطر علي رضي الله عنه وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج لغزوة تبوك خَلَّفَ علياً على المدينة، فخرج علي يبكي ويقول: أتخلفني على النساء والصبيان؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مطيباً لخاطره "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"،أي حين استخلف موسى أخاه هارون على قومه لما ذهب لموعده مع رب عز وجل، فالمراد هنا تشبيه الاستخلاف بالاستخلاف وقد كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلما خرج في سفر أو غزوة استخلف على المدينة وقد استخلف عبد الله بن أم مكتوم الأعمى وغيره من

1 انظر: البداية والنهاية 3/9.

ص: 98

الصحابة فلم يكن استخلافه لهؤلاء دليلاً على استحقاقهم للخلافة بعد موته عليه الصلاة والسلام1.

هذه أهم أدلتهم فيما يدعون من الوصية لعلي وعندهم روايات كثيرة مكذوبة وروايات أخرى وإن كانت صحيحة فإنها لا تدل على المعنى الذي يقصدون مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله" 2، يعني علياً، فهذا من فضائل علي رضي الله عنه وليس فيه دلالة على الخلافة.

أما من عدا علي رضي الله عنه من أئمتهم مثل الحسن والحسين ومن بعدهم فليس في ذلك شيء يصح البتة سوى الكذب من الروافض والبهتان، ومما يدل دلالة واضحة على كذب الروافض: أنه لم يتول ممن يدعون لهم الإمامة إلا علي رضي الله عنه ثم الحسن تولى قرابة ستة أشهر ثم تنازل لمعاوية رضي الله عنه، فلو كان عند الحسن بن علي رضي الله عنه نص من النبي صلى الله عليه وسلم في ولايته لكان مرتكباً لمحرم في تنازله ولكان آثماً في ذلك، وخاصة أنه كان معه أهل العراق وجنود أبيه كلهم كانوا معه في ذلك الوقت، ومع هذا تنازل رضي الله عنه وترك الأمر، وهذه منقبة عظيمة له وصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" 3، ويقصد في ذلك الحسن، وقد وقع مصداق ذلك بتنازله رضي الله عنه بالخلافة لمعاوية عام 41 من الهجرة.

ومما يبين كذب الروافض والشيعة عموماً في دعوى الإمامة،أنك إذا قرأت في كتب الفرق وخاصة كتبهم مثل كتاب فرق الشيعة للنوبختي وهو شيعي، تجد أنهم يختلفون بعد موت كل واحد من أئمتهم إلى فرق عديدة أي يختلفون في الذي بعده، وما ذلك إلا لأن دعواهم بالنص على أئمتهم كذب وافتراء، ولما مات الحسن العسكري وهو الإمام الحادي عشر لديهم ولم يكن له ولد تحيروا في هذا

1 منهاج السنة النبوية لابن تيمية 7/325.

2 أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة 4/1871، باب فضل علي رضي الله عنه، والترمذي في كتاب المناقب 5/638، باب مناقب علي رضي الله عنه.

3 صحيح البخاري مع الفتح 9/48.

ص: 99

الأمر لأن ذلك يعني انقطاع حبل الكذب عندهم فاخترعوا له ولداً وسموه محمد وزعموا أنه دخل السرداب وبقي فيه سبعين سنة ثم زعموا أنه اختفى وغاب غيبة لن يخرج منها إلا آخر الزمان فهل في العقول أسخف من تلك العقول التي تصدق بهذا الهراء والكذب.

والرافضة مع كذبهم وافتراءاتهم وتصديقهم للروايات المكذوبة يٌكَذِّبون بالحق ويردونه.

فهنا أدلة عديدة تدل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وخلافة عمر أيضاً يردها الروافض ويكذبون بها مع صراحتها وصحتها ووضوحها وأدلة أخرى تدل على مكانة أبي بكر رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد لعلي رضي الله عنه مثلها منها.

أن الله عز وجل قال {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة40] .

فهذه خصيصة لأبي بكر لا يشاركه فيها أحد وقد عاب الله عز وجل أهل الأرض كلهم لعدم نصرتهم لنبيه ولم يخرج من ذلك إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأثبت الله له في هذه الآية الصحبة وأن الله ثالثهم بمعيته وحفظه ولطفه ونصره.

وما أسخف قول الرافضي حين يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ أبا بكر معه لأنه كان خائفاً منه.

فهذا قول فاسد فإن الإنسان إذا خاف من شيء فإنه يفر منه، ولا يأخذه معه.

وهنا أدلة من السنة تدل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه دلالة واضحة منها:

1 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته "مروا أبا بكر فليصل بالناس"1.

ولما سمع صوت عمر يصلي بالناس قال عليه الصلاة والسلام "أين أبو بكر يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر"2.

1 أخرجه البخاري، الصحيح مع الفتح 1/113.

2 أخرجه أبو داود 2/266، والإمام أحمد في المسند 4/322.

ص: 100

فكان أبو بكر رضي الله عنه يصلي بالناس إلى أن توفي رسول الله فهذا فيه إشارة واضحة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رشحه لخلافته حيث كلفه بالقيام والإمامة في أعظم أركان الإسلام وهي الصلاة وقد كان علي أمام ناظري النبي صلى الله عليه وسلم،فلو كان على ما زعم الروافض من الوصية له بالخلافة لأنابه عنه في الصلاة، ولكنه لم يفعل لأن جميع ما يدعيه الرافضة من الوصية هي من باب الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.

2 -

وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: "أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فأمرها أن ترجع إليه فقالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك، قال أبي: كأنها تعني الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لم تجديني فأت أبا بكر" 1.

فهذا فيه إشارة واضحة إلى أن ولي الأمر بعده أبو بكر رضي الله عنه.

3 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً 2 أو ذنوبين وفي نزعه – والله يغفر له - ضعف ثم استحالت غرباً3 فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقرياً 4 من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن 5"6.

فهذا فيه إشارة واضحة لخلافة أبي بكر وخلافة عمر رضي الله عنهما.

4 -

عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"7.

1 أخرجه البخاري في الصحيح مع الفتح 5/5، ومسلم 4/1856.

2 الذنوب: الدلو المملوء ماءاً وفي الحديث إشارة إلى قصر ولاية أبي بكر وهي سنتان وقليل.

3 الغرب: هو الدلو العظيمة.

4 العبقري: السيد.

5 يعني أن الناس روو إبلهم وآووها إلى أماكن راحتها.

6 أخرج الحديث مسلم 4/1860.

7 أخرجه الترمذي 5/609، والإمام أحمد في المسند 5/385، 402، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة 3/233.

ص: 101

5 -

وروى سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك"1.

وهذا الذي كان فإن أبا بكر رضي الله عنه تولى سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال وكانت خلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنا عشرة سنة إلا اثنا عشرة يوماً وكانت خلافة علي رضي الله عنه خمس سنين إلا شهرين وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنه نحواً من ستة أشهر حتى نزل لمعاوية عام أربعين من الهجرة2، ومعاوية هو أول ملوك المسلمين.

فهذا فيه دلالة واضحة على خلافة الخلفاء الأربعة أو الخمسة وأنها كانت حق على الترتيب بخلاف دعوى الروافض من أن أبا بكر وعمر وعثمان اغتصبوا الخلافة من علي رضي الله عنهم جمعياً.

كما أن هنا أدلة كثيرة تدل على مكانة أبي بكر رضي الله عنه من رسوله الله صلى الله عليه وسلم يجحدها الروافض ويردونها أو يتعامون عنها منها:

1 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسوله الله صلى الله عليه وسلم:"إن أَمَنَّ الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام لا تبقين في المسجد خوخة 3 إلا خوخة أبي بكر".

ومن حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله عز وجل صاحبكم خليلاً".

2 -

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: بعثني رسوله الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة" قلت من الرجال؟ قال: "أبوها" قلت: ثم من؟ قال: "عمر" فعد رجالاً4.

1 أخرجه الترمذي 4/503، وأبو داود 2/564، وأحمد 5/220، 221.

2 انظر: البداية والنهاية 6/195.

3 الخوخة: هي الباب الصغير بين البيتين أو الجدارين وهي فتحات كانت مفتوحة من بيوت الصحابة يدخلون منها على مسجد رسول الله صلى عليه وسلم مباشرة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسدها كلها إلا خوخة أبي بكر.

4 أخرج هذه الأحاديث مسلم 4/1854-1856.

ص: 102

3 -

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه 1 قبل أن يرفع قال: فلم يرُعْني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إليه فإذا هو علي رضي الله عنه فترحم على عمر وقال: ما خَلَّفْتَ أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أن كنت أكثر ما أسمع رسوله الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبا بكر وعمر، ودخلت أنا وأبا بكر وعمر وخرجت أنا وأبا بكر وعمر، إن كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما"2.

4 -

وعن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية قال: "قلت لأبي - يعني أباه علياً رضي الله عنه أي الناس خير بعد رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين"3.

فهذه الأدلة وغيرها كثير فيها دلالة واضحة على كذب الروافض فيما ادعوا من مسألة الإمامة ورد عليهم فيما كذبوا فيه من إمامة أبي بكر رضي الله عنه أو فيما طعنوا فيه في أبي بكر رضي الله عنه وهي ظاهرة واضحة ولكن الهوى يعمي ويصم.

1 يقصد بذلك لما طعن عمر رضي الله عنه ومات فجاء الناس وهو على السرير قبل أن يحمل إلى قبره.

2 صحيح مسلم 4/1859.

3 أخرجه البخاري، الصحيح مع الفتح 7/20.

ص: 103